مجلة وفاء wafaamagazine
الثابت في هذا الجو، أن لا سقف زمنياً لهذه المراوحة، الا اذا برزَ عامل داخلي يكسرها ويدير الدفة في اتجاه الحسم الايجابي لهذا الملف، وهو أمر لا يمكن إدراجه في دائرة الاحتمالات الواقعية، ربطاً بالبلوكات السياسية التي أحبطت كل الجهود الصديقة والشقيقة التي سَعت لكسر المراوحة السلبية للملف الرئاسي في دائرة التعطيل، عبر محاولة خلق فرصة جديدة امام المكونات السياسية لإعادة الانتظام الى الحياة السياسية في لبنان بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تَتلمّس المخارج والحلول للأزمة الخانقة التي تضرب لبنان، إلّا انّها اصطدمت في المقابل بإصرارٍ مُريب من تلك المكوّنات على إبقاء موقع رئاسة الجمهورية مقيّداً بحبال الفراغ، وبإمعانها في تضييع الوقت وعدم الاستجابة لأيّ مسعى لصديق أو شقيق، يحرّر رئيس الجمهورية من أسر التناقضات والشعبويات.
لا حل داخلياً
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الاجواء: هل ثمة إمكانية لبروز عامل داخلي يحرّك الملف الرئاسي الى الامام؟
المجريات السياسية المرتبطة بالملف الرئاسي، والفجوات التي تتعمّق على مدار الساعة بين مكونات الانقسام الداخلي، تجعل الرهان على بروز عامل داخلي يدفع الى انتخاب رئيس للجمهورية، أشبَه بالرهان على سراب، خصوصاً انّ هذه المكونات يبدو انها حكمت على رئاسة الجمهورية بالتعطيل الدائم، وقررت ان تتعايَش مع الوضع الشاذ الى آجال طويلة، حيث انها أسرت نفسها بمواقف ارتفعت فيها الى المدى الأبعد في فرش الطريق الرئاسي بالالغام السياسية، من دون ان تترك امامها مجالاً لخط الرجعة الطوعية الى ارض الواقع.
تبعاً لذلك، يؤكّد مرجع مسؤول لـ»الجمهورية» ان «الأفق الداخلي مسدود، ويؤكد بما لا يقبل أدنى شك ان لا حل رئاسياً من الداخل اللبناني، الذي لم يعد معنياً سوى بالمبالغات والتوتير السياسي والاعلامي».
ولفت المرجع الى انّ الداخل مفتوح على شتى الاحتمالات السلبية، خصوصاً انّ مكونات الداخل لم تتّعِظ بعد، بل لم تسلّم بعد بفشلها، وبمكابراتها التي ضيّعت الملف الرئاسي في الشعبويات وحرمت لبنان من فرصة توافق على انتخاب رئيس صنع في لبنان، وعن قصد وقصور ومراهقة في مقاربة الملف الرئاسي، امتدت على ما يزيد على ستة اشهر من الفراغ في سدة الرئاسة، لم يخرج هذا الملف من يدها فحسب، بل أخرجَت نفسها من الدور المقرّر فيه، وباتت تلقائياً في مواقع المَركون على هامش الملف الرئاسي في انتظار ما سيقرره الخارج حوله، الذي يغطي نفسه بالعويل والصراخ، في انتظار ما سيتقرر من الخارج حول مصير الملف الرئاسي.
ما بعد القمة
ما ذهب اليه المرجع المذكور، يؤكده عاملون على خط الحراكات الخارجية، حيث ابلغ مصدر ديبلوماسي غربي الى «الجمهورية» قوله انّ «أفق الرئاسة في لبنان ما زال مفتوحاً على انفراجات في المدى المنظور».
ولفت المصدر الى «انّ لبنان احتلّ موقعا متقدما في سلّم الاهتمامات الدولية، وما زلنا نراهن على ان تُثمر الجهود القائمة انفراجات في لبنان، ولقد أبلغنا المستويات اللبنانية جميعها بأنّ عليها واجب الانخراط في مسار الحسم النهائي، والتفاعل الايجابي والواقعي والعقلاني مع أي مسعى توافقي يكسر الفراغ في سدة الرئاسة، ويؤسّس الى انتخابات رئاسية خلال بضعة اسابيع، وهذا ما نتوقعه في نهاية المطاف».
