مجلة وفاء wafaamagazine
وفي خضم التفسيرات والتأويلات المتناقضة للموقف السعودي من الاستحقاق الرئاسي والذي يبلّغه السفير السعودي وليد البخاري إلى كل من يلتقيهم، تفيد المعلومات المتمخضة عن لقاءاته مع بعض الشخصيات السياسية، انّه أكّد خلالها «انّ الاتفاق السعودي – الإيراني تاريخي ويشكّل تحولاً في مسار المنطقة»، مشيراً إلى «انّ هذا الاتفاق يواجه عراقيل وتحدّيات توقّعناها، لكن الإرادة السعودية والايرانية لتجاوزها هي غير مسبوقة وبلا حدود».
ونقلت مصادر مطلعة عن البخاري تشديده على انّ طهران والرياض تعرفان حجم المكاسب المتأتية من تفاهمهما. ودعا إلى «عدم تفسير موقفنا من الاستحقاق الرئاسي على غير حقيقته وعدم تحميله ما ليس فيه»، مشدّداً على أنّ حدود هذا الموقف هو انّ المملكة تعتبر أن ليس من شأنها ان تسهّل انتخاب أحد، ولا ان تعرقل انتخاب احد». ولفت إلى «انّ هذا شأن لبناني وعلى القادة السياسيين ان يتحمّلوا مسؤولياتهم».
وأوضح البخاري، انّ بلاده ستحدّد موقفها من الرئيس المقبل تبعاً لشخصيته وتاريخه وقدرته على مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح، «فإذا كان يوحي بالثقة سنتعامل معه ونعتمد سياسة الانفتاح العقلاني عليه، وإذا لم يكن كذلك سنبقى بعيدين من لبنان».
ملاحظات وتأكيدات
ولفت البخاري أمس بعد لقائه الرئيس فؤاد السنيورة، إلى «اننا واثقون من إرادة اللبنانيين في التغيير نحو غدٍ أفضل».
على انّ ما نُقل عن البخاري خلال لقائه مع أعضاء كتلة «الاعتدال الوطني» امس الاول جاء أكثر وضوحاً، حيث شدّد على «الموقف الحيادي للمملكة العربية السعودية وضرورة الإسراع في إنجاز الاستحقاق». واشار بطريقة واضحة لا تحتمل اي تشكيك، إلى «وحدة الموقف بالنسبة إلى الدول الخمس التي تجتمع حول لبنان». في إشارة منه إلى انّ الحديث عن التمايز بين الفرنسيين وأطراف اخرى يحتاج إلى التدقيق أكثر.
ولكن احد أعضاء التكتل قال لـ«الجمهورية»، انّه سمع من البخاري كلاماً جديداً، فهو تحدث عن ضرورة التوصل إلى تسمية مرشح او إثنين مقابل ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ليصار إلى انتخاب من تختاره الاكثرية النيابية. مؤكّداً انّ «من المهم جداً التوصل بسرعة إلى هذه المرحلة بعيداً من المواقف الخارجية، فالجميع متفق على ترك الخيار للبنانيين للبت به».
وشدّدت الكتلة في بيان، على انّ اعضاءها أكّدوا للبخاري موقفهم الداعي الى «جلسة انتخاب قريبة»، كما شدّدوا على ضرورة «عدم مقاطعة أي كتلة او نائب جلسات الانتخاب، لأنّ من واجب النواب حضور هذه الجلسات والتعبير عن رأيهم بكل ديموقراطية وشفافية، وتمّ الاتفاق على لقاء قريب لاستكمال البحث».
وعلمت «الجمهورية»، انّ البخاري قبل دعوة الكتلة إلى غداء سيقام غداً الخميس في مقرها في الصيفي، حيث من المتوقع التوسع بطريقة أكثر تفصيلاً في الجديد الذي انتهت إليه جولته.
ووجّه عضو الكتلة النّائب وليد العريني في حديث اذاعي امس، رسالة إلى رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، دعاه فيها إلى «إعادة النظر بمواقفه والخروج من لغة المحاور». وقال: «إن كان يسمعني الآن أو ستصله هذه الرسالة فإنّه يعي تمامًا ما أقول». وأشار إلى أنّه «تلوح في الأفق بعض الإنفراجات في ما يتعلق بانتخابات الرئاسة، والجميع في الخارج يريد إنهاء الشغور وبالتالي المشكلة داخلية».
