مجلة وفاء wafaamagazine
مع ميلاد المسيح، يزيد إيمان اللبنانيين بانبلاج النور في عتمتهم، وأيديهم مرفوعة نحو المخلّص، لتجاوز أزمة تخنقهم، صنعتها أياد خبيثة عبثت بالبلد لسنين طويلة، وبممارسات عرجاء، ومحاصصات فاجرة، وصفقات لصوصية، وشهوات فَجعة الى السلطة والتحكم، منحت لكلّ لبناني رتبة «جائع»، ولم تفسد بهجة العيد فحسب، بل لم تُبقِ للفرح معنى، وسرقته من كل بيت، الى حدّ صارت الكآبة والخوف باديان على وجوه كل اللبنانيين، الذين كفروا بالواقع القائم، وباتوا بكل شرائحهم ينتظرون معجزة تدفع بهم خارج هذا الزمن المظلم.
مع عيد الميلاد الذي يلاقيه عيد رأس السنة بعد أيام قليلة، يدخل البلد في عطلة يبدو انها لن تنسحب على السياسة.
صعب… وأصعب
فما بين العيدين فترة تبدو تحضيرية للامتحان الحكومي، الذي يفترض أن يجري بدءاً من الاسبوع الاول من السنة الجديدة، وهو من جهة امتحان صعب لفريق التكليف في ترجمة وعده بتسهيل ولادة الحكومة ضمن فترة زمنية قياسية، خلافاً لِما كان يجري من مماحكات أثناء الولادات الحكومية السابقة، ومَكمن الصعوبة هنا هو كيفية تجاوز شهوات بعض هذا الفريق، حيال بعض الحقائب الوزارية، التي توصف بـ«المدهنة»، خصوصاً انّ ثمة إشارات مسبقة بدأت تطلق من بعض زوايا هذا الفريق حول عدم استعدادهم للتنازل عن بعض الوزارات الحساسة خدماتيّاً مهما كان الثمن.
وهو من جهة ثانية امتحان أصعب على الرئيس المكلف حسان دياب، حيث ستختبر قدرته على اختيار تشكيلة وزارية بمواصفات تُرضي كل الاطراف، ومعها مكونات الحراك الشعبي، وأيضاً قدرته على تجاوز ما قد يواجهه من شروط ومطبّات من قبل هذا الطرف او ذاك، خصوصاً انّ الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس المكلّف حملت الكثير من المطالبات التي يصنف بعضها في الموقع التعجيزي غير القابل للتنفيذ.
عبوات الحراك
الرئيس المكلف حدّد مواصفات حكومته، كحكومة اختصاصيين، يعبّر من خلالها حقول الالغام السياسية المزروعة في البلد، وتمكّنه من تفكيك عبوات الحراك الشعبي القابلة للانفجار من جديد إذا جرى استنساخ الحكومة الجديدة عن سابقاتها، علماً انّ مجموعات من هذا الحراك قد حسمت موقفها سلفاً من الأمر الواقع الذي حلّ مع تكليف دياب، وقررت المضي بتحركاتها الاحتجاجية، حتى ولو كانت أعداد المشاركين فيها متواضعة ولا تملأ الساحات.
شكل الحكومة
واذا كانت مواصفات دياب، تبدو في ظاهرها، وكأنها رسم مُسبق لشكل حكومة «تكنوقراط» بمكامل مكوّناتها، وهو أمر يتعارض مع شكل الحكومة الذي نادى به الفريق السياسي الذي كلّفه تشكيل الحكومة، قبل تكليفه، وأصرّ على حكومة تكنو-سياسية واختلف عليها مع رئيس حكومة تصريف الاعمال، فإنّ اللافت في أجواء «فريق التكليف» انّ المواصفات التي حددها الرئيس المكلف تلقى تحفظاً من قبل هذا الفريق، ويقاربها بشيء من الحذر، حيث يسود رأيان داخل هذا الفريق: الأول يدعو الى حكومة محصّنة سياسياً كما يدعو «الثنائي الشيعي»، والثاني يتناغم مع مواصفات الرئيس المكلف بالذهاب الى حكومة اختصاصيين بلا حزبيين، وهذا ما يرمي اليه «التيار الوطني الحر».
واذا كان الفريق المؤيد للحكومة المطعّمة بسياسيين يؤكد الحاجة الى حماية سياسية للحكومة في الظرف الدقيق الذي يمر فيه لبنان، سواء على مستوى أزمته الداخلية، او على مستوى التحديات الخارجية، فإنّ الفريق المؤيد لحكومة الاختصاصيين بالكامل يتسلّح بالتأكيد بأنّ الاولوية اليوم هي «التعجيل في تشكيل حكومة بحجم المرحلة، تعمل كحكومة طوارىء إنقاذية. فيما يبرز في موازاة ذلك رأي ثالث تتبنّاه الشريحة الواسعة من اللبنانيين ويقول «إن هوية الحكومة، سواء أكانت «تكنوقراط» او «تكنو-سياسية»، تبقى مجرّد تفصيل امام الازمة الكبرى التي تضرب لبنان. المطلوب حكومة بمعزل عن اسمها وشكلها ومضمونها، تتمتع بمصداقية وتقوم بالعمل المطلوب منها، ولا تكرر الخطايا التي ارتكبتها حكومات المحاصصة السابقة».
