مجلة وفاء wafaamagazine
في ضوء التطورات والمتغيرات السياسة على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، وحتمية إنعكاسها على الأوضاع الداخلية اللبنانية، إنعقد لقاء النواب السنّة في دار الفتوى، برعاية مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بهدف “لم شمل” الطائفة السنّية، كي تكون قادرةً على مواكبة التطورات المذكورة.
كذلك للحفاظ على المكتسبات التي حصلت عليها “الطائفة” في إتفاق الطائف 1989، تحديدًا توسيع صلاحيات رئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية الدستورية، برعايةٍ سوريةٍ- سعوديةٍ آنذاك.
ولكن الأجواء السياسية التي أحاطت إستدعاء النواب اللبنانيين، إلى مدينة الطائف السعودية في العام 1989، للإلتئام فيها، ودفعهم إلى تعديل الدستور اللبناني (ما قبل الطائف)، قضى بنقل صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء، ورئيسه، لم تعد متوافرة هذه الأجواء اليوم.
لا بل أكثر من ذلك، إنقلبت العلاقات الثنائية بين الدولتين العربيتين الراعيتين “للطائف” رأسًا على عقب، بعد إنخراط السعودية في الحرب الكونية على سورية. ونتيجة هذا الإنخراط، إنغمست بعض الأطراف اللبنانيين، في هذه الحرب، وحوّلت بعض الأراضي اللبنانية مقار، وممراتٍ للمجموعات الإرهابية المسلحة التي كانت تستهدف الإستقرار السوري. نذكر منها (طرابلس، ووادي خالد، عرسال، ومجدل عنجر)، على سبيل المثال لا الحصر.
كذلك حوّلت الأطراف عينها بعض المرافىء اللبنانية إلى قواعد إمداد للمسلحين التكفيريين في سورية. نذكر توقيف باخرة “لطف الله 2” المحملة بالسلاح، قبالة سواحل البترون في نيسان 2012، والآتية من ليبيا، و التي كانت متجهة الى مرفأ طرابلس، ليتم إفراغ حمولتها فيه، ثم نقلهم إلى منطقة عكار، تمهيدًا لنقل السلاح والذخائر إلى الأراضي السورية، بحسب التحقيقات القضائية والأمنية في حينه.
ولكن رغم ضخامة حجم العدوان وصرف الأموال الطائلة، لإسقاط الدولة السورية، غير أنها صمدت بتلاحم شعبها وجيشها، وبمساعدة حلفائها، وفشل المراهنون على إسقاطها. وهي اليوم ذاهبة بخطىٍ ثابتةٍ نحو إستعادة مختلف أوضاعها، كما كانت عليه قبل إندلاع الحرب الكونية على الجارة الأقرب في ربيع العام 2011. نذكر هنا “الإندفاعة التركية” تجاه سورية. وقبل ذلك عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأبو طبي في العام 2018. هذا الواقع وهذا الصمود الذي حققه محور المقاومة عمومًا، ودمشق خصوصًا ، كذلك فشل الدول المتآمرة على سورية، ثم لبنان في العام 2019،لا يمكن لأي جهةٍ أكانت محلية، أو إقليمية، أو دولية نكرانه. بالتالي تشهد المنطقة، إنتصار محور وفشل آخر.
ولاريب أن ما تشهده المنطقة سيكون لها إنعكاس على الواقع اللبناني ككل، هذا الواقع الملموس، أدركته بعض الدول العربية، وفي طليعتها مصر والأردن، اللتين تسعيان إلى إيجاد إطارٍ يجمع النواب السنّة في لبنان بالتنسيق مع المفتي دريان، كي يكونوا قادرين على مواكبة التطورات المقبلة في المنطقة، وحتمية إنعكاسها على لبنان. وكي لا تأتي أي تسويةٍ مرتقبةٍ على حساب أهل السنّة، أو تأخذ منهم بعض مكتسباتهم، التي تحققت في “الطائف”، تحديدًا لجهة صلاحيات رئيس الحكومة، في ضوء مطالبة بعض الجهات، بإعادة توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، فكان إنعقاد لقاء “الفتوى”، بحسب تأكيد مرجع إسلامي سني.
أضف إلى ذلك، تحاول مصر وعمّان بالتنسيق مع المرجعية الدينية السنية، ملء الفراغ الذي خلّفه تيار “المستقبل” في الشارع السنّي، بعد خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية، وقبلها فشله في “إمتطاء حصان ثورة 17 تشرين الأول 2019″، بعد إستقالته من رئاسة الحكومة. ما أسهم في تشتت الشارع المذكور.
كذلك جاءت المساعي المصرية- الأردنية المشتركة، نتيجة الإرباك السعودي في التعاطي في الشأن السياسي اللبناني أخيرًا، بعد تخلي الرياض عن “المستقبل”، ودعمها “للقوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع، ما أسهم أيضًا في المزيد من تشتت الشارع السني، بعد ضمور الدور السعودي فيه. وتحاول السعودية اليوم، الحفاظ على “الطائف”، آخر مكتسباتها في المنطقة، بعد خروجها من سورية، وفشلها في العراق، وغرقها في الرمال المتحركة اليمنية. إذا هذه الدوافع والأسباب التي أدت إلى إنعقاد “لقاء الفتوى”. أما بالنسبة إلى النتائج المرتجاة منه، فهي رهن بالتطورات المستجدة في المنطقة، وحسابات النصر والهزيمة للمحاور “اللاعبة” المؤثرة فيها، (أي المنطقة).
الثبات