مجلة وفاء wafaamagazine
صورة الانقسام الداخلي ثابتة عند الحد المانِع لكل إمكانات التلاقي والتفاهم بين مكوناته المتناقضة حول الملف الرئاسي. ما يعني ان كلّ كلام عن إمكانية انتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور، لا يمتّ الى الواقعية بصلة.
واضح انّ مكونات الانقسام قد حسمت تموضعاتها النهائية في دائرة الفشل في اخراج الملف الرئاسي من قمقم تناقضاتها وحساباتها وابتزازها لبعضها البعض، وضبطت مسارها على خط الصدام العقيم والابتزاز المتبادل، اللذين بات جلياً وبما لا يقبل أدنى شك، أنّهما يقطعان الامل نهائياً ببلوغ أيّ تسوية داخلية فيما بين هذه المكوّنات تُفضي إلى توافق على رئيس للجمهورية.
مفاجآت!
وعلى الرغم من هذا الجو المُفلس سياسياً، والمعقد حوارياً، والمتورّم طائفياً، الا ان ذلك لا يغيّر في حقيقة ثابتة وهي أن لبنان هو أرض المفاجآت غير المحسوبة، التي قد تطرأ في اي لحظة وتعدّل المسار من هَرولة نحو الانفجار، كما هو حاصل في هذه الفترة، الى هرولة معاكسة نحو الانفراج. وكل ذلك يبقى رهناً بما قد تحمله المرحلة المقبلة، اعتباراً من بداية السنة الجديدة، من تطوّرات في الداخل او في الخارج.
التسوية حتمية
وعلى ما تؤكد مصادر مسؤولة لـ»الجمهورية» فإنّ التسوية الرئاسية حتمية، وسنصل اليها، فقد يطول الوقت قليلاً، ربما لأسابيع او لأشهر. ولكن في نهاية المطاف ستجد المكونات الداخلية نفسها ملزمة بالانصياع الى التسوية، مدفوعة بعاملين اساسيين، أولهما انّ وضع البلد في انحدار خطير، وتلوح في أفقه احتمالات انهيارات كارثية في شتى المجالات. فالوضع اليوم مختلف تماماً، وجذرياً عما كان عليه في فترة الفراغ السابقة، ففي تلك الفترة «كان البلد ماشي»، وكانت هناك حكومة كاملة المواصفات والصلاحيات، وكان الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي «ممتازاً» قياساً مع ما هو عليه حالياً، فكيف له ان يستمر مع هذا الانحدار؟
اما العامل الثاني، تضيف المصادر المسؤولة، فهو «انكفاء الخارج عن إطلاق اي مبادرة رئاسية، وعدم قدرة هذا الخارج أيّاً كان على إطلاق مبادرة رئاسية ملزمة للأطراف الأساسيّين في لبنان، فنجاح اي مبادرة مرتبط بالدرجة الاولى بتوفّر بيئة حاضنة لها، وقاعدة ترتكز عليها، وهو ما ليس متوفراً. والمجتمع الدولي الذي يدرك ذلك، مُنصرف اساساً الى أولوياته واهتماماته التي لا تشمل لبنان، ووجّهَ إشارات متتالية يحثّ فيها على التوافق، ويؤكد انه يشكل عاملا مساعدا وليس عاملا ضاغطا في اي اتجاه لصياغة اي تسوية. ولكن المؤسف هو ان ثمة في الداخل من لا يزال يراهن على مبادرة خارجية تقلب الميزان الرئاسي لمصلحته، وهذا لا نقول انه رهان خاسر سلفاً، بل رهان قاصِر وخائب في قراءة المشهد اللبناني وتطوراته وتوازناته».
