الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / صيد النيازك في المغرب.. رحلات شاقة للبحث عن «هدايا السماء»

صيد النيازك في المغرب.. رحلات شاقة للبحث عن «هدايا السماء»

مجلة وفاء wafaamagazine

قد يُثير خبر اختراق كرة نارية الغلاف الجوي وارتطامها بسطح الأرض على مقربة من قرية ما بجنوب المغرب هَلعاً لدى البعض، بيد أنه يمثّل فرصة لا تعوّض للمنقّبين عن النيازك للحصول على قطعة نيزك نادرة قد تُباع بسعر خيالي.

شهدت المناطق الصحراوية في المغرب سقوط نيازك كثيرة من الفضاء خلال السنوات الأخيرة، مما جعلها تحظى باهتمام كبير من قبل الباحثين والجامعات ووسائل الإعلام.
وتمثّل هذه القطع كنوزاً فريدة بالنسبة لـ»صائدي النيازك»، الذين يشدّون رحالهم نحو الجنوب الشرقي للمملكة، محمّلين بمؤونتهم وبخيام وأدوات للتنقيب، في رحلة للبحث عن صيد ثمين جادت به السماء، قبل بَيعه لأحد معاهد البحوث أو المتاحف العالمية مقابل مبالغ قد تصل إلى عشرات آلاف الدولارات.


ويعيش عدد من السكان المحليين في جنوب المملكة على تجارة النيازك، حيث تتباين أسعار الحجر النيزكي الوافد من الفضاء تِبعاً لمكوناته ونوعيته، ويتراوح عموما بين 500 و1000 دولار للغرام الواحد.


وفي سنة 2008، انطلقت رحلة الشاب المغربي مولود بالشيخ في عالم النيازك، عندما كان يشتغل مرشداً مرافقاً للبعثات الأجنبية الوافدة من أجل البحث عن شظايا نيازك متناثرة في مواقع جنوبي المملكة، بحكم معرفته الواسعة بتضاريس المنطقة.


وعلى مدى 3 سنوات، اكتسب بالشيخ خبرة واسعة، مَكّنته من الإلمام بالقيمة العلمية والمادية المهمة للنيازك، مما دفعه للتنقيب عنها وتكريس وقته لذلك، ليصبح بدوره «صائد نيازك».


ويتذكر بالشيخ، في حديثه مع موقع «سكاي نيوز عربية»، أول صيد له في سنة 2011، حينما انتقل على وجه السرعة إلى مدينة طاطا بمجرد شيوع خبر سقوط نيزك «تيسينت»، الذي ذاعَ صيته عالمياً، ليدشّن تجربة فريدة من نوعها تحولت مع مرور السنين إلى شغف بهذا الميدان.


ويقول: «التنقيب عن النيازك يُعدّ مغامرة محفوفة بمخاطر كثيرة، لعل أبرزها العوامل المناخية القاسية في المناطق الصحراوية، إلى جانب احتوائها على بعض الألغام».


ومع ذلك فإنّ شغف بالشيخ العارِم باستكشاف عالم النيازك دَفعه لرفع التحدي، ومواصلة هوايته المفضلة في جمع هبات السماء.


ويؤكد بالشيخ أن التنقيب عن النيازك «وَفّر له دخلاً مادياً محترماً، مَكّنه من تحسين وضعه الاجتماعي، مع تخصيص جزء منه لإقتناء معدات للتنقيب».


كما لا يخفي رغبته في تحقيق حلم ظل يراوده منذ سنوات، بإنشاء متحف للنيازك يستقبل زواراً من مختلف أرجاء العالم، ومن أجل ذلك يحرص على عدم عرض جميع النيازك التي يحصل عليها للبيع، مؤكداً أنه يحتفظ بأكثر من 100 قطعة.


ويكشف الشاب المغربي أنّ نيزك «بلاك بيوتي» الذي عثر عليه بمنطقة بئر أنزران (جنوب)، يُعدّ القطعة الأغلى التي باعها منذ بدأ مشواره في التنقيب قبل أكثر من 14 عاماً، حيث بلغ سعره حوالى 480 ألف درهم مغربي (أكثر من 48 ألف دولار).


ويقول بالشيخ إنّ المغرب يصنّف ضمن البلدان الأولى عالمياً في عدد النيازك التي تم العثور عليها على الأرض، مشيراً إلى أنّ تضاريسه وصحراءه الشاسعة تسمح بالتنقيب عن النيازك، سواء المرئية التي عايَن أشخاص اختراقها للمجال الجوي قبل سقوطها، أو تلك التي سقطت على الأرض في أزمنة بعيدة.


قصة بالشيخ والنيازك لا تنتهي عند التنقيب أو البيع، حيث قاده وَلعه بالصخور القادمة من الفضاء إلى إنشاء جمعية أطلق عليها اسم «هدايا السماء للشهب والنيازك السمارة».


