مجلة وفاء wafaamagazine
كلّ الأنتينات واللواقِط السياسيّة مصَوّبة نحو ساحة النجمة اليوم، رَصداً لجلسة مجلس النواب، المفتوحة على كل شيء إلّا على انتخاب رئيس للجمهورية.
واذا كانت هذه الجلسة محسومة النتائج سلفاً بأنها لن تحقق الاعجوبة الرئاسية، فإنّ الاجواء السابقة لها ملبّدة بالحقد السياسي، ما يجعل من هذه الجلسة مرآة عاكسة للانقسام الافقي والعمودي السائد في البلد على كلّ المستويات. وبالتالي، لن يَتأتَّى منها سوى إضافة المزيد من الجمر الحارق تحت رماد الرئاسة، وبث سموم اضافية في جو مسموم أصلاً، تُطيل إقامة لبنان واللبنانيين بين المتاريس، ويشرّع الباب واسعاً على منحدرات ومنزلقات جديدة ليس معلوماً ما قد تخبئه من مفاجآت وربما صدمات على اكثر من صعيد. وهو الامر الذي يثير اكثر من علامة استفهام حول مرحلة ما بعد 14 حزيران؟ وأي قواعد اشتباك ستحكم لبنان؟ وربطاً بذلك، على أي صورة سيرسو المشهد الرئاسي؟
وخلافاً لما تروّج له البوانتاجات والأرقام التي تروّج على سبيل المبالغة او التهويل، لا رئيس للجمهورية غداً، وهي النتيجة الطبيعيّة للجَو المتناثر في اكثر من اتجاه سياسي، وكل اطراف الصراع الرئاسي مُسلّمة بهذه الخلاصة الطبيعيّة لعملية انتخابيّة لا يملك ايّ من هذه الاطراف قدرة الحسم فيها، بتأمين أكثرية الفوز للمرشحين لا في دورتها الاولى ولا في دورتها الثانية. ومُسلّمة ايضاً بأن جلسة الانتخاب محكومة وقائعها بلعبة مكشوفة، الهدف الاساس فيها ليس انتخاب رئيس الجمهورية، والتقاطعات السياسيّة التي تقاطعت على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور تقول بصراحة علنية انّ الجوهر الاساس للتقاطع على أزعور، هو قطع الطريق على الوزير فرنجية.
لعبة مكشوفة
إذاً اللعبة مكشوفة، وفي سياقها جنّدت التقاطعات على أزعور كل إمكانياتها وماكيناتها السياسية والاعلامية لِحَشد النسبة الاعلى من الاصوات له، ورهانها على تجاوب الشريحة الكبرى ممّن يُسَمّون أنفسهم نواباً تغييريين، والانضمام اليها في لعبة إقصاء فرنجية، وفيما انخرطَ البعض من هؤلاء النواب في هذا المسار وبعضهم نصّبوا كناطقين باسم التقاطعات، فإن معلومات «الجمهورية» تؤكّد انّ نواباً من ألوان تغييرية اخرى ستلحق بهم، هذا في وقت حسم عدد كبير من النواب المستقلين، والمعتدلين، خياراتهم سلفاً بعدم المشاركة في هذه اللعبة، وبالتالي توجّههم في جلسة الغد، هو نحو التصويت لمصلحة خيار رئاسي ثالث، وبعضهم بورقة بيضاء.
في هذا الاطار اعلن النائب محمد سليمان، بعد اجتماع نواب الإعتدال وعدد من التغييريين والمستقلين لبحث ملف الرئاسة، أنهم سيتواجدون في كل الجلسات وفي الدورة الأولى والثانية ولن يعطّلوا أي نصاب كما أنه سيكون لديهم اسم.
وأكد أنّ الأولوية هي لإنجاز الإستحقاق الرئاسي وليس لتسجيل النقاط، قائلًا: «نحن ضد الإصطفافات الحادة التي تمنع انتخاب رئيس واجتماعاتنا ستبقى مفتوحة الى يوم الاربعاء، ونحن لسنا مع الإنقسام العمودي إنما مع التوافق الوطني الذي يُنتج رئيسًا».
