مجلة وفاء wafaamagazine
تفاعل إعلان الأمين العام دعمه ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في مختلف الأوساط السياسية المحلية والاقليمية والدولية، وحرّك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة بمواقف وردود فعل متضاربة، فالإعلان أكمل عقد «الثنائي الشيعي» في دعم هذا الترشيح، بعدما بدأه رئيس مجلس النواب نبيه بري الاسبوع الماضي، وكذلك أحرق مراحل كثيرة في اتجاه التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً في ظلّ التعطيل الذي يتهدّد المجلس النيابي ويمنعه من التشريع، نتيجة إصرار بعض الكتل النيابية على اولوية ملء الفراغ الرئاسي.
كذلك حرّك موقف «الثنائي الشيعي» عدداً من البعثات الديبلوماسية في غير اتجاه، على خلفية الاجتماع الخماسي الباريسي الاخير، والتي تلقف سفراؤها موقف «الثنائي الشيعي» وردود الفعل عليه، تمهيداً للبناء على الشيء مقتضاه، خصوصاً انّه كان هناك حديث عن اجتماع خماسي آخر على مستوى وزراء الخارجية خلال الشهرين المقبلين. وبرز في هذا المجال، حراك للسفير السعودي وليد البخاري وسفيرة فرنسا آن غريو، فالأول قصد بكركي والثانية قصدت عين التينة، على ان يكون لهما في قابل الايام مزيد من اللقاءات على كل المستويات، ربما لاستكشاف إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً انّ فرنسا والسعودية وكل الدول التي شاركت في اجتماع باريس، تواظب على دعوة المسؤولين اللبنانيين والقوى والأفرقاء المعنيين إلى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية والعمل على إنقاذ لبنان.
إعتبرت اوساط سياسية واسعة الاطلاع، انّه ومع اعلان بري عن ترشيح فرنجية رسمياً لرئاسة الجمهورية يكون التفاوض حول هوية الرئيس المقبل قد انتقل إلى المرحلة الجدّية، ربما للمرة الأولى منذ وقوع الشغور الرئاسي. ولفتت إلى انّ التفاوض بدأ على «الحامي» وبالذخيرة الحية سياسياً، بعد فترة من المناورات بالرصاص الخلبي.
واشارت هذه الاوساط، إلى انّ بعض المواقف الديبلوماسية المشفرة التي أعقبت خطاب نصرالله، لا تعني بالضرورة شطب إسم فرنجية من السباق الرئاسي، بل انّ رفع السقف هو جزء من التكتيكات التفاوضية، وقد يكون مؤشراً إلى إمكان فتح الباب أمام البحث في الثمن السياسي لوصول فرنجية. واكّدت انّ كشف «الثنائي» ورقته الرئاسية نقل الاستحقاق الرئاسي إلى طور جديد، وسيتبين لاحقاً ما إذا كان الضوء سيحرق تلك الورقة ام سيعززها.
بدورها، مصادر الثنائي الشيعي قالت لـ»الجمهورية»: «لماذا يغوص البعض بكل هذه التحليلات بعد اعلاننا ترشيح فرنجية؟». وسألت: «هل كان مرشحنا ورقة سرية وقمنا بكشفها ؟؟ القاصي والداني يعلمان انّ فرنجية مرشحنا ولا جديد في هذا الامر، والقول اننا أحرقنا هذه الورقة هو تحليل خاطئ جداً لأننا متمسكون به إلى يوم الدين، طالما هو يرشح نفسه، وامكانية انسحابه من السباق الرئاسي ليست مطروحة». وختمت المصادر: «انّه موقفنا الطبيعي. فلماذا ينشغل البعض في تحليله «عالفاضي».
خشبة هشة
إلى ذلك، على خشبة هشة وسط بحر هائج يتعلق بالاستحقاق الرئاسي فتمرجحه الأمواج ويصبح رهن اشارة من هنا او دينامية من هناك، وجديد ما يُرصد بعد الاعلان الواضح للثنائي الشيعي عن مرشحه للرئاسة، الحراك الذي يقوده السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، والجولة التي يقوم بها لاستطلاع الآراء والمقاربات بشأن المواصفات والاسماء، حيث يُتوقع ان يجتمع بكثير من الشخصيات السياسية ، اما اللقاء الأبرز فسيكون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وكشفت مصادر سياسية في صلب الحركة الرئاسية لـ «الجمهورية»، انّ الاجواء التي ترافق حركة السفير السعودي ومواقف القوى السياسية لا تعكس حسماً قريباً، وهي لا تتعدى اعلان المواقف ومحاولات كسر الجمود في الملف، لكن المناخ الملبّد لن يتبدّد لعوامل عدة، ومن الواضح انّ إنجاز الاستحقاق مؤجّل إلى ما بعد الصومين. واكّدت المصادر، «انّ الجولة التي يقوم بها السفير السعودي لن تغّير شيئاً طالما انّ لا جديد في الاصطفافات، وهي حركة من دون نتائج متوقعة سريعاً، وما زلنا مكانك راوح».