ورداً على سؤال اكّد المصدر عينه «انّ الحراك الخارجي والفرنسي تحديداً المرتبط بالملف الرئاسي في لبنان، لم يفقد زخمه، خلافاً لما يجري الترويج له من الداخل اللبناني، بل انه دخل حاليا في ما يُشبه استراحة قصيرة ومؤقتة الى ما بعد انعقاد القمة العربية المقرر عقدها في التاسع عشر من ايار الجاري في السعودية، حيث انّ ما قد يصدر عن هذه القمة في شأن لبنان يشكّل عاملا مساعدا يُبنى عليه لتزخيم الجهود أكثر، ودفع الفرقاء اللبنانيين الى التوافق على رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن.
لا يحتمل الانتظار
الى ذلك، وفي الوقت الذي تعالت فيه بعض الاصوات الداخلية والقراءات السياسية التي رَحّلت الملف اللبناني الى ما بعد ترتيب الملفات الشائكة في المنطقة، مرجّحة بأنّ أولوية مقاربة التطورات الاقليمية تتقدّم على ما عداها من ملفات، وهو الامر الذي يفرض تأجيلا تلقائيا للملف اللبناني، اكدت مصادر ديبلوماسية عربية لـ»الجمهورية» ان ليس من الحكمة الركون الى تفسيرات وتحليلات وقراءات قد تكون مُجافية للواقع. فمّما لا شك فيه انّ المستجدات التي برزت في المنطقة، تشكّل حدثاً أقرب الى الانقلاب في الصورة عما كانت عليه في زمن التوترات الذي استمرّ لسنوات طويلة، ولعل هذه المستجدات تحظى باهتمامات الدول المعنية بها، خصوصاً انها تشكّل عاملا تبريديا لإطفاء نقاط التوتر القائمة على مستوى العلاقات العربية العربية، او على مستوى العلاقة بين السعودية وايران، والملفات الاقليمية التي تعني الرياض وطهران».
ولفتت المصادر الى انّ وضع لبنان مختلف، وليس مرتبطاً بتلك المستجدات سوى من زاوية انه قد يستفيد من الانفراجات التي تحصل، علماً انّ من السابق لأوانه تحديد حجمها او مداها. ومن هنا، فإنّ تزخيم الحراك في اتجاه لبنان لم يأت من فراغ، بل جاء استجابة لما يتطلبه الوضع في لبنان والمدى الخطير جداً الذي يهدّد استمراره، في ظل أزمة تتعمق الى حد تكاد تصبح فيه ميؤوساً منها، فضلاً عن انه جاء موازياً لحركة الاتصالات العربية والاقليمية، ولم يتأثر بها.
وتخلص المصادر الى القول ان لا احد على المستوى العربي او الدولي يعتبر ان لبنان خارج دائرة الاولوية، بل على العكس هو في صلبها. ومن هنا، فإنّ ثمة معطيات اكيدة بأن ملف لبنان سيكون قريباً محل مواكبات على اكثر من مستوى عربي ودولي، وتزخيم مقاربته التي تجلّت في الايام الاخيرة في الحراك الديبلوماسي المكثّف الذي تقوده باريس على اكثر من خط داخلي وعلى مستوى الدول الصديقة، واندرَجَ في سياق مكمل له حراك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في اتجاه المستويات السياسية والروحية في لبنان، سيستتبِع على اكثر من مستوى، فهو من الاساس انطلقَ على قاعدة انّ وضع لبنان بات يتطلب علاجات سريعة تواكب التطورات الاقليمية المتسارعة، لا بل تُلاقيها، وعلى هذا الاساس ستستكمل الجهود، خصوصاً ان لبنان بلغَ من الضعف والوهن حدّاً لا يحتمل مزيداً من الانتظار.
