مجلة وفاء wafaamagazine
حذّرت إسرائيل لبنان، في «رسالة دبلوماسية» عبر الأمم المتحدة، من أنها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء موقعين قالت إن حزب الله أقامهما داخل «الأراضي الإسرائيلية»، في إشارة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي المنطقة التي تعتبرها إسرائيل جزءاً من الجولان السوري المحتل، و«أراضي إسرائيلية» ربطاً بقرار ضم الجولان المحتل إلى الكيان.
يحيى دبوق
وعُلم أن الرسالة التي مُررت عبر شكوى أودعتها إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جاءت واضحة ومباشرة، ومفادها أنه ما لم يخل حزب الله الموقعين فإن «الجيش الإسرائيلي» سيبادر بنفسه إلى إخلائهما «بالقوة»، وذلك بعد أسبوعين من وساطات قامت بها عواصم أوروبية على تواصل مع حزب الله في لبنان، أرادت من ورائها توسيع انتشار قوات اليونيفل إلى هذه المنطقة التي تقع خارج نطاق عمل القوات الدولية، وإقناع المقاومة بإخلاء الموقعين اللذين تم نصب خيمتين فيهما، ومنع الأهالي من الوصول إلى هذه المناطق.
وبحسب المعطيات، فقد أكّد حزب الله لكل المتصلين به أن هذه الأراضي لبنانية تحتلها إسرائيل، وأن للبنان الحق في الوصول إليها، سواء عبر مؤسساته الرسمية أو من خلال الأهالي الذين يعتاشون من العمل في الحقول الزراعية أو في رعاية الماشية. ورفض حزب الله عملية الإخلاء رفضاً تاماً، بل عملت المقاومة على تعزيز الموقعين أخيراً، ما دفع العدو إلى البحث عن طريقة لإجبارها على الإخلاء. علماً أن التحركات الشعبية التي شهدتها المنطقة قبل أسبوعين أجبرت العدو على التراجع عن بعض الأعمال الهندسية، وعلى الالتزام بالموقع الجديد للسياج الذي أبعده الأهالي مئات من الأمتار عن المكان الذي نصبه فيه جيش الاحتلال، وبدأ خطوات في منطقة شبعا، بناءً على توصيات تستند إلى تقديرات بأن المقاومة ستعمد إلى تفعيل الجبهة في هذه المناطق المحتلة.
مصدر عسكري إسرائيلي أبلغ منصة «واللا» الإخبارية أن حزب الله أقام الموقع الأول بعدما «اخترق الحدود باتجاه الأراضي الإسرائيلية قبل أن يقيم لاحقاً موقعاً ثانياً إلى جانبه». وأوضح أن «الموقعين في منطقة مزارع شبعا»، وهي وفقاً للجيش اللبناني أراضٍ لبنانية محتلة، وليست إسرائيلية.
ولفت مراسل الإذاعة العسكرية إلى أن الموقعين «يتجاوزان الخط الأزرق بين الجانبين، ويشغلهما عناصر من حزب الله مع أسلحتهم». ونقل عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي كلاماً أقل حدّة مما ورد على لسان المصدر العسكري، إذ أشار إلى أن «المسألة تعالج لدى كل الجهات ذات الصلة»، ممتنعاً عن إطلاق تهديدات باستخدام القوة العسكرية.
اللافت أن الحادثة التي وقعت قبل أسبوعين، وفقاً للرواية الإسرائيلية، لم تحظَ بأي تغطية إعلامية، وأعقبتها شكاوى إسرائيلية بأن لبنان واجه اعتراضات العدو بردّ قاطع، مفاده أن مزارع شبعا أرض لبنانية محتلة. كما أن اللافت إقحام الإسرائيليين الخط الأزرق وسحبه على منطقة مزارع شبعا، رغم أن هذا الخط ينتهي مع بداية المزارع، ولا علاقة له بها.
