مجلة وفاء wafaamagazine
طَغت حادثة القرنة السوداء، التي ذهب ضحيتها الشابان هيثم ومالك طوق من بشري، على ما عداها من اهتمامات، واستدرَجت موجة عارمة من الاستنكار والدعوات الى الاقتصاص من المجرمين ومنع وقوع فتنة في المنطقة. وقد حجبت هذه الحادثة الاهتمام عن الاستحقاق الرئاسي الذي كاد ان يغيب عن المواقف والتحركات الجارية في شأنه، على رغم من الجمود الذي يعيشه في انتظار العودة المنتظرة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لو دريان في 15 من الجاري في ظل حال الاحتجاجات العارمة والمتفاقمة التي تعيشها فرنسا بعد مقتل مراهق جزائري على يد الشرطة الفرنسية.
دخلت البلاد مرحلة الفراغ الطويل على حد وصف مرجع سياسي رفيع لـ»الجمهورية» بعد سقوط الفرص التي كانت متاحة منذ نحو شهر، كاشفاً انّ عودة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان «ليست اكيدة. وحتى اذا عاد سيكون خالي الوفاض بعد ان اصبح الملف الرئاسي في مكان آخر».
واضاف المصدر: «لبنان دخل في حالة جمود قاتلة، والخوف من ان تملأها توترات على غرار ما حصل في القرنة السوداء».
وبالنسبة الى ما خص العمل الحكومي الذي يفترض ان يستمر في ظل الفراغ الرئاسي، استبعد المصدر «ان تتمكن هذه الحكومة من اجراء تعيينات ولو طرحتها تحت مسمّى الضرورية، كتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان عند انتهاء ولاية الحاكم الحالي نهاية هذا الشهر، متوقعاّ سهولة في طرحها وتحولها مادة للجدل مقابل صعوبة في تنفيذها».
الى ذلك اعتبرت اوساط متابعة ان «التقاطع الوطني» الذي حصل ببن كل الجهات، على اختلاف انتماءاتها السياسية والطائفية، عند التنديد بحادثة مقتل مواطنَين من بشري، ساهمَ في تجينب المنطقة فتنة لا تحمد عُقباها، مشيرة الى ان ردود الفعل أظهرت تهيّباً للموقف وتحسّساً بمخاطره.
وشددت هذه الاوساط على ضرورة كشف ملابسات ما جرى، بلا تأخير، لتهدئة الانفعالات وحتى لا يبقى الجمر مستعرا تحت الرماد، مشيرة الى أهمية دور الجيش في هذا الإطار والى ضرورة معالجة جذور المشكلة بين بشري وبقاعصفرين وعدم الاكتفاء باحتواء النتائج.
ولفتت الاوساط الى ان حادثة بشري يجب أن تكون حافزا للتعجيل في إنهاء الشغور وانتخاب رئيس الجمهورية، لأن استمرار الانكشاف السياسي يُضعف المناعة الأمنية بشكل او بآخر، وليس في كل مرة يمكن أن تسلم الجرة. ونبّهت الى ان الفراغ الرئاسي المتمادي يشكل خاصرة رخوة للبلد، ولذلك يجب أن يُملأ بالرئيس المناسب.
برنامج غير واضح
وفي الوقت الذي تقدمت احداث «القرنة السوداء» على ما عداها من أحداث المرحلة، قالت مصادر نيابية معنية ان الاتصالات الخاصة في شأن الاستحقاق الرئاسي التي يمكن ان تغير في واقع الامور مجمدة الى اجل غير مسمى. وعليه، فإن الحديث عن برنامج الموفد الرئاسي بعد مغادرته بيروت بات غير واضح.
وقالت مصادر ديبلوماسية اوروبية على تماس مع الملف اللبناني لـ«الجمهورية» ان الرئاسة الفرنسية لم تعلن عن اي خطوة لاحقة للودريان. حتى أن اي لقاء بينه وبين الرئيس ايمانويل ماكرون لم يعلن عنه بعد. ولفتت إلى ان التكهنات بزيارة يقوم بها الى الرياض او الدوحة او اي مكان آخر يمكن ان تكون واقعية، ولكن الإعلان عنها وتوقيتها ليس في يد احد سوى الرجلين المعنيين بالمهمة هما ماكرون ولودريان، وان اي شخص آخر مما كان يسمى خلية الأزمة غير معني بهذه الخطوات.
لا حراك حاسماً
وقالت مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية» ان كل شيء مجمد منذ ان انتهت الجولة الأولى من مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي، وليس هناك اي حراك يعني هذا الاستحقاق وان رئيس المجلس ليس في وارد اتخاذ اي خطوة في هذا الاتجاه وخصوصا على مستوى البحث في الجلسة الثالثة عشرة لانتخاب الرئيس ما لم يستجد ما يستدعي مثل هذه الخطوة.
المعارضة لم تبدل مواقفها
وعلى خط مواز قالت مصادر نيابية معارضة لـ«الجمهورية» ان المشاورات لم تتوقف وان الحراك الجاري على أكثر من مستوى ما زال قائماً بمعزل عما شهدته جلسة الرابع عشر من حزيران الماضي وما قبل زيارة لودريان وبعدها لم يتوقف بعد. وان المشاورات لا زالت عند الخيار الأخير الذي تم التوصل اليه وهو الاستمرار في ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وأن اي خيار آخر لم يتناوله احد بعد على رغم من مجموعة المواقف التي تحدثت عن احتمال التفاهم على خيار ثالث، وهو امر يعني ان البحث فيه ما زال في علم الغيب طالما انه يشكل تراجعا موازيا من محور الممانعة والمعارضة في آن.
مواقف
وفي المواقف، قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من الديمان «سيكون لنا في الغد الآتي قادة حقيقيون مميزون. فلبنان عانى الكثير من الذين تسلموا الحكم منذ أكثر من ثلاثين سنة فأنهكوا الدولة، وهدموا مؤسساتها، ونهبوا أموالها، وحطموا إقتصادها، وفقّروا شعبها. ومن أجل المزيد، لا يريدون رأسا للدولة بانتخاب رئيس للجمهورية، ليكونوا هم رؤوسها المسخ، ولا يخجلون، لا من ذواتهم، ولا من الله، ولا من الوسطاء العرب والدوليين، ولا من المواطنين. فليتأكدