الجمعة 13 كانون الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
رأى السيد علي فضل الله في خطبة الجمعة ان “المشهد السياسي في لبنان لا يزال على حاله من المراوحة منذ تأجيل موعد الاستشارات التي كانت ستجري في الأسبوع الفائت، بعد أن توقفت المشاورات بين القوى السياسية الفاعلة، حيث لا يزال كل فريق مصرا على موقفه في نوعية الحكومة أو من يتمثلون فيها، من دون أن يتقدم خطوة للقاء مع الآخر، مستعينا بذلك بغطاء طائفته أو مذهبه أو بعناصر القوة الداخلية أو الخارجية. من الطبيعي إن استمر هذا الوضع أن يؤدي إلى احتقان في الشارع بكل ما يترتب عليه من مخاطر، وهو بالطبع بات ينعكس على الواقع الاقتصادي والنقدي الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، ويعبر عنه ازدياد مشاهد الفقر والحاجة وطوابير من ينتظرون على أبواب البنوك يريدون أموالهم لتسيير أعمالهم أو لسد حاجياتهم، وهم لا يحصلون منها إلا على الفتات، واستمرار تسريح العمال والموظفين من أعمالهم، أو عودة مشهد السيول التي حصلت مجددا في الأيام الماضية، ويخشى أن تتكرر، في ظل عدم معالجة أسبابها، أو النقص الذي بدأنا نشهده في الدواء والمستلزمات الطبية أو المواد الغذائية. وما يزيد قتامة هذا الوضع هو خفض التصنيف الائتماني للبنان ولعدد من البنوك وما يترتب على ذلك من آثار سلبية”.
وأضاف “إننا أمام هذا الواقع، نجدد دعوتنا للقوى السياسية باسم كل المتألمين والخائفين على حاضرهم ومستقبلهم، أن كفى إهدارا للوقت ولعبا بمصير بلد يتداعى وعلى شفير الانهيار، فأنتم معنيون بإخراجه مما يعاني من أزمات، ولا يحق لأي منكم أن يتنصل من مسؤوليته، أو أن يستقيل منها، أو أن يحرد لأنه لم يحصل على ما يريد. لقد تسلمتم مسؤولية هذا البلد، وعليكم أن تخرجوه من أزماته ومما يعانيه، وأنتم قادرون إن خرجتم من حساباتكم الخاصة إلى حسابات الوطن وإنسانه”.
وأكد ان “المرحلة ليست مرحلة تقاسم الحصص والنفوذ أو مرحلة يسعى فيها كل فريق ليكون البلد على قياسه وقياس مصالحه أو أن لا يكون، بل مرحلة تعاون وتلاق”. وأسف لأن “يكون في هذا العالم من يعمل على إخراج لبنان من واقعه الاقتصادي، ويدعو إلى الإسراع بتأليف حكومة قادرة على القيام بإصلاحات جدية، في الوقت الذي لا نجد هذا الهم حاضرا في الكثير ممن هم في مواقع المسؤولية، فلا الحكومة تألفت ولا الإصلاحات حصلت، ولو على عين هذا العالم، بل نجد استمرارا في إظهار تآكل الدولة. وقد تجلى هذا الأمر أخيرا في ممارسة يخشى أن تتسبب بإسقاط حصن من حصونها، وهو القضاء، رغم حاجته إلى إصلاح، حيث يفترض ممن يمثل الشعب أن يكون أمينا على مؤسساته”.
ورأى ان “إخراج البلد من واقعه لن يتحقق إلا عندما يقرر من هم في مواقع المسؤولية إخراجه من حالة المراوحة التي يعانيها على صعيد الإسراع بتأليف حكومة تستجيب لمتطلبات الناس الذين يتطلعون إلى دولة تلبي احتياجاتهم، وتشعرهم بإنسانيتهم المفقودة، وتعيد إليهم كرامتهم، وتعيد إليهم الثقة بدولة خالية من الفساد والهدر”.
وتابع”إننا رغم كل تقديرنا لأي مساعدة من الخارج، لكننا ينبغي أن نعي أن الخارج ليس جمعية خيرية، ولا يعطي قربة إلى الله، وله مصالحه، وغالبا ما لا تتطابق مصالحه مع مصالحنا، ونحن نعرف أن هناك في الخارج من ينتظر الفرصة حتى يسقط هذا البلد ليتم التحكم بمقدراته وثروته”.
واعتبر انه “في هذا الوقت، لا بد من لفت الانتباه إلى الخرق الإسرائيلي للمياه الاقتصادية اللبنانية في البلوك 9، حيث قامت إحدى سفن العدو بإجراء أبحاث لمعرفة مدى المخزون الموجود في هذه المنطقة للاستيلاء عليها أو لسرقة مخزونها، ما يستدعي استنفار جهود الجميع لمواجهته، ليشعر العدو بأنه لا يستطيع التحرك بحرية في فترة الانقسام التي يعيشها لبنان، وبأن الجميع له بالمرصاد لمواجهة أي عدوان على أرضه وجوه وبحره”.
وقال “يبقى أن نتوجه إلى القيادات الدينية في هذا البلد، لندعوها إلى أن تقدم منطقا بديلا من نمط الخطاب السياسي السائد، وأن يكون خطابها منطلقا من القيم التي تمثلها، ومن روح المحبة والرحمة التي تحملها، حتى عندما تنتقد أو تبدي هواجسها أو تعطي رأيها، لتصل كلمتها إلى القلوب قبل العقول”.
وأضاف “وفي الاتجاه نفسه، لا يزال العمل مستمرا على التطبيع مع العدو الصهيوني من خلال التطبيع الديني مع رموزه الدينية، كالذي حصل أخيرا في البحرين أو مع رموزه السياسية، والذي شهدناه ولا نزال نشهده في أكثر من بلد عربي أو في إدخال مفردات التطبيع مع هذا الكيان في أكثر من منبر وموقع، ما يستدعي إدانته والعمل على مواجهته باستمرار”.
إلى العراق، الذي تستمر معاناة شعبه بفعل الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي دفعته إلى النزول إلى الشارع، اكد السيد فضل الله على أهمية رفع هذا الصوت للمطالبة بحقوقه، لكننا في الوقت نفسه ندعو الشعب العراقي إلى أن يكون واعيا لكي لا يقع في حمى فتنة داخلية أو فوضى تهدد كيانه ومستقبله. وندعو أيضا القوى السياسية إلى الإسراع في إيجاد الحلول التي تلبي مطالب الشعب العراقي وتخرجه من أزماته، بعدما بات واضحا أن استخدام العنف وتجاهل مطالب المحتجين سيزيد من أزمات العراق وسجعله في مهب رياح الآخرين”.
الوكالة الوطنية