مجلة وفاء wafaamagazine
في الوقت الذي استبعد فيه البيت الأبيض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إضافة إلى زعيمَي كلٍّ من كوبا ونيكاراغوا، عن «قمة الأميركيّتَين» التي استضافتها الولايات المتحدة للمرّة الأولى منذ ثلاثين عاماً، كان مادورو قد بدأ جولة خارجية إلى دول آسيوية حليفة. جولةٌ حملت في طيّاتها رسائل مهمّة إلى واشنطن بالدرجة الأولى، فيما رسمت معالم نقْلة نوعية في العلاقات ما بين فنزويلا وكلٍّ من الدول التي استضافت مادورو
أسبوع حافلٌ للدبلوماسية الفنزويلية، حطّت خلاله طائرة الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في كلٍّ من تركيا والجزائر وإيران، في جولة أراد مادورو من خلالها إيصال رسالة إلى العالم مفادها أن «فنزويلا ممتنّة لحلفائها الذين ساندوها خلال أزمتها والتصعيد الأميركي ضدّها». ووفق محلّلين لاتينيّين، فإن هذه الجولة هي الأولى من نوعها منذ آخر جولة قام بها الرئيس الفنزويلي عام 2015 وشملت الدول عينها، وكانت تهدف وقتذاك إلى «التحضير للفترات العصيبة التي ستمرّ بها فنزويلا مستقبلاً». ولا يمكن فصل جولة مادورو عن سياق قمّة الأميركيّتَين التي كانت تُعقد في هذه الأثناء، والتي أظهرت معالمها «ضعف وتصدّع» هذا الحدث الذي استبعد فيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، قادة كلٍّ من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، وهو الأمر الذي أدى إلى مقاطعة الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيس أوبرادور، والرئيس البوليفي، لويس آرسي، القمة، كما الحال بالنسبة إلى كلٍ من رؤساء غواتيمالا وهندوراس والسلفادور. وفي مقالٍ نُشر على موقع «voice of america» بالإسبانية، فإن غياب العديد من الشخصيات المرموقة «كان بمثابة نكسة منذ بداية القمة». أمّا بالنسبة إلى جولة مادورو الخارجية والهدف منها، فنقل الموقع عن الباحث السياسي، أندرسون سيكيرا، مدير شركة الاستشارات «Politiks»، قوله إن هذه الجولة «ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالغزو الروسي لأوكرانيا، ومحاولة رفع العقوبات الأميركية عن فنزويلا». ورأى الباحث أن مادورو أراد إرسال «رسالة قوية»، تتمحور حول «من هم حلفاؤه الحقيقيون، فضلاً عن كونهم آلية تعويض… إذا تمّ إغلاق منبر الأميركيّتَين، فسوف نجد منابر أخرى بالأهمية نفسها على الجانب الآخر من العالم”. وختم أندرسون بأن «الهدف الآخر لمادورو هو تحسين وضعه على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة».
ولا شكّ في أن المحطّة الأهم لمادورو، كانت إيران، التي تٌعدّ حليفاً وثيقاً لفنزويلا، تعزّزت العلاقات معه في السنوات القليلة الماضية في ظلّ الحصار الغربي على كلا البلدَين. وتَرجمت طهران وكاراكاس تطوّر هذه الروابط باتفاقية «تعاون استراتيجي لمدّة 20 عاماً»، وقّعها مادورو ونظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، أوّل من أمس، حيث نُظر إليها على أنها نقلة تاريخية واستراتيجية في علاقات الدولتَين.
