الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / الراعي: لتضع الدولة يدها على كل سلاح غير شرعي!

الراعي: لتضع الدولة يدها على كل سلاح غير شرعي!

مجلة وفاء wafaamagazine

دان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “اغتيال الجندي الإيرلندي”، مضيفاً: “حان الوقت لتضع الدولة يدها على كل سلاح غير شرعي”.

 


وقال في عظة الأحد: “نأسف لما تتعرّض له أراضي رميش من قبل قوى الأمر الواقع وعناصر غريبة عن البلدة وندعو إلى وقف التعديات التي تسيء إلى العيش المشترك”.

 

في ما يلي عظة البطريرك الراعي:

“يفتتح القدّيس متّى إنجيله بنسب يسوع إلى البشريّة، للإعلان أنّه هو المسيح الملك المنتظر من سلالة داود، والذييحقّق وعود الخلاصلإبراهيم، وفقًا لنبوءات العهد القديم. ولهذا قال “كتاب تكوين يسوع المسيح إبن داود،وإبن إبراهيم”، وأراد أن يكشف أنّ هذا الإله المتجسّد هو أيضًا إنسان بطبيعته البشريّة.

 

مع ميلاد يسوع عالم جديد يبدأ. فكما في التكوين الأوّل كان آدم رأس البشريّة الأولى بالطبيعة، كذلك في التكوين الثاني كان يسوع راس البشريّة الجديدة بالنعمة. فقالت عنه الرسالة إلى العبرانيّين أنّه “شاركنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة” (عب 4: 14)، والقدّيس أمبروسيوس: “تأنّس الله ليؤلّه الإنسان”. هذه هي دعوة الله لنا في الميلاد: أن نهيّء نفوسنا وقلوبنا ليولد فينا المسيح إبن الله، ويجعلنا أبناء الله بالنعمة.

يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وقد بلغنا إلى حدود الإحتفال بعيد الميلاد المجيد الذّي يفصلنا عنه أسبوعٌ واحد. فيطيب لي أوّلًا أن أرفع الشكر معكم ومع جميع أبناء كنيستنا المارونيّة إلى قداسة البابا فرنسيس على قبوله أمس طلب إعلان الطوباويّين الإخوة المسابكيّين الثلاثة قدّيسين، بعد أن طوّبهم البابا بيّوس الحادي عشر في 10 تشرين الأوّل 1926. وهم الشهداء فرنسيس وعبد المعطي ورافائيل. وقد استشهدوا في كنيسة الآباء الفرنسيسكان في دمشق سنة 1860 مع عددٍ من الآباء. ويسعدني أن أحيّيكم جميعًا، وبخاصّة عزيزنا الدكتور جوزف طربيهرئيس مجلس إدارة بنك الإعتماد اللبنانيّ، ورئيس الإتحاد الدوليّ للمصرفيّين العرب، مع بناته وسائر أفراد العائلة الذين نحيي معهم ذكرى زوجته المرحومة غلاديس مطر التي ودّعناها منذ اسبوعين. نصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسها ولعزائهم.

ونحيّي وفد الرتباء في الضابطة الجمركيّة مع عائلاتهم. هذه الضابطة تعاني من شغور في الجهاز الإداريّ. إنّهم يطلبون منّا التوسط لدى المسؤولين في إدارة الجمارك من أجل تطبيق القانون الذي ينظّم شؤون الضابطة الجمركيّة، وفتح مباراة لملء الشواغر في الجهاز الإداريّ من داخل الملاك، وسنقوم بذلك.

 

كنّا ننتظر وفدًا من بلدة رميش العزيزة. الذين يشتكون من التعديات الحاصلة على اراضيهم وعمليات جرف وبناء انشاءات تقوم بها جهات نافذة في المنطقة. اننا اذ ناسف لما تتعرض له اراضي البلدة من تعديات في مزرعة سموخيا المحاذية للحدود الدولية من قبل عناصر قوى الأمر الواقع التابعة لاحد الاحزاب في المنطقة . نهيب بالاجهزة الامنية القيام بواجبها في حماية ارزاق ابنائنا وطمأنتهم، وازالة المخالفات فورا وسحب العناصر الغريبة عن البلدة، ووضع حد لكل الممارسات والتعديات التي تسيء الى العيش المشترك فيشعر أهالي رميش الاحبّاء انهم ينتمون الى دولة تحميهم وتضمن سلامتهم وحرية عملهم في ارضهم.