فرصة الأعياد
وفي السياق، ومع ترحيل الملف الرئاسي الى بداية السنة الجديدة، فإن الاسبوعين الفاصلين عن نهاية السنة الحالية، وعلى ما تقول مصادر مجلسية لـ»الجمهورية»، يفترض أن ينضبطا على إيقاع الاعياد، بحيث يمرّر عيدا الميلاد ورأس السنة بأقل صخب ممكن، حتى لا تنغّص على اللبنانيين فرصة باتوا يشتهونها، على ان يبدأ الكلام الجد مع اطلالة السنة الجديدة، خصوصاً انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري اكد ان فترة السماح حدودها نهاية السنة الحالية، وبعدها الحراك في الملف الرئاسي سيسلك مساراً آخر اكبر واكثر جدية نحو صياغة تسوية رئاسية نابعة اولاً واخيراً من ان الحل للأزمة الرئاسية ينبع من لبنان».
رهان غبي
وقالت مصادر وسطية لـ»الجمهورية» انّ مَسار التوافق الذي حدّده الرئيس بري يشكّل الوصفة الأكيدة والوحيدة لإنهاء الازمة الرئاسية، وكل ما عدا ذلك من طروحات همايونية من هنا وهناك لا يعدو اكثر من تضييع مُتعمّد للوقت، بل وتعميق اكبر للأزمة.
ورداً على سؤال قالت المصادر: لا بديل عن التوافق، وهو ما نؤكد عليه، خصوصاً للقوى التي أعلنت رفضها للحوار الذي كان يسعى اليه الرئيس بري. وهو حوار لا يتناقض مع الآليات الدستورية ولا يلغيها. امّا بالنسبة الى ما خَص الحديث عن مبادرات خارجية فلم نسمع بها، بل لا علم لنا بها على الاطلاق. الرهان على سراب رهان غبي، فكيف يمكن لنا ان ننتظر اخباراً تتطاير في الهواء ونراهن على ما تُسمّى مبادرات لا وجود لها، ولا يقين حولها.
رفع أسعار
الى ذلك، وفي قراءة للصورة الرئاسية المرتبطة بالملف الرئاسي، أبلغت مصادر سياسية واسعة الاطلاع الى الجمهورية قولها: انّ كل المكونات الداخلية على اختلافها مُدركة حتمية التسوية، والمعركة التي يخوضها البعض ليست معركة رئاسة جمهورية، بقدر ما هي معركة أحجامها ما بعد الرئاسة». وقالت: «خلاصة المشهد الداخلي فَشل متكرر في جلسات الخميس، ومنطق التوافق معدوم حالياً، ولا إمكانية لصياغة تسوية ما بين الخصوم، او بمعنى أدق بين من يسمّون أنفسهم سياديين وتغييرين وبين خصومهم، او بين المكونات المسيحية وتحديداً بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وثمة صعوبة كبرى تتبدّى في إمكان صياغة تسوية ما بين الحلفاء أنفسهم وعلى وجه الخصوص بين «التيار» و»حزب الله». فكل ذلك طبيعي جدا، خصوصاً انّ المانع الاساس لبلوغ هذه التسوية هو خوف بعض تلك المكونات من فترة ما بعد انتخاب الرئيس، بأن يضمر دورها ويتحجّم وينخفض سعرها السياسي الذي تحاول ان ترفعه اليوم بالصدامات والمناكفات والمواجهة في كل الاتجاهات».
باريس ومصر: التوافق
الى ذلك، وربطاً بالملف الرئاسي، برز أمس لقاء بين السفير المصري في لبنان ياسر علوي وسفيرة فرنسا آن غريو، وقالت مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية» ان هذا اللقاء يندرج في سياق لقاءات متواصلة، ووجهة النظر المصرية لا تختلف عن وجهة النظر الفرنسية حول الملف الرئاسي في لبنان وضرورة مُسارعة القادة في لبنان على التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة اصلاحات شاملة واجراءات إنقاذية عاجلة لإخراج لبنان من أزمته الصعبة.