ودعا «الجميع في الداخل إلى كسر الحواجز، والثنائي المسيحي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» إلى الوقوف خلف مرشّح بمواجهة مرشّح الفريق الآخر». وأكّد أنّ «تكتل الاعتدال على مسافة واحدة من الجميع ويتخذ قراره في جلسة الانتخاب».
وفي هذه الأجواء، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ الاتصالات قطعت شوطاً بعيداً لحصر المواجهة بين مجموعة صغيرة من المرشحين قد لا يتجاوز الثلاثة حتى اللحظة، في مرحلة قد تؤدي إلى الدعوة إلى جلسة انتخابية في وقت قريب.
حائط مسدود
ولكن في المقابل، قالت اوساط سياسية مواكبة للاستحقاق الرئاسي وعلى تقاطع مع القوى السياسية على اختلافها وتنوعها، وعلى تقاطع ايضاً مع عواصم القرار العربية والغربية وتتموضع وسطياً في الاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية»: «إنّ الانتخابات الرئاسية وصلت ضمن المعطيات الحالية الى حائط مسدود ومقفل، فلا المعارضة قادرة على انتخاب مرشحها ولا هي ايضاً قادرة على توحيد صفوفها لأنّها «لو بدا تشتي غيّمت».
واضافت هذه الاوساط، انّ «ما عجزت المعارضة عنه سابقاً وعلى رغم الإلحاح والضغوط والظروف، لا يبدو انّها قادرة على جمع صفوفها اليوم. كما لا يبدو انّها قادرة حتى اللحظة على التقاطع مع «التيار الوطني الحر» لفرض امر واقع رئاسي. طبعاً هناك حركة داخل صفوف المعارضة، وطبعاً هناك تواصل مع «التيار» بين مكونات المعارضة على اختلافها، ولكن كل هذه الحركة لم تنتج اي شيء يمكن الركون اليه».
كما انّ الموالاة غير قادرة على إيصال مرشحها على رغم تمّسكها وقولها انّها متمسّكة بخطة «أ» ولا خطط بديلة لديها، ولكن في المعطيات والوقائع غير قادرة على إيصال هذا المرشح، كما انّ التواصل مع الخارج أظهر أنّ الدولتين المعنيتين مباشرة بلبنان، والمقصود ايران والسعودية اللتين وقّعتا تفاهماً في الاسابيع القليلة الماضية، استخدمتا المصطلحات نفسها تجاه الاستحقاق الرئاسي، حيث تحدثتا علناً عن انّ الشأن الرئاسي في لبنان هو شأن لبناني، وعلى اللبنانيين الاتفاق في شأنه، وبالتالي وضعت كل من طهران والرياض نفسها على مسافة واحدة من الجميع، لا تدعم هذا ولا ترفض ذاك، ولا يبدو انّ المبادرة الفرنسية قادرة على الترجمة العملية في ظل موقف سعودي واضح، وضع نفسه على الحياد وفي غير وارد إقناع اصدقاء المملكة في لبنان بموقف مغاير، وبالتالي اصبحت المسألة على همّة اللبنانيين في ظلّ موقف خارجي غير قادر على ترجمات عملية في الداخل وفي ظلّ موقف سعودي ـ ايراني وضع نفسه على الحياد بين القوى الموجودة، وبالتالي اصبحت المسألة متوقفة على ميزان القوى الداخلي. ومن هذا المنطلق، على المعارضة من جهة وعلى الموالاة من جهة اخرى، ان يدركا هذا الاصطفاف من هذه الجهة او تلك، انّ وصول مرشح اي فريق مستحيل وانّ التوافق هو المعبر الوحيد لكسر هذا الاستعصاء القائم، وانّه في حال كان الحوار متعذراً، وهو ما زال حتى اللحظة مرفوضاً لدى فئة معينة، فلا بدّ من مبادرات لكسر هذا الاستعصاء عبر طرح الاسماء القادرة على ان تكون عابرة للاصطفافات القائمة، وإلّا يبدو انّ الامور ستطول، وفي حال طالت فإنّ لبنان سيتجّه بعد اسابيع واشهر قليلة نحو استحقاق حاكم مصرف لبنان وبعدها نحو قائد جيش، وبالتالي تتمدّد الفراغات في ظل شغور رئاسي ادّى ويؤدي إلى حكومة تصريف اعمال وغياب التشريع، وإلى ما هنالك من امور، ما يستدعي الإسراع في انجاز الانتخابات الرئاسية على القاعدة التوافقية المعهودة.
