الرئيسية / آخر الأخبار / الفشل يؤكّد حتمية التوافق.. الفاتيكان قلق لعدم الانتخاب .. الراعي: ينتظرون الخارج

الفشل يؤكّد حتمية التوافق.. الفاتيكان قلق لعدم الانتخاب .. الراعي: ينتظرون الخارج

مجلة وفاء wafaamagazine

الخلاصة التي يمكن استنتاجها من الفشل المرحّل من خميس إلى خميس، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مفادها انّ مكونات الانقسام الداخلي، ومهما كابرت وعاندت واستعلت وتعنّتت وتصلّبت وأمعنت في تسلّق أشجار التصعيد والتوتير، وتسابقت في اللف والدوران فوق وتحت وحول الملف الرئاسي، لن تستطيع الهروب طويلًا من خيار التوافق على رئيس الجمهورية.


لا يختلف إثنان على انّ الواقع اللبناني منقسم سياسيًا إلى حدّ الافتراق والعداء بين مكوناته، وهذا الامر ليس بجديد، فلبنان خَبر مثل هذا الانقسام في محطات متعدّدة، أخذ حينًا شكل الاشتباك السياسي، وأخذ حينًا آخر شكل الاشتباك والاقتتال العسكري، واما نتيجة ذلك كلّه، سقوط كلّ أوهام القوة والاستقواء، واصطدام اطراف هذا الاشتباك جميعهم بالحائط المسدود، واستسلامهم لعجزهم عن إحداث تغيير في تركيبة البلد او فرض غلبة فريق على فريق او مسّ بالتوازنات الحاكمة للصيغة اللبنانية، وبالتالي الإنخراط الطوعي في تسوية داخلية، تفرض التعايش والمساكنة تحت سقفها، حتى ولو كانت القلوب مليانه وتضمر رفضًا لذلك. والأمثلة عديدة، من تسوية الطائف، إلى التحالف الرباعي بين الأضداد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى تسوية الدوحة، واخيرًا، وبالتأكيد ليس آخرًا، التسوية السياسية التي جاءت بميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

 

 

عناد ومكابرة

من هنا، فإنّ الواقع الانقسامي القائم، بالحدّة التي تعتريه وخصوصًا في ما يتعلق بالملف الرئاسي، ليس منعزلّا عن الانقسام التاريخي في هذا البلد، حيث انّ أصل المشكلة القائمة ليست حول رئيس ينبغي أن يأتي مطابقًا لمواصفات سياسية، أو سيادية، او وطنية، او حيادية، أو اخلاقية، او مناقبية، فكلها عناوين وشعارات فضفاضة تنضح بها نزعة الاستثمار السياسي والشعبوي، بل أنّ اصل المشكلة هو العناد والمكابرة اللذان يشكّلان اليوم العنوان الحقيقي لمعركة رئاسية داخل نفق مسدود.

 

وإذا كان منحى العناد والمكابرة يبدو مفتوحًا بمسار تصعيدي إلى مديات زمنية بعيدة، تبعًا لما تدلي به مكونات الانقسام الداخلي من مواقف انشطارية وعنقودية، فإنّ القراءات السياسية للواقع التصعيدي القائم، تلتقي على انّ هذا المنحى سيُنفّس في لحظة ما، ويوصل في النهاية؛ إمّا إلى اشتباك سياسي او غير سياسي بلا أفق، وإما إلى تسوية.