سيناريوهات وهمية
على ان اللافت للانتباه في هذه الاجواء، ما تَصِفه مصادر مسؤولة بـ»تعمّد بعض الاطراف الداخليين إسقاط تفسيرات وتحليلات غير واقعية، على حركة الاتصالات الاخيرة، وخصوصاً على حركة السفير السعودي في لبنان، عبر إسقاط أسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية، وإعلاء اسهم مرشحين آخرين». وقالت: أثبتَ اللبنانيون انهم الأقدر على صياغة سيناريوهات وهمية، فالحركة السياسية والديبلوماسية الجارية لم تتوقف، وهي في الاساس لم تُقارب اي اسم مطروح، بل انتهجَت مساراً حدّدت من خلاله خريطة الطريق التي لا مفر للبنانيين من سلوكها، جوهرها الاساس حَمل اللبنانيين على التسليم بحتمية إجراء الانتخابات الرئاسية وفق مندرجات الدستور اللبناني. أي ان يمارس مجلس النواب دوره في اختيار الرئيس، في جو ديموقراطي وتنافسي، من بين مجموعة مرشّحين».
البخاري
في سياق متصل، اكد السفير السعودي أنّ «الرياض تأمل أن يُغلّب الأفرقاء السياسيون المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات والمخاطر التي يعيشها لبنان». ولفت الى أنّ «الرؤية السعودية للبنان لا تنطلق من رؤية تفضيلية للعلاقة مع طائفة على حساب أخرى».
جاء موقف البخاري بعد زيارته رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية أمس، وسَلّمه دعوة من خادم الحرمين الشريفين، سلمان بن عبد العزيز، للمشاركة في الدورة العادية الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي ستُعقد في جدة في 19 الجاري.
حراك داخلي
الى ذلك، كان الملف الرئاسي بنداً أساساً في اللقاء الذي عُقِد الاحد بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أكد بعد اللقاء انه «في هذه المرحلة الدقيقة، لا بد من التشاور الدائم وأهميته مع الرئيس نبيه بري في محاولة لفتح آفاق الإستحقاق الرئاسي». لافتاً، رداً على سؤال، الى انّ «السفير السعودي أكد أن المملكة على مسافة واحدة من الجميع، وهي لا تتعاطى بالشأن الداخلي اللبناني، ولا فيتو على أي اسم».
والملف الرئاسي الى جانب ملف النازحين تناولهما البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال ترؤسه قداسا احتفاليا في بازيليك سيدة لبنان – حريصا لمناسبة عيد سيدة لبنان. وقال: «الفراغ الرئاسي يشلّ المؤسسات الدستورية، وخصوصاً مجلس النواب والحكومة والإدارات العامة والقضاء، ويضع البلاد في حالة التفكك والفوضى وفلتان السلاح، وارتفاع حالات الفقر». واضاف: «كلنا نصلي لكي يعمل ذوو الإرادة الحسنة على انتخاب رئيس يكسب الثقة الداخلية والدولية، ويكون قادراً بشخصيته وتَمرّسه على التعاون مع المؤسسات الدستورية لتوطيد دولة القانون والعدالة، وإجراء الإصلاحات اللازمة في البنى والمؤسسات وهي مطلوبة من المجتمع الدولي لتسهيل التعاون معه».
بدوره، توجّه مطران بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة في قداس الاحد، بنبرةٍ قاسية الى النواب، وقال: «ألا تخجلون من تقاعسكم وتردُّدكم وضياعكم؟». وأضاف: «البلدان الصديقة تبحث عن حلّ لانتخاب رئيس، ومجلس النواب مستقيل من واجبه. أليس هذا مسّاً بكرامة المجلس سيّد نفسه؟».
أمل: لالتقاط الفرصة
في السياق نفسه، دعت حركة أمل في بيان لمكتبها السياسي الى «ضرورة التقاط هذه الفرصة الإقليمية من قبل اللبنانيين كي يبنوا عليها رؤية وطنية إنقاذية تتجلّى بتوافقهم على انتخاب رئيس للجمهورية يقود البلاد في هذه اللحظات الوطنية والإقليمية الدقيقة، إستباقاً للشغور في مواقع إدارية وقيادية حساسة، لأنّ عدم ملئها يُفاقم الأزمات ويزيدها تعقيداً، وإن هذا الملف لم يعد يحتمل تأخيراً وتسويفاً وشروطاً وشروطاً مضادة».