وبعد انتشار خبر تهديد المصدر العسكري، نقلت الإذاعة العسكرية عن مصادر في الجيش الإسرائيلي «أن الموقعين الجديدين لحزب الله لا يشكلان تهديداً أمنياً، وأن حل هذه المسألة يتم عبر القنوات السياسية والدبلوماسية»، مشيرة إلى أن المسؤولين في المؤسسة العسكرية «يدرسون كيفية التعامل مع الحادث، والبحث في الأسباب التي دفعت حزب الله إلى إقامة الموقعين داخل الأراضي الإسرائيلية وامتناعه عن إخلائهما».
وبثّت القناة 11 العبرية أنه عُرض أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قبل بضعة أسابيع، حادث «لا يمكن تصوره»، إذ «خرقت قوة عسكرية من حزب الله الحدود في منطقة هاردوف (مزارع شبعا المحتلة)، ونصبت خيمتين داخل الأراضي الإسرائيلية، مع انتشار عسكري فيهما وحولهما». ووفقاً للقناة، «استمر هذا الوضع على حاله، وإسرائيل لا تتحرك، والجيش يظهر أن الردع الإسرائيلي في الشمال يعاني من تآكل واسع النطاق».
ويبدو أن ما يُذكر إسرائيلياً مطابق للواقع، وإن لم يرد إلى الآن أي تعليق من حزب الله الذي يعتمد الصمت منذ أسابيع، رغم الحراك الإسرائيلي عبر التلويح باستخدام القوة، وعبر قنوات دبلوماسية وسياسية أُشركت فيها الأمم المتحدة ودول أخرى.
وكان لافتاً في المقاربة الإسرائيلية أمس، ورود مغالطات يفترض التوقف عندها:
أولاً، على فرض أن حزب الله أقام الموقعين في مزارع شبعا المحتلة، فلا شيء يحول دون ذلك، وهو حق لا يُختلف عليه لبنانياً، وهو ما ورد تأكيد عليه في الإعلام العبري عبر حديث المصدر العسكري بأن رد الجيش اللبناني جاء قاطعاً على «الشكوى» الإسرائيلية في التأكيد على لبنانية المنطقة. أما إصرار تل أبيب على المغالطة المقصودة حول «الأرض السيادية الإسرائيلية»، فلا يغير من طبيعة الأرض ولبنانيتها، إضافة إلى أن منطقة مزارع شبعا تقع خارج نطاق الخط الأزرق، وتُعدّ أرضاً محتلة لا سيادة لإسرائيل عليها من قريب أو بعيد.
ثانياً، يمثل الخط الأزرق خط انسحاب لجيش الاحتلال، وليس خطاً للحدود بين الجانبين. وخط الانسحاب الإسرائيلي لا يمثل، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، خط الحدود الدولية. علماً أن لبنان يتحفّظ على الأقل على 13 نقطة على طول هذا الخط الذي يمتد من غرب مزارع شبعا وصولاً إلى الناقورة في الغرب.
لبنان لا يقر بالسردية الإسرائيلية، وتناقض في تسريبات قادة العدو وتصريحات المتحدثين باسم جيشه
ثالثاً، اعتمدت إسرائيل في تعليقها الرسمي على ما تسميه «خرق السيادة»، لغتين متعارضتين: تهديد المصادر الذي لا يُبنى عليه ولا يخضع لمساءلة في حال التراجع عنه بعد امتناع حزب الله عن الرضوخ للتهديد، وتأكيد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي علناً على وجود مساع دبلوماسية وسياسية لحل هذه القضية، مع درس وتقدير موقف حزب الله وسبب امتناعه عن الانسحاب من الموقعين. وتعارض اللغتين يعبر عن معضلة إيجاد حل لتحدّ غير مسبوق كهذا.
وكانت لافتة في متابعات هذا الملف خيبة أمل المعلقين والمراسلين والتعليقات التي صدرت في الإعلام العبري، كما في القناة 11 التي وصفت الحادث بأنه «لا يُصدق». وهو تعبير عن الإحباط نتيجة تراجع ردع إسرائيل مقابل تنامي ارتداعها: إسرائيل التي اعتادت الهجوم والاعتداء وقضم الحقوق، باتت في موقف دفاعي انكفائي، تستخدم الشكوى والرسائل الدبلوماسية، وتبتعد ما أمكنها عن استخدام القوة العسكرية، رغم امتهانها التهديد بها.
الأخبار