الرئيسية / آخر الأخبار / لبنان والمنطقة: إحتمالات التصعيد تتصاعد.. والسجال يملأ الفراغ.. والعتمة تقترب

لبنان والمنطقة: إحتمالات التصعيد تتصاعد.. والسجال يملأ الفراغ.. والعتمة تقترب

مجلة وفاء wafaamagazine

الصورة اللبنانية باتت مجزّأة إلى مشهدين: الأول، انسداد كامل في الافق الرئاسي موروث منذ ما قبل خروج الرئيس ميشال عون من القصر الجمهوري في 31 تشرين الاول الماضي، وأطراف الانقسام الداخلي تقارب الملف الرئاسي بلغات سياسية متصادمة ما زالت تقفل كل سبل التوافق والانفراج. اما المشهد الثاني فيفترض ان يتبلور في المدى القريب ربطاً بـ”حراك جدي” اكد عليه رئيس مجلس النواب قبل نهاية السنة الماضية، ويفترض ان ينطلق في محاولة جديدة لكسر جدار التعطيل، وبناء قاعدة توافق لانتخاب رئيس جديد للجمهورية على أساسها.

واذا كان «الحراك الجدي» المنتظر، وبمعزل عن الشكل الذي سيتخذه أكان على شكل مشاورات ثنائية او ثلاثية يديرها الرئيس بري وهو الامر المرجّح، او على شكل حوار واسع، او على شكل جولات ولقاءات قد لا تبقى محصورة في النطاق الداخلي، يُراد منه استيلاد ايجابيات تسري في هشيم السياسة الداخلية وتنهي الفراغ في سدة الرئاسة، إلا انه حتى الآن لا مؤشرات توحي بأنّ المحاولة الجديدة ميسّرة، حيث ان الطريق الرئاسي مزروع بالعوائق والمطبات، وكل الاطراف المعنية به مُتمَوضعة في زواياها الصدامية، ولا تبدو مستعدة للتراجع او التفاعل الايجابي مع أي مسعى لبلورة توافق بإجماع او شبه إجماع على رئيس للجمهورية.

 

 
 

تطورات مُقلقة

 

مصادر معنية بالحراك المنتظر، أبلغت إلى «الجمهورية» قولها «انّ الوضع في لبنان بات فعلاً على حد السكين، فمن جهة بات وضعه مفككا سياسيا، ومتآكلا ماليا واقتصاديا واجتماعيا، وحتى أمنيا، وكلها اسباب دافعة الى التعجيل في اعادة التوازن الداخلي، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تعيد التقاط زمام الامور. واما من الجهة الثانية فيبدو أن مشهد المنطقة يقترب من أن يوضع على برميل بارود آيل للانفجار في اي لحظة».

 

وحذّرت المصادر مما سمّته «الصاعق الاسرائيلي» الذي قد يضع المنطقة برمتها على حافة الانفجار، ودعت الى رصد تطورات الداخل الاسرائيلي، معتبرة «أن ما رافَق تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي تبدو اكثر تطرفا وتشددا ممّا سبقها، يُضاف الى ان المستويات الاسرائيلية على اختلافها تعترف بأن الداخل الاسرائيلي يعاني مأزقا وازمات، يثير المخاوف من خطوات تصعيدية للتغطية عليها».

 

وقالت المصادر: منذ العام 2006 وحتى اليوم، لم يحصل ان كانت مؤشرات الحرب والتصعيد في المنطقة أعلى مما هي عليه في هذه الفترة، نظراً الى المأزق الذي صاحَب تشكيل حكومة نتنياهو، حيث ان الكثير من المحللين الاسرائيليين يصرّحون علناً بأن لا مهرب من هذا المأزق سوى بالذهاب الى حرب؛ حرب شاملة، او حرب مؤقتة ومحدودة، او حرب بالوكالة. واما الهدف الاساس لهذه الحرب فهو في الداخل الفلسطيني، والتصعيد ضد ايران. وفي هذا السياق تُبدي المصادر قلقا جديا من ان يكون لبنان ضمن دائرة التصعيد والاستهداف.

 

وتخلص المصادر الى التأكيد على انه ربطاً بالمسار الانحداري المُتسارع الذي يشهده الواقع اللبناني اقتصاديا وماليا واجتماعيا ومعيشيا، وكذلك ربطا بالتطورات الاقليمية المحتملة، باتت الحاجة اكثر من ملحّة الى تحصين الداخل امام العواصف الداخلية والخارجية، وباب هذا التحصين مدخله التوافق الداخلي وحسم الملف الرئاسي، وامام اللبنانيين فرصة حقيقية ما زالت متاحة لكسر الانسداد القائم، وجعل كانون الثاني الجاري، شهر الحسم الرئاسي والتوافق على انتخاب الرئيس.