ويوضح أنّ من بين أهداف الجمعية، «المساهمة في تعميم ثقافة النيازك بين مختلف شرائح المجتمع، ونشر الوعي بأهميتها في مجال البحث العلمي».


كما تهدف الجمعية أيضاً إلى «مساعدة صائدي النيازك على اكتساب خبرة تتيح لهم التمييز بين مختلف أنواع هذه القطع الصخرية الوافدة على الأرض، وإغناء درايتهم بالنسبة الى ما يتعلق بأصناف النيازك وأنواعها، ومنحها التقييم الذي تستحقه».


ويضيف المتحدث أنّ الجمعية تعمل على عقد شراكات مع جمعيات أخرى من المغرب وخارجه، لتنسيق الجهود وتَبادل الخبرات والمعلومات وتنفيذ مشاريع وأنشطة مشتركة.


ويلفت إلى أنّ «تسويق الأحجار النيزكية يخضع لمقتضيات قانونية صارمة، ويسمح بتصديرها خارج أرض المغرب بترخيص من وزارة الطاقة والمعادن بعد معاينتها وتحديد قيمتها وصنفها، مما ساهَم في الحد من تهريب النيازك إلى الخارج».


متحف لحفظ النيازك
يلقّب الجيولوجيون المغرب بـ»جنة النيازك»، وللحفاظ على هذا الموروث الجيولوجي تَمّ في جامعة «ابن زهر» في مدينة أكادير جنوبي المملكة، تخصيص «متحف جامعي للنيازك»، الذي يعتبر أول متحف عربي وإفريقي للنيازك.


ويقول رئيس المتحف الجامعي للنيازك، عبد الرحمن إبهي، لموقع «سكاي نيوز عربية»، إن «الهدف من إحداث هذا المتحف هو الحفاظ على الأحجار النيزكية التي اشتهر بها المغرب، والتي استقر المقام بجزء كبير منها في متاحف عالمية».


ويشير إبهي إلى أنّ هذا المتحف «يسعى كذلك إلى الإسهام في تطوير البحث العلمي في هذا المجال بين أوساط طلبة جامعة ابن زهر والمهتمين بهذا المجال، وإلى استقبال الزوار الشغوفين بأسرار الفضاء».


ويلفت الخبير في النيازك إلى أن المغرب «يتصدر قائمة الدول المصدرة للنيازك»، مؤكدا أن أكثر من نصف المقالات العلمية حول الأحجار النيزكية في العالم، اهتمّت بالنيازك في المغرب، «ما يُبرز مكانة المملكة المهمة في هذا المجال».


ويوضح أن «عدد الباحثين عن النيازك في المغرب تضاعفَ مقارنة بالأعوام السابقة وأصبح يقدّر بالعشرات، مما ساهَم في خلق مناصب شغل وتحسين دخل عدد من الأسَر جنوبي المملكة».


في إحدى ليالي شهر تموز 2011، عايَن سكان قرية تيسينت بمدينة طاطا جنوبي المغرب، سقوط نيزك تبيّن فيما بعد أنه قادم من المريخ، وقدّم معلومات ساهمت في فهم بعض أسرار الكوكب الأحمر.


ويقول إبهي، إن نيزك «تيسينت» الذي يعود مصدره إلى كوكب المريخ، «يعتبر من أهم وأغلى النيازك في العالم، وقد ساهمَ في تزويد علماء الفضاء بمعطيات ثمينة عن المريخ، الذي لم يستطع الإنسان الوصول إليه حتى اليوم، مما أكسَب نيزك تيسنت قيمة علمية بالغة الأهمية، وكتبت عنه مئات المقالات العلمية عبر العالم».


كما يعتبر أنّ هذا النيزك الذي سقط في المغرب وحمل اسم قرية «تيسينت»، «ساهم في تعزيز مكانة المملكة في هذا المجال، حيث بدأ توافد الباحثين للتنقيب عن النيازك يتضاعف مباشرة بعد ذلك».


واستناداً إلى الأبحاث التي أنجزها رئيس «المتحف الجامعي للنيازك» بموقع سقوط نيزك «تيسينت»، فقد قدّر إبهي وزنه بحوالى 17 كلغ، حيث لم يتبق منه داخل المغرب سوى قطعة صغيرة فقط، بعد أن بيعت أجزاء من هذه الثروة النفيسة بأثمنة زهيدة لا تعادل قيمتها الحقيقية، فيما بلغت أسعارها خارج المغرب أرقاماً خيالية.


ويرى إبهي أن الحفاظ على هذه الثروة الجيولوجية «يستوجب إنشاء متحف وطني يضم جميع النيازك التي تم العثور عليها في المغرب، وتسجيلها وتدوينها في مؤلفات خاصة».


كما دعا إلى «تشجيع البحث العلمي وإدماج علم الفلك والنيازك ضمن المناهج التعليمية والمقررات التعليمية لمختلف الأقسام».