مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة الديار
تشهد البلاد حالة من الانفصام الشديد على كل المستويات، ففي ظل تراكم الازمات الضاغطة التي تجاوزت كل الحدود على الناس يقيت الاحتجاجات الشعبية خجولة او تكاد تكون معدومة. ورغم تمدد الفراغ الى سائر مؤسسات ومرافق الدولة يستمر الاستحقاق الرئاسي سجين المتاريس السياسية المرفوعة بين سائر الاطراف، لا سيما بعد فشل او افشال المبادرات الحوارية الموسعة.
ورغم بعض التحركات واللقاءات الثنائية التي سجلت مؤخرا فان مشهد التأزم بقي على حاله، الامر الذي دفع مصدرًا سياسيًا بارزا الى القول للديار امس «لا شيء يبشر حتى الان باي تطور ايجابي على صعيد الازمة الرئاسية، اكان على المحور الداخلي ام الخارجي».
مرجع بارز: لم نصل الى مرحلة ولوج الحلول
وحول التحركات واللقاءات التي سجلت او التي يحكى عنها نقل زوار عن مرجع بارز قوله «انا مع كل ما يقرّب بين القوى السياسية في شان الاستحقاق الرئاسي او غيره، ولست مع كل ما يبعّد في ما بينهم او يساهم في اطالة الازمة».
واشار الى ان ما تشهده الساحة السياسية حاليا من لقاءات وتواصل امر جيد ومطلوب لكنه لم يرتق الى مستوى فتح او الانتقال الى مرحلة اطلاق حوارات ناشطة وجامعة لاستخلاص حل للازمة القائمة، خصوصا في ظل رفض البعض التحاور مع الاخر».
ودعا المرجع الى الابتعاد عن المواقف والحركات الشعبوية التي لا تساهم في الحلول، ولا تغير من واقع الحال.
ما بعد الجلسة الـ ١١
ماذا بعد الجلسة الـ ١١ الاخيرة لانتخاب رئيـس للجمهورية؟
صار معلوما ان الاسبوع المقبل لن يشهد الجلسة الـ ١٢ بعد ان دعا الرئيس بري الى جلسة للجان النيابية المشتركة يوم الخميس المقبل لدرس ومناقشة قانون ضمان الشيخوخة والتقاعد في القطاع الخاص.
ووفقا لمصدر نيابي فان الجلسة الاخيرة اظهرت بوضوح ان الاستمرار في عقد جلسات اسبوعية متتالية من دون احداث اي خرق في جدار ازمة الاستحقاق صار عقيما، خصوصا في ظل الانقسام الحاصل والتوازنات التي تحكم المجلس النيابي.
واضاف ان هذه الفسحة او الاستراحة ربما تكون فرصة لتنشيط الحوارات وحركة التواصل التي سجلت مؤخرا، لافتا الى ان حالة المراوحة بعد افشال دعوة الرئيس بري للحوار، الى جانب تلويح اللقاء الديمقراطي في الجلسة الاخيرة بالمقاطعة لكسر الجمود القائم وفتح حركة التشاور والحوار، وكذلك اعتصام نواب تغييريين في المجلس، ربما كلها ساهمت في عدم دعوة الرئيس بري الى عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الاسبوع المقبل.
واوضح المصدر انه بعد الجلسة ما قبل الاخيرة كان واضحا ان الامور وصلت الى ما يشبه الطريق المسدود وانه لم يعد مقبولا الاستمرار في مثل هذا المسلسل باعتراف الجميع، لذلك عكست الجلسة الاخيرة الحاجة الى الانتقال لمرحلة جديدة يمكن البناء عليها باتجاه فتح ثغرة في جدار الازمة.
وقال نائب رئيس المجلس الياس بوصعب ان الرئيس بري مستعد لالغاء جلسة اللجان واي جلسة اخرى لتحديد جلسة رئاسية اذا لمس بوادر تفاهم.
تحرك جنبلاط
وفي هذا السياق يبرز موقف اللقاء الديموقراطي خلال الجلسة وحركة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حيث ترى مصادر سياسية ان هذا الموقف يعكس اولا القناعة بالتوجه الى خيارات جديدة بدل الاستمرار في تصويت فريق للنائب ميشال معوض وتصويت فريق اخر بالورقة البيضاء واخرين بعبارات مرمزة واسماء اخرى كتعبير عن خياراتها.
ووفقا للمعلومات المتوافرة لـ» الديار» فان الحزب التقدمي الاشتراكي طرح منذ ثلاثة اسابيع فكرة الانتقال الى مرشح اخر غير معوض مع افرقاء المعارضة، وانه اقترح اسمين بديلين قائد الجيش العماد جوزاف عون والنائب السابق صلاح حنين، لكن القوات اللبنانية تحفظت وعارضت السير في الوقت الراهن بهذا الاتجاه مبررة موقفها بانه سابق لاوانه ويحتاج الى نقاش موسع في المعارضة ومع المستقلين.
