الرئيسية / سياسة / الحريري «يدعم» الخطيب.. ولكن.. ومخاوف من تكرار تجربة الصفدي

الحريري «يدعم» الخطيب.. ولكن.. ومخاوف من تكرار تجربة الصفدي

الأربعاء 04 كانون الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

لفحت الواقع السياسي مساء أمس موجة من التفاؤل باقتراب موعد التكليف والتأليف الحكوميين، إذ شاعت معلومات عن اتفاق حصل على ترشيح المهندس سمير الخطيب لرئاسة الحكومة الجديدة، دفعت الى التشكيك في صحتها مؤشرات الى وجود شياطين ما تزال كامنة في التفاصيل ومن شأنها أن تعيد الازمة الى مربعها الاول، خصوصاً انّ رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري العازف عن قبول التكليف تحدّث عن انه «لا تزال هناك بعض التفاصيل، وإن شاء الله خيراً». معلناً دعمه ترشيح الخطيب في «دردشة» وليس في بيان رسمي يطلبه منه الآخرون. في وقت سجّل نزول جديد لأنصاره ليلاً الى الشارع حيث قطعوا طرقاً في بيروت وبعض المناطق، الامر الذي فسّره خصوم الحريري بأنه «قطع طريق على الخطيب»، ما دفع البعض الى التخوّف من تكرار التجربة التي حصلت مع الوزير السابق محمد الصفدي، الذي ما ان شاعَ أنّ اتفاقاً تمّ على تولّيه رئاسة الحكومة، حتى تعرّض للاحراق بأكثر من أسلوب.

على نار حامية سارت مفاوضات الساعات الاخيرة لعملية تكليف رئيس الحكومة قبل الموعد المبدئي الذي حدده رئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة غداً الخميس، اذ سجلت الساعات القليلة المنصرمة اجتماعات مكوكية جرت على اكثر من خط، لاسيما منها اجتماع المرشح سمير الخطيب مع الوزير جبران باسيل في مقر وزارة الخارجية، وتوجّههما معاً للقاء رئيس الجمهورية بعد الظهر قبل إعلان باسيل موقفه من ميرنا شالوحي، والذي قال فيه صراحة انه لن يكون ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة، واستكملت المشاورات ليلاً في «بيت الوسط» في لقاء جمعَ الحريري والخليلين دام 35 دقيقة، ثم الحريري والخطيب مجدداً. وكشفت مصادر متابعة للمفاوضات لـ«الجمهورية» انّ اللقاءات تمحورت حول نقطة اساس هي دعم المرشح الخطيب وإعطاؤه الثقة، وشكل الحكومة و«جوجلة» معايير توزيع الحقائب وتسمية الوزراء.
وأكدت هذه المصادر انّ شكل الحكومة اصبح متفقاً عليه نهائياً بحيث تكون حكومة تكنو-سياسية من ٢٤ وزيراً، ستبقى وزارة المال فيها للطائفة الشيعية، ومن حصة الرئيس نبيه بري تحديداً، وتسمّي الاحزاب وزراء الدولة فيها، وفي ما يتعلّق بالاختصاصيين فيعيّنون كلّ حسب اختصاصه في الوزارة المناسبة. وقد تقرّر ترك بعض تفاصيل التركيبة الحكومية للرئيس المكلف، لأنّ المهم الآن هو إنجاز الاستشارات بغية تنفيس الاحتقان.
وقالت المصادر «انّ حظوظ هذه الحكومة اصبحت متقدمة، خصوصا بعد اعلان باسيل الخروج منها، وهذا كان شرط الحريري الأساس حتى تكون مقبولة لدى الشارع الذي كانت عودة باسيل ستستفزّه». وأضافت: «اذا كان الحريري قد اختار الخروج من الحكومة ليضمن خروج باسيل الذي ربط مصيره الحكومي به، فإنه، أي الحريري، أكد للمعنيين انه سيقدّم كل التسهيلات للإسراع في تشكيل حكومة يسمّي في عدادها وزراء تكنوقراط من دون سياسيين، ويدعمها في العمل الدقيق والجبّار الذي ستقوم به في هذه المرحلة الصعبة».

حكومة من 24 وزيراً وفق معادلة 18ـ 6
والى ذلك تحدثت معلومات عن انّ الحكومة التي ستتكوّن من 24 وزيراً سيكون بينهم 6 وزراء دولة من السياسيين، وقد حسمت بعض الأسماء ومنها: سليم جريصاتي، محمد فنيش وعلي حسن خليل، على ان يسمّي الحريري وزيراً سياسياً، الى وزيرين آخرين لتكتمل هذه المجموعة قبل الاتفاق على اسماء الوزراء الاختصاصيين الـ 18.
وعُلم انّ باسيل طرح على الخطيب استبدال حقيبة «الخارجية» بـ«الداخلية» لتكون من حصة «التيار الوطني الحر»، لكن لم يحصل اي تفاهم في هذا الصدد، على ان تبقى وزارة الدفاع من حصة رئيس الجمهورية.