بدوره، شدّد النائب عماد الحوت على أنّه لن يتم الاعلان عن الاسم المناسب في نظرهم إفساحاً في المجال للنقاش مع باقي الفرقاء.
وقال: «خياراتنا مفتوحة وما زلنا على تَشاور مع عدد من النواب لا سيما أنّ مواقفهم هي مثل مواقفنا»، مضيفًا: «لسنا مع تسجيل النقاط انما إنجاز الاستحقاق، ولدينا وجهة نظر لكن لن نعلن عن الاسم الذي نراه مناسبًا إفساحًا في المجال للنقاش مع باقي الفرقاء. الا انه رجّح في النهاية الذهاب الى خيار ثالث.
توسيع الفارق
وفيما بدا واضحاً انّ التقاطعات تسعى جهدها لأن ينال جهاد ازعور نسبة من اصوات تُظهِر فارقا كبيرا مع النسبة التي سينالها فرنجية، وعلى ما تقول مصادر نيابية لـ»الجمهورية» فإن هذا الفارق إن حصل يعني انها حققت هدفها، حتى ولو كان هذا الفارق صوتا واحدا لأزعور زيادة عن فرنجية، حيث ان التقاطعات ستسخدمه سلاحا في يدها للقول انّ مرشح الممانعة قد سقط، ولم يعد له مكان في نادي المرشحين، وليس خافيا ان بعض هذه التقاطعات، كالتيار الوطني الحر، اعلن على لسان رئيسه جبران باسيل انه منفتح لا بل مُحبّذ على الذهاب الى خيار ثالث.
تأهّب للمواجهة
على ان الصورة في مقلب داعمي فرنجيّة، تعكس ما بَدا أنّه تأهّبٌ الى الحد الاقصى في مواجهة هذه اللعبة، وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ ثنائي «أمل» و«حزب الله» وحلفائهما قد رسموا خريطة المواجهة، لمنع تلك التقاطعات من تحقيق هدفها، من خلال استخدام كلّ الاسلحة الديموقراطية والبرلمانية المتاحة في المعركة الانتخابية».
وردا على سؤال عما اذا كان تطيير النصاب من ضمن تلك الاسلحة، قالت مصادر الثنائي لـ«الجمهورية»: لماذا تريدون استباق الأمور، نحن مُنخرطون الى الآخر في اللعبة البرلمانية، وملتزمون بكل ما تبيحه من خطوات، نحن لم نقل إننا سنعطّل جلسات الانتخاب، عودوا الى الاعلام فتجدون انهم هم من صَرّحوا علناً بذلك، ولذلك لن نقول شيئا قبل الجلسة، وعلى ما يقال كل أوان لا يستحي من أوانه».
دورة أو دورتان ؟
الى ذلك، وعلى الرغم من تأكيد مختلف الاطراف مشاركتها في الجلسة، الا انّ مصادر التقاطعات تتهم الفريق الآخر بالسعي الى تعطيل الجلسة. وقالت لـ«الجمهورية» انّ «ثنائي التعطيل» قد يحاول الهروب الى الامام، والتغطية على هزيمة مرشحه بمحاولة تطيير نصاب الجلسة ومنعها من الانعقاد، وهذا ما توحي اليه تصريحات قيادات «حزب الله».
الا ان مصادر «الثنائي» اكدت لـ«الجمهورية» انّ الجلسة قائمة في موعدها، وستعقد بنصاب كامل، وكشفت ان محاولات وإشارات أطلقتها بعض المستويات السياسية، تُعرِب فيها عن الخشية من انزلاق الامور الى توترات تؤدي الى منزلقات خطيرة، وتقترح تأجيل الجلسة لمزيد من المشاورات وفتح الباب امام تبريد الأجواء، وان الجواب على هذا الاقتراح جاء بما حرفيته: من يريد تأجيل الجلسة فليعلن ذلك صراحة وعلناً، وليس بالهمس والحكي من تحت الطاولة».