نجد في الإنجيل المقدّس نسبين ليسوع: الأوّل في إنجيل متّى إنحداري من إبراهيم إلى يوسف رجل مريم التي منها ولد يسوع الذي يدعى المسيح (متى 1: 16)، والثاني في إنجيل لوقا تصاعديّ من يوسف إلى آدم الذي هو من الله (لو3: 23-38). القديّس متى قصد التأكيد أنّ يسوع هو المسيح المنتظر والملك من سلالة داود، ومحقّق مواعيد الله الخلاصيّة لابراهيم، كما أعلن الآباء والأنبياء، منذ القديم.أمّا القدّيس لوقا، الذي يكمّل رؤية متّى فيبيّن أنّ يسوع هو آدم الجديد، وأبو كلّ البشريّة المفتداة، ومخلّص جميع البشر، من أيّ عرق ودين ولون كانوا. ويتفرّد لوقا (2/1-7) بالحديث عن تسجيل يسوع مع أبيه وأمّه، في الاحصاء العالميّ الذي اضطرّ يوسف ومريم الحبلى بيسوع على السفر من الناصرة إلى مدينة داود للاكتتاب. وفي هذه الأثناء ولد الطفل في بيت لحم وسجّل في أسرة يوسف ومريم: “يسوع بن يوسف الذي من الناصرة” (يو 1: 45). هذا يعلن بوضوح إنتماء يسوع إلى الجنس البشريّ، إنسانًا بين الناس، من سكّان هذا العالم، خاضعًا للشريعة وللمؤسّسات المدنيّة، ولكن فاديًا للإنسان ومخلّصًا للعالم. “وهذا الذي إكتتب في الإحصاء المسكونيّ مع البشريّة جمعاء، إنّما أراد أن يُحصي الناس أجمعين معه في سفر الأحياء، ويسجّل في السماوات مع القدّيسين كلّ الذين يؤمنون به، له المجد والقدرة إلى الدهور، آمين” (أوريجانس، عظة 11 في القدّيس لوقا؛ أنظر البابا يوحنّا بولس الثاني: حارس الفادي، 9).

 

إنّ مجموعة الأجيال الثلاثة ترمز إلى مسيرة شعب الله نحو المسيح، الذي هو محور البشريّة والتاريخ. المجموعة الأولى من إبراهيم إلى داود هي مسيرة الإيمان، ومعروفة أيضًابعهد البطاركة؛ المجموعة الثانية من داود إلى سبي بابل هي رمز الخطيئة وعهد الملوك؛ المجموعة الثالثة من سبي بابل إلى المسيح هي رمز وعد الله الذي ما زال قائمًا، لأنّ الله صادق في الوعد وأمانته إلى الأبد، حتّى تحقّق الوعد في المسيح، وهي عهد ما بعد المنفى (السبي).

 

المقصود من نسب يسوع إلى العائلة البشريّة أنّ المسيح الربّ هو سيّدتاريخ البشر في مجراه اليومي لكونه “ألفه وياءه، بدايته ونهايته” (راجع رؤ 1: 8). وهو يعمل مع كلّ مؤمن ومؤمنة على تحقيق تاريخ الخلاصالذي يشمل البشر أجمعين، ويعطي التاريخ الزمنيّ قيمته وقدسيّته.

أيّها المسؤولون المدنيّون المتعاطون الشأن السياسيّ، أتدركونأنّ الله في سرّ تدبيره وضع للعالم نظاماً ليعيش الناس والشعوب في سلام، ويتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الارض، وينعموا بالخير والعدل. فكانت السلطة السياسية التي تطورت عبر مراحل انشائها وتكوينها وصلاحياتها، وهي مدعوة دائماً لاستلهام مشيئة الله وتصميمه الخلاصي، فيكون على صاحب السلطة ان “يقضي بالبّر للشعب، وبالانصاف للضعفاء” (مز72/2). وانذر الله الملوك بلسان الانبياء، بسبب تقصيرهم وظلمهم للشعب، قائلًا بلسان النبيّ آشعيا: “ويل للذين يشترعون فرائض للاثم والظلم، ليسلبوا حق ضعفاء شعبي” (اشعيا10/1-2).

 

أتعرفون أيّها المسؤولون، أنّ “الله يملك على كلّ الأمم” (إرميا 10: 7 و 10)؛ ويفرض على متولّي السلطة أن يمارسها محافظًا على شريعته ورسومه؟ هل تعرفون في ضوء كلّ هذا أن السلطة المدنيّة هي ذات طابع أخلاقيّ يشكّل الأساس للعمل السياسيّ؟

 

فلأنّكم تجهلون كلّ هذا، أنتم تعتدون على مشيئة الله، وتمعنون في قهر الشعب الذي انتدبكم وأتمنكم: تمعنون في إفقاره وظلمه وتحقيره وحرمانه من حقوقه الأساسيّة ليعيش بكرامة في وطنه، وتمعنون في تشريده وتهجيره، واعتباره “كنفاية”، بحسب تعبير قداسة البابا فرنسيس.

