مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة النهار
في ليلة الميلاد “اللّبنانية” بدا بديهيّاً أن تتجمّع آمال اللّبنانيّين وأمنياتهم وأحلامهم حول انبعاث أفق من نور الحلول لمآسيهم وأزماتهم التي تبدو كأنّها عاصية على أيّ انفراج قريب. ووسط الانسداد الآخذ في الاشتداد في الأزمة السياسيّة – الرئاسيّة التي تترك الفراغ حاكماً وحيداً فعليّاً للبلاد لم يكن أدلّ على قتامة المشهد والواقع الداخلي من المواقف الشديد التّعبير عمّا مآلات الأزمة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رسالة الميلاد والتي يمكن وصفها بأنّها شكّلت ذروة الذّروات في مواقفه النارية العاكسة لعمق الاعتمال الذي تتفاعل الكنيسة مع اللّبنانيين جميعاً حياله وليس فقط أبناء الكنيسة.
ولكن ما يثير الخشية المتعاظمة من المرحلة الآتية هو أنّ لا صوت يبدو قادراً على كسر معادلة التّعطيل التي تتولّاها قوى معروفة بدليل انّ هذه القوى لا توفّر مناسبة إلّا وتطلق العنان لمواقف تتحدّى كلّ اتّجاهات الإنقاذ على غرار الحملات التي يستهدف عبرها “حزب الله” بكركي بطرق مباشرة أو ملتوية تحت ستار رفض التّدويل أو الدّعوة إلى مؤتمر دولي فيما يمعن الحزب في التسبّب مع شركائه في الفراغ الرّئاسي واستباحة الواقع اللّبناني برمّته للأزمات المفتوحة المتدحرجة.
وبإزاء ما بلغته الأوضاع المتدهورة في البلاد من سقوف مخيفة أطلق البطريرك الرّاعي أمس في الرسالة الميلاديّة مجموعة مواقف بارزة فقال بداية “لئن خيّب السياسيّون آمال الشعب ال#لبنانيّ، فإنّ مخلّص العالم، يسوع المسيح، في ذكرى ميلاده، يثبّتنا ويثبّت شعبنا على صخرة الرّجاء بأنّه قادر على أن يخرجه من مآسيه ساعة يشاء وكيفما يشاء”.
وأضاف “إنّه في البداية يسائل ضمائر المسؤولين السياسييّن عن موقفهم من عذاباتِ الشعب؟ يرتفعُ سعرُ الدّولار ولا أحدَ منهم يتحرّك! تهبطُ اللّيرةُ اللّبنانيّةُ ولا يَرِفُّ جِفنُ مسؤول! يَستخِفّون بأصحابِ الودائع ويَعدُونَهم بإعادةِ أموالِـهم فيما قراراتُ الدّولةِ تُناقض هذه الوعود.
الشعبُ يَتسوّلُ الخبزَ والغذاءَ والدواءَ والكهرباءَ والمياهَ والغازَ والمحروقاتِ وفرصَ العملِ والأجورَ والتعويضات، وهم غير معنيّين …”.
وتابع: “من المؤسف حقّاً أنّ كلّ المعطيات السياسيّة تؤكّد وجودَ مخطّط ضِدَّ لبنان، لإحداثِ شغورٍ رئاسيٍّ معطوفٍ على فراغٍ دستوريٍّ يُعقّدُ أكثرَ فأكثر انتخابَ رئيسٍ للجُمهوريّة. ألم تمنع فئاتٌ سياسيّةٌ تأليف حكومةٍ قبل انتهاءِ ولايةِ الرئيسِ العماد ميشال عون رغمَ علمها أنَّ الحكومةَ القائمةَ مستقيلةٌ حُكمًا وتُصرِّفُ الأعمال، وأنّها ستَخلقُ إشكاليّاتٍ في تحديدِ دورِها؟
ومن ثم صار تعطيل متعمّد لانتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة ليُصبحَ لبنانُ من دون أيِّ سلطةٍ شرعية. نسأل المعنيّين بهذا المخطّط: ماذا تريدون؟ لماذا تنتقمون من لبنان؟ لماذا تهدمون دولة لبنان؟ مهما دارت الظّروف لا أولويّةَ سوى انتخاب رئيس. لا توجد دولةٌ في العالم من دونِ رئيسٍ حتى في غياهبِ الكرة الأرضيّة. إنّ الذين يمنعون إنتخاب رئيس لكلّ لبنان، يمنعون قيامة لبنان. أمّا البطريركيةُ المارونيّةُ فمُصمِّمةٌ على مواصلةِ نضالَها ومساعيها في لبنانَ ولدى المجتمعَين العربيِّ والدُولي من أجل تسريعِ الاستحقاقِ الرئاسي. لكنَّ الصراعَ الإقليميَّ يُعيق هذه المساعي لأنَّ هناك من يريدُ رئيساً له لا للبنان ويريد رئيسًا لمشروعِه لا للمشروع اللبناني التاريخي. وهذا أمرٌ لن ندعَه يحصُلُ فلبنان ليس مُلكَ فريقٍ دونَ آخَر”.
وليس بعيداً كانت لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مواقف جديدة في مناسبة الميلاد إذ اعتبر أنّ “أمنيته الميلاديّة هذه السنة هي أن يتمكّن مجلس النوّاب في أسرع وقت ممكن من انتخاب رئيس للجمهوريّة يكون رئيساً فعليّاً للجمهوريّة لا شخصاً جلّ ما فيه أنه يطلق عليه فقط لقب “رئيس الجمهوريّة”، فنحن كان لدينا رئيس مماثل في السنوات الست المنصرمة ورأينا أين وصلنا”.
ولفت إلى أنّه “للأسف لا أرى في الوقت الرّاهن أنّ هذه الـأمنيّة يمكن أن تتحقّق في وقت قريب إلّا عبر أعجوبة يقوم بها “طفل المغارة” ولكن هذا الأمر لا يعني أبداً أننا يجب التوقف عن السعي اليومي من أجل تحقيقها”. وقال “لماذا لا يتركون الإنتخابات تأخذ مجراها وليصل من يصل إلى سدّة المسؤوليّة؟ نحن قلنا وكرّرنا مراراً وتكراراً أنه حتى لو تمكن مرشّح الفريق الآخر من جمع 65 صوتاً في مجلس النواب فمن الممكن أن نتغيّب عن حضور جلسة أو إثنتين ولكننا لن نعطّل انتخابات رئاسة الجمهوريّة وبالتالي هناك فريق معين يعطل الإستحقاق الرئاسي”.
أما بالنسبة لموضوع الحوار وعما إذا كانت “القوّات اللبنانيّة” قد قطعت الطريق عليه عبر موقفها بأنها لن تشارك بأي حوار كان، قال “ليس صحيحاً هذا الأمر، نحن في حوار دائم مع بقيّة الأفرقاء لمحاولة الوصول إلى رئيس بالحدّ الأدنى مقبول، أما بالنسبة لطاولة الحوار الرسميّة فأنا لا أعرف ما هو “موقعها من الإعراب” في الوقت الراهن، فهل الحوار لا يمكن أن يحصل سوى على طاولة حوار رسميّة؟ هذه الطاولة ضروريّة ما بين الغرباء أو للحوار في مواضيع معيّنة تتطلّب دراسات وتعمّق في البحث ما بين الجميع، أما التوافق على رئيس فهو ليس بحاجة الى طاولة مماثلة “.
في المقابل مضى “حزب الله” في استهداف طرح بكركي عقد مؤتمر دولي، من دون ان يسمّيها . وفي هذا السياق قال نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ علي دعموش ان “حزب الله دعا منذ البداية للتوافق الداخلي في الملف الرئاسي، لأن التوافق هو الحل الأسرع لانجاز هذا الاستحقاق والخروج من حال الانسداد السياسي”. ورأى ان “السبب في الانسداد السياسي والتدهور الجديد في الاوضاع المعيشية ليس من يدعو الى الحوار والتفاهم بين اللبنانيين بل من يرفض الحوار، ويدعو الى تدويل الاستحقاق الرئاسي ويراهن على التدخل الخارجي ويصر على طروحات وترشيحات وخطابات تصعيدية واستفزازية تزيد من التوتر والانقسام في البلد”. وأكد ان “الطريق الوحيد للحل في ظل التوازنات السياسية القائمة هو الحوار والتفاهم الداخلي، أما التدويل والتدخل الخارجي فلن يحل المشكلة بل سيؤدي الى تعقيد الأمور وزيادة الانقسامات وتعميق الأزمات”.
وغداة اللقاء الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل عكست المعطيات التي تسرّبت عنه عدم تحقيق نتائج يعتدّ بها علماً أنّ الاشتراكي أكّد أنّه على مقاربته للملفّ الرّئاسي مع انفتاحه على الحوار مع الجميع. وفي هذا السياق، أوضح عضو اللّقاء الديموقراطي النائب بلال عبد الله أنه خلال لقاء باسيل – جنبلاط “لم يحصل نقاش بالاسماء للرئاسة”، مؤكداً أنّ “المقاربة الرئاسية للحزب الاشتراكي لم تتغيّر ولكنها ليست موضوعاً خشبيّاً جامداً وليس هذا اللّقاء هو ما فتح لنا منافذ الحوار فنحن منفتحون منذ البداية وثوابتنا لم تتغير”. وأكّد أنّ “اي لقاء بين قوى سياسية، خاصة القوى المتخاصمة، موضوع ايجابي بكل ما للكلمة من معنى، وخطاب الحزب الاشتراكي هو الحوار والانفتاح ولبننة الاستحقاق الرئاسي”، مضيفاً “لقاء باسيل – جنبلاط لا يجب أن يكون محطة استفسارات واجتهادات وهو لقاء طبيعي”.