مجلة وفاء wafaamagazine
أسبوع آخر من الهزّات السياسية الارتدادية يدخله لبنان في ظل أفق مسدود لكل الاستحقاقات المطروحة، وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي، في ضوء الزلازل السياسية والطبيعية المحيطة بلبنان، والتي تعقبها هزّات ارتدادية خفيفة حيناً وقوية احياناً في انتظار ان تستقر على التوازن المطلوب سياسياً وجيولوجياً. ففيما ينتظر حراك مُرتقب سفراء دول الاجتماع الخماسي الباريسي الاخير في اتجاه المسؤولين لعرض الخلاصات والاستنتاجات التي انتهى إليها هذا الاجتماع بالنسبة الى ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي وتوابعه على مستوى الخطوات والإصلاحات المطلوبة من لبنان، ينتظر في المقابل ان يحسم اجتماع هيئة مكتب المجلس النيابي اليوم مصير الجلسة التشريعية المُزمع عقدها تحت عنوان «تشريع الضرورة» وذلك في ضوء اعلان 46 نائبا امس الاول، في بيان، انهم «لن يشاركوا بأي جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس ولن يعترفوا بأيّ من قوانينها وسيمارسون تجاهها أي حق يمنحه الدستور للطعن بها».
أكدت اوساط نيابية لـ»الجمهورية» ان رئيس مجلس النواب نبيه بري مصمّم على عقد جلسة تشريعية لإقرار بعض القوانين المُلحّة التي دهمها الوقت، ومن بينها: مشروع قانون «الكابيتال كونترول»، التمديد للقادة الأمنيين، التمديد لكهرباء زحلة، التمديد لقانون الإيجارات غير السكنية (مقار حكومية)، متوقعة ان تتم إحالة مجموعة من اقتراحات القوانين المعجلة المكررة الى اللجان المشتركة.
وحذّرت هذه الاوساط من انّ عدم انعقاد الجلسة «سيُفاقم تعطيل البلد ومؤسساته»، معتبرة انّ «من حق النواب المعترضين ان يقاطعوا الجلسة التشريعية، الّا ان ذلك لا يمنع انه توجد اكثرية ستُشارك فيها وستؤمّن لها النصاب والميثاقية».
وبالنسبة الى بند التمديد للقادة الأمنيين، أشارت الاوساط الى انّ هناك اقتراحات قوانين عدة في هذا الصدد قدّمتها كتل نيابية، ولكن اللافت ان طرح «اللقاء الديموقراطي» يسمح في طيّاته بالتمديد أيضاً لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لسنتين.
نتائج الاجتماع الخماسي
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي والتطورات المحيطة به، وفي غياب الدعوات الى جلسات نيابية انتخابية جديدة علمت «الجمهورية» انّ وفداً يضم اربعة من سفراء دول الاجتماع الخماسي سيزورون اليوم، في غياب السفير السعودي وليد البخاري الموجود في الرياض، كلّاً من بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد ظهر اليوم وربما توسّعت مروحة اللقاءات لتشمل لاحقاً عدداً من المرجعيات السياسية والروحية والمالية.
وكانت السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو قد عادت من باريس امس بعدما أمضَت أياماً إضافية في بلادها عقب مشاركتها في الاجتماع الخماسي من اجل لبنان الذي جمع المدراء العامّين وكبار الموظفين الكبار في وزارات الخارجية الفرنسية والاميركية والسعودية والمصرية والقطرية.
وقالت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ»الجمهورية» إن هذا التحرّك اليوم يُثبت نهائياً أن لا بيان ختامياً للاجتماع الخماسي حتى هذه اللحظة، بعدما فشلت الديبلوماسية الفرنسية في الحصول على موافقة الاطراف الاربعة على مسودة بيان اقترحته ووزّعته عليهم قبل ان يصرف النظر لعدم تلقّيها أجوبة عليه.