على أنّ هذه القراءات تستبعد المسار الاشتباكي، وخصوصًا انّ كلفته باهظة على البلد واهله، فضلًا عن أنّ اي مكوّن داخلي، ومهما اعتقد او توهّم بامتلاكه فائض قوة سياسيّة او شعبيّة او غير ذلك، ليس في مقدوره ان يدفعها او يتحمّل تداعياتها. وبالتالي، تُرجّح فرضية التسوية، برغم الصوت العالي المرتفع من غير طرف سياسي، وتفترض انّ مكونات الانقسام السياسي باتت مدركة أنّ الإنسداد القائم مفتاحه تسوية في نهاية المطاف. ومن هنا، فإنّ منحى العناد التصعيدي لا يعكس فقط انسداد الأفق امام مكونات استنفدت كل طاقاتها وقدراتها ومحاولاتها تطويع الملف الرئاسي وفق رغباتها، بل انّه يشكّل عن قصد او عن غير قصد، انخراطًا في لعبة حامية على حافة تسوية آتية، بمعزل عن شكلها ومضمونها، وعمّا إذا كانت هذه التسوية وشيكة او بعيدة المدى.

 

 

 

الفشل.. سياسي ومعنوي

ومع مراكمة الفشل تلو الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، وتحوّل مجلس النواب إلى مسرح اسبوعي لعرض متجدّد لما بات يعتبرها اللبنانيون «فضيحة الخميس»، وهو ما باتت تجاهر به أطراف الفشل الانتخابي، فإنّ معلومات «الجمهورية» تؤكّد أنّ نقاشات جدّية بدأت تجري داخل كيانات سياسيّة وحزبيّة مصنّفة سياديّة ومعارضة، وتقارب فشلها في إيصال شخصية تؤيّدها إلى رئاسة الجمهورية، بوصفه عبئًا عليها، وضررًا فادحًا لحق بها سياسيًا ومعنويًا، يُضاف إلى الضرر الأكبر الذي تأتّى عن تشتّت القوى السيادية والتغييرية وإخفاقها في جمع صفوفها والتوحّد خلف مرشّح بعينه، وتعترف صراحة بعقم منطق التصلّب والتحدّي وتضييع الوقت، وفشله في انتاج رئيس، وبلا جدوى استمرار المشاركة في جلسات انتخابية فاشلة سلفًا، وهو ما عبّر عنه صراحة بعض النواب بعد جلسة الخميس الماضي. فهذا الوضع سيبقي البلد في مربّع الفراغ إلى ما لا نهاية، وبالتالي لا مفرّ من النزول إلى ارض الواقع، وسلوك سبيل التوافق على رئيس للجمهورية، والتجاوب مع كل مسعى يحقق هذه الغاية.

 

 

 

إنتظار الخارج

تتلاقى هذه النقاشات، مع ما بات محسومًا في مختلف الاوساط السياسية لناحية التأكيد بأنّ مكونات التعطيل، أيًّا كانت هويّتها ودوافعها، باتت مسلّمة بأنّها لا تستطيع ان تمكث طويلًا في غربتها عن الواقع اللبناني، وبأنّ الضرورة الوطنية باتت تستوجب التعاطي العقلاني مع الملف الرئاسي ومقاربته بما يستحقه من جدّية فعلية، ووضع حدّ للتسلية بالأوراق البيضاء من جهة، وبطرح إسم من هنا وإسم من هناك من جهة ثانية، وبدغدغة الحلم الرئاسي للنائب ميشال معوض، او الشماتة بمراكمته الفشل تلو الفشل.

 

وعلى ما تؤكّد مصادر مطلعة على أجواء النقاشات السياسية لـ»الجمهورية»، انّها بدأت تلمس ليونة في مواقف بعض الاطراف حيال المسعى الذي يحضّر رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطلاقه، بغية بناء مساحة تفاهم مشتركة لإخراج الملف الرئاسي من عنق التعقيدات المانعة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهي مهمة بالتأكيد، انّ بلوغها نتائج ايجابية ليس بالأمر السهل، في ظلّ المواقف السياسية المتناقضة، لكنّه ليس مستحيلًا.