 

كفّوا إذن، أيّها السادة النواب ومن وراءهم عن هذه السلسلة من الإجتماعات الهزليّة في المجلس النيانيّ، والمحقّرة في آن لكرامة رئاسة الجمهوريّة من جهة، وللإستفادة من شغورها من أجل مآرب سياسيّة ومذهبيّة من جهة أخرى، فضلًا عن السعي إلى تفكيك أوصال الدولة والمؤسّسات.

 

عودوا إلى نفوسكم واعلموا أنّ جماعة سياسيّةً، حاكمةً بالأصالةِ أو بالوكالة، ومعارضةً بالأصالةِ أو بالوكالة، لا بَّد من أن تَسقطَ مهما طالت السنواتُ ما دامت تُهمِلُ إرادةَ الشعبِ وتَعتبره كميّةً لا قيمة لها وحرفًا ساقطًا. لقد أرسَلَكم الشعبُ إلى البرلمانِ لتَنتخِبوا رئيسًا لا لتُحْدِثوا شغورًا رئاسيًّا. واللهُ أعْطاكم مناسبة تَجَلٍ لتَنتخِبوا رئيسًا في الـمُهلةِ الدُستوريّةِ، فحَوَّلتُموها زمن تَخَلٍ لا نَعرف متى يَنتهي، ووسيلة إهمال جديد لرغبة الشعب الذي يريد رئيسًا يَحمي ظهرَ لبنان وصدَره لا ظهر هذا أو ذاك. فمتى كان ظهر الدولة محميًّا، فظهر كلّ المكوّنات اللبنانيّة يكون محميًّا. الشعب يريد رئيسًا لا يَخونه مع قريبٍ أو بعيدٍ ولا يَنحازُ إلى المحاور؛ رئيسًا يُطمئنه هو ويَحمي الشرعيّة لتضبط جميع قوى الأمرِ الواقع؛ رئيسًا يَعمل مع مجلسِ وزراءَ جديدٍ وفعّالٍ ومُوَحّدِ الكلمةِ فتعود الحياة الطبيعيّة إلى مؤسّسات الدولة وإداراتها.

 

إنّ كلّ ما يجريعلى الصعيدِ الرئاسيِّ والحكوميِّ والنيابيِّ والعسكريِّ في الجنوب وعلى الحدود، وتآكلِ الدولةِ رأسًا وجسمًا، يؤكّد ضرورةَ تجديدِ دعوتنا إلى الحيادِ الإيجابيّ الناشطِ، وإلى عقدِ مؤتمرٍ دُوَليٍّ خاصٍّ بلبنان، يعالج القضايا التي تعيد إليه ميزته وهويّته فلا يَفقِدَ ما بنيناه في مئة سنة من نظامٍ وخصوصيّةٍ وتعدّديةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ ديمقراطيّةٍ وشراكةٍ وطنيّة، جعلت منه “صاحب رسالة ونموذج في الشرق كما في الغرب”،بحسب قول البابا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني.

 

لقد آلمنا للغاية إغتيال الجندي الإيرلنديِّمنذ ثلاثة أيّام، وهو من أفراد القوّات الدوليّة في الجنوب اللبنانيّ. إنّنا نشجبها وندينها بأشدّ العبارات. ونُعزي بلدَه الصديق وعائلتَه، والكتيبة الإرلنديّة وقائد القوّات الدوليّةّ وجنودها. وإنّنا نلتمس الشفاء العاجلِ لرفاقة المصابين. إن هذا الجنديَّ الإيرلندي الذي جاء إلى لبنان ليَحميَ سلامَ الجنوب، استشهد فيه برصاصة حقد إغتالته. هذه الحادثة المأساويّة التي تشوّه وجه لبنان، إنما تستوجب تحقيقًا شفافًا لبنانيًّا وأمميًّايكشف الحقيقة ويجري العدالة. لقد حان الوقتُ، بل حانَ من زمان، لأن تضعَ الدولةُ يدَها على كلِّ سلاحٍ مُتفلِّتٍ وغيرِ شرعيٍّ وتطبّق القرارِ 1701 نصًا وروحًا لأن تطبيقَه حتى الآن هو انتقائيّ واعتباطيّ ومُقيّد بقرارِ قوى الأمر الواقع، فيما الدولةُ تَعَضُّ على جُرحها.،وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها.

 

في زمن الميلاد، الذي أشرق فيه نور بدّد الظلمة عن الشعب السائر فيها، نلتمس من المولود الإلهيّ أن يبدّد الظلمة عن ضمائر المسؤولين، لكي يتمكّن المؤمنون من عيش بهجة أنوار الميلاد”.