مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت : وفاء بيضون
لم تترك الأزمة الاقتصادية في لبنان قطاعًا إلا وطرقت بابه غير آبهة بأي تداعيات تعكسها على الواقع المعيشي . فبعد أزمة المصارف والمودعين إلى قطاع الاستشفاء والدواء، ومن ثم ما شهدته البلاد موخرا من تحركات احتجاجية على تردي الوضع المعيشي المتعلق برواتب المتقاعدين مسحوبا على القطاع التربوي وصولًا إلى ما شهدناه من إضراب لقطاع الاتصالات وموظفي أوجيرو الذي انعكس بشكل كبير على منظومة الاتصالات والانترنت .
ها هو المواطن يسابق الأزمة من يوم إلى يوم مع عداد رزنامة شهر رمضان المبارك، فباتت معيشته تقوم على حسابات دقيقة وبالكاد تبلغ المرتجى .
فمنذ انفلاش الدولار الأميركي على بساط الأزمة المالية، وانفلاته دون رادع أو وازع، والدولة تقف موقف المتفرج على احتضار شعب وذوبان وطن، وللأسف إن معظم السياسيين في لبنان غائبون عن السمع إلا في مساجلاتهم وتسجيل النقاط كل في مرمى الآخر ، حتى بات الخلاف على التوقيت يوقت أسباب الأزمة ويعلنها طائفية ليغرد ويسابق تغريد الدولار في جيب مواطن منهوب .
لم تستثن الدولرة جنون أسعار الحلويات الرمضانيّة حتى في المناطق الشعبية، وإذا بها تضع الصائمين خصوصًا، واللبنانيين عموما، أمام واجهات المحال على قاعدة ” شم ولا تدوق “. فمثلًا وليس حصرًا دزينة القطايف أو الشعيبية بـ6 دولارات، حلاوة الجبن بـ8 دولارات، وهذا السعر يتفاوت بين مدينة وأخرى وبين محل وآخر. فإما أن يلجأ الصائم للشراء بالقطعة، أو أنه يفضل التذوق بالنظر! كما أن هذا السعر ينطبق أيضًا على سعر الحلويات العربية، فالكيلو الواحد ب 6 دولارات على سعر السوق السوداء .
ما كاد شهر رمضان أن ينطلق حتى تفلتت معه كل الأسعار، فكيلو الخيار، على سبيل المثال، وصل إلى 130 ألف ليرة، والأمر نفسه ينطبق على أسعار باقي السلع.
وحتى بعض المدن التي تشتهر بصنع الحلويات الرمضانيّة، لم تكن تختلف عن غيرها فمثلًا مدينة صيدا المحاطة بحزام بؤس بسبب وجود أكثر من مخيم للاجئين والنازحين والذين يعانون، كغيرهم من أبناء البلد الأم، من الضائقة المعيشية، ارتفعت فيها الأسعار هذا العام بشكل كبير قياسًا بالارتفاع الجنوني لسعر صرف العملة الخضراء في السوق السوداء، الأمر الذي دفع المواطنين لاستبدال الشراء بالكيلو أو الدزينة الى الشراء بـ الحبة أو القطعة، على أساس عدد أفراد العائلة، في حين يواجه من قرر إعدادها في المنزل ارتفاع أسعار المواد الأولية أيضًا.
في هذا السياق، يشير صانع الحلويات في أحد الأماكن الشعبية في بيروت المدينة السيد منذر إلى أن الأسعار المرتفعة تعود إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، ويعلل ذلك بشراء المواد الأولية بالعملة الصعبة . ويلفت إلى أن غالون الزيت (7 ليتر) لقلي القطايف ثمنه مليون ونصف المليون ليرة، وكيس السكر بـ40 دولارًا، فضلًا عن ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته .
امام هذا الواقع تبقى الشكوى مستدامة للموطنين في المقابل، من ارتفاع أسعار كل السلع بعد قرار وزارة الاقتصاد تسعيرها على سعر صرف دولار السوق السوداء وجشع العديد من التجار الذين يراكمون أرباحهم بفعل غياب الرقابة، إضافة إلى اختلاف التسعير بين مكان وآخر على الرغم من أنّ النتيجة واحدة وهي أن نار الأسعار ملتهبة، حيث يسود منطق ” حارة كل مين إيدو إلو ” ، لدرجة أن إحدى السيدات وتدعى هيام، وهي أرملة وربة منزل دون معيل، باتت تئن بسبب الانهيار المالي الحاصل دون أية معالجات، تقول إنها تقيم في منزلها مع خمسة أفراد وكلهم يصومون في هذا الشهر الفضيل، وبالتالي هي مضطرة لإعداد طعام الإفطار، وإعداد الحلو المنزلي متى كان إلى ذلك سبيلًا، وأشارت أيضًا إلى أن كلفة صحن الفتوش للشخص الواحد بلوازم بسيطة حوالي 225 ألف ليرة، ما يجعل طعام الفقير باهظًا جدًا؛ هذا إذا ما اختصر الإفطار على طبق واحد ومن الخضار فقط، وتسأل: “من أين آتي بالمال وزوجي متوف وأنا أتقاضى راتبًا لا يتجاوز 7 ملايين ليرة لبنانية !؟.
من هنا ندرك أن الأزمة تخطت حدود الممكن، وفقدت الدولة السيطرة على ما يحصل، وبالتالي بات المشهد مفتوحًا على احتمالات التصعيد كلها، وما شهدناه موخرا، ونشاهده كل يوم، ينذر بالخطر الحقيقي ، فالأمن الاجتماعي في مرمى الحاجة والعوز والقلة وهذا يجر إلى عواقب وتداعيات لا تحمد عقباها..
وفاء بيضون – اعلامية لبنانية