 

 

 

رسالة جعجع

وكانت لافتة في هذا السياق، الرسالة التي وجّهها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى الرئيس بري، وطالب فيها بأن يستدعي رئيس المجلس بكونه المؤتمن على حسن سير مؤسسة مجلس النواب، وقبل جلسة الخميس المقبل، رؤساء الكتل التي تعطّل الانتخابات الرئاسية ويبلغهم بأنّهم لا يستطيعون ان يستمروا في التعطيل. معلنًا في الوقت ذاته الاستمرار في خوض الانتخابات الرئاسية عبر النائب ميشال معوض. وقال: «سنستمر في تأييده. وإذا وفّقنا الله في ايصاله فهذا امر جيد، ولكن إن لم نوفق وتمكن مرشح آخر من الحصول على الاكثرية، وبالتالي الوصول إلى سدّة الرئاسة، فعندها لا حول ولا قوة الّا بالله. فهذه هي قواعد اللعبة الديموقراطية».

 

وتوقفت مصادر سياسية عند رسالة جعجع، معتبرة انّها تنطوي على تأكيد مباشر على متابعة السير في المسار المناقض للمنحى التوافقي، عبر التمسك بمرشح تعتبره الشريحة الواسعة من النواب بأنّه مرشّح تحدٍ، وليس مرشحًا توافقيًا، فضلًا عن انّ كل الجلسات الانتخابية الثماني لم يتمكن فيها هذا المرشح من الاقتراب حتى من نصف الأكثرية التي تؤهله للفوز. لافتة الانتباه في هذا السياق، إلى انّ الرئيس بري كان بصدد إطلاق حوار بين الكتل النيابية للوصول إلى رئيس توافقي، واعتذر عن عدم السير في هذا الاتجاه نتيجة الاعتراض والتحفظ، ولاسيما من كتلتي «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر». اما في ما خصّ جلسات الانتخاب، فإنّ حضور النواب للجلسات هو حق للنواب، كما انّ عدم حضورهم، وهو امر غير مرغوب فيه، الّا أنّه حق للنواب ايضًا، ويندرج في سياق اللعبة الديموقراطية، وبالتالي لا يستطيع احد ان يلزم النواب لا بالحضور ولا بعدم الحضور. وهذا الامر يدفع مجددًا الى التأكيد على الحاجة إلى التوافق على رئيس، والّا فإنّ هذه الدوامة ستبقى مستمرة.

ولفتت المصادر، إلى انّ التوافق الداخلي يبقى الأساس لإتمام الانتخابات الرئاسية، معتبرة انّ اي رهان على تدخّل خارجي ضاغط، هو نوع من العبث والقصور، وخصوصًا انّ الخارج ربط اي تحرّك مباشر له في اتجاه الملف الرئاسي في لبنان، بتوافق اللبنانيين على اختيار رئيسهم، على اعتبار انّ هذا الامر هو مسؤولية اللبنانيين قبل غيرهم. وضمن هذا السياق، جاء الاعلان المشترك للرئيسين الاميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون من واشنطن قبل يومين، عن «تصميمهما على مواصلة الجهود المشتركة لحضّ قادة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية والمضي قدمًا في الاصلاحات الجذرية».

 

 

 

الراعي

إلى ذلك، جدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وصفه جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بـ»الهزلية».

 

وسأل الراعي في حديث اذاعي «أصحاب الاوراق البيض» قائلًا: «من هو مرشحكم، لماذا لا تعلنون عن اسمه وتصوّتون له؟»، كما سأل النواب: «ماذا يعني انكم تأتون إلى مجلس النواب ويكتمل النصاب ثم بعد الدورة الانتخابية الاولى تغادرون القاعة ويُفقد النصاب؟ فلو لم يتوافر هذا النصاب في الدورة الاولى «محلولة»، ولكن ما معنى أن توفّروا النصاب في الجلسة الاولى وتغادروا في الجلسة الثانية؟ أين الدستور والمفاهيم، أليس هذا يُعدّ استخفافاً بالشعب اللبناني وبشخص رئيس الجمهورية، أياً يكن الرئيس؟».

