مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الديار”
وصل الوسيط الأميركي بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عاموس هوكشتاين إلى بيروت أمس البارحة في زيارة تستمر يومين للقاء المسؤولين اللبنانيين حول ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي. وكانت السفيرة الأميركية في إستقباله في المطار وتوجّه من بعدها مباشرة إلى مقر الأمن العام للقاء اللواء عباس إبراهيم. ومن ثم توجّه إلى وزارة الطاقة حيث إلتقى الوزير وليد فياض.
وقبيل وصول هوكشتاين إلى بيروت، صرّح مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز أن “المبعوث الأميركي سيعرض إقتراحًا إسرائيليًا جديدًا بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان”، مُضيفًا “مقترحنا الجديد يسمح للبنان باستخراج الغاز من المنطقة، مع الحفاظ على حقوقنا”.
بعض المحلّلين السياسيين قالوا إن هذه المرحلة من المفاوضات هي الأخطر خصوصًا أنها تأتي على أبواب انتخابات رئاسية وفي ظلّ مجموعة أزمات داخلية مثل أزمة المطران موسى الحاج، وحادثة رميش وأزمة السفينة لوديسيا التي تحمل قمحّ عليه خلاف روسي – أوكراني والتي ترسي في مرفأ طرابلس.
الطرح الذي يحمله هوكشتاين بحسب التقديرات يدور حول الخطّ 23 وإمكانية تعديله (متعرّج بدل أن يكون مُستقيم) بما يضمن المصالح الإسرائيلية ويوافق عليه لبنان. وتقول المعلومات أن هوكشتاين يحمل طرحًا ينصّ على المحافظة على الخط 23 بصيغته الحالية (أي أن إسرائيل تحتفظ بحقّها في حقل قانا) على أن تسمح للدولة اللبنانية ببدء التنقيب على الغاز في هذا الحقل ويؤجّل موضوع البت بالحدود إلى موعدٍ أخر. هذه الصيغة التي من المستبعد أن يقبلها لبنان الرسمي – إلا إذا مورست عليه ضغوطات هائلة – يُلاقيها موقف المقاومة التي لن ترضى بأقل من حقل قانا. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الفيديو الذي بثّه الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان، هو رسالة إستباقية تستهدف هوكشتاين كما الداخل اللبناني ومفادها أن المقاومة لن ترضى بأقلّ من حق لبنان. وبحسب قناة الميادين، فإن المشاهد الموجودة في الفيديو والتي أظهرت الأهداف البحرية في منطقة كريش مع إحداثياتها، إلتقطت من كاميرا حرارية متقدمة تخص سلاحًا صاروخيًا وهو ما يعني أن هناك سيطرة استخبارية كاملة على المساحة البحرية التي يعمل فيها الاحتلال الإسرائيلي مع إطلاع واسع ودقيق على عدد القطع البحرية وإحداثياتها وهوياتها وعدد العاملين عليها وأكثر. وأضافت القناة الى أن التشويش الذي ظهر على الصورة في الفيديو كان مقصوداً حول محيط الشاشة.
الإحتمال الثاني في طروحات هوكشتاين هو أن يقترح خطّ 23 مُتعرّج يحترم معادلة كريش مُقابل قانا وهو ما لن يتمّ طرحه إلا بعد رفض السلطات اللبنانية للعرض الأول للموفد الأميركي.
وتقول بعض المصادر المطلعة أن المخاوف الكبيرة تأتي من “خنوع” الطبقة السياسية اللبنانية أمام الضغوطات الأميركية وخصوصًا أن المفاوضين في لبنان يهابون العقوبات الأميركية وبالتالي يأتي دور المقاومة لدعم الموقف اللبناني وتقويته أمام فريق مفاوض يُحاول إزاحة الكأس عن رأسه!
تنصّل رسمي؟
إلى هذا، رأى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب أنه “لا يوجد مشكلة مع المقاومة إلا أن القرار حول الترسيم هو قرار الحكومة اللبنانية”. وإعتبر بو حبيب في مقابلة تلفزيونية أن الفيديو الذي بثّه إعلام المقاومة عن إحداثيات منصات استخراج الغاز “لا يمثل موقف لبنان”. وهو ما رأى فيه البعض تنصّلا رسميا خوفًا من ردّة الفعل الأميركية.
بغض النظر عما هي حقيقة الأمر، هذا الفيديو يدعم موقف الدولة اللبنانية في المفاوضات ويُعطيه زخمًا كبيرًا في الحفاظ على حقوق لبنان. وإذا كان بعض المفاوضين اللبنانيين ينبطحون تحت ثقل التهديدات من عقوبات عليهم، إلا أن موقف المقاومة يُمثّل تقوية لموقف هؤلاء بدون أن يتحمّلوا عبء ردّة الفعل الأميركية.
ونقل فياض عن هوكشتاين قوله “إن الفيديو الذي نشره حزب الله اليوم عن المسيّرات لا يُفيد ولا يُساعد في المفاوضات “.