وكشفت المصادر ان اللقاءات الديبلوماسية بين مجموعة من السفراء المعتمدين في لبنان تتوالى في هذه الفترة اكثر من اي وقت مضى، وتتقاطع عند نقطة اساسية، أي انّ الحل الاساس للمشكلة اللبنانية مسؤولية اللبنانيين، وهو الامر الذي يضع كل أشقّاء لبنان وأصدقائه كعامل مساعد لإنجاح هذا الحل، والتوافق على انتخاب رئيسهم، وتلك خطوة اساسية ومُلحّة وضرورية تتوّج بحكومة تنقل لبنان من ضفة الى ضفة، وتضعه على سكة الانفراج الداخلي والحضور بفعالية واسترداد موقعه ودوره في الخريطة الدولية.
جلسة تشاور
سياسياً، عقد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي جلسة تشاور وزارية في السرايا الحكومية، شارك فيها 19 وزيرا، من ضمنهم الوزراء المحسوبون على التيار الوطني الحر الذين قاطعوا جلسة مجلس الوزراء.
وشهدت الجلسة استعراضاً لما رافق انعقاد جلسة مجلس الوزراء السابقة، وبرز ثبات كل طرف على مبرراته واسبابه أكان بالنسبة الى انعقاد الجلسة السابقة، او لعدم جواز انعقادها في غياب رئيس الجمهورية ومع حكومة تصريف الاعمال. الا ان الخلاصة في نهاية الامر رسَت على ان ادارة البلاد ومقاربة الاولويات في مجلس الوزراء ستتم وفقاً للضرورة القصوى.
وأُفيد بأن اجواء الاجتماع التشاوري كانت هادئة، وخَلص الى تشكيل لجنة وزارية رباعية تضم كلّاً من وزير الداخلية بسام مولوي ووزير الثقافة محمد مرتضى ووزير التربية عباس الحلبي، ووزير العدل هنري خوري، على ان تجتمع اللجنة اليوم، في مهمة لتحديد المواضيع الضرورية من غير الضرورية. وافيد ايضا بأن وزير الدفاع موريس سليم ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار اقترحا تسيير الامور عبر مراسيم جوّالة.
اليونيفيل
اما في الجانب الآخر من المشهد الداخلي، فقد تَصدَر الحدث الجنوبي الذي تجلى في الاعتداء على قوات الطوارىء الدولية (اليونيفيل) في بلدة العاقبية وادى الى مقتل جندي من الكتيبة الايرلندية واصابة آخرين بجروح، وسط محاولة رسمية واضحة لاحتوائه، بالتزامن مع موجة عارمة من الاستنكارات مصحوبة بتساؤلات عن خلفياته وأهدافه وعما اذا كان فرديا او مدبّرا. وتحذيرات من مخاطر المواجهة مع قوات اليونيفيل، ودعوات مكثفة لالتزام القرار 1701 ورفض تفلّت السلاح.
وكانت لافتة امس، مُسارعة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون الى زيارة المقر العام لقيادة «اليونيفيل»، حيث التقيا قائدها الجنرال أرولدو لاثارو. وعقد اجتماع تمّ خلاله البحث في الحادثة وملابساتها والوضع في الجنوب، اضافة إلى شرح حول عمليات اليونيفيل والأنشطة التي تضطلع بها بالتعاون مع الجيش. وفي خلال الاجتماع قدّم الرئيس ميقاتي تعازيه الى قيادة اليونيفيل بالجندي التابع للكتيبة الايرلندية الذي قتل في حادثة العاقبية، وتمنّى الشفاء العاجل للجنود الثلاثة الذين اصيبوا في الحادثة ايضا. وتقدّم قائد الجيش العماد عون من قائد اليونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو بأحرّ التعازي بوفاة الجندي الايرلندي متمنّياً الشفاء للجرحى. وثَمّن تضحيات عناصر اليونيفيل الشريك الاستراتيجي للجيش في المحافظة على الأمن والاستقرار في الجنوب، مؤكّدا استمرار التنسيق والتعاون بينهما».
