مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت : وفاء بيضون
في الماضي كان يطلق على لبنان سويسرا الشرق ،والتوصيف لم يكن يتعلق بجغرافية هذا البلد ومناخه المميز فحسب، بل كانت التوصيفات تطال كل مرافقه وعلى رأسها القطاع التربوي وفي مقدمه الجامعة اللبنانية؛ الجامعة التي تخرج منها عظماء ومفكرون ومبدعون زرعوا العالم من حصاد هذه الجامعة بكل أنواع الابداع والتفوق. وبين أمس الجامعة اللبنانية ويومها الحاضر ثمة فارق بات يدمي كل حريص على هذا القطاع لدرجة أنها تحتضر أمام أعين جميع المسؤولين دون أن يحركوا ساكنًا لإنعاشها وإعادتها إلى قيد العطاء وبث الحياة فيها .
منذ أن استلمت الهيئة التنفيذية الجديدة لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، مهامها في ظروف معقدة وصعبة للغاية، يواجهها كل من يعمل في الجامعة اللبنانية التي تعاني كباقي القطاعات من القلة، حتى باتت غير قادرة على الاستمرار بعد أن وصلت رواتب الأساتذة فيها، مع كل الزيادات والمساعدات إلى ما دون المئة وخمسين دولارًا ، فالرواتب اليوم للأساتذة مع كل التقديمات تتراوح ما بين خمسة عشر وعشرين مليون ليرة فقط!
وبالتزامن مع عملية التسلم والتسليم انتشر بين أوساط أساتذة الجامعة اللبنانية خبرٌ بأنها ستحصل على تمويل أجنبي يشبه التمويل الذي حصلت عليه المؤسسة العسكرية، وقد يحصل كل أستاذ بنهاية شهر آذار على مساعدة بالدولار، لكن سرعان ما تبين أن هذا الخبر لا سند قوياً له، رغم محاولات رئيس الجامعة بسام بدران البحث عن الوسائل التي تمكن الجامعة من الصمود.
مصادر متابعة تتحدث عن أن الجامعة اللبنانية تحتاج الى حوالي مليون دولار شهرياً لتستطيع تقديم مئة دولار فقط للأستاذ كمساعدة اجتماعية، وبالتالي فإن المبلغ كبير جدًا، ولم تبد أية جهة بعد استعدادها للمساعدة، وتقول هذه المصادر أن لا جديد على هذا الصعيد بعد، ولا أحد قادر أن يقدم وعدًا للأساتذة بشأن مستقبل رواتبهم.
رئيس الجامعة وحسب ما بات مسربًا من معلومات، حاول التواصل مع سفراء عرب وأجانب، وصولًا حتى إلى سفير إندونيسيا على سبيل المثال لتأمين مساعدات للجامعة، ولم يبد أي طرف نيته بذلك، لهذا فإن مصير الجامعة على المحك، خاصة مع بروز ظاهرة تسرب الطلاب منها إلى الجامعات الخاصة، حيث خسرت الجامعة اللبنانية حتى الآن حوالي خمسة عشر ألف طالب، وخروج الأساتذة أيضًا، حيث يطلب البعض تجميد تفرغه أو يخرج من الجامعة بشكل نهائي للبحث عن فرص أخرى، وعدد هؤلاء يصل الى حوالي ستمائة أستاذ .
لم يعد خافيًا ما تقوم به الهيئة التنفيذية للأساتذة المتفرغين من درس إمكانية إطلاق حملة إعلامية واسعة لإبقاء قضية الجامعة حية، ومحاولة الحصول على دعم الخريجين المنتشرين في كل دول العالم، لأنها في وضع صعب للغاية.
ولم يدخل إلى صندوقها ما يدعم صمودها أمام ما تعانيه من أزمة مادية، وما يزيد من طين أزمتها بلة هو أن مليارات الليرات، وتحديداً الأربعمئة مليار ليرة، التي يفترض أن تصل إلى أساتذة الجامعة اللبنانية، من ضمن سلفة الألف وخمسين مليارًا، لا تزال عالقة عند المصرف المركزي الذي لم يقبل بتحويلها إلى دولارات على أساس سعر صيرفة السابق خمسة وأربعين ألف ليرة، وطالما هي بالليرة اللبنانيّة فستظل بلا قيمة مع استمرار الانهيار الكبير الذي يحصل في سعر الصرف، وبالتالي من الطبيعي ألا يتمكن الأستاذ من الوصول إلى مركز عمله، وألا يتمكن الطلاب من الوصول إلى جامعاتهم، فهل تكون الجامعة اللبنانية على طريق التشبه بالمدارس الرسمية التي تعطل فيها العام الدراسي هذا العام رغم كل محاولات جبر ما انكسر من قيمة رواتبهم .
وهل تحولت الجامعة اللبنانية من أكبر صرح تعليمي في الشرق الأوسط إلى مستغيث ومستعط قبل بيان نعيها ودفنها في أزمة فساد لبنان التي هدمت صروحًا مختلفة في هذا البلد .
وإلى متى سيبقى غياب الاهتمام ومحاولة الإنقاذ لشريان العلم في لبنان مستمرًا، وبالتالي إلى متى سيبقى ترك الجامعة في غرفة العناية الفائقة حتى إعلان موتها السريري تحتضر تدريجيًا ولا مجيب لإنعاشها؟!