مجلة وفاء wafaamagazine
عاش لبنان أمس يوماً متفجراً على كل المستويات اختلط خلاله الرئاسي والسياسي بالقضائي والمعيشي والامني على وقع استمرار الجنون في سعر الدولار الذي تجاوز الـ56 الف ليرة وارتفاع الاسعار الذي فجّر غضب الشارع مجدداً على نحو يوحي هذه المرة وكأنه كرة ثلج بدأت تتدحرج لتكبر وتكبر، بما يؤدي الى خروح زمام الامور عن السيطرة ودخول البلاد في فوضى عارمة لا تحمد عقباها اذا لم يتم تداركها سريعاً، فبعد الانقسام السياسي الذي يعطّل إنجاز الاستحقاقات الدستورية والعادية جاء الانقسام القضائي ليزيد في الطين بلة فيما بدأ الامن يهتز نتيجة ارتفاع منسوب الضائقة المعيشية التي تصيب اللبنانيين بكل فئاتهم ومناطقهم.
وقال مرجع سياسي رفيع المستوى لـ»الجمهورية» ان «ما يحصل في البلد على أكثر من صعيد يوحي أن البعض يقيم في مستشفى مجانين». وأشار المرجع المعارض لسلوك المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الى انّ ما يتخذه الاخير من قرارات في ملف انفجار المرفأ «ينم عن حالة عدم اتزان»، مرجّحاً «أن البيطار إما ينفّذ أجندة خارجية وإما يحتاج إلى تقييم نفسي لمعرفة دوافع ما يفعله». وأبدى خشيته من وجود «مخطط متعمّد لتجييش الناس»، واضعاً انفلات الدولار وإجراءات البيطار في هذا السياق «تمهيداً لتصعيد متدرج في الشارع خلال الأسبوعين المقبلين».
الاستحقاق الرئاسي
على وَقع الانقسام القضائي تحركت جبهة الاستحقاق الرئاسي في اتصالات ولقاءات معلنة وغير معلنة بين مختلف القيادات والكتل السياسية والنيابية، ما يوحي بالسعي الى إنجاز هذا الاستحقاق في وقت قريب، في الوقت الذي قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري ان لا يدعو المجلس الى اي جلسة انتخابية جديدة ما لم يكن مضموناً انها ستنتهي بانتخاب رئيس جمهورية جديد.
ويبدو انّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قرّر ملاقاة بري في تحرك لتأمين توافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد، فأوفَد إليه امس عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور، الذي قال: «يسعى دولة الرئيس، ونسعى معه الى إيجاد مساحة مشتركة بين اللبنانيين. فإذا كانت طاولة الحوار حتى اللحظة مُمتنعة جرّاء مواقف بعض القوى التي لا نوافق عليها، لا بد من ابتداع أشكال أخرى للحوار توصِل الى نتيجة». وأضاف: «نأمل من خلال ما نقوم به، إضافة الى ما يقوم به الرئيس نبيه بري، أن نستنبط بعض المشتركات بين اللبنانيين، لكن ولكي أكون صريحا، حتى اللحظة لا يبدو أن هناك تقدما كبيرا يحرز (…) سنبقى نحاول ولن نستسلم، سيحاول وليد جنبلاط بكل الوسائل للوصول الى تفاهمات حول مسألة الرئاسة التي هي تمثل بداية إعادة ترميم هيكل الدولة في لبنان».
وفيما لم يؤكد ابو فاعور او ينفي ما اذا كان قد زار المملكة العربية السعودية ام لا قال: «نحن في تنسيق دائم مع دولة الرئيس في كل الإتصالات التي نقوم بها. وكما قلت نحاول نحن والرئيس نبيه بري ان نستنبط بعض الافكار التي يمكن ان تدفعنا قدماً للخروج من الازمة التي نحن عالقون فيها».
وتردد امس ان جنبلاط التقى مساء امس الاول في منزل كريمته داليا رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وتم عرض لمختلف تطورات الساعة والاستحقاقات بمجملها.
وفي غضون ذلك ردّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ببيان على بري قال فيه: «نسمع يومياً تصريحات لرئيس مجلس النواب نبيه بري حول أنه دعا الجميع إلى الحوار ولكنهم لم يستجيبوا لهذه الدعوة، في الوقت الذي يعرف الرئيس بري أن الحوار جار بين مختلف الأفرقاء والكتل النيابيّة منذ اللحظة الأولى لبدء المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيس للجمهوريّة».