 

أثمان باهظة

 

وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ الحراك الديبلوماسي تجدّد مع بداية السنة الحالية لِحَث اللبنانيين على ترتيب بيتهم الداخلي، وتبرز في هذا السياق نصيحة جديدة – قديمة نَقلها احد السفراء العرب الى بعض المسؤولين، مفادها ان على الاشقاء في لبنان ان يدركوا انّ لبنان بات في دائرة الخطر الشديد، وينبغي عليهم المُسارعة ومن دون إبطاء الى إتمام استحقاقاته الدستورية، قبل ان يصبح وضعه ميؤوسا منه، وهو الامر الذي قد يهدد استقرار لبنان، ويدخله في نفق اللاعودة، وسيدفّع الشعب اللبناني أثماناً باهظة في كل المجالات.

 

خسرتم فرصة ثمينة

 

على أنّ الاخطر مما تقدّم، ما ورد على لسان وزير اوروبي زار لبنان قبل ايام قليلة، حيث قدّم مقاربة سوداوية للوضع في لبنان، مُلقياً على القادة اللبنانيين المسؤولية المباشرة في إيصال الحال الى ما هو عليه من اهتراء.

 

وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ الوزير الاوروبي قاربَ المشهد اللبناني بكثير من التأثر والتعاطف مع الشعب اللبناني، ونقل عنه ما مفاده «انا شخصياً قد أمضيتُ في لبنان فترة كبيرة، وكنت سعيدا ومسرورا جدا، واحمل في نفسي الكثير من العاطفة تجاه هذا البلد الجميل. وكل العالم متضامن مع لبنان ويريد له ان يكون مستقرا ومُعافى من ازماته، وفرنسا بالتحديد تكنّ للبنان محبة كبيرة، والرئيس ايمانويل ماكرون حمل لبنان وقضية لبنان الى كل المحافل سعياً لحشد الدعم له لإخراجه من أزمته. لم يترك أصدقاء لبنان وسيلة الا واستخدموها لِحَث القادة فيه على حل ازمتهم وانتخاب رئيسهم، ولكن مع الاسف انتم اللبنانيون لم تساعدوا الرئيس ماكرون، كما لم تساعدوا انفسكم، وخيّبتم امل المجتمع الدولي».

 

ووفق المعلومات فإن الوزير الاوروبي قارَبَ أداء السياسيين بشيء يفوق اللوم، حيث نقل عنه في هذا السياق ما مفاده انّ لبنان وحتى ما قبل نهاية السنة الماضية كان امام فرصة لبلورة حل لأزمته وانتخاب رئيس للجمهورية، يجذب اهتمام كل العالم اليه والوقوف الى جانبه، ولكنكم مع الاسف، بواقعكم السياسي وتصادم المصالح أطَحتُم هذه الفرصة».

 

 

وبحسب ما نقل عن الوزير الاوروبي «فإنّكم في لبنان فقدتم فرصة سحرية لايقاف الانهيار، وقد كان هذا ممكناً قبل نهاية السنة الماضية. وعليكم ان تدركوا ان اقتصادات الكثير من الدول وخصوصا الدول المهمة، تعاني. فهناك مشكلات داخلية كبيرة جدا، في المناحي الاقتصادية والمالية، وهناك ضغوط عسكرية وامنية متزايدة على اكثر من ساحة دولية، جراء الحدث الاوكراني الآخذ في التفاعل الى حدود خطيرة جدا ومفتوحة على تطورات اوسع غير محسوبة او متوقعة او محدودة، وهذا معناه انّ اولويات الدول، سواء فرنسا او غير فرنسا، صارت داخلية، واهتماماتها مركّزة على مشكلاتها، التي صارت اكبر من قدرتها على التعامل مع قضايا دول اخرى. وبالتالي اصبحتم في لبنان امام قدركم وواجبكم المسارعة الى التحرك المسؤول لإنقاذ بلدكم».

 

سبيل الانقاذ

 

الى ذلك، ابلغت مصادر ديبلوماسية في باريس الى «الجمهورية» قولها انها لا ترى في الافق اللبناني ما يؤشّر الى انفراج في المسار الرئاسي في ظل التباعد القائم بين السياسيين. مشيرة الى ان باريس مستمرة في جهودها واتصالاتها مع كل الاصدقاء لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته. كما ان جهود الديبلوماسية الفرنسية لم تتوقف في سبيل حثّ القادة في لبنان على التوافق لانتخاب رئيس للجمهورية».