لا حسم لموعد الجلسة
وعلى صعيد التحضيرات للجلسة الانتخابية الموعودة، لم تشأ مصادر مطلعة الكشف عن الموعد المحدّد لها، في اعتبار انّه ما زال ملكاً للرئيس بري وربما «للثنائي الشيعي» المتمسك بدعم ترشيح فرنجية بعيداً من أي خيار آخر، بدليل الموقف الذي عبّر عنه نائب الامين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في احتفال للحزب في النبطية حيث قال: «إنّ فريقنا بدأ بفرصة واعدة عندما دعم ترشيح الوزير فرنجية لأنّه رجل المواصفات الوطنية والمنفتح على الجميع محلياً وعربياً وإقليمياً». وأكّد أنّ «فرصة انتخاب الرئيس هي اليوم أكثر وضوحاً لكنها غير ناجزة بعد، ونحتاج إلى بعض الوقت. وآمل ألّا تكون طويلة». ولفت إلى «وجود فريق لبناني قرّر ترشيح رئيس للجمهورية عن طريق المواجهة، وعندما أصرّ على مرشح للتحدّي وأعلن مراراً أنّه يريد رئيساً للتحدّي فشل منذ اللحظة الأولى. وأنا أقول لجماعة المواجهة ليس لديكم أي فرصة لفرض رئيس وأنتم تتدهورون تدريجاً».
الفراغ القاتل
إلى ذلك، تابع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب جولته، فزار كلاً من عين التينة و»اللقاء الديموقراطي»، وقال: «لمستُ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي تمسّكه بموقفه»، مشيرًا إلى انّه «بعد رفض الحوار نحاول إيجاد طريقة للذهاب في اتجاه جديد، لجمع الأفرقاء». وشدّد على أنّ «مبادرتي هي على مراحل عدّة، والمرحلة الأولى تنتهي اليوم والتقييم يحصل بعدها، والهدف منها تحريك الركود الموجود»، لافتاً إلى أنّ «التواصل الداخلي يمكن ان يخلّصنا من الفراغ القاتل اليوم».
إحتمال الخرق
تراجع الحديث عن حلّ لمشكلة الشغور في حاكمية مصرف لبنان بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، عن طريق الحكومة التي كانت تبحث في سيناريو رفع مجموعة اسماء للتعيين في جلسة استثنائية مخصّصة لتعيين حاكم جديد. فقد علمت «الجمهورية»، انّ ظروف انعقاد هذه الجلسة لم تعد متوافرة، وانّ الرئيس نجيب ميقاتي الذي اكّد له سلامة انّه لن يبقى ساعة واحدة بعد انتهاء ولايته، لن يُقدم على هذه الخطوة لانّه لا يريد استفزاز الفريق المسيحي أولاً، وثانياً لإعطاء رئيس الجمهورية المقبل الحق الدستوري الاول «المذهب» بتعيين حاكم مصرف لبنان، واختيار هذه المواقع المسيحية الحساسة وفق الاصول ومنحه حرية اختيار فريقه المالي.
اما إذا لم تحصل الانتخابات الرئاسية قبل اواخر حزيران «فسنشهد مطباً خطيراً». إذ يقول مصدر سياسي مطلع على الاتصالات الجارية حول هذا الملف لـ»الجمهورية»، انّ محاولات تجري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقناعه بتسلّم النائب الاول وسيم منصوري هذا المنصب بالوكالة حسب الدستور، ولكن بري لا يزال يرفض هذا الامر، وانّ النائب الثاني الدرزي ( الذي سمّاه الامير طلال ارسلان) لا يزال رافضاً تولّي المنصب بالإنابة اذا رفض منصوري، والأخير ليس بالضرورة ان يستقيل كما سبق واشيع، وبالتالي ذاهبون إلى فراغ خطير على مستوى الحاكمية، وما يمكن ان يجرّ معه من تداعيات وويلات على سعر الصرف والسياسة النقدية، وسط تعذّر التئام المجلس المركزي.