جوجلة تمهّد لتصوّر
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ مطبخ التأليف قد شرع في عملية إنضاج الطبخة الحكومية وما يتصل بأسماء الوزراء والحقائب وكيفية توزيعها، وانّ الرئيس المكلف، الذي بعدما أنهى لقاءاته البروتوكولية مع رؤساء الحكومات السابقين، والاستشارات غير الملزمة مع النواب، ودَوّن مطالب النائب، بدأ في الساعات الماضية عملية جوجلة للافكار النيابية والتفاصيل السياسية والعناوين المطلبية، والتي ستقترن بمشاورات وشيكة يجريها مع قوى فريق «التكليف»، تمهيداً لوضع تصوّره للحكومة الجديدة. كذلك عقد سلسلة اجتماعات داخلية مع فريق عمله الحكومي، والتقى عدداً من الشخصيات وناقش معها الاستحقاقات المقبلة وكيفية مواجهتها، بالاضافة الى مراجعة بعض المواقف ونتائج ما جَمعه من الاستشارات النيابية وتلك التي يريد التوسّع فيها في عطلة العيد على طريق وضع التصوّر للتشكيلة الحكومية الجديدة.
وبحسب الاجواء المحيطة بهذه الجوجلة، فإنّ مرحلة ما بعد العيدين ستشهد تزخيماً للمشاورات حول هذا الموضوع، مع ترجيح ان تحمل نهاية الاسبوع الاول من كانون الثاني المقبل تصوّراً للحكومة الجديدة، الّا انّ ذلك مرهون بإقران «فريق التكليف» أقواله بتسهيل مهمة الرئيس المكلف، بأفعال إيجابية وعدم زرع العراقيل والالغام في طريقه.
الى بعبدا
وعلمت «الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينتظر زيارة يقوم بها الرئيس المكلف اليوم الى قصر بعبدا لوضعه في النتائج التي أفضَت اليها استشاراته على اكثر من مستوى، وحصيلة المشاورات النيابية والسياسية والحزبية التي أجراها بعيداً من الأضواء، وما ينوي القيام به في المرحلة المقبلة.
وسيجري رئيس الجمهورية والرئيس المكلف جوجلة للآراء المتبادلة وقراءة تفصيلية حول الانطباعات التي تكوّنت لديهما نتيجة للخيارات التي أفضت اليها الإستشارات النيابية الملزمة وكيفية مواجهة المستجدات في المرحلة المقبلة، ولاسيما الدستورية منها، لعبورها في أفضل الظروف التي تؤدي الى إتمام المهمة التي يقوم بها الرئيس المكلف.
عون… مرتاح
وأمس، نقل زوّار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عنه ارتياحه لتكليف الرئيس دياب تأليف الحكومة الجديدة، ولوحِظ توسّعه في تعداد صفاته وإمكاناته التي تؤهله للمهمة.
وبحسب هؤلاء الزوار فإنّ رئيس الجمهورية لا يعطي أهمية لبعض المواقف التي تتحدث عن سوء العلاقات بين لبنان وبعض الدول الخليجية، ولاسيما مع المملكلة العربية السعودية، مُراهناً على وجود قرار بمساعدة لبنان فور إنجاز التشكيلة الحكومية واستعادة الحركة الناشطة واكتمال عقد المؤسسات الدستورية.
لون واحد
في هذه الاثناء، كرر رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام زواره التأكيد انّ الحاجة مُلحّة جداً الى تشكيل حكومة في أسرع وقت.
وإذ ذكّر بري بالنصيحة التي أسداها للرئيس المكلف خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي الذي عقد في بعبدا بعد التكليف، بأن يسعى الى إشراك الحراك في الحكومة، وأيضاً القوى السياسية التي لم تسمّه، قال بوجوب ان يتواصل الرئيس دياب مع الجميع من دون ان يستثني أحداً (تيار «المستقبل»، «القوات اللبنانية»، «الحزب التقدمي الاشتراكي») بهدف إشراكهم في الحكومة، وتحديداً مع الرئيس سعد الحريري، وان يسعى جهده لإقناعه بالمشاركة فيها.
وعندما سئل عمّا اذا كانت ستشكّل حكومة من لون واحد في حال عدم استجابة هذه القوى لمسعى الرئيس المكلف معها؟ قال: يجب ان تتشكّل الحكومة، وفي هذه الحالة فليعتبروها حكومة لون واحد، البلد يحتاج الى الخلاص.
وعمّا اذا كانت الحكومة ستضمّ حزبيين، قال: وأين المشكلة اذا ضمّت الحكومة حزبيين، كل حكومات العالم تضم وزراء تابعين لأحزاب.