وتضيف المعلومات ان جنبلاط لم يعد مقتنعا بالاستمرار على ذات المنوال في ما يتعلق بالتعاطي مع الاستحقاق الرئاسي وهذا ظهر جليا في مداخلة النائب هادي ابو الحسن خلال الجلسة الاخيرة، لا سيما في ظل المراوحة القاتلة والوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الكارثي. من هنا جاءت رغبته في عقد لقاء ثان مع حزب الله في الايام الماضية بعد لقاء اول جرى في وقت سابق. وقد يكون موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الاخير الذي لوح فيه بتغيير تركيبة النظام والفدرالية قد احدث «نقزة» عند رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ما دفعه الى تحريك مسألة الحوار واللقاء مع الوفد القيادي للحزب، مع العلم ان تواصله دائم ومفتوح مع صديقه الرئيس بري الذي اوفد له قبل الجلسة وائل ابو فاعور وبعدها غازي العريضي.
وحول لقاء جنبلاط مع وفد الحزب قال عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبدالله لـ «الديار» انه استكمال للقاء الاول الذي حصل سابقا، والهدف من هذه الخطوة هو فتح كوّة في جدار المواقف ذات السقوف العالية في شان الاستحقاق الرئاسي، وهي تصب في اطار دعوة الرئيس بري للحوار واي حوار اكان ثنائيا او ثلاثيا او موسعا، وهي من الخطوات المطلوبة على الصعيد الداخلي في ظل عدم الانقشاع الدولي».
واوضح انه جرى البحث في موضوعين رئيسيين: الاستحقاق الرئاسي، والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور. وان اللقاء «يؤسس لمناخ ايجابي في ظل الانقسام الحاد والى السعي لحل والا سنبقى مكاننا وفي مسرحية باتت مملة».
وعما اذا كان تحرك جنبلاط هو مبادرة قال عبدالله «لا نستطيع وصفها بالمبادرة لان المبادرة تفترض ان تكون متكاملة المواصفات والشروط وشاملة باتجاه الجميع. انها لم تصل بعد الى معيار المبادرة، لكنها حركة تؤسس الى حوار جدي لتسوية داخلية وتساهم في خفض منسوب الاحتقان والانقسام».
حزب الله وثلاثية: الحوار والتوافق والتواصل
من جهة اخرى قال احد نواب حزب الله لـ» الديار» امس انه بعد ان اقفلوا الباب امام الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري فان الحوارات الثنائية وغيرها من اشكال التواصل مسألة مطلوبة ومهمة، مشيرا الى ان اللقاء بين وفد الحزب وجنبلاط مؤخرا يندرج في هذا الاطار.
واضاف: «نحن نعتبر انه امام المأزق القائم فان التحاور والتوافق هما المدخل لانتخاب رئيس للجمهورية. او بالاحرى فان ثلاثية : الحوار، والتوافق، وفتح قنوات التواصل هي المدخل لانتخاب رئيس الجمهورية. وبرأينا انه اذا لم تنجح اللقاءات والاتصالات الان في انجاز الحل فهي على الاقل تكسر الجمود وتفتح افاق الحلول الداخلية وانتخاب الرئيس».
وامس قال نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «نحن متحمسون ونعمل ليل نهار لتسهيل الخطوات العملية من اجل انتخاب رئيس الجمهورية، لكننا لسنا وحدنا من ننتخب الرئيس، فعدد المجلس١٢٨ نائبا، وهذا المجلس فيه تنوع وتوزيع في الكتل الى درجة انك لا تستطيع ان تقول ان في المجلس اتجاهين بل هناك خمسة او ستة او سبعة تكتلات في داخله».
التيار يتحرك لحوار
من جهته يعتزم التيار الوطني الحر لاجراء حوارات ايضا حول الاستحقاق الرئاسي كما عبر النائب غسان عطالله امس، مجددا القول ان الهدف الذهاب الى الخيار الثالث بدل المرشح المعلن ميشال معوض والمرشح الضمني سليمان فرنجية.
واشار الى ان التيار بدأ هذه الاتصالات وسيتابعها في الايام المقبلة.
اعتصام نواب التغيير
وعلى صعيد اخر واصل نواب من التغيير اعتصامهم امس لليوم الثالث على التوالي في المجلس، وانضم الى ملحم خلف ونجاة صليبا في الاعتصام فراس حمدان وحليمة قعقور وبولا يعقوبيان.
وشدد المعتصمون على ان اعتصامهم هو لحث المجلس على الاستمرار في الجلسات المفتوحة الى حين انتخاب الرئيس.
