مجلة وفاء wafaamagazine
لا جديد رئاسيًا يمكن التوقُّف عنده، ولا مؤشرات يُمكن الحديث عنها، بل مزيد من الشيء نفسه لجهة عدم قدرة فريقي الموالاة والمعارضة على تبنّي ترشيح رئاسي يفتح باب المعركة الرئاسية على مصراعيه.
شارل جبور
لو كان قادرًا «حزب الله» على حسم مرشحه الرئاسي لفعل وما تأخّر، ما يعني انّه ينتظر تبلور ظروف معينة او الدفع باتجاه أحداث تُساعده على الحسم، خصوصًا انّ هذا الاستحقاق يتعلّق بحليفين له، أحدهما يعتبر انّه أحقّ من الآخر بعدما كاد في المرة السابقة، لولا تمسُّك الحزب بمرشحه العماد ميشال عون، أن يُنتخب رئيسًا، فيما الحليف الثاني يعتبر بأنّه الأحقّ من الباب النيابي والتمثيلي مقارنة مع الحليف الأول. وبين أطماع هذا وطموح ذاك ما زال الحزب غير قادر على تخييب آمال أي منهما او الحليفين معًا، بلجوئه إلى خيار ثالث.
والمشهد على ضفة المعارضة ليس أفضل حالًا على رغم انّ دينامية اللقاءات التي انطلقت تبشِّر مبدئيًا بالخير، إلّا انّه من الصعوبة الرهان على مكونات تفتقد إلى الحدّ الأدنى من التفاهم السياسي وتختلف مقارباتها الوطنية إن لجهة تشخيص الأزمة، أو لناحية كيفية الخروج منها، فيما الرهان على هذا المستوى يبقى في تلاقي هذه المكونات على «الضد»، اي ضدّ انتخاب رئيس من 8 آذار، في حال كان متعذرًا اللقاء على أهداف مشتركة وصولًا إلى تبنّي مرشّح واحد.
وثمة من يقول انّه طالما انّ المهلة الدستورية لم تبدأ بعد، فلا ضرورة للعجلة وحرق المراحل، وانّ المهلة تشكّل بحدّ ذاتها مادة ضغط على الكتل النيابية من أجل السعي لانتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة المحدّدة، ما يعني انّ الجمود الحالي يُمكن كسره من دون سابق إنذار من خلال حسم أحد الفريقين مرشحه، وعلى رغم صعوبة هذا الاحتمال غير انّه ليس مستحيلًا.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن ثلاثة سيناريوهات رئاسية محتملة:
السيناريو الأول ان يتمكّن «حزب الله» من ان يوحِّد صفوف فريقه السياسي حول مرشّح واحد ضمن المهلة الدستورية، ولن يكون باستطاعة فريق المعارضة مواجهة هذا الترشيح سوى باللجوء إلى الثلث المعطِّل، لأنّ مواجهة مرشّح الحزب بمرشّح آخر يعني فوز الأوّل ليس تبعًا لتجربة الانتخابات الداخلية لمجلس النواب فقط، إنما بسبب صعوبة وصول فريق المعارضة إلى رقم الـ65 نائبًا، وأسوأ خطيئة ترتكبها المعارضة في حال قرّرت توسُّل المواجهة الديموقراطية وتهنئة الفائز أيًا يكن، لأنّ من سيفوز هو مرشّح الحزب، والخيار الأوحد لدى المعارضة استخدام التعطيل على قاعدة أن لا فرق بين فراغ فعلي وفراغ شكلي مع رئيس من 8 آذار، والدليل انّ أبرز رئيس في هذا الفريق ويتمتّع بحيثية شعبية وكتلة نيابية، انهار البلد في عهده ولم يتمكّن من فرملة الانهيار، وبالتالي أي رئيس من الفريق نفسه يعني استمرار الوضع نفسه.
السيناريو الثاني ألّا يتبنّى «حزب الله» لسبب من الأسباب ترشيح النائب باسيل، فيعني توقُّع لجوء فريق العهد إلى الخربطة السياسية، باعتبار انّ أداة الخربطة العسكرية لم تعد بمتناولهم على غرار ما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي، ولكنه بالتأكيد سيلجأ إلى خطوات تعمِّق الفوضى والانهيار من قبيل البقاء في القصر الجمهوري او تكليف شخصية معينة إدارة المرحلة الانتقالية او الدعوة لاستفتاء وانتخابات نيابية مبكرة، وكلها خطوات غير دستورية، ولكنه لن يتردّد باللجوء إلى أي خطوة تفاقم الفوضى من أجل الضغط على الحزب لتبنّي ترشيحه.
وإذا كان محسومًا لجوء العهد إلى خطوة غير دستورية لدى انتهاء ولايته، غير انّ ما يجب توقعه قبل انتهاء الولاية ان يبدأ بالتسخين السياسي، ولا ينتهي بتشغيل القاضيين فادي عقيقي وغادة عون محركاتهما، وما بينهما توترات أمنية متنقلة.
السيناريو الثالث، الدخول في الفراغ الرئاسي والذي يُصبح الخروج منه يتطلّب احتمالًا من ثلاثة: الأول حسم «حزب الله» لمرشحه الرئاسي، والثاني ان يدفع الحزب باتجاه أحداث أمنية محسوبة من أجل التملُّص والتخلُّص من ترشيح باسيل على غرار تملُّصه من انتخاب عون على إثر استخدامه للسلاح في أيار 2008، والثالث خسارة المعارضة ورقة القدرة على التعطيل، فتُصبح مبادرة الانتخاب بيد الحزب.