وكان جعجع قد التقى في معراب سفيرة فرنسا آن غريو التي التقت ايضاً رئيس «التيار الوطني الحر» باسيل أمس غداة لقائه مع وفد «حزب الله»، وبحثت معه الأوضاع السياسية في البلاد. «وأكد الطرفان ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية كشرط أساسي لتأليف حكومة كاملة الاوصاف تكون قادرة على وقف الانهيار الحاصل». بحسب معلومات وزّعها اعلام «التيار الحر» بعد اللقاء.
إنقسام قضائي
قضائياً، تلاحقت المواقف التي ضجت بها المواقع القضائية في قصر العدل. وفي الوقت الذي أكد مصدر في النيابة العامة التمييزية انها لم تتسلّم أي تبليغات تتعلق بالادعاء على القضاة عويدات وخوري وشواح ومعلوف ولا بمواعيد الجلسات، أعلن قضاة النيابة العامة التمييزية انهم أجمعوا على اعتبار قرارات البيطار وكأنها منعدمة الوجود، وأن النيابة العامة التمييزية ستعمّم على الأجهزة الأمنية عبر برقيات عدم تنفيذ التبليغات وإخلاءات السبيل الصادرة عن البيطار على اعتبار أنها غير قانونية.
وفي هذه الاثناء نفى عويدات ما تردّد عن أنه في صدد الإدّعاء على البيطار، وأكد أن هذه المعلومات عارية عن الصحة. وقال في دردشة مع الصحافيين انه تبلّغ من الإعلام قرار عودة البيطار الى التحقيق في الملف، و»كما أنه تجاهلَ وجودنا كنيابة عامة نحن تجاهلنا وجوده». وأوضح أنه لم يتبلّغ ادعاء البيطار عليه أو على أي من القضاة، مشيراً الى أن الكتاب الذي وجّهه الى البيطار واضح وهو أن الأخير لا يزال مكفوف اليد عن النظر في ملف المرفأ.
وفي الوقت الذي عقد لقاء بين عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، لم يلتق المدعي العام التمييزي اهالي ومحامي الموقوفين المُخلى سبيلهم بقرارات اصدرها القاضي البيطار، بعدما قصدوه للبحث في مصير هذه القرارات.
مواعيد الاستجوابات
وجاءت هذه المواقف بعدما كشف عن لائحة ادعاءات البيطار في ملف جريمة تفجير المرفأ قد شملت، بالاضافة الى اللواءين عباس ابراهيم وطوني صليبا، كلّاً من رئيس المجلس الاعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي وعضو المجلس الاعلى للجمارك غراسيا القزي والقضاة غسان عويدات وغسان خوري وكارلا شواح وجاد معلوف.
كذلك تسربت المواعيد التي حددها للاستماع اليهم بين 6 و22 شباط المقبل، وهي شملت الوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد مشنوق في السادس منه، والرئيس حسان دياب في الثامن منه، وكل من اللواءين صليبا وإبراهيم في العاشر منه، والطفيلي وقزي في 13 منه، وجودت عويدات وكميل ضاهر في 15 منه والعماد جان قهوجي في ١٧ شباط، وكل من القاضيين غسان عويدات وغسان خوري في 20 منه، لتنتهي مع كل من القاضيين كارلا شواح وجاد معلوف في 22 منه.
وليلاً عُلم ان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عمّمت على جميع القطاعات والوحدات عدم تنفيذ أي قرار أو إشارة للقاضي البيطار.
الخارجية الأميركية
وفي هذه الاجواء شدّد المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس خلال مؤتمر صحافي تعليقًا على «استئناف المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت عمله أمس، وتوجيه اتّهامات إلى المسؤولين الكبار، وبعضهم من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، وتواجدوا فيها قبل بضعة أشهر»، على «أنّنا أوضَحنا في المجتمع الدولي منذ وقوع الانفجار أنّنا ندعم ونحض السلطات اللّبنانيّة على استكمال تحقيق سريع وشفّاف في الانفجار المروّع في مرفأ بيروت». وأكّد أنّ «ضحايا هذا الانفجار في آب 2020 يستحقّون العدالة. يجب محاسبة المسؤولين».
وحضّت السفارة الأميركية في بيروت السلطات اللبنانية على استكمال تحقيق سريع وشفاف في تفجير مرفأ بيروت. وقالت في تغريدة عبر «تويتر» إنّ «ضحايا هذا التفجير يستحقون العدالة، وإنّ المسؤولين عنه يجب أن يعاقبوا».