إنحلال مؤسسات الدولة
المواطن اللبناني الذي يعيش على وتيرة المعلومات المتوافرة في الإعلام عن مفاوضات ترسيم الحدود علّها تكون خيرًا عليه، يعيش الأمرّين مع فلتان كبير في الأسعار أقلّ ما يُقال عنه أنه “سرقة للشعب”. فسعر “كعكة الكنافة” في أحد المحال وصل إلى 80 ألف ليرة لبنانية! نعم 80 ألف ليرة لبنانية وهي التي كان ثمنها قبل الأزمة 5000 ليرة لبنانية. تسأل عن سبب الارتفاع الجنوني هذا، يقولون إنه يعود إلى ثمن الزبدة المستخدمة والتي يتمّ إستيرادها من إيطاليا خصيصًا. لكن ما الذي يؤكّد أن هذه الزبدة هي فعلًا مستوردة خصوصًا أن الفساد المستشري أوصل التجار إلى أبشع الممارسات مثل تهريب الخبز والطحين والمحروقات والغش في البضائع وتاريخ صلاحياتها… وكل ذلك في ظل غياب كامل للأجهزة الرقابية التي يُتحفنا وزير الاقتصاد والتجارة يوميًا بأنه سيعاقب ويسجن المخالفين من دون أي نتيجة!
ربطة الخبز تُباع بـ 30 ألف ليرة تحت أعين الدولة في سوق سوداء مُنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية ولا حسيب ولا رقيب. المطاحن والأفران شركاء بالكامل في عملية السوق السوداء للطحين الذي يؤمّن دولاراته مصرف لبنان!
هذا السقوط المدوّي لأجهزة الرقابة في لبنان، يواكبه سقوط لكل مؤسسات الدولة مع إستمرار الإضراب العام لموظفي الدولة الذين يتوقّعون الأسوأ مع حديث عن وصول دولار السوق السوداء إلى 60 ألف ليرة لبنانية بعد إقرار المساعدات للموظّفين.
الدولار الجمّركي
إلى هذا، عاد الحديث عن الدولار الجمركي والذي من المتوقّع أن يتم إصدار مرسوم جوّال به في الساعات أو الأيام القادمة. وإذا كانت المعطيات عن سعر الدولار الجمركي لا تزال في خانة التقديرات والتخمينات، إلا أن البعض يتحدّث عن أن الحكومة ستعتمد مبدأ الزيادة التدريجية حيث سيتّم رفعه إلى 6000 ليرة في المرحلة الأولى، ليُعاد بعدها رفعه إلى 8000 و12000 وفي النهاية إلى سعر منصة صيرفة.
هذا الأمر وفي ظل غياب إصلاحات جوهرية وقانون الكابيتال كونترول، سيؤدّي إلى زيادة التهريب إلى لبنان حيث ستنشطّ مافيات إدخال السلع والبضائع إلى لبنان من دون أن يكون هناك مرور عبر الجمارك وبالتالي فإن المداخيل المتوقّعة من رفع سعر الدولار الجمركي، لن تكون على الموعد.
أضف إلى ذلك التضخّم الكبير الذي سيشهده لبنان وفقدان الليرة من قيمتها نظرًا إلى أن التعامل بالكاش سيدفع مصرف لبنان إلى طبع العملة لتلبية حاجة السوق من العملة النقدية التي أصبحت إلزامية لدى التجّار.
الباخرة لوديسيا
السفينة السورية لوديسا والتي تحمل على متنها 5000 طن من الشعير و5000 طن من القمح، وضعت لبنان في أزمة ديبلوماسية وقانونية. فالسفارة الأوكرانية في لبنان أبلغت السلطات اللبنانية أن السفينة مُشتبه بها أنها تحمل شحنة مسروقة من مخازن أوكرانية.
في الواقع، وصول هذه السفينة إلى طرابلس يضع لبنان في مأزق قانوني مع الولايات المتحدة الأميركية من نأحية أنها خاضعة للعقوبات الأميركية منذ العام 2015، وفي مأزق قانوني بحكم أن القانون الدولي يفرض عدم قبول بضائع مسروقة (لم يثبت هذا الأمر حتى الساعة). كذلك، أصبح لبنان في مأزق ديبلوماسي مع أوكرانيا التي تُعتبر المصدّر الأول للقمح إلى لبنان (50% من إجمالي إستيراد القمح) وبالتالي وفي ظل فرضية توتّر العلاقات بين لبنان وأوكرانيا سيكون هناك مُشكلة قمح أسوأ مما هي عليه الأن.
الانهيار…في المرفأ
على صعيدٍ آخر، وفي المأساة المستمرة منذ عامين حتى يومنا هذا، انهارت صومعتين من الجزء الشمالي لإهراءات مرفأ بيروت على بعد 4 أيام من الذكرى الثانية لإنفجار مرفأ بيروت، في مشهد يعد مزيج من الألم والحزن لأهالي ضحايا الانفجار واللبنانيين، حيث يشكل هذا المعلم الشاهد الوحيد على السلطة الفاشلة والمجرمة التي تعد المسؤولة الأولى عن هذه الجريمة، في حين تسعى السلطة بكل ما أوتيت من قوة لعرقلة التحقيق وطمس الحقيقة ضاربة بعرض الحائط مبدأ العدالة والمحاسبة والاقتصاص من المقصرين والمجرمين.