ويتبيّن من السيناريوهات الثلاثة أعلاه، وربما هناك أكثر من ذلك، ولكن الأساس في ما تقدّم انّ المبادرة بيد «حزب الله»، ولا خيار أمام بعض مكونات المعارضة سوى بإحياء لقاء «قرنة شهوان» ضمنًا لا علنًا، أي «قوات» و«كتائب» و«أحرار» وشخصيات مستقلة بالتحالف مع شخصيات سنّية على غرار اللواء أشرف ريفي وغيره من المستقلين السنّة وغير السنّة، وبهدف الوصول إلى كتلة متماسكة بـ44 نائبًا وتلتقط المبادرة الرئاسية وتمنع استمرار الفراغ من خلال مرشّح «حزب الله»، وهذا لا يعني إسقاط محاولات الوصول إلى رقم الـ65، ولكن من الصعوبة بمكان تحقيق هذا التفاهم، ولكن ما يمكن تحقيقه هو قيام جبهة سياسية-نيابية مهمتها إبقاء 8 آذار خارج القصر الجمهوري.
وفي مطلق الحالات، رهان «حزب الله» اليوم ليس على الانتخابات الرئاسية، ولا يخفي هذا الرهان الذي تحوّل إلى المادة الأولى في كل إطلالات السيد حسن نصرالله، ويتعلّق بالترسيم واستخراج الغاز، وعدم حسم الحزب لمرشحه مردّه إلى تريُّثه بانتظار ان تُحسم نتيجة هذا الملف، وفي اللحظة التي يحقِّق فيها هذا الهدف يخرج بمرشحه الرئاسي، والذي سيكون على الأرجح النائب باسيل لثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول، كون استخراج الغاز يؤدي إلى تنفيس احتقان اللبنانيين ويحوِّل اهتمامهم باتجاه إعادة تحسين أوضاعهم الحياتية، فيتراجع اهتمامهم السياسي واكتراثهم بهوية رئيس جمهوريتهم المقبل، وبالتالي يُصار إلى تهريب انتخاب باسيل وسط رائحة الغاز ودخانه الأبيض.
السبب الثاني، لأنّ الحزب الذي سخّر كل طاقاته السياسية والشعبية لدعم تيار باسيل انتخابيًا على حساب حلفائه، لن يتردّد في دعمه رئاسيًا والتعامل معه كخيار أول، وإلّا لم يكن مضطرًا إلى تبديته على حلفائه نيابيًا، خصوصًا انّ تجربة العلاقة بين العهد والحزب كانت ناجحة في سياق توزيع أدوار بين قرار فعلي في حارة حريك وغطاء للقرار في بعبدا.
السبب الثالث، كون الحزب يريد «رئيس مواجهة» لا «رئيس توافق»، ويعتبر استخراج الغاز مناسبة للإطباق على مفاصل الدولة، بعد ان يكون أمّن المداخيل المالية من دون الحاجة إلى صندوق نقد ولا إلى دول الخليج، ويستفيد من تدفُّق الأموال للبطش السياسي، وأفضل من يمكن ان يشكّل غطاءً له من خلال الدولة هو النائب باسيل الذي قدّم إبان العهد الحالي أكثر من بروفا عن حروبه المتنقلة مع القوى السياسية.
فلا انتخابات رئاسية قبل الترسيم واستخراج الغاز، وهذا ما يفسِّر البرودة التي يتعامل فيها «حزب الله» مع الملف الرئاسي، وأولويته طبعًا ان يحصل الترسيم في العهد الحالي من أجل ان يتوِّج الرئيس عون نهاية عهده بإنجاز يحاول من خلاله إعادة تعويم وضعيته الشعبية تمهيدًا لتبنّي خليفته النائب باسيل.
وعلى رغم الضغط الذي يمارسه «حزب الله» على واشنطن وتل أبيب من أجل التقيُّد بمهل الترسيم التي وضعها، إلّا انّه غير مستعجل من أمره، كونه يدرك انّ هذا الملف يمثِّل حاجة مثلثة لأميركا وأوروبا وإسرائيل، وهو يتعامل مع ملف الترسيم على غرار تعامل إيران مع الملف النووي الذي تستخدمه لمزيد من تعزيز دورها الإقليمي.
وهنا بالذات يكمن خطأ الإدارة الأميركية الحالية التي تمنح طهران الهدف الذي تريده، فيما كان يفترض ان يكون الاتفاق النووي شرطًا لخروج إيران من المنطقة ووضع حدّ لدورها المزعزع للاستقرار، وما تقوم به إيران على المستوى النووي يقوم به «حزب الله» على المستوى الترسيمي، حيث انّه يريد هذا الملف لمزيد من إمساكه بمفاصل الدولة اللبنانية، وهو يطمع بالحصول على ضوء أخضر على غرار الضوء نفسه الذي حصل عليه الرئيس حافظ الأسد.
وفي كل هذا المشهد، المواجهة الممكنة تبدأ من خلال كتلة سياسية-نيابية متماسكة، تمنع «حزب الله» من وضع يده على رئاسة الجمهورية، وخلاف ذلك يعني الدخول فعلًا في وصاية جديدة.
الجمهورية