أجوبة حريرية
وعلمت «الجمهورية» انّ «الخليلين» طلبا من الحريري، خلال اجتماعهما به، أجوبة عن امور عدة تتعلق بدعم الحكومة والمشاركة فيها والثقة بها، فجاءت ايجابية، واكد لهما صحة ما قاله في الدردشة مع الاعلاميين بعد لقائه مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، علماً انّ الخليلين أعادا التأكيد أمامه انه كان ولا يزال الخيار الاول لدى «الثنائي الشيعي» لتولّي رئاسة الحكومة، وانّ هذا الثنائي لا يزال يتمسّك به.
وكان الحريري قد دردشَ مع الصحافيين إثر لقائه مع جنبلاط الذي زاره مساء، يرافقه الوزير وائل أبو فاعور في حضور الوزير السابق غطاس خوري. وجرى عرض لآخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في البلاد.
وفيما رفض جنبلاط الإدلاء بأي تصريح، أوضح الحريري أنه «يدعم» ترشيح اسم المهندس سمير الخطيب لرئاسة الحكومة «ولكن لا تزال هناك بعض التفاصيل، وإن شاء الله خيراً، والجميع يسعى الى تجاوز هذه المرحلة الصعبة». واضاف أنه «لا يضع شروطاً، بل رئيس الحكومة هو من يشكّل حكومته». واشار الى انه «لن يشارك في الحكومة بشخصيات سياسية، بل باختصاصيين».
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التقى الخطيب في حضور باسيل، وقالت مصادر قريبة من الخطيب لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية تمنى الإسراع في التفاهم على التركيبة الحكومية. وأكدت «انّ البحث تقدم الى مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب، وهو ما يوحي بإمكان تحديد موعد قريب للإستشارات فور الإنتهاء من توزيع الحقائب.
ولاحقاً قال باسيل إثر اجتماع تكتل «لبنان القوي» انّ «موقفنا الاساسي ان تكون الحكومة مؤلفة من اختصاصيين ذوي خلفية سياسية بالاضافة الى أشخاص من الحراك، لكنّ هذا الطرح لم يتم التوافق عليه». واوضح انّ «تسمية رئيس الحكومة والمشاركة فيها والثقة مرتبطة بالنسبة الينا فقط بمعيار الانجاز والعمل والنجاح، وهذا هو موقفنا الحقيقي». وشدد باسيل على انّ «نجاح الحكومة هو اهم من وجودنا فيها»، وقال: «اذا رأى البعض اننا يجب ان نبقى في السياسة السابقة التي كنّا ضدها فبكل بساطة لن نشارك فيها، فوجودنا في الحكومة ثانوي أمام توافر شروط النجاح في تحقيق الانجازات». واضاف: «نحن لا نعرقل بل نسهّل حتى إلغاء الذات لتشكيل حكومة وانقاذ البلاد».

مخالف للدستور
وكان جنبلاط قال إثر زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة نهاراً: «لستُ أنا من يرشّح سمير الخطيب، وكل ما يحصل مخالف للدستور، ويجب أن تتم الاستشارات النيابية بحسب الأصول قبل التسمية». وأشار الى انه يزور بري «للتأكيد على العلاقة التاريخية والصداقة معه، ولكي لا يفسّر الانقطاع بالخلاف السياسي».

المُستثنون من المشاورات
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انه بعد عودة جنبلاط الى مسار التكليف والتأليف، سيكون من مهمة الرئيس المكلف الإتصال لاحقاً ببقية الأحزاب التي استثنيت من المشاورات الجارية، ولاسيما منها احزاب الكتائب و«القوات اللبنانية» والحزب «السوري القومي الإجتماعي» وتيار «المردة» للوقوف على آرائهم في التشكيلة الحكومية.

«القوات»
من جهتها سألت مصادر «القوات اللبنانية» عبر «الجمهورية»: من قال انّ الشعب اللبناني يريد حكومة «كيف ما كان»؟ من قال انّ الانفراج في الوضع الاقتصادي والسياسي يكون من خلال تشكيل حكومة «مِن قَريبو»؟ من قال انّ استعادة الثقة لدى الداخل والخارج تكون من خلال الاعلان عن تكليف وتأليف وكأنّ البلاد في زمن طبيعي وفي أوقات طبيعية؟». وقالت: «ما لا يدركه بعض من في السلطة انّ البلاد اصبحت نتيجة ممارساتهم وسياساتهم في زمن موبوء مالياً واقتصادياً وفي وضعية كارثية غير مسبوقة تاريخياً.