وعشية هذه الجولة شدّد سفير لبنان في باريس رامي عدوان على أن «الرسالة التي توجهها فرنسا والسعودية وقطر والولايات المتحدة الأميركية ومصر إلى لبنان من خلال الاجتماع الخماسي في باريس، ثلاثية الأبعاد: الاتفاق على رئيس للجمهورية تُسانده حكومة قادرة تعمل معه على الإصلاح إحقاقاً لمطالب الشعب اللبناني. وهذه الركائز الثلاث أساس التحرك الدولي تجاه لبنان». وقال: «لبنان لا يمكنه أن ينتظر من الخارج صدور بيان أو الإتيان بموقف أو اتخاذ قرار وزرعه في لبنان». وأضاف: «اللبنانيون والإعلام اللبناني عوّلوا على هذا الاجتماع أكثر مما يجب، ووزارة الخارجية الفرنسية أكدت أنه لن يصدر أي بيان عن الاجتماع، لأنّ الكلام الموجّه واضح منذ البداية، والسفارة اللبنانية تسعى دائماً إلى نقل الرسالة الفرنسية الى الأذن اللبنانية. وعليه، علينا نحن اللبنانيين المبادرة إلى إصلاح هذا البلد ريثما يتسنى للدول الصديقة والعزيزة أن تساندنا في مسيرة النهوض».
موقف المعارضة
في غضون ذلك توقفت مصادر معارضة أمام ثلاثة تطورات تصبّ في خانة استراتيجيتها السياسية، وقالت لـ»الجمهورية» انّ «هذه التطورات ستشكل دينامية تصاعدية نحو مزيد من الاختراقات التي تخدم أهدافها الوطنية الإصلاحية والسيادية:
ـ التطور الأول، يتمثّل في الاجتماع الخماسي الدولي الذي عقد في باريس وشكّل أول مرجعية دولية رسمية لمتابعة الوضع السياسي في لبنان، حيث ان الاهتمام بالوضع اللبناني لم يعد بالمفرّق، بل أصبح بالجملة، ما يعني توحيداً للجهود الدولية المتفقة أساساً على تشخيص مشترك للأزمة اللبنانية التي لا يمكن الخروج منها سوى من خلال انتظام مؤسساتي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ليس محسوباً على اي فريق من جهة، ويتعهد الالتزام بـ»اتفاق الطائف» وعلاقات لبنان الخليجية والعربية والغربية من جهة ثانية، ويكون قادراً وعازماً على ان يضع بالتعاون مع رئيس الحكومة والحكومة برنامجًا إصلاحيًا يُخرج لبنان من أزمته من جهة ثالثة. فأهمية اجتماع باريس انه أوجَد مرجعية دولية بالشراكة بين عواصم القرار الغربية والعربية مهمتها متابعة الشأن اللبناني وإخراجه من حالة الشغور كخطوة أولى، ومقررات هذا الاجتماع سيتابعها سفراء هذه الدول.
– التطور الثاني، يتعلّق باتفاق معظم مكونات المعارضة للمرة الثانية على التوالي على مقاطعة الجلسة التشريعية في ضوء توقيع 46 نائباً من الكتل النيابية المعارضة والنواب المستقلين بياناً مشتركاً يعلنون فيه رفضهم المشاركة في أي جلسة تشريعية، وينكرون شرعية جلسات كهذه وسط حقبة الفراغ الرئاسي التي يتحوّل فيها مجلس النواب هيئة انتخابية لا اشتراعية. وأما المرة الأولى التي شهدت اتفاقاً بين مكونات المعارضة فكانت دعماً للمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، وهذا التطور الوحدوي يؤشّر إلى وعي المعارضة ان مواجهة المنظومة لا يمكن ان تتم من مربعات مختلفة، وان المستفيد من انقسامها هو المنظومة.
– التطور الثالث، يرتبط بإصرار كل مكونات المعارضة التي لم تنجح في توحيد صفوفها رئاسياً بعد، على منع وصول رئيس للجمهورية من ٨ آذار، لأن اي رئيس من هذا القبيل يعني استمراراً للأزمة وعدم القدرة على الإصلاح، واستعدادها لمقاطعة جلسات الانتخاب انطلاقاً من مبدأ انّ الآليات الدستورية لا تطبّق فقط عندما يقرر فريق الممانعة تطبيقها ربطاً بظروف معركته الرئاسية، ومَن عطّل الدستور عليه ان يتحمّل مسؤولية هذا التعطيل، والمعارضة لن تكون المنصة التي يستخدمها الفريق الممانع لانتخاب مرشحه الذي يتعارض مع أهدافها الإصلاحية والسيادية».
ورأت المصادر المعارضة «انّ هذا المشهد الوحدوي للمعارضة ينحو أكثر فأكثر في اتجاه مزيد من الوحدة التي يمكن ان تنسحب على الاتفاق على مرشح واحد، كما انه يتقاطع مع ظروف خارجية تضع أولوية المصلحة اللبنانية، وبالتالي ظروف الخارج والداخل تصبّ في مصلحتها وليس في مصلحة الفريق الممانع».