كما دعت حكومة تصريف الأعمال إلى «ضرورة ممارسة مهامها وصلاحياتها، وفي المقدمة منها متابعة الشؤون الحياتية للمواطنين وتفعيل أجهزة الرقابة وحماية المستهلك لمتابعة قضايا الأسعار التي لم تتراجع على الرغم من التراجع والإستقرار في سوق الصرف للعملات الأجنبية». معتبرة انّ «جشع التجار والمحتكرين أصبح بحاجة إلى تطوير وتشديد العقوبات المتعلقة بحماية لقمة عيش المواطن».
واعتبرت «انّ ما يشهده ملف العلاقات العربية العربية من تطور يتمثّل بعودة الجمهورية العربية السورية إلى ممارسة دورها وموقعها الريادي في الجامعة العربية، يشكّل إيذاناً لمرحلة من العمل يُعاد فيها ترميم الوقائع السياسية في الاقليم والتي عصفت فيه طويلاً رياح الأزمات والصراعات، وإنّ عودة سوريا إلى لعب دورها في قضايا المنطقة العربية يؤكد على تجاوزها الحرب التي فُرضت عليها لإسقاط هذا الدور ودخولها في مرحلة جديدة على الصعيد السياسي وإعادة الإعمار». ورأت في عودة سوريا إلى الجامعة العربية فرصة لتصويب العلاقات اللبنانية السورية وإعادتها إلى مسارها الطبيعي عبر التواصل السياسي بين حكومتي البلدين، وإسقاط العقبات الوَهمية عند البعض من أجل إنجاز وحَل الكثير من الملفات العالقة وأوّلها قضية النزوح السوري إلى لبنان.
بري يرحّب
ويأتي موقف حركة أمل مُكمّلاً لموقف الرئيس بري الذي قال: «وإن تأخّر هذا القرار لسنوات لكنه خطوة بالإتجاه الصحيح وباتجاه العودة الى الصواب العربي الذي لا يمكن ان يستقيم الا بوحدة الصف والكلمة». وأضاف: «بعودة سوريا الى العرب وعودة العرب اليها بارقة أمل لقيامة جديدة للعمل العربي المشترك».
جنبلاط: غرق
وحول الموضوع نفسه كتب جنبلاط في تغريدة له: «وهل سألوا الشعب السوري اذا كان يرغب في العودة الى الحضن العربي؟ طبعاً لا. الجامعة العربية شبيهة بسفينة الـ»Titanic» تحمّل هذا الشعب الى غرق محتوم، وقد أعطي النظام شرعية التصرف والذين نجوا من التعذيب او السجون او التهجير فإنّ الحضن الحنون كفيل بشطبهم. ومتى بربّكم استشرتم الشعوب؟».
وعبّر النائب غياث يزبك عن موقف «القوات اللبنانية» بقوله: «إن الجامعة العربية أعادت النظام السوري ولم تعد الشعب السوري، لأنّ بشار الأسد لا يسيطر على كل الأراضي السورية». وقال: «نحن نشك كثيراً بأنّ بشار الأسد يلعب ورقة شراء الوقت التي ورثها عن والده بشكل أنه تتلاشى الإتفاقات ويعود هو مستبدًّا من خلال الحكم الديكتاتوري على شعبه ويستعيد هواية الاعتداء على الأنظمة المجاورة، بدءًا من لبنان».
مناورة إسرائيلية
من جهة ثانية، برز امس تطور أمني لافت، تجلّى في بدء الجيش الإسرائيلي أمس الاثنين في مناورات عسكرية على الأراضي القبرصية تحمل اسم «شمس زرقاء»، تُحاكي حرباً على لبنان».
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنه «تم اختيار قبرص مكاناً لإجراء هذه المناورات سنوياً بسبب طبيعتها الجغرافية المشابهة لجنوب لبنان»، وقالت: «انّ المناورات المشتركة لذراعي الجو والبر ستشمل تدريبات على خوض قتال في مناطق وعرة ومعقدة وغير معروفة للمقاتلين، كما سيجري خلالها التدرّب على نقل الجنود جواً وإنزالهم إلى أرض المعركة، بالإضافة إلى اختبار مستوى التنسيق بين ذراعي الجو والبر في عمليات قتالية في مناطق جبلية وعرة».