مجلة وفاء wafaamagazine
يحل عيد الميلاد هذا العام كما الاعوام الثلاثة الماضية ثقيلا على اللبنانيين الذين ما زالوا يتخبطون في شتى انواع الازمات الناتجة بشكل اساسي من الانهيار المالي المتواصل والشغور في سدة الرئاسة الذي بات ينسحب رويدا رويدا على كل مؤسسات واجهزة الدولة.
كتبت” النهار”:
في ليلة الميلاد “اللّبنانية” بدا بديهيّاً أن تتجمّع آمال اللّبنانيّين وأمنياتهم وأحلامهم حول انبعاث أفق من نور الحلول لمآسيهم وأزماتهم التي تبدو كأنّها عاصية على أيّ انفراج قريب. ووسط الانسداد الآخذ في الاشتداد في الأزمة السياسيّة – الرئاسيّة التي تترك الفراغ حاكماً وحيداً فعليّاً للبلاد لم يكن أدلّ على قتامة المشهد والواقع الداخلي من المواقف الشديد التّعبير عمّا مآلات الأزمة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رسالة الميلاد والتي يمكن وصفها بأنّها شكّلت ذروة الذّروات في مواقفه النارية العاكسة لعمق الاعتمال الذي تتفاعل الكنيسة مع اللّبنانيين جميعاً حياله وليس فقط أبناء الكنيسة.
ولكن ما يثير الخشية المتعاظمة من المرحلة الآتية هو أنّ لا صوت يبدو قادراً على كسر معادلة التّعطيل التي تتولّاها قوى معروفة بدليل انّ هذه القوى لا توفّر مناسبة إلّا وتطلق العنان لمواقف تتحدّى كلّ اتّجاهات الإنقاذ على غرار الحملات التي يستهدف عبرها “حزب الله” بكركي بطرق مباشرة أو ملتوية تحت ستار رفض التّدويل أو الدّعوة إلى مؤتمر دولي فيما يمعن الحزب في التسبّب مع شركائه في الفراغ الرّئاسي واستباحة الواقع اللّبناني برمّته للأزمات المفتوحة المتدحرجة.
وقال مصدر ديبلوماسي عربي لـ«الجمهورية»: «كل العالم ينتظر ان يبادر اللبنانيون إلى التوافق على انتخاب رئيسهم، وعليهم ان يخرجوا من الوهم، ويصدّقوا انّه لا توجد أي مبادرة خارجية حول الملف الرئاسي في لبنان. وهذا الموقف تكرّر على مستويات عربية ودولية مختلفة، من كل أصدقاء لبنان وأشقائه، بأنّ إنقاذ لبنان وإطلاق مسار الانفراج السياسي والاقتصادي والمالي بيد اللبنانيين، وهم وحدهم يختارون رئيسهم، ونحن معهم في سعيهم إلى التوافق في ما بينهم عليه».
وبحسب معلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة، فإنّه في موازاة تعطّل لغة الكلام الرئاسي داخلياً، فإنّ الصورة الخارجية لا تبدو مختلفة، حيث انّ حركة المشاورات الخارجية تجاه الملف اللبناني باتت خجولة، ولا تشي بأي تطوّر جديد. ذلك انّ كل الخارج ينتظر تجاوباً سريعاً من الأطراف اللبنانيين مع الدعوات المتتالية للتوافق الداخلي على رئيس للجمهورية.
وبحسب المصادر، فإنّ الإشارات التي ترد عبر القنوات الديبلوماسية، تذكّر من جهة بواجب اللبنانيين انتخاب رئيسهم، وتنطوي من جهة ثانية على استغراب انكفاء القادة اللبنانيين عن تحمّل مسؤولياتهم، وخصوصاً بعد التحذيرات الجدّية من مخاطر كبرى تلوح في أفق لبنان، وانّ ابقاءه في حال انعدام التوازن وعدم الانتظام في مؤسساته الدستورية، وغياب حكومة قادرة على اتخاذ القرارات وتوفير العلاجات الملحّة لأزمته الصعبة، يسرّع في انهيار خطير جداً في لبنان.
وكشفت مصادر أممية لـ«الجمهورية»، انّ «الوضع في لبنان كان محور نقاش في اتصال هاتفي جرى قبل فترة قصيرة، بين مسؤول اممي رفيع، وأحد كبار المسؤولين في لبنان، عكس فيه المسؤول تخوّف الأسرة الدولية من تداعيات الوضع في لبنان، مشدّداً على انّ على اللبنانيين مسؤولية ان يتداركوا هذه التداعيات بالركون الى مصلحة لبنان واللبنانيين وانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير. وقال المسؤول الاممي: «انّ شعب لبنان يعاني، وواجبكم كلبنانيين ان تنتخبوا رئيساً يوقف المعاناة ويوحّد الشعب اللبناني، وانتم كلبنانيين تعلمون انّ المخاطر محدقة بلبنان على كل الصعد، وهذا يوجب على السياسيين تنحية مصالحهم والتوصل إلى اتفاق لملء فراغ السلطة في لبنان، ونحن مدركون انّه يحتاج اكثر من أي وقت مضى إلى أن تعمل مؤسسات الدولة بكامل فعاليتها لتتمكن من تجنّب تلك المخاطر، وتنفيذ الإصلاحات الشاملة برؤية استراتيجية تستحث تغييراً جوهرياً يحقق المصلحة العامة».
وبإزاء ما بلغته الأوضاع المتدهورة في البلاد من سقوف مخيفة أطلق البطريرك الرّاعي أمس في الرسالة الميلاديّة مجموعة مواقف بارزة فقال بداية “لئن خيّب السياسيّون آمال الشعب اللبنانيّ، فإنّ مخلّص العالم، يسوع المسيح، في ذكرى ميلاده، يثبّتنا ويثبّت شعبنا على صخرة الرّجاء بأنّه قادر على أن يخرجه من مآسيه ساعة يشاء وكيفما يشاء”.
وأضاف “إنّه في البداية يسائل ضمائر المسؤولين السياسييّن عن موقفهم من عذاباتِ الشعب؟ يرتفعُ سعرُ الدّولار ولا أحدَ منهم يتحرّك! تهبطُ اللّيرةُ اللّبنانيّةُ ولا يَرِفُّ جِفنُ مسؤول! يَستخِفّون بأصحابِ الودائع ويَعدُونَهم بإعادةِ أموالِـهم فيما قراراتُ الدّولةِ تُناقض هذه الوعود.
الشعبُ يَتسوّلُ الخبزَ والغذاءَ والدواءَ والكهرباءَ والمياهَ والغازَ والمحروقاتِ وفرصَ العملِ والأجورَ والتعويضات، وهم غير معنيّين …”.
وتابع: “من المؤسف حقّاً أنّ كلّ المعطيات السياسيّة تؤكّد وجودَ مخطّط ضِدَّ لبنان، لإحداثِ شغورٍ رئاسيٍّ معطوفٍ على فراغٍ دستوريٍّ يُعقّدُ أكثرَ فأكثر انتخابَ رئيسٍ للجُمهوريّة. ألم تمنع فئاتٌ سياسيّةٌ تأليف حكومةٍ قبل انتهاءِ ولايةِ الرئيسِ العماد ميشال عون رغمَ علمها أنَّ الحكومةَ القائمةَ مستقيلةٌ حُكمًا وتُصرِّفُ الأعمال، وأنّها ستَخلقُ إشكاليّاتٍ في تحديدِ دورِها؟
ومن ثم صار تعطيل متعمّد لانتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة ليُصبحَ لبنانُ من دون أيِّ سلطةٍ شرعية. نسأل المعنيّين بهذا المخطّط: ماذا تريدون؟ لماذا تنتقمون من لبنان؟ لماذا تهدمون دولة لبنان؟ مهما دارت الظّروف لا أولويّةَ سوى انتخاب رئيس. لا توجد دولةٌ في العالم من دونِ رئيسٍ حتى في غياهبِ الكرة الأرضيّة. إنّ الذين يمنعون إنتخاب رئيس لكلّ لبنان، يمنعون قيامة لبنان. أمّا البطريركيةُ المارونيّةُ فمُصمِّمةٌ على مواصلةِ نضالَها ومساعيها في لبنانَ ولدى المجتمعَين العربيِّ والدُولي من أجل تسريعِ الاستحقاقِ الرئاسي. لكنَّ الصراعَ الإقليميَّ يُعيق هذه المساعي لأنَّ هناك من يريدُ رئيساً له لا للبنان ويريد رئيسًا لمشروعِه لا للمشروع اللبناني التاريخي. وهذا أمرٌ لن ندعَه يحصُلُ فلبنان ليس مُلكَ فريقٍ دونَ آخَر”.
في المقابل مضى “حزب الله” في استهداف طرح بكركي عقد مؤتمر دولي، من دون ان يسمّيها . وفي هذا السياق قال نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ علي دعموش ان “حزب الله دعا منذ البداية للتوافق الداخلي في الملف الرئاسي، لأن التوافق هو الحل الأسرع لانجاز هذا الاستحقاق والخروج من حال الانسداد السياسي”. ورأى ان “السبب في الانسداد السياسي والتدهور الجديد في الاوضاع المعيشية ليس من يدعو الى الحوار والتفاهم بين اللبنانيين بل من يرفض الحوار، ويدعو الى تدويل الاستحقاق الرئاسي ويراهن على التدخل الخارجي ويصر على طروحات وترشيحات وخطابات تصعيدية واستفزازية تزيد من التوتر والانقسام في البلد”. وأكد ان “الطريق الوحيد للحل في ظل التوازنات السياسية القائمة هو الحوار والتفاهم الداخلي، أما التدويل والتدخل الخارجي فلن يحل المشكلة بل سيؤدي الى تعقيد الأمور وزيادة الانقسامات وتعميق الأزمات”.