وبدا ان هناك تباينا في الرأي بينهم وبين نواب تغييريين اخرين يدعون الى «اتفاق على اسم انقاذي اصلاحي تتقاطع عليه كل كتل المعارضة»، كما عبر النائب ميشال الدويهي.
بينما قالت قعقور «نريد التعاون داخل وخارج المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية ولا مكان افضل من المجلس للحوار».
وشددت صليبا على الموقف نفسه، مشيرة انه ليس هدفنا هذا الاسم ام ذاك.
وفيما اكتفى حزب الكتائب بالتصامن مع التغيريين المعتصمين، ظهر خلاف واضح بين وفد القوات اللبناني الذي ضم النائبين جورج عقيص ورازي الحاج خلال زيارتهما للمعتصمين ونواب التغيير، حيث جدد الوفد موقف القوات الداعي الى انضمام التغييريين لتاييد مرشح موحد للمعارضة اكان معوض او اسم أخر بالمواصفات نفسها يستطيع ان ينال اصواتا اكثر.
لكن المعتصمين بقوا على موقفهم الرافض لراي القوات، مؤكدين على استقلاليتهم.
وبدا واضحا ان اعتصام عدد من نواب التغيير في المجلس لم يواكبه كما كانوا ياملون حركة تضامن شعبي معهم، واقتصرت هذه المؤازرة على تجمع عدد ضئيل للغاية من الشبان والشابات عند احد المداخل المؤدية لساحة النجمة تاييدا للمعتصمين.
وانتقدت مصادر نيابية حركة المعتصمين، لافتة الى ان نواب التغيير ليسوا متفقين على اسم واحد، فكيف يدعون لانتخاب رئيس من دون التوافق؟
واعتبر نائب يعارض الاعتصام بان ما يقوم به بعض نواب التغيير «مراهقة سياسية وشعبوية بغض النظر عن حسن النوايا ام لا»، لافتا الى انهم غير موحدين، ويفكرون في انسحاب قريبا.
موقف باريس وواشنطن
على صعيد آخر قالت مصادر مطلعة لـ «الديار» ان اللقاء الثلاثي الفرنسي – الاميركي- السعودي الذي جرى الحديث عنه منذ اكثر من شهر قد يعقد بواسطة الانترنت في شباط المقبل، لكن كل المؤشرات والمعطيات لا تدل على انه سيسفر عن نتائج ملموسة بشأن الاستحقاق الرئاسي.
واضافت ان مواقف هذه الدول لم تتبلور، لا بل انها ما زالت في دائرة الاستطلاع والمتابعة، لافتة الى ان السفيرة الفرنسية ان غريو في لقائها مؤخرا مع الرئيس بري لم تتحدث عن اي جديد في الموقف من الاستحقاق مجددة حث الاطراف اللبنانية على انتخاب رئيس للجمهورية. وحرصت على استطلاع المستجدات اللبنانية في هذا الخصوص، وعلى استعداد فرنسا لتقديم مزيد من المساعدات الانسانية للبنانيين.
وفي السياق نفسه قالت المصادر ان الادارة الاميركية تكرر موقفها بانها لا تؤيد مرشحا معينا وان هذا الامر يعود للبنانيين، وهي للاسف تتعامل مع الوضع اللبناني من منظور تقديم «مساعدات اغاثية» محدود للبنان، في الوقت الذي لم تعط الضوء الاخضر لرفع الحصار الكهربائي عنه ولم تفرج عن تزويده بالغاز المصري والتيار الكهربائي من الاردن.
الموقف السعودي
وقال مصدر مطلع للديار ان الموقف السعودي تجاه الاستحقاق الرئاسي اللبناني هو انه ليس لها مرشح معين للرئاسة ولا تسعى لانتخاب رئيس لها في لبنان لكنها لا تريد ان يكون الرئيس الجديد ضدها.
واضاف: ان الرياض لم تناقش مع اي طرف لبناني اسما محددا، لكنه لم يستبعد ان يكون وصل الى مسامعها بطرق مختلفة من جهات لبنانية اسم مرشح او اكثر من مواقع عديدة.
وقال انها لم تبد رأيها باي مرشح حتى الان، وربما تفعل ذلك بالتشاور مع جهات خارجية وداخلية في الفترة المقبلة لا سيما مع فرنسا.
وردا على سؤال قال المصدر ان الحوار الذي بدأ بين السعودية وايران مستمر وهو بطبيعة الحال يساعد بشكل او بآخر على تعزيز فرص انتخاب الرئيس اللبناني، لافتا الى كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ال سعود مؤخرا على هامش مؤتمر دافوس وقوله «اننا نحاول ان نجد مسارا للحوار مع ايران».