وبالعودة الى الخبر، انهار جزء متصدع من صوامع الحبوب بمرفأ بيروت أمس الأحد بعد تكرر اندلاع النيران فيها.
ووفق وكالة الصحافة الفرنسية فقد غطى غبار كثيف أجواء مرفأ بيروت فور انهيار الجزء المتصدع.
ويأتي ذلك بعد أسبوعين من اندلاع حريق في القسم الشمالي من الصوامع نتج -وفق السلطات وخبراء- عن تخمر مخزون الحبوب مع ارتفاع درجات الحرارة ونسبة الرطوبة.
وحذرت السلطات المعنية قبل أيام من أن الجزء الشمالي المتصدّع جراء الانفجار معرّض لـ”خطر السقوط”. وتحولت الصوامع إلى رمز لانفجار مرفأ بيروت، الذي تسبب في الرابع من آب 2020 بمقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح.
وقد امتصت الصوامع -البالغ ارتفاعها 48 مترا وكانت تتسع لـ120 ألف طن من الحبوب- القسمَ الأكبر من عصف الانفجار المدمّر؛ وقد حمت بذلك الشطر الغربي من العاصمة من دمار مماثل لما لحق بشطرها الشرقي، وفق خبراء.
ووفق وزارة البيئة، لا تزال الصوامع الجنوبية ثابتة من دون رصد أي حركة تهدد سلامتها.
جبهة صينية – أميركية؟
على صعيد دولي، بدأت رئيسة مجــلس الــنواب الأمــيركي نانسي بيلوسي أمس البارحة زيارة لكل من سنغافورة ومــاليزيا وكوريا الجنوبية واليابان. هذه الزيــارة وتّرت الــعلاقات الأميركية – الصينية حول ملف يُعتبر من الخطوط الحمر بالنسبة للصين – أي الملف التايواني، حيث من المتوقّع أن تقوم بيلوسي بزيارة لجزيرة تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي وتدّعي الصين سيادتها على هذه الجزيرة.
وما يوتّر الأجواء أكثر هو المواضيع التي تنوي بيلوسي بحثها خلال جولتها على رأس وفد من الكونغرس الأميركي، إذ ستبحث بيلوسي في هذه الدول ملف الأمن والشراكة الاقتصادية والحكم الديمقراطي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يقومون بزيارات منتظمة للجزيرة إلا أن الصين ترى في زيارة بيلوسي (المحتملة) للجزيرة إستفزازًا عبّر عنه الرئيس الصيني شي جينبينغ لنظيره الأميركي جو بايدن خلال المكالمة التليفونية الأخيرة والتي قال فيها جينبينغ أن “الذين يلعبون بالنار يحرقون أنفسهم في نهاية المطاف”. هذا الإستفزاز أخذ أبعادًا إضافية عبر مواكبة بيلوسي في زيارتها حاملة طائرات أميركية بالإضافة إلى مقاتلات رافقت طائرة بيلوسي. هذا الأمر دفع الصين إلى تنظيم تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في البحر الفاصل بين الجزيرة والصين. وإذا كانت هذه المناورات محدودة جغرافياً من ناحية إقتصارها على المنطقة المواجهة للسواحل الصينية، إلا أن التهديدات الصينية بلغت مستويات مرتفعة لم تبلغها خلال أربعة عقود من الخلافات مع الولايات المتحدة الأميركية حيث حذر متحدّث بإسم القوات الجوية الصينية أن الصين “ستحافظ بحزم على السيادة الوطنية وسلامة أراضيها”، مُضيفًا “سلاح الجو الصيني لديه الإرادة الراسخة والثقة الكاملة والقدرة الكافية للدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة الأراضي”.
الولايات المتحدة الأميركية من جهتها حاولت التخفيف من حدّة التوتر مع الصين حيث أعرب وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن عن “أمله في أن يتمكن كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية من إدارة خلافهما بشأن تايوان بحكمة”. مُضيفًا “لدينا خلافات عدّة في شأن تايوان، لكن خلال أكثر من أربعين عاماً، تمكّنّا من إدارة هذه الخلافات، وفعلنا ذلك بطريقة حافظنا عبرها على السلام والاستقرار، وسمحت لشعب تايوان بالازدهار”.
وبالتالي، من المتوقّع أن تشهد الأيام القادمة حماوة على صعيد جبهة تايوان بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وبين الصين من جهة أخرى. وإذا كانت المواجهة العسكرية مُستبعدة (أو أقلّه محدودة) نظرًا إلى المخاطر من إنزلاق نحو مواجهة مفتوحة، إلا أن هذه الأزمة ستنعكس حكمًا فوضى في المجال الإقتصادي وهو ما لن نتأخر في رؤيته في الأيام والأشهر القادمة.