وبالتالي، امام هذه الحالة الرأي العام اللبناني لا ينتظر حكومة «كيف ما كان»، حكومة فقط من اجل الحكومة، وكأنّ هنالك من يريد تصوير الوصول الى حكومة وكأنه إنجاز، انه ليس انجازاً، ما يريدون تصويره هو حكومة نسخة طبق الاصل عن حكومات سابقة كالتي أوصلت البلد الى الكارثة والانهيار. ما ينتظره الشعب اللبناني هو حكومة قادرة على اخراج لبنان من هذه الازمة التي انزلقت اليها البلاد بفِعل سياسات أكثرية حاكمة. ما يريده الشعب اللبناني هو حكومة تكون قادرة على اخراج لبنان من كبوته وقيادة مشروع انقاذي خلاصي نحو شاطئ الامان المالي والاقتصادي، وما يجب ان يدركه هؤلاء انّ تمسّكهم بمواقعهم وبنفوذهم وسلطتهم أصبح مادة قديمة لم تعد قادرة على اخراج لبنان من الوضع الذي هو فيه، ما يريده اللبناني اليوم هو تشكيل حكومة قادرة على استرجاع ثقة الداخل والخارج وان تتمكّن في أسابيع قليلة من إعادة ضَخ مليارات من الدولارات في شرايين الوضع المالي والاقتصادي من اجل استعادة ثقة مفقودة نتيجة ممارسات ميؤوس منها بفِعل ما وصلت اليه البلاد. وبالتالي، كل الافكار التي يتكلمون عنها لن تؤدي الى اي نتيجة».

ورأت المصادر «أنّ الوضع الراهن في البلد لا يقوم الّا بحكومة اختصاصيين، إنّ الكلام عن تكنو-سياسية وحكومة وحدة وطنية لن يؤدي الغرض المطلوب، فإذا تم التكليف لن يُصار الى التأليف. واذا حصل التأليف ستسقط الحكومة في الشارع نتيجة الاوضاع الاقتصادية المأسوية، ولأنها لم تتمكن من قيادة الوضع الانقاذي بفِعل غياب ثقة الداخل والخارج. وبالتالي، الحكومات السياسية والتكنوسياسية التي يُحكى عنها هي حكومات لا علاقة لها بالمرحلة الحالية ولا تنتمي الى اللحظة السياسية الحاكمة، وهي حكومات بعيدة عن الواقع المعيشي وكأنّ هنالك فعلاً فئة سياسية أو أكثرية حاكمة موجودة في القمر وتعتبر انه لا يوجد اختصاصيون الّا فيه، ولكن في الحقيقة والواقع انها تعيش في القمر بعيداً عن الحقيقة والواقع التي تعيش فيه البلاد».

الأزمة الاقتصادية
برزت امس مسألة الاجراءات التي قد يبدأ تنفيذها عقب اجتماع بعبدا المالي. وأعطى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خلال اجتماعه الدوري مع جمعية المصارف، إشارة الانطلاق للبدء في خفض بنية الفوائد، ووعد بإصدار تعميم في وقت وشيك، ينظّم هذا الخفض، ويحدّد نسبه. ويؤمل في ان يؤدي هذا الإجراء الى تشجيع بعض المقترضين، على سداد قسم من ديونهم للمصارف. كذلك يهدف هذا الإجراء في المقام الاول، الى فَرملة نمو كتلة الديون المشكوك في تحصيلها، والتي تهدّد استقرار القطاع المصرفي في حال استمرت في الوتيرة السريعة التي سلكتها في الفترة الأخيرة.
وفي السياق، نشرت وكالة «بلومبرغ» العالمية، تقريراً عن الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، إعتبرت فيه انه لا بد من الاستعانة بصندوق النقد الدولي، بعد تشكيل حكومة جديدة، لتحاشي الانهيار الشامل، وحماية القطاع المصرفي اللبناني.
واستناداً الى خبراء اقتصاديين تحدثت اليهم الوكالة، كان هناك توافق على ضرورة إعادة جدولة الدين العام اللبناني، وعلى انّ البلد أمام سيناريوهَين. في السيناريو الاول، يتم تشكيل حكومة في الايام المقبلة، ويمكن أن تبدأ عملية الانقاذ الصعبة. وفي السيناريو الثاني، يستمر الوضع بلا حكومة، وسيواجه لبنان الإفلاس قبل آذار المقبل.

شينكر
وعلى صعيد المواقف الدولية، برز أمس موقف أميركي جديد بعد موقف وزير الخارجية مايك بومبيو، إذ قال مساعده لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر إنّ التظاهرات في العراق ولبنان «تتقاسم المطالب نفسها». وقال لـ«سكاي نيوز عربية» انّ المتظاهرين في العراق ولبنان خرجوا ضد حكومتيهما وضد التدخل الإيراني في شؤون البلدين. وأشار إلى أنّ العقوبات التي فرضت على إيران «كانت فعالة جداً، وإيرادات النفط انخفضت تماماً»، مشدداً على أنّ واشنطن تدعم مطالب المتظاهرين في العراق ولبنان.

الجمهورية