حملت جولة مادورو في طيّاتها رسائل مهمّة إلى واشنطن
وخلال مؤتمر صحافي مشترك، قال رئيسي إن توقيع الاتفاق «يُظهر تصميم المسؤولين الكبار في البلدين على تنمية العلاقات في مختلف المجالات»، لافتاً إلى أن إيران وفنزويلا تتشاركان التجربة في مواجهة العقوبات الاقتصادية الأميركية. وأشار الرئيس الإيراني إلى أن «فنزويلا تخطّت أعواماً صعبة، لكن تصميم الشعب والمسؤولين والرئيس في البلاد كان على وجوب مقاومة العقوبات»، معتبراً أن «هذه إشارة جيدة تثبت للجميع أن المقاومة (للعقوبات) سترغم العدو على التراجع». من جهته، قال الرئيس الفنزويلي إن «لدينا مشاريع تعاون مهمة: الطاقة، النفط، الغاز، المصافي، البتروكيماويات»، مضيفاً إن البلدين يعملان أيضاً «على مشاريع دفاعية»، من دون تفاصيل. وبعد لقائه رئيسي، التقى مادورو المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي شدّد على أن «المقاومة» هي السبيل الأمثل لمواجهة الحرب الأميركية المركّبة. ورأى خامنئي أن «تجربة إيران وفنزويلا الناجحة أثبتت أن الصمود والمقاومة يشكّلان السبيل الوحيد لمواجهة الضغوط»، مشيراً إلى أن «النظرة الأميركية لفنزويلا تتغيّر مع التغيّر العالمي الحاصل والنظرة إلى المستقبل». ورحّب المرشد الإيراني باتفاق التعاون، داعياً إلى جعل العلاقات بين البلدين «أقوى». وعلى طريق تعزيز التعاون، كشف مادورو عن انطلاق رحلات جوية مباشرة اعتباراً من 18 تموز، وذلك بهدف «تشجيع السياحة والاتحاد بين الدولتين»، فيما نوّه رئيسي، بدوره، بأهمية هذه الرحلات، معتبراً أنها قد تمهّد لتعزيز «العلاقات التجارية والاقتصادية». كذلك، سلّمت إيران ناقلة نفطٍ من طراز «أفراماكس» بنتها شركة «صدرا» الإيرانية، هي الثانية من نوعها إلى فنزويلا، في إطار عقد مع طهران ستحصل بموجبه فنزويلا على أربع ناقلات نفط إيرانية الصنع. وتأتي زيارة مادورو لإيران بدعوة من رئيسي، بعد أسابيع من زيارة قام بها وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، إلى كاراكاس التي تمتلك أكبر احتياطيات مثبتة من النفط الخام في العالم، حيث التقى مادورو.
أمّا في تركيا، فالتقى مادورو نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، إضافة إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي كان قد وصل إلى العاصمة أنقرة بعد ساعاتٍ من وصول الأول. وفي مؤتمر صحافي مشترك بين الرئيسين، قال إردوغان إن «هناك إمكانات تعاون واسعة بين فنزويلا وتركيا»، مضيفاً إن «الاقتصادَين يكمّلان بعضهما البعض». ووفق الرئيس التركي، فإن من المرجح أن تصل التجارة بين البلدين إلى مليار دولار هذا العام، على أن تستهدف 3 مليارات دولار سنوياً في أقرب وقت ممكن، بعدما وصلت إلى 850 مليون دولار في عام 2021. كذلك، أبدى إردوغان، الذي وصف فنزويلا بأنها «دولة صديقة»، معارضته لـ«العقوبات المفروضة على كاراكاس»، مؤكداً أن تركيا ستقف إلى جانبها من الآن فصاعداً. من جانبه، دعا مادورو المستثمرين الأتراك إلى ضخّ استثماراتهم في مجالات السياحة والتعدين والصناعة والخدمات اللوجستية والبنوك والنفط والذهب والفحم في فنزويلا، وطمأنهم إلى وجود جميع الضمانات القانونية والسياسية. وكانت تركيا قد رفضت الانخراط في سياسة الضغوط الأميركية على فنزويلا، على الرغم من كون الأولى عضواً في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو). كما أنها لم تعترف بخوان غوايدو «رئيساً مؤقتاً» للبلاد، ودانت المحاولة الانقلابية على مادورو عام 2018.
وبعد تركيا، زار مادورو الجزائر، حيث التقى نظيره عبد المجيد تبون، وقرّرا إعادة إطلاق اللجنة المشتركة الرفيعة المستوى لتنفيذ أجندة عمل ثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية. وأعلن تبّون أنهما اتفقا على فتح خطّ جوي، بدءاً من تموز المقبل، بين الجزائر العاصمة وكاراكاس، فيما أكد مادورو أن المحادثات «تمثل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، نحو الاتحاد والازدهار المشترك».
الأخبار