وقال: «لماذا تفعلون هكذا فقط برئيس الجمهورية المسيحي الماروني، فيما رئيس مجلس النواب يُنتخب بجلسة واحدة ورئيس الحكومة يُكلّف فور انتهاء الاستشارات النيابية؟ كأنكم تقولون إنكم تستطيعون الاستغناء عن رئيس الجمهورية. وإذا كنتم تتمسكون بالميثاق فأين هو العنصر المسيحي وأنتم تغيّبون انتخاب الرئيس، وأين هو فصل السلطات؟ فهذا كلُه ضدّ الدستور واستبداد وظلم في حق لبنان».

 

ورداً على سؤال قال: «لو كانوا يستطيعون حلّ الموضوع الرئاسي داخليًا لكانوا انتخبوا الرئيس، وهذا يدل، أسبوعًا بعد أسبوع، أنّهم بانتظار كلمة السر من الخارج . للأسف، وإن كانوا «رح يزعلو منّي»، فهم لم يصلوا بعد الى النضج في تقرير مصير وطنهم مع بعضهم البعض لانتخاب رئيس للجمهورية»، مشدّدًا على أنّ «الاكثرية المسيحية طرحت إسمًا للرئاسة فليطرح الآخرون اسمًا ولا يقولوا إنّ المسيحيين لم يتفقوا.. وحتى الآن يبدو أن لا توافق على اسم مرشح في انتظار الخارج».

 

 

 

قلق فاتيكاني

إلى ذلك، أبدى أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، قلقه الشديد لعدم توصل البرلمان اللبناني الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد جلسات عدة، عُقدت لهذه الغاية، وحث المسؤولين اللبنانيين على التوافق بالسرعة المرجوة على اختيار الرئيس العتيد».

 

وعبّر بارولين خلال لقائه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب الموجود في ايطاليا، عن تفهمّه «هواجس لبنان في مسألة النازحين السوريين، لا سيما في ظلّ الازمة الاقتصادية المتفاقمة، ووعد بتقديم كل مساعدة ممكنة لفتح أبواب الحوار مع مجتمع الدول المانحة للتوافق على خارطة طريق للمعالجة».

 

 

 

مناورة اسرائيلية

من جهة ثانية، وفي توقيت لافت، اعلن الجيش الاسرائيلي عن إنهاء مناورة عسكرية ضخمة لمحاكاة اندلاع قتال مفاجئ على الحدود الشمالية مع «حزب الله»، والحرب متعددة الجبهات، خصوصاً على الجبهة الداخلية. وقال على موقعه على «تويتر»: «إنّ الفرقة 99 العسكرية التي تمّ إنشاؤها في العام 2020، والتي تضمّ بين تشكيلاتها العديد من ألوية المشاة والمدرعات والمدفعية والقوات الخاصة، قد أنهت مناورتها العسكرية الأولى والتي امتدت لخمسة أيام كاملة».

 

وأوضح الجيش الإسرائيلي «انّ المناورة التي جاءت تحت عنوان «روح البرق» قد شهدت محاكاة للحرب على جبهات عدة، استعداداً للحرب في أي وقت، خصوصًا على الجبهة الشمالية مع «حزب الله». ولفت الى انّ قواته العسكرية أجرت تدريباً للتعاطي مع التحدّيات والأحداث المفاجئة على جبهات قتالية مختلفة في نفس الوقت، مع تركيز القوات العسكرية الإسرائيلية على التصدّي لهجوم حدودي أثناء نقل معدات لوجستية.

 

وأفاد الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي، بأنّ التدريب العسكري للفرقة التي أُنشئت حديثًا وهي «الفرقة 99»، يكمل العملية العسكرية التي تجعلها جاهزة للعمل في أي حرب مستقبلية ضد «حزب الله»، أو أي جماعات أخرى مدعومة من إيران.

 

 

 

الجمهورية