وكشف المصدر، انّ امكانية إحداث خرق في الملف الرئاسي قبل هذا الوقت لا تزال مرتفعة ومتقدّمة، والسبب الرئيسي انّ الاجواء الاقليمية مؤاتية، وانّ الفريق المعطّل سيُحرج امام إرادة الحل، وبالتالي القبول بتسوية تدخل فيها كل الاطراف السياسية لإنقاذ لبنان اصبح خياراً لا بديل عنه سوى دمار لبنان الشامل.
المودعون
مالياً، نفَّذ عدد من المودعين تحركًا أمس أمام المجلس النيابي في وسط بيروت، للمطالبة بالحصول على ودائعهم. وتجمّع عشرات المودعين بدعوة من «جمعية المودعين اللبنانيين»، للمشاركة في وقفة تحت شعار «كفى قهرًا لمودعي لبنان»، وسط تعزيزات للقوى الأمنية.
وقطع عدد من المودعين الطريق أمام المجلس النيابي، وجالوا في عدد من الشوارع في وسط بيروت، حاملين يافطات تعبّر عن احتجاجهم على السياسات المعتمدة، واعتصم عدد منهم أمام بنك «عودة» في المحلة، وحطموا الصراف الآلي التابع للمصرف كما أحرقوا الإطارات أمام المصرف.
ثمّ انتقلوا إلى أمام منزل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في محلة الزيتونة، حيث انتشرت القوى الأمنية واتخذت إجراءات متشدّدة لمنعهم من الدخول إلى المنزل، لكن عدداً منهم ألقوا المفرقعات في اتجاهه، وحاول آخرون قطع الأسلاك الشائكة المحيطة به، وردّدوا هتافات ضدّ ميقاتي وأصحاب المصارف.
تحذيرات أممية
من جهة ثانية، وفي موقف لافت رافق تداعيات العدوان الاسرائيلي على غزة، أشار الناطق الرسمي باسم قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب أندريا تيننتي، ردًا على سؤال عن الوضع في الجنوب وأنشطة «اليونيفيل»، إلى أنّ «ولاية اليونيفيل تشمل منع الأنشطة العدائية والحفاظ على الاستقرار في الجنوب». وقال: «إنّ جزءاً من مهمتنا يتمثل في ضمان عدم وجود أسلحة أو صواريخ في منطقة عملياتنا، ويتمّ ذلك بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية». وأضاف: «لدينا أنشطة لمنع إطلاق الصواريخ، إلى جانب القيام بدوريات في منطقة عملياتنا، وهذه أنشطة منتظمة». وأشار إلى أنّ «اليونيفيل تنفّذ ولايتها، وهذه الأنشطة هي جزء من هذه المهمّة».
لا لتكرار «صواريخ القليلة»
وتعليقاً على هذه المواقف، لفتت مراجع ديبلوماسية وسياسية معنية بالتطورات الجنوبية عبر «الجمهورية»، انّ موقف «اليونيفيل» جاء عقب العمليات العسكرية التي شنتها اسرائيل على مناطق غزة وما انتهت إليه بعد اغتيال ثلاثة من كبار قادة حركة «الجهاد الاسلامي»، وانّ القوات الدولية كثفت اتصالاتها لتحاشي تجدّد اي عمل عسكري يمكن ان ينطلق من الجنوب على غرار القذائف التي انطلقت في 6 نيسان الماضي من منطقة القليلة، وضرورة عدم تكرار ما حصل.. ولفتت المصادر إلى انّ تحذيرات الأمم المتحدة وصلت الى المراجع المعنية في اسرائيل ولبنان.
الخارجية تدين
وفي موقف شديد اللهجة، دانت وزارة الخارجية والمغتربين «العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واقتحام مدينة نابلس». وحذّرت «من خطورة التصعيد الإسرائيلي واستمرار الانتهاكات الاسرائيلية للأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، مما ينذر بتهديد خطير للسلم والامن الدوليين». ودعت إلى «تحرك دولي عاجل لوقف فوري لإطلاق النار والتصعيد الإسرائيلي، بغية تفادي استمرار دوامة العنف والخسائر في الأرواح والممتلكات».
الجمهورية