مجلة وفاء wafaamagazine
«لا أعرف كيف سأصبح عندما أكبر وماذا سيحدث ويجري… أحلامي كثيرة وكبيرة. لكن أهم أحلامي هو إعادة تمثيل كل مسرحيات والدي الذي كان يقول لي دائماً: أنا لم أتعلم لكني سأعلمك حتى تكون أفضل وأحسن مني». جملة كان يرددها دائماً الفنان خضر علاء الدين الذي غيبه الموت أمس على إثر نوبة قلبية مفاجئة. هكذا، التحق «شوشو الصغير» ـــ لقبه المفضل والأحب إلى قلبه ـــ بـ«شوشو الكبير» أحد كبار فناني «بلدنا».
منذ طفولته، حرص خضر علاء الدين على حضور مسرح والده لمشاهدة أعماله التي كانت تنبض بالحياة والفرح والتصفيق والهتاف، فأصبح ضيفاً دائماً على المسرح، وحفظ حوارات المسرحيات عن ظهر قلب. وضمن هذا الإطار، يستذكر الكاتب فارس يواكيم الذي كتب أبرز مسرحيات شوشو الأب، أنه عندما مرض أحد الممثلين، وقف الطفل خضر على الخشبة وأدى دوره بكل اقتدار.
بدايته الفنية كانت في مسلسل «سامي بين الكبار» (كتابة مروان نجار ـــ إخراج نقولا أبو سمح) عام 1978، إلا أن حضوره الفعلي كان في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما قرر إعادة تقديم مسرحية «آخ يا بلدنا» التي أراد من خلالها تكريم جمهور شوشو الأب. ولهذا تركها كما هي من دون إجراء أي تعديلات، بخاصة أنّ مضمونها في الأساس كان يصلح لكل زمان ومكان. وقد كتب يومها على ملصق المسرحية: تكريماً لشوشو.
بعد النجاح الشعبي الكبير للمسرحية، واصل خضر الاستثمار في شخصية والده، فقدم مسرحية «كرمبول» (كتابة فارس يواكيم ـــ إخراج روجيه عساف) التي لم تكن من ريبرتوار شوشو الأب إلا أنه تقمص شخصيته فيها. ثم كانت مسرحية «جوا وبرا» حيث واصل في الغطس في شخصية والده.
عمله المسرحي الأول خارج نطاق والده كان مسرحية «ديوس ع اتنين» (كتابة هنري زغيب ــ إخراج موريس معلوف) المقتبسة عن مسرحية «خادم السيدين» للكاتب الإيطالي كارلو غولدوني. هنا أراد خضر علاء الدين بناء شخصية متكاملة بعيداً عن شوشو، فجاءت شخصية «ديوس»، الفتى الفقير الماكر صاحب المواقف الطريفة الذي يعمل كمرافق لرجل غني. ولكنّ المسرحية لم تحمل النهايات المرجوة لخضر، إذ بدا كأنه يسبح عكس التيار ووئدت الشخصية الوليدة في مهدها.
وصية والده كانت تتردد دائماً في أحاديثه: «أنا لم أتعلم لكني سأعلمك حتى تكون أفضل وأحسن مني»، لكنه في الوقت نفسه كان يقول: «لا أعتقد بأنني سأكون أفضل منه لأنّ أحسن من بابا شوشو … ما في». لعلّ هذه الجملة تلخّص أيضاً الدوامة الفنية التي حصر خضر نفسه بها ومراوحته الدائرة نفسها من تجسيد مستمر لشخصية والده على المسرح وفي الحياة.
جسّد خضر دوماً عذابات الفنان اللبناني وكان نموذجاً حياً لها. في أحد لقاءاته عندما أراد تبرير إعادة مسرحيات والده، اعتبر أنه لم يكن يملك المال لتشكيل فريق عمل المسرحية وما تتطلّبه من نص وإخراج. وقد سبق أن حاول التعاون مع جده الكبير الفنان محمد شامل في مسرحية «زمن عزيزي الهواش»، لكنّ الظروف المادية حالت دون ذلك، فكانت النتيجة الذهاب إلى الخيار الأسهل أي إعادة مسرحيات الوالد.
هاجس تكريم شوشو دائماً كان ماثلاً أمام خضر، فشوشو الأب بالنسبة إلى خضر، كان الفنان اللبناني الوحيد الذي لم يُعط حقه أبداً وكل الوعود بتكريمه ظلت حبيسة الأدراج. تلك الفكرة الهاجس كانت الجذوة التي أشعلت وأطفأت في الوقت نفسه مسيرة فنان امتلك الموهبة، ولكنّ الظروف الفنية والحياتية والمعيشية عاكسته، بالإضافة إلى العامل الأهم وهو «سجن التقليد».