حراك البخاري
في غضون ذلك، وضع السفير بخاري حداً للتفسيرات المتضاربة التي أُعطيت لتغريدته امس الاول حول «الالتقاء بين الحرفين الساكنين»، خلال زيارته البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي امس، حيث نقل عنه مدير المكتب الاعلامي في البطريركية المارونية وليد غياض قوله للبطريرك، انّ «المملكة، لا تدخل في الأسماء بل تدعم مواصفات رئيس إنقاذي مهمّته إخراج لبنان من هذه الدوامة، وان لا يكون منغمساً او متورطاً في قضايا فساد مالي او سياسي».
وافادت معلومات رسمية عن زيارة البخاري للراعي، انّها تمحورت حول «الأوضاع المحلية الراهنة والظروف الصعبة التي تمّر فيها البلاد». واكّدت انّه كان هناك توافق بينهما على «وجوب إنهاء الشغور الرئاسي في أقرب وقت، للمساهمة في إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية، التي أثّرت سلباً على وضع الناس المعيشي والحياتي، وأثقلت كاهل الشعب اللبناني وظهرت تداعياتها على مختلف القطاعات من أمنية واقتصادية ومالية واستشفائية وغيرها».
وخلال اللقاء، أكّد بخاري حرصه على «دعم المملكة للاستقرار في لبنان وسيادته وازدهاره»، معتبراً أنّ «السعودية لم ولن تدخل في أحلاف على حساب لبنان، وهي حتماً ستدعم رئيس جمهورية منزّه وغير متورط في أي فساد مالي أو سياسي، وأن يكون مشروعه حماية مشروع إنقاذ لبنان».
كذلك، أكّد الطرفان «أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل اللبنانيين جميعاً من دون استثناء، ومعه يستعيد لبنان دوره التاريخي في أن يكون صلة الوصل بين الشرق والغرب، بعيداً من أي اصطفاف أو حلف، وفق الرسالة التي حملها منذ نشأته، والتي ارتكزت على دعم وتسهيل لغة الحوار والتفاهم والتعايش بين مواطنيه في ما بينهم وبينهم وبين محيطهم العربي، وكذلك تفعيل علاقاته الدولية مع كل الدول، على أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال وحرية الإنسان وكرامته».
وقال غياض في حديث اذاعي، إنّ البخاري «سيقوم بجولة على بعض القيادات، وأراد ان يستهلها من بكركي، وكان تأكيد على دعم المملكة للاستقرار والسيادة في لبنان، وهذه الأمور تمّ البحث فيها خلال لقاء باريس، والذي وضع البخاري البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في اجوائه، والذي شدّد على استقلال لبنان والقرارات الدولية ودعم لبنان للخروج من الأزمة الحالية والتزامه بخريطة طريق الإنقاذ، وكل المبادرات الخيّرة التي تقوم بها الدول لخلق شبكة أمان».
وعن الاستحقاق الرئاسي، قال غياض، انّ «المملكة تحضّ اللبنانيين على تحمّل المسؤولية أمام انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان وضرورة الخروج في أسرع وقت بحلّ لموضوع رئاسة الجمهورية». ولفت إلى انّ «السفير السعودي متفائل جداً، لأنّ التفاؤل يفتح باب الحلول ويُخرجنا من أي حال سلبية، وانّ الراعي أجاب في المقابل انّ الانسان هو من يدير الأحداث وليست هي من تديره».
السفيرة الفرنسية
إلى ذلك كشفت، اوساط واكبت اللقاء، انّ البخاري عقد فور عودته إلى بيروت سلسلة اجتماعات مع عدد من نظرائه، وخصوصاً سفراء الدول الخمسة المشاركين في لقاء باريس، وآخر لقاءاته كان مساء الإثنين الماضي مع السفير ة الفرنسية آن غريو، التي تواصل جولتها على القيادات اللبنانية ورؤساء الأحزاب والمراجع السياسية والروحية، وقد اطلع البخاري من البطريرك الراعي على مضمون لقائه معها الأسبوع الماضي في بكركي.
وكانت غريو زارت بري أمس، وعرضت معه لآخر التطورات والأسباب التي دفعته إلى موقفه الاخير والتلاقي مع الامين العام على دعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية.
ومن المقرر ان تواصل غريو زيارتها في الأيام المقبلة، في خطوات وصفت بأنّها لمواكبة كل ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي والإجراءات الاصلاحية المطلوبة، تحضيراً لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بعدما استمعت من بري امس إلى الأسباب التي حالت دون عقد جلسة تشريعية للبت بقانون «الكابيتال كونترول»، مع تشديدها على سلّة الاصلاحات كاملة.