مواقف
وعلى صعيد المواقف، قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال حفل تأبيني في بلدة الكفور الجنوبية: «نريد رئيساً للجمهورية، نريد رجلاً يستطيع أن يجيب عن الإتصالات، لكن يفعل ما يقرره هو لمصلحة شعبه وبلده، لا أن يتلقى التعليمات من رؤساء بل من سفراء يتدخلون في شؤوننا ويوصون بتوصيات ويعطون التوجيهات لمسؤول هذه المؤسسة ولقائد هذا الجهاز ولهذا المعني». وقال: «أنفقنا كثيرا في هذا البلد وفق ما أملاه علينا الآخرون في الخارج، وما أنجز على صعيد التنمية في لبنان منذ التسعين إلى الآن لا تتجاوز كلفته 7 مليارات دولار، فلماذا انتهينا إلى دَين يتراوح بين المئة والمئة وعشرين مليار دولار؟».
وإذ سأل رعد عن سبيل وصول المودعين الى حقوقهم، أشار الى «التنظير الذي يمارسه البعض وبدعم من الخارج من خلال رفع شعار «اتركوا المودعين»، ودعوتهم الى تحميل المودعين ما يعبّرون عنه بمسؤولية تصرفاتهم على قاعدة أنهم عندما أودعوا أموالهم في المصارف كانوا يبتغون الربح». وقال: «يريدون أن يحمّلوا المودعين الخسائر، وأن يجنّبوا تحميل الدولة والمصارف نصيبهم من الخسائر في هذه الأزمة». وشدّد رعد على «أننا مع حلفائنا وبالأخص بيننا وبين الإخوة في حركة «أمل» إتخذنا قرارا بأن الأولوية هي حفظ ودائع المودعين، رافضين أي حل يأتي على حساب هؤلاء على الإطلاق»، مؤكدا أن «أي قانون أو تشريع يطيح أو يسمح لأحد بأن يصادر أموال المودعين لن يمر، وأننا سنعيد أموال المودعين ولو بعد حين إلى أصحابها».
لبنان الأمة
وفي المواقف ايضاً، طالب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من بكركي، المسؤولين والمعطلين بالوقوف امام محكمة الله والضمير والشعب والتاريخ، معتبراً ان «كل نداء يأتيكم من المجتمعين العربي والدولي هو ادانة لفسادكم ونفوذكم». وتوجه الراعي الى المسؤولين سائلاً: «أين انتم من مسؤوليتكم الدستورية الاولى بانتخاب رئيس للجمهورية؟ واين انتم من اجراء الاصلاحات المطلوبة دولياً؟ وأين انتم من رفع يدكم عن القضاة لاستكمال التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت؟ واين انتم من الاجراءت المنتظرة من صندوق النقد الدولي؟ اين انتم من تحقيق دولة القانون وانتشار السلاح غير الشرعي؟. وقال: «يتكلّمون عن الحوار وعن مبادرة ما من البطريركيّة، إنّ الكرسي البطريركي الذي ما توانى يومًا عن تحمّل المسؤولية يتمنى على جميع القوى السياسية أن تشاركه المسؤولية بصراحة ووضوح ليكون النجاح حليفنا جميعًا». واضاف: «اذا كان رئيس الجمهورية مارونياً فالناخبون ليسوا كلهم موارنة، واذا كان جزء من المسؤولية يتحمّلها القادة المسيحيون فالمسؤولية الكبرى تقع ايضا على غيرهم». ورأى الراعي انّ «المسيحيين مختلفون على هوية الرئيس بينما غيرهم يختلف حول هوية لبنان، ونحن حريصون على عدم المس بهوية الرئيس والجمهورية لأنهما الضمان لوحدة لبنان». وشدد على ان «لبنان ليس نظاما ينتقل من فريق الى فريق انما هو أمة تنتقل من جيل الى جيل عبر الالية الديموقراطية».