وسَخرت المصادر مما يروّج له البعض بأنّ فرنجية سيخرج من اللعبة الرئاسية، وقالت: هذا من تأليف واخراج تقاطعات الزمن الرديء، فالوزير فرنجية باق في موقعه مرشحا ثابتا، ولننتظر كم سيبقى مرشحهم صامدا بين تقاطعات لا تريده أصلاً».
واذا كان اجراء دورة اقتراع أولى في جلسة الاربعاء محسوما، ولن يحقق فيها اي من المرشحين اكثرية الفوز برئاسة الجمهورية، الا ان دورة الاقتراع الثانية غير محسومة، وعلى ما تقول مصادر مجلسية لـ«الجمهورية» ان اجراء دورة ثانية مرتبط بالنتيجة التي ستُسفِر عنها الدورة الأولى، فإذا ما لامَسَ ازعور حدود الستين صوتاً في الدورة الاولى، فذلك يعزّز احتمال ألا تعقد دورة ثانية، بتطيير نصاب الجلسة. وذلك خشية من أن تحمل الدورة الثانية مفاجآت ترفع نسبة الاصوات الى الـ65 صوتا وتحسم المعركة الرئاسية لمصلحته، ومبعث هذه الخشية انّ عدداً لا يُستهان به من النواب من خارج الاصطفافين، صَرّحوا علناً بأنّ خياراتهم مفتوحة.
الحضور الفرنسي
في هذه الاجواء، برز الحضور الفرنسي على الخط الرئاسي، عبر زيارة قامت بها السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو الى عين التينة، حيث التقت رئيس مجلس النواب نبيه بري. وسبق ذلك لقاء للسفيرة الفرنسية مع وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب.
وبحسب المعلومات ان حركة السفيرة الفرنسية مرتبطة بشكل أساسي بالتحضير لزيارة الممثل الشخصي للرئيس ايمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان، حيث ان هذه الزيارة باتت على مسافة ايام قليلة، الا انها عكست في جانبٍ منها ان باريس ثابتة على خط الوصول بلبنان الى تسوية رئاسية في القريب العاجل.
وفي هذا الاطار كشفت مصادر ديبلوماسية من باريس لـ«الجمهورية» ان تطورات الملف الرئاسي الاخيرة في لبنان، أعادت تَزخيم حركة الاتصالات بين الدول الصديقة للبنان، بمبادرةٍ فرنسية، ولم تستبعد المصادر عقد اجتماع حول لبنان في المدى المنظور.
وردا على سؤال عما سيحمله لودريان الى بيروت، قالت المصادر: كل ما يهمّ فرنسا من لبنان انها لا تريد ان يسقط وينهار، ولهذه الغاية وضعت بالتنسيق مع اصدقاء لبنان، خطوطاً عريضة لبلورة حل متكامل لأزمة الرئاسة فيه. والسيّد لودريان، المعروف عنه خبرته وحنكته السياسية، سيعمل ضمن هذا المسار لإقناع القادة في لبنان، بتجَنّب الانهيار، والالتقاء على اولوية التعجيل بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة.
قلق عربي
على أنّ اللافت في هذا المشهد المعقد ما أبلغَه مصدر ديبلوماسي عربي الى «الجمهورية»، حيث قال: انّ التوترات السياسية التي بدأنا نلاحظ تناميها في الآونة الاخيرة، تبعث على عدم الاطمئنان.
وردا على سؤال، قال: نحن على قُربٍ واحد من كل الاطراف في لبنان انطلاقا من حرصنا على استقراره، والموقف العربي معروف بأن على اللبنانيين ان يتوافقوا فيما بينهم على رئيس بلدهم، هنا تكمن مصلحة لبنان والشعب اللبناني. ولكننا لم نلمس ذلك، برغم انّ هذا التأخير في ذلك يُرتّب مخاطر كبرى على لبنان. وقد سبق للبنانيين ان ذاقوا مرارات التجارب وقساوتها، وآخرها ازمتهم الاقتصادية الخانقة.