وقال ميقاتي: «إننا نُعرب عن حزننا العميق للحادثة، والتحقيقات اللازمة مستمرة لكشف الملابسات، ومن الضروري تحاشي تكرارها مستقبلاً. وأحيّي ذكرى شهداء هذه القوات الذين اختلطت دماؤهم بدماء شهداء الجيش والجنوبيين على مر السنين منذ ان انتُدبوا لمهمة حفظ السلام في جنوب لبنان».
أضاف: «كما نعرب عن تقديرنا الكبير لمساهمة اليونيفيل في السلام والاستقرار في جنوب لبنان، وأنا هنا لأؤكد مرة أخرى ان الشعب اللبناني، وأنا شخصياً، نقدّر عميقاً العمل الذي تقومون به، جنباً إلى جنب مع الجيش للحفاظ على السلام والهدوء في الجنوب».
وتابع «إن لبنان ملتزم بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، ويحترم القرارات الدولية، ويدعو الامم المتحدة الى إلزام اسرائيل بتطبيقه كاملاً ووقف اعتداءاتها المتكررة على لبنان، وانتهاكاتها لسيادته برا وبحرا وجوا».
وختم »البيئة التي يعمل فيها الجنود الدوليون بيئة طيبة، والتحقيقات متواصلة في مقتل الجندي الإيرلندي ومَن تثبت إدانته سينال جزاءه».
باريس تدين
وقد دانت الخارجية الفرنسية بـ»أشد العبارات الهجوم الذي استهدف آلية تابعة لليونيفيل في بلدة العاقبية جنوب لبنان»، وطالبت بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسؤولين عن الهجوم.
من جهته، لفت قائد قوات اليونيفيل في لبنان آرولدو لازارو الى أنّ «مقتل الجندي الإيرلندي لم يهزّ التزامنا وسنُضاعف جهودنا لإنجاز مهمتنا».
.
.. والسعودية
وأعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها الشديد للهجوم الذي تعرضت له قوة الأمم المتحدة «اليونيفيل» في جنوب لبنان، والذي أدى إلى مقتل جندي إيرلندي وإصابة آخرين.
وطالبت بإجراء تحقيقٍ فوري وشفاف حول ملابسات الهجوم.
تحقيقات الحزب
في هذا الوقت، افادت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» بأنّ «حزب الله»، الذي نأى بمسؤوليته عن هذا الحادث، يقوم بتحقيقات ميدانية حول حقيقة ما جرى مع دورية اليونيفيل في العاقبية، والاسباب التي أدت لتطوره الى إطلاق نار. كما ان تحقيقات الحزب تشمل ايضا كيفية وصول دورية اليونيفيل الى بلدة العاقبية ولماذا دخلتها، خصوصاً ان هذه البلدة تقع شمال الليطاني، وخارج نطاق عمل قوات اليونيفيل».
وبحسب مصادر امنية لـ»الجمهورية» فإنّ ثمة توجّهاً لاحتواء هذا الحادث، من قبل كل الاطراف المعنية به، سواء اليونيفيل او القوى من الجانب اللبناني. وقالت المصادر نفسها ردّاً على سؤال حول تغيير قواعد عمل ومهمة اليونيفيل: لا احد يرغب في التصعيد، وطبيعي في هذا الجو ان يبقى الحال على ما كان عليه من إلتزام القوات الدولية العاملة جنوب الليطاني بقواعد عملها بحيث لا تقوم بأي دورية من دون مرافقة الجيش اللبناني».
3 طوافات
من جهة ثانية، وخلال احتفال أقيم أمس في قاعدة بيروت الجوية، احتفاءً بتسلّم الجيش اللبناني 3 طوافات عسكرية من نوع »HUEY II « مقدّمة من السلطات الأميركية، وذلك في إطار برنامج المساعدات الأميركية للجيش. اكدت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا «استمرار العمل على ترسيخ العلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان، ومواصلة بلادها برنامج المساعدات الخاص بالجيش اللبناني في مجالات تطوير التدريب وتوفير التجهيزات والتقنيات العسكرية العالية، وذلك انطلاقاً من الثقة بأداء الجيش المحترف ودوره في حفظ أمن لبنان»
الجمهورية