موقف «القوات»
في هذه الاجواء، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية»، انّ «الخروج من النفق الرئاسي واستطراداً الوطني، يتطلب الشروع في سياسات انقاذية لمرحلة استثنائية تختلف عن كل المراحل التي عبرت خلالها البلاد منذ العام 2005 إلى اليوم. فلم يعد في الإمكان اعتماد السياسات التقليدية الكلاسيكية نفسها، انما لكل مرحلة متطلباتها، وفي طليعة هذه المتطلبات الوصول إلى سلطات دستورية متجانسة ومتكاملة تستطيع إخراج لبنان من الحالة الانهيارية، ومن اجل تحقيق ذلك يجب انتخاب رئيس إنقاذي ورئيس حكومة انقاذي وتشكيل حكومة انقاذية بعيداً من المتاريس السياسية التي أظهرت التجربة أنّها غير قادرة على وضع السياسات الاصلاحية المطلوبة».
واكّدت مصادر «القوات» انّ «الأولوية هي للاصلاح، والاصلاح غير ممكن لمرافق الدولة ومؤسساتها ولرسم السياسات الاصلاحية المطلوبة، سوى من خلال رئيس للجمهورية يتمتع بخلفية سيادية وغير خاضع لأي أجندة خاصة او مصلحية، باستثناء الأجندة اللبنانية، ويمارس وفقاً لقناعاته وضميره وبمقتضى الدستور وصلاحياته. وما لم يصر إلى ذلك فالأزمة ستبقى مستمرة فصولاً. ولذلك لا يجب النظر الى الانتخابات الرئاسية من منظار سياسة تقليدية اوصلت لبنان إلى ما وصل اليه، نحن في مرحلة استثنائية تتطلب سلطات استثنائية، والسلطات الدستورية الاستثنائية تعني رئيساً للجمهورية قادراً على أن يضع هو ورئيس الحكومة والحكومة خريطة طريق الانقاذ، بسياسة داخلية واضحة المعالم، لم تفلح الحكومات السابقة وتحديداً في نصف ولاية الرئيس ميشال عون السابقة، حيث كان الفريق الممانع يتحكّم بسياسة الدولة ولم ينجح في فرملة الانهيار، وبالتالي حان الوقت لإفساح المجال امام من هو قادر، وتقوم المعارضة بضبط هذه المسألة في مجلس النواب، ولكن «الممانعة» غير قادرة لا على فرملة الانهيار، بدليل التجربة الاخيرة، ولا على إخراج لبنان من انهياره، وبالتالي بما انّ لبنان في المرحلة الاستثنائية الحالية، يجب الذهاب إلى مقاربة تنشل لبنان من واقعه المأسوي، وهذا الامر غير ممكن تحقيقه من خلال شخصيات سياسية خاضعة لمحور الممانعة او تتأثر به، وغير قادرة على وضع السياسات المطلوبة بدءاً من إقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية واصلاح مرافق الدولة وإعادة الاعتبار لدورها الخارجي بإعادة ترميم وتجسير العلاقة مع المملكة العربية السعودية والخليج، والحؤول دون ان يبقى لبنان منصة لاستهداف الدول الخارجية واعادة الاعتبار للدولة، بمعنى ان تكون هي ضابط إيقاع الحياة السياسية في لبنان. وما لم يحصل ذلك سنبقى في حالة انهيار».
وشدّدت المصادر، على «انّ «القوات» لن تألو جهداً لمنع تمديد الحالة القائمة من خلال انتخابات رئاسية تبقي الوضع القائم على ما هو عليه، فيما المطلوب انتخابات رئاسية تشكّل فرصة انقاذية، والإنقاذ غير ممكن سوى برئيس اصلاحي سيادي».
تحقيق جاد للمرفأ
على صعيد آخر، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى إجراء «تحقيق جاد في الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت عام 2020»، وقال في خطابه العالمي أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف: «هناك حاجة ماسة إلى تحقيق جاد في انفجار آب 2020، دون تدخّل سياسي أو مزيد من التأخير».
وبعد ذلك تلا المبعوث الاوسترالي بياناً باسم 38 دولة من بينها الكثير من الدول الأوروبية وكندا وبريطانيا، دعا إلى «تحقيق سريع ومستقل يتسم بالمصداقية والشفافية»، واشار البيان الى انّ «التحقيق تعطّل بسبب عرقلة ممنهجة وتدخّل وترهيب وجمود سياسي».
وفي بيان منفصل، قالت السفيرة الأميركية لدى المجلس ميشيل تيلور: «إنّ الأمر يتطلب تحقيقاً سريعاً يتسم بالشفافية. وانّ عدم إحراز تقدّم حتى الآن يؤكّد الحاجة إلى الإصلاح القضائي»، بحسب وكالة «رويترز».
الجمهورية