وعما اذا كان ثمة حراك عربي متجدد او مبادرات تجاه لبنان، قال: كل المجتمع الدولي عبّر عن تضامنٍ صريح مع لبنان، ولكننا نعتقد انه لن يكون احدٌ من العرب، او من غير العرب اكثر حرصا على لبنان من حرص اللبنانيين على بلدهم. ومن هنا فإن الجميع ينتظرون ان يلاقي اللبنانيون جهود اصدقائهم واشقائهم، ويبادروا لإنقاذ بلدهم لأنهم الأدرى بمصلحة بلدهم قبل غيرهم.
الراعي
الى ذلك، اكد البطريرك الماروني مار بشار الراعي، خلال ترؤسه أعمال سينودس الكنيسة المارونية في بكركي امس، «أن البطريركية على مسافة متساوية من المرشحين جميعًا، والتشاور مع هذه المرجعيات بشأن إجراء انتخاب رئيس للجمهورية بعد ثمانية أشهر من الفراغ الهَدّام للدولة والشعب، والتشاور مع هذه المرجعيات بشأن إجراء انتخاب رئيس للجمهورية».
واشار الى «أن التشديد من الموفدين كان على إجراء الإنتخاب بالروح الديموقراطية التوافقية بعيدًا عن التشنجات والنزاعات والعداوات والإنقسامات، فالترشح والترشيح حق ديموقراطي دستوري وإحترام المرشحين في كراماتهم حق أخلاقي أساسي للعيش معًا بسلام وثقة وتعاون في سبيل وطننا الواحد».
عون على الخط
من جهته، كتب الرئيس السابق ميشال عون في تغريدة له عبر «تويتر»: «نظامنا ديموقراطي ودستورنا يكفل حرية الرأي.. وعليه، فإن من حق كل فريق سياسي أن يكون لديه مرشح رئاسي من دون أن يستجرّ ذلك خطاب التخوين والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور. إن احترام الآخر وحقوقه هو في أساس الوحدة الوطنية والعيش المشترك، ومن يريد الوطن لا بد أن يحترم هذه المبادئ».
رعد: الشراكة
واعتبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ان «الفريق الآخر يريد ان يصل الى رئاسة الجمهورية، هذا الشخص الذي يرونه مناسباً للقيام بهذا الدور. من هو المنافس؟ ينافس أهل المقاومة جماعة من اللبنانيين ممّن يرشحون ويدعمون شخصا لا يريدون أن يصل الى رئاسة الجمهورية، وإنما يستخدمونه فقط لمنع أن يصل مرشح المقاومة».
وقال: «نحن نفكر ايجاباً، على أن الشراكة الوطنية هي تحقيق لمصالح اللبنانيين جميعاً من دون تمييز واستنساب او استضعاف لأحد، لكن الآخرين يفهمون الشراكة الوطنية استخدام فريق آخر من اللبنانيين من اجل ان يحققوا مصالحهم الخاصة على حساب جميع اللبنانيين».
إحترام الـ1701
من جهة ثانية، اكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي «التزام لبنان مُندرجات القرار الدولي الرقم 1701 والتنسيق بين الجيش وقوات «اليونيفيل» للحفاظ على الاستقرار في الجنوب وعلى طول الحدود اللبنانية».
وطالبَ ميقاتي، خلال استقباله القائد العام للقوات الدولية في الجنوب الجنرال ارولدو لازاروالامم المتحدة، «بالضغط على اسرائيل لوقف خروقاتها المتكررة للخط الازرق وللسيادة اللبنانية، وايضا بوقف الاشغال ضمن الاراضي اللبنانية، لأنّ هذا الامر يتسبّب بتوترات خطيرة»، مجدداً «تمسّك لبنان بحقه في استعادة اراضيه المحتلة وعدم التفريط بها».
الجمهورية