ورداً على سؤال عما اذا كان الحريري نادماً على ما انتهت اليه الامور، أشار بري الى انه قد يكون نادماً، مذكّراً بما دار بينهما في لقائهما الأخير، لجهة إصراره عليه بأن يستمر، إضافة الى نصيحته بأنّ اللعب بالنار لا يفيد.
ورداً على سؤال حول زيارات الموفدين الاجانب الى لبنان، إكتفى بري بجواب مقتضب وقال: في كل التحركات الخارجية تجاه لبنان وزيارات الموفدين اليه، فتّش عن الغاز.
«التيار»
قالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية»: إنّ قرار التيار في الملف الحكومي هو تسهيل عملية التأليف الذي يتم بالشراكة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بما يؤدي الى حكومة تحاكي الواقع القائم بكل تفاصيله، وتوجّهات الكتل النيابية التي ستمنح الحكومة الثقة، وكذلك التوازنات في داخلها.
«حزب الله»
وأكد «حزب الله» ضرورة الذهاب الى حكومة محصّنة سياسياً، وقال وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الاعمال محمد فنيش: الحكومة المقبلة بحاجة إلى غطاء سياسي، وعليه، فإننا ندعو إلى مشاركة واسعة من قبل الجميع، وهذا مقتضى المسؤولية الوطنية، والشعور بمشاكل الناس، من خلال الدعوة إلى مَد يد العون للرئيس المكلف، ونحن سنكون في منتهى الايجابية، لأنه لا بديل عن تشكيل حكومة. وبالتالي، أيّ مطلب مهما كان محقاً، لا يمكن أن يحقّق أو يعالج إن لم يكن هناك سلطة ومؤسسات تعمل.
العالم يراقب
الى ذلك، أعربت مصادر معنية بالملف الحكومي عن تخوفها من انّ تأليف حكومة لون واحد قد يشكّل مقتلاً لها اذا تقرّر السير في هذا الاتجاه.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: كل العالم من واشنطن الى اوروبا الى الدول العربية يراقب الوضع الحكومي، وسيعلن حكمه على لبنان تبعاً لشكل الحكومة التي سيتم تشكيلها، وهو ما تجلّى بوضوح في رسائل الخارجية الفرنسية ورسائل مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفد هيل. وبالتالي، فإنّ الذهاب الى حكومة لون واحد من الثلاثي: حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، قد يأتي الحكم عليها قاسياً، بحيث لن تتهم بأنها «حكومة 8 آذار» فقط، بل سيلصق بها اتهام أخطر بأنها «حكومة حزب الله». وهذا معناه أنه بدل ان تحلّ هذه الحكومة الأزمة ستزيدها عمقاً، وتقفل بالتالي أيّ باب لمساعدات خارجية محتملة للبنان.
ولفتت المصادر الى انّ «مصلحة لبنان في هذه المرحلة ليست بتشكيل حكومة من الاطراف الثلاثة، وفق المحاصصة السابقة ومحاولة تغليفها بدور سياسي أقل ممّا كانت عليه الحكومة السابقة، عبر استبدال أسماء تابعة لهذا الحزب او ذاك بأسماء اخرى، وليست بالذهاب الى حكومة اختصاصيين مستقلين، فهذه الحكومة ليست واقعية، بل انّ مصلحة لبنان بالذهاب الى حكومة اختصاصيين بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى، من شأنها أن تشكّل من جهة جاذباً للقوى السياسية الاخرى المعترضة على التكليف لأن تشارك فيها، ومن جهة ثانية رسالة تطمين الى الداخل، ورسالة جدية ومصداقية الى الخارج تفتح على لبنان باب المساعدات الدولية الموعودة».
إيران
في سياق متصل، وفي موقف لافت للانتباه، أبلغ مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، قناة «روسيا اليوم» قوله: إنّ التظاهرات المتواصلة في لبنان بعد تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة تتمّ بتحريض من قبل السعودية وإسرائيل.
وأعرب ولايتي عن ترحيب طهران بتكليف دياب، مضيفاً: «نحترم أي قرار يتخذه الشعب».
وعبّر عن قناعته بأنّ التظاهرات في لبنان ستتضاءل وتنتهي مع تشكيل الحكومة وتحقيق مطالب الشعب.
إيطاليا
من جهة ثانية، وصفت مصادر دبوماسية أوروبية زيارة وزير الخارجية الإيطالية الى بيروت بأنها زيارة خاصة غير رسمية، قرّر القيام بها لتمضية عيد الميلاد الى جانب قيادة وضباط القوة الإيطالية العاملة في إطار القوات الدولية «اليونيفيل» في جنوب لبنان.
وقالت المصادر انّ لقاءاته اقتصرت على اجتماع عقده مع نظيره اللبناني جبران باسيل عُدّ من باب اللياقات الدبلوماسية، ولا يحتمل اي تفسير او صفة أخرى. ولذلك، فهو لن يلتقي بأيّ من المسؤولين اللبنانيين، وسيغادر بيروت بعد تمضيته ليلة العيد الى جانب قوات بلاده في الجنوب.
الجمهورية