إنفجار الشارع
الى ذلك، وتزامناً مع التوتر الذي ساد قصر العدل أمس وما بين مكاتب قضاة النيابة العامة التمييزية ومكتب القاضي البيطار، وفي ضوء الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الاميركي وتضامناً مع النواب المعتصمين في المجلس النيابي، انفجر الشارع في أكثر من منطقة حتى في تلك التي تُعدّ من المناطق الحساسة، فرفع الجيش اللبناني من درجة الاستنفار وكثّفت وحداته من وجودها في مناطق محددة من بيروت لا سيما على طريق صيدا القديمة، بعدما تعددت الأماكن التي تولى فيها متظاهرون قطع الطرق بالإطارات المحروقة تحت شعار الوضع الاقتصادي والمعيشي ورفضاً لادعاء البيطار على المدعي العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، قبل ان ترفع شعارات الثورة ليلاً في اكثر من منطقة.
ووفق التمايز بين المناطق توزّعت اعمال قطع الطرق في بيروت والضاحية الجنوبية، وبالاضافة الى ما شهدته طريق صيدا القديمة في أكثر من منطقة، بلغت أعمال القطع طريق نفق سليم سلام في اتّجاه وسط بيروت ومحلة الجناح قرب جسر الماريوت وطريق قصقص في الاتجاهين كما في منطقة المدينة الرياضية. وفيما قطع سائقو السيارات العمومية طريق الدورة، كان مواطنون غاضبون بسبب الوضع الاقتصادي الاجتماعي يقطعون الطريق عند مستديرة الصالومي في الإتجاهات كافة.
وليلاً قطع محتجّون الطرق بالمستوعبات والعوائق في محيط مستديرة السفارة الكويتية، احتجاجاً على جنون ارتفاع الدولار وغلاء المعيشة وسط شعارات لافتة أحيت تلك التي رفعت إبّان ثورة 17 تشرين 2019. كما قطع متظاهرون الطريق المؤدّية الى المجلس النيابي تضامنًا مع النواب الذين يبيتون في المجلس واحتجاجاً على الأوضاع المعيشية.
وفي المناطق قطعت الطرق في الشمال، لا سيما في مناطق دوار أبو علي في طرابلس وطريق برقايل ـ عكار العامة، تزامناً مع قطع الطريق عند اوتوستراد صيدا في اتجاه صور عند جسر البابلية – السكسكية.
إنتفاضة قطاع النقل
في هذه الأجواء دعا رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس الى اجتماع صباح الاثنين المقبل لتحديد موعد لانتفاضة قطاع النقل البري، كما دعا زملاءه رؤساء واعضاء اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بجميع فئاتهم من سيارات، فانات، اوتوبيسات، شاحنات، صهاريج، موزعي محروقات، موزعي غاز ورؤساء المواقف ومسؤولي الخطوط الى اجتماعٍ عند العاشرة والنصف صباح يوم الاثنين المقبل في مقر الاتحاد العمالي العام لمناقشة الخطوات التصعيدية اللازمة، وتحديد موعد انتفاضة قطاع النقل البري على جميع الأراضي اللبنانية.
عقوبات أميركية
من جهة ثانية، وفي خطوة لافتة في توقيتها وشكلها ومضمونها، أفادت وزارة الخزانة الأميركية انها فرضت عقوبات على اللبناني حسن مقلّد، وشركة الصرافة التي يملكها بسبب علاقات مالية مع «حزب الله». وأشارت الى أن مقلّد «يلعب دوراً رئيسياً في تمكين الحزب من الاستمرار في استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتفاقمها، كما تقوم شركته بتسهيل الأنشطة المالية لدعم الحزب».
ولفتت الى انّ مقلد «يعمل مستشاراً مالياً لـ»حزب الله»، وينفّذ صفقات تجارية نيابة عن الحزب في جميع أنحاء المنطقة، كما يعمل بالتنسيق الوثيق مع المسؤول المالي في الحزب الخاضع للعقوبات محمد قصير، ويمثّل «حزب الله» في المفاوضات مع المستثمرين والشركاء المحتملين وحتى المسؤولين الحكوميين الأجانب».
وصنّفت الوزارة «شركة «CTEX» للصرافة التي يملكها مقلد، بالإضافة إلى ابنيه ريان وراني ضمن قائمة العقوبات.