عودة
وسأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، في خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، ألا تدعو الكارثة التي أحدثها الزلزال المدمر الذي أصاب تركيا وسوريا ولم يسلم من تردداته لبنان «جميع المسؤولين إلى التأمل بما كان سيحلّ بلبنان وأبنائه لو طاولت لبنان؟». وقال: «للأسف لم يتغير شيء في مواقف السياسيين والزعماء وقادة هذا البلد، ولم يفيقوا من سباتهم أو يشعروا بالرعب الذي يعيشه اللبنانيون، وبخاصة الذين يسكنون الأبنية القديمة المتصدعة وما أكثرها في لبنان، ولم يهبّوا إلى نجدة شعبهم القلق على مصيره من غضب الطبيعة ومن سوء إدارة حكامهم. ألا يتوجب عليهم إعادة النظر في سلوكياتهم ومواقفهم والعمل على بناء دولة قادرة على احتضان شعبها وحمايته؟ وبناء الدولة يبدأ بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة تعمل جاهدة على تسيير إدارات الدولة بناء على خطة إصلاحية إنقاذية شاملة. وإن كانوا عاجزين عن ذلك فليفسحوا المجال لمَن يستطيع ذلك».
كانتونات سياسية
وأكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في بيان، أن «هناك طاحونة دولية إقليمية صاخبة بأدوات سياسية مالية معيشية تعمل على إنهاك البلد والناس». ورأى أن «الاختلاف على رئيس الجمهورية عند البعض حوّل البلد إلى كانتونات سياسية، والبلد سياسيا ومعيشيا وتربويا يقبع تحت ضغط زلزالي هائل، والمطلوب اعتماد سياسة كوارث». وقال: «المطلوب تصحيح الرؤيا، فالتجهيل عيب، والاتهام العشوائي لا يليق بالحقيقة المذبوحة أمام الأعين، وببساطة هناك من يريد رئيس جمهورية بقياس المصالح الوطنية مقابل من يريد لبنان بحجم كانتون وبضاعة تفاح وموز. هوية الجمهورية موجودة بمطابخ مجلس النواب لا بالأوكار المستورة المعلومة».
ماذا ستفعل المصارف؟
وعلى الصعيد المصرفي، وفي المستجدات المتعلقة بالموقف الذي قد تتخذه جمعية مصارف لبنان في الاسبوع المقبل، في حال لم تُبادر الجهات المعنية الى معالجة قضايا اعتبرتها المصارف خطيرة، وقد تطيح القطاع، وتضرب حقوق المودعين، بدأ يتّضِح وجود اتصالات لتطرية الاجواء، من دون ان تُحسم النتائج حتى الآن. لكن، واستناداً الى الموقف الذي وزّعه الامين العام للجمعية فادي خلف، والى المعلومات المتوافرة، يبدو ان قرار الاقفال التام الذي كان مطروحا بجدّية، سيُعاد النظر فيه من زاوية الاضطراب الكبير الذي قد يخلّفه، ومن منطلق ردود الفعل الشعبية التي قد تؤدي الى عكس ما يهدف اليه الاقفال، وهو الضغط اكثر على المسؤولين للتحرّك في اتجاه معالجة المشكلة القائمة.
وفي المعلومات ايضا، انّ قرار الاقفال لم يسقط نهائيا بعد، لكن سيُصار الى تمديد فترة الانتظار، والبحث عن حلول تتيح تسيير شؤون الناس بالحد الأدنى المطلوب، وتسمح بعدم كَربجة الاعمال بالكامل.
وقالت مصادر مصرفية لـ»الجمهورية» ان «استبعاد الاقفال التام ترسّخ اكثر، في الايام القليلة الماضية، بعدما تبيّن انّ اصحاب النيات المبيتة يحاولون استغلال إصرار المصارف على الضغط على المسؤولين لإيقاظ ضمائرهم، لتأليب الناس ضد القطاع، وتصوير الاقفال وكأنه موجّه ضد المواطنين، في حين ان الهدف الاساسي من الضغط هو إنقاذ القطاع لمنع الاضرار لاحقاً بمصالح الناس وحقوق المودعين».
وضمن سياق متصل، استغربت اوساط اقتصادية قول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اخيراً انه أعاد الى المصارف أموالها، في حين انّ المصرف المركزي ينشر على موقعه الإلكتروني، كل 15 يوما، بياناته المالية التي تُظهر انه لا يزال يدين للمصارف بمليارات الدولارات، وذلك خلافاً لما صرّح به الحاكم.
الحريري في بيروت
من جهة ثانية عاد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى بيروت مساء امس استعدادًا لإحياء ذكرى استشهاد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري غداً. ولدى وصوله زار ضريح والده في وسط بيروت وقرأ الفاتحة، قبل ان ينتقل الى دارته في «بيت الوسط».
الجمهورية