الرئيسية / آخر الأخبار / الامام السيّد موسى الصدر والرئيس نبيه بري: لبنان وطن نهائي بحدوده عربياً في محيطه

الامام السيّد موسى الصدر والرئيس نبيه بري: لبنان وطن نهائي بحدوده عربياً في محيطه

مجلة وفاء wafaamagazine

غالباً ما نكتب من مداد العاطفة والمحبة الى الامام المغيّب السيد موسى الصدر وعنه، وفي اكثر الاحيان تكون الكتابة مشوبة بالشوق والحرقة معاً، فتغيب معالم نهج الامام السيد موسى الصدر، وفكره وخطه ورؤيته الى لبنان الدولة الحاضنة لكل ابنائها، وهو المسار الذي انتهجه حامل الامانة الرئيس نبيه بري وأصرّ على السير به وسط شعاب وطن يهفو الى بر الخلاص والامان من مِحنِه وعذاباته. لمرة، نستميحكم العذر، ان نعرض (ولو بتصرف لا يبدّل في المقصد والمعنى والنص الاصلي) وثائق ليست مصنفة سرية، ولكن كثيرين يغيّبونها قصداً او عن غير دراية بأهمية استعادتها في الزمن الصعب لتكون خط بناء الوطن لبنان، ولو انتبه اللبنانيون الى وثيقة الامام الصدر عام 1977 لوفّروا على لبنان الكثير من العذابات، لأن كثيراً من طروحات الامام الصدر شكلت عناوين اساس لوثيقة الطائف.

د. طلال حاطوم

المؤتمر التأسيسي الاول

 

الامام القائد المغيّب السيد موسى الصدر كان قد حدد منهجية عمل الحركة واهدافها وتوجهاتها العامة في المؤتمر التأسيسي الاول الذي عقد بين 28 نيسان و3 أيار عام 1976 ومن اهم ما ركّز عليه سماحة الامام الصدر:

 

.. كما انكم ترون ان هذا المؤتمر بإخلاصه وبصفاته وبتواضعه، نجد في عيون المجتمعين بريق الامل، وبناء المستقبل… نحن نرى في أفقنا بناء المستقبل لا للمحرومين، الذين نحاول ان نمثلهم تمثيلاً صادقاً فحسب، بل بناء المجتمع الافضل للعالم، كل العالم.

 

في كثير من المناطق اللبنانية، شواهد صدق على وجود الحرمان، والتمايز المرفوض من الانسان المستقيم. هذا الحرمان لم يكن في حقل واحد، بل في كافة الحقول.

 

ويضيف الامام الصدر: «نحن لا نعمل سياسة لاجل السياسة، نحن لنا هدف وهدفنا ازالة الحرمان، ولكي لا يبقى الحرمان يجب ان يبقى الوطن، ولكي لا يبقى الحرمان يجب منع التصادم. انّ الحرمان لا يفرّق بين الشيعي وغير الشيعي، ولا بين المسلم او المسيحي».

 

رؤية الى لبنان

 

قدم الامام السيد موسى الصدر ورقة عمل باسم المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، في العام 1977، (الى الرئيس الياس سركيس، آنذاك)، حَوت رؤية الى لبنان وتضمنت:

 

«نعتزّ بكوننا من أرسخ دعائم لبنان، التي ساهمت بصورة فعّالة في نضاله الطويل من أجل استقلاله، والتي بذلت خلال المحنة المأساة كل ما بوسعها لصون وحدته وسلامة أراضيه وبقائه ضمن واقعه العربي، ودفعت في هذا السبيل دونما منّة من حياة أبنائها وممتلكاتهم ومختلف وسائل عيشهم أبهظ الأثمان، والتي لا تزال مستعدة لبذل أي تضحية مهما عظمت من أجل الوطن المفدى.

 

بعد أن انجلت المحنة عن معظم أنحاء لبنان، ومع التشديد على وجوب إجلائها عن كل أنحاء لبنان، وإزاء ما خلفته المحنة المأساة من الدمار والتصدع في البنيان والإنسان، وفي هيكلية الدولة، وفي الاقتصاد الوطني وفي لحمة المجتمع اللبناني، وفي سمعة لبنان الحضارية، فضلاً عن عشرات آلاف الضحايا الأبرياء من جميع الطوائف والمناطق.

 

وفي مقابل ما يطرح من الأفكار وما يتخذ من المواقف من قبل مختلف الهيئات والتجمعات الطائفية والسياسية في سبيل بناء لبنان الجديد. وشعوراً بمسؤوليتها التاريخية في هذا المنعطف الخطير من حياة لبنان، بل المصيري في حياة المنطقة بأسرها.

 

وتلبية لواجب المساهمة في إنهاض الوطن والحفاظ على استقلاله وسيادته ووحدة أرضه وشعبه.

 

وانسجاماً مع مواقفها الدائمة في خدمة المصلحة العامة، تحقيقاً لمطامح الأجيال الصاعدة، تعلن ما يلي:

 

ملاحظات عامة

 

1- مهما كانت أسباب المحنة، ومهما كانت العناصر الخارجية التي هيّأتها ودفعتها وتفاعلت بواسطتها على أرضنا، ومهما كان دور كيان إسرائيل ومن يشد أزرها في هذه المؤامرة الضخمة التي حيّكت خيوطها في عواصم عدة قبل أن تنفذ على أرض لبنان، ومهما كان نزاع اليمين الدولي واليسار الدولي مباشرة أو بواسطة اليمين واليسار اللبنانيين على الساحة اللبنانية، مهما كان خلاف اللبنانيين أو بعضهم مع الفلسطينيين، مهما كانت امتيازات فئة منّا وغبن فئة، ومهما تعاظَم عامل الخوف والغبن عند كل من الفئتين، وبكلمة واحدة مهما عدّدنا بهذه المحنة المأساة من أسباب أجنبية وعربية ودولية يختلف على تحديدها اللبنانيون باختلاف مشاربهم ومصالحهم وانتماءاتهم، يبقى أمر واضح لا خلاف عليه، هو أن الجسم اللبناني كان قد فقد مناعته الطبيعية وأمسى عرضة لكل المضاعفات.

 

2- ان الوطن بمعناه العميق، ليس أرضاً محددة وحسب، تلتقي عليها طوائف ضمن مناطق متعايشة سلمياً في نوع من الحذر والتحاسد والتمويه، بل هو قبل كل شيء مناخ استقرار وطمأنينة وثقة في إخاء حقيقي، وحرية مسؤولة وطموح على بساط العدالة الاجتماعية في إطار تكافؤ الفرص للجميع، وفي احترام حضاري للكرامة الإنسانية.

 

 

3- ان واجب الدولة، واجبها الأول هو إنماء روح المواطنية الصحيحة في نفوس المواطنين، بكل ما لديها من وسائل. ومن الفضول القول ان جميع الوسائل الناجحة للوصول إلى هذا الهدف الأسمى هي أصلاً بحكم طبيعتها، في يد الدولة.

 

4- ان المآسي في حياة الشعوب الراقية بواتق انصهار وتجدد وتألق، وليس كثيراً على الشعب اللبناني العريق في أصالته أن يخرج من مأساة العامين الرهيبة، وقد انصهر وتجدد وتألق، فيعمد إلى تعمير ما تدمر في بنيانه الاجتماعي، بل إلى تجديد هذا البنيان من أساسه بما يكفل له وحدة وطنية حقيقية، لا رياء فيها ولا زيف، وحدة يكون فيها الوطن الحي، الدائم التجدد على أرض الوطن.

 

بعد هذه الملاحظات العامة التي نعتبرها أساسية في بناء لبنان الجديد يهمنا أن نؤكد على ما يلي:

 

أولاً: في هوية لبنان ونظامه:

 

نجدد إيماننا بلبنان الواحد الموحد:

 

• وطناً نهائياً بحدوده الحاضرة سيداً حراً مستقلاً.

• عربياً في محيطه وواقعه ومصيره، يلتزم التزاماً كلياً بالقضايا العربية المصيرية، وفي طليعتها قضية فلسطين.

 

• منفتحاً على العالم بأسره، يلتزم بقضية الإنسان لأنها من صلب رسالتنا الحضارية.

 

• جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين في نظام اقتصادي حرّ مبرمج، ووفق تخطيط علمي إنمائي شامل لمختلف الطاقات والاحتياجات والنشاطات في جميع المضامير، بلد الكرامة الإنسانية والطموح الحضاري.

 

ونؤكد أن هذه الأوصاف ليست كلياً أو جزئياً، ولا يمكن أن تكون موضوع مساومة أو تسوية لأنها ليست عارضة أو طارئة، وليست مطلباً من مطالب فئة دون أخرى، بل هي منبثقة من جوهر وجود لبنان، ومن صميم كيانه، ومن رسالته التاريخية، ومن آفاق مصيره، ومن طموح أبنائه وتطلعاتهم المستقبلية.

 

ثانياً: في ما لا يمكن القبول به:

 

1- اننا نرفض رفضاً باتاً أي صورة من صور التقسيم تحت ستار لا مركزية سياسية أيّاً كانت هيكليتها، وعلى العكس نرحب بأي صيغة للامركزية الإدارية التي من شأنها تعزيز الحكم المسؤول في المناطق واختصار المعاملات الروتينية وتقريب القضاء من المتقاضين واشراك الهيئات الشعبية والبلدية ومجالس المحافظات في إدارة الشؤون المحلية.

 

2- التوطين: ان توطين الفلسطينيين في أي جزء من لبنان، بأي شكل من أشكال التوطين مرفوض رفضاً قاطعاً. مع التأكيد على الالتزام بالعمل لاستعادة الشعب الفلسطيني حقه في وطنه في نطاق سيادة لبنان الوطنية وسمعته الإقليمية.

 

3- تشويه وجه لبنان الحضاري بتحطيم دورَيه العربي والدولي، أو بقطعه عن المد الحضاري الإنساني، أو بجرّه إلى أي محور سياسي عربي أو دولي، بحيث يتقوقع ويتقزم، أو يتحيز ويفقد طابعه المميز.

 

4 – تحجير الصيغة اللبنانية، بحيث يبقى عامل القلق على المصير عند البعض ذريعة للمحافظة على امتيازات فئوية، بينما يبقى عامل الغبن عند البعض الآخر باباً للنزاع، وبحيث يبقى العاملان معاً ثغرتين في الكيان تنفذ منهما المؤامرات على سلامة البلد واستقلاله وسيادته ووحدة أرضه وشعبه.

 

هذه النقاط، يهمنا أن نشدد على رفضها جملة وتفصيلاً لأنها شبه قنابل موقوتة، لا بد من أن تؤدي إلى الانفجار عند أول فرصة تسنح.

 

 

 

 

الجمهورية