 

وردا على سؤال حول التحضيرات لعقد اجتماع حول لبنان في باريس، كشفت المصادر ان هذا الأمر متفاعل في الاعلام فقط، حيث لا شيء نهائيا في هذا الاطار، بل لا شيء اكيداً حتى الآن إنما ليس مستبعداً، ولكن يبقى الاساس هو انّ احداً لن ينوب عن اللبنانيين في تحمّل مسؤولياتهم ووضع بلدهم على سكة الانقاذ واعادة انتظام وضعه السياسي والمؤسساتي والدستوري، والاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية هو الخطوة الاولى في هذا السبيل.

 

تمديد التعطيل

 

وسألت «الجمهورية» مرجعا مسؤولا حول تطورات الملف الرئاسي وما اذا كانت الاختراقات ممكنة في قابل الايام، فقال: السنة الماضية أقفلت على تعطيل في الملف الرئاسي، والسنة الحالية افتتحت على هذا التعطيل، ومواقف وتوجهات القوى السياسية تؤشر الى تمديد لهذا التعطيل، وهذا معناه ان البلد سيُكمل مسار الانهيار.

 

وكشف المرجع انّ «ثمة محاولة منتظرة من الرئيس بري، ستنطلق حينما تنضج ظروفها، حيث انّ الواقع الآن بتناقضاته وانقساماته العميقة، أشبه برمال متحرّكة من شأنها ان تبتلع اي جهد ما لم يكن هذا الجهد محصّناً بإمكانية التجاوب معه، والرئيس بري لن يبادر الى اطلاق اي تحرّك ما لم تكن التربة الداخلية خصبة لِتلقّفه والتفاعل الايجابي معه، والشرط الاساس لذلك هو تغليب ارادة التوافق، والاقتناع بأنّ هذا التوافق هو مفتاح الفرج الرئاسي».

 

وقال: «كل العالم يدرك تمام الادراك ان الحل الرئاسي مفتاحه التوافق، وكل الحراك الديبلوماسي العربي والغربي يدور في سياق محاولة لزرع حقيقة وحيدة في أذهان اللبنانيين بأن لا احد في الخارج راغب في التدخّل المباشر لحسم الملف الرئاسي لا عبر مبادرات او غير مبادرات، بل ان هذا الامر شأن لبناني، ومسؤولية لن ينوب احد في الخارج عن اللبنانيين في تحمّلها والتوافق على رئيس. ومع ذلك ما زالت ارادة التعطيل هي الغالبة حتى الآن، والتوافق الذي لا بد منه في نهاية المطاف هو مفردة لا محل لها من الاعراب لدى المعطلين في لبنان، علماً ان السبيل الى التوافق ممكن ولا يتطلب معجزات على ما يقول البعض، بل يتطلب صفاء نيات، وشعوراً بالمسؤولية وإدراكاً لحجم المخاطر التي تهدد مصير هذا البلد ووجوده».

 

مسلسل الفشل

 

امام هذا الانسداد، يبقى المشهد الداخلي مُتقلّباً على نار الانقسامات السياسية، وكذلك على نار الانهيار المالي المُتسارع وفلتان الدولار وتحكّم السوق، او الاسواق السوداء بالدولار، وعلى نار السجالات التي احتدمت في الساعات الاخيرة بلغة صدامية حادة سياسية وتجريحية حول الملف الكهربائي بين رئيس حكومة تصريف الاعمال والتيار الوطني الحر، فيما ينتظر ان يستأنف مسلسل الجلسات الفاشلة في انتخاب رئيس للجمهورية في الايام المقبلة في انتظار صدمة او مفاجأة او لحظة حظ تضرب المسار الرئاسي وتفتح نافذة امل في الحائط المسدود.

 

العتمة الشاملة

 

في هذه الاجواء، وامام انهيار الليرة، وتفاقم الاسعار واختفاء الدواء، لبنان مهدد بالعتمة الشاملة، بانطفاء آخر نقطة ضوء فيه، لانعدام توفّر مادة الفيول. حيث اعلنت مؤسسة كهرباء لبنان «أنّ خزين معمل الزهراني من الغاز أويل قد نفد ‏بالكامل، ما سيضع مساء‌ الأربعاء (امس) هذا المعمل الحراري الوحيد العامل حالياً، قسراً ‏خارج الخدمة،‌ وبما أنّه لم يتبقّ من خزين معمل دير عمار من الغاز أويل سوى حوالى 6 ‏آلاف طن لا يُمكن استعمالها‌ سوى من أجل أعمال ‏التجارب‌ ‌والأداء‌‏ (commissioning) المُرتقب بَدؤها ‌يوم الاثنين المقبل الواقع فيه‌ 9/ ‏‏1/ 2023‌ و‌‍‌المرتبطة بأعمال الصيانة العامة ‎ (Major Overhaulللمجموعة ‏البخارية‎ (Steam Turbine) ‎في‌ المعمل التي‌ ‌لا تزال مستمرة منذ ‏حوالى ‌‍‌الشهرين، ‌‍‌والتي‌ ‌تقوم بها‌ ‌ا‌‍‌لشركات الصانعة لا سيما ‎ Siemensو‌‏Ansaldo ‎ بواسطة‌ خبرائها ‌المتواجدين والقادمين ‌‍‌إلى لبنان لهذه الغاية.

 

وقالت الشركة انه «نظراً لعدم وصول أية شحنة ‏من المحروقات‌ ‌خلال‌ شهر كانون الأول 2022‌ بموجب اتفاقية مُبادلة الفيول‌ العراقي ‏الموقعة بين دولتي لبنان والعراق‌‍‌، ‌‍‌وريثما تتوصّل السلطات المختصة إلى حل بشأن فتح ‏الاعتمادات‌ اللازمة لتفريغ بواخر المحروقات المورّدة بموجب المناقصات التي أ‌‍‌طلقتها ‏وأرسَتها وزارة الطاقة والمياه -‌ المديرية العامة للنفط‌ ‌عبر موقع‌‍‌ هيئة الشراء العام لتوريد ‏الفيول أويل والغاز أويل لمعامل الإنتاج في المؤسسة،‌ والتي لا تزال متوقفة في البحر منذ ‏فترة بانتظار فتح هذه الاعتمادات لها من جانب الجهات المعنية، وبالتالي‌ لأسباب خارجة ‏تماماً عن إرادة المؤسسة،‌ ومع التنويه بأنّ خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء، ‏بمندرجاتها كاملة من دون استثناء، المُقرّة وفق قرار‌ مجلس إدارة المؤسسة رقم‌ ‏‏300 ‌تاريخ ‌5/8/2022 والمقترن بالتصديق والموافقة من جانب وزارة الطاقة‌ والمياه ‏ووزارة المالية‌ ‌ورئاسة مجلس الوزراء، هي مشروع متكامل هادف إلى تأمين الكهرباء ‏بحدود ‌8-10 ساعات يومياً،‌ ‌ويتطلّب‌‍‌ جهود عدة مؤسسات و‌‍‌وزارات معنية‎.‎ ‌وبما أنّه لم يَر‌‍‌د لتاريخه إلى المؤسسة أي‌‍‌ معطيات‌ أو مقترحات خط‌‍‌ية من المؤسسات والوزارات‌‍‌ المعنية‌ منذ حوالى 5 أشهر، ولا سيما بشأن تمويل‌‍‌ هذه الخطة‌ وتأمين العملة الصعبة لنجاحها، بالرغم من مطالبات المؤسسة المتكررة بهذا الشأن،‌ ‌لكي تتم ‌‍‌دراستها من قبل‌ المؤسسة ومجلس إدارتها وليُبنى على الشيء مقتضاه‌‍‌،. وعليه، ستضطر مؤسسة كهرباء لبنان،‌‍‌ بعد حصولها على‌‍‌ الموافقات اللازمة، إلى تشغيل معملي الذوق‌ والجية ا‌‍‌لحراريين القديمين من الكميات المحدودة المتبقية في خزاناتهما من مادتي الفيول أويل (Grade A و/أوGrade B، والتي ‌تؤمّن‌‍‌ حداً أدنى من الكهرباء، في حال استقرار الشبكة الكهربائية‌‍‌، ‌‍‌في ظل الظروف الراهنة،‌ لفترة أسبوع واحد كحد أقصى، وذلك للحؤول من الوقوع في محظور حلول العتمة الشاملة في لبنان ولتوفير ما‌ يمكن توفيره من التغذية بالكهرباء إلى المرافق الأساسية في الدولة (مضخات المياه، صرف صحي، المطار،‌ المرفأ، الجامعة اللبنانية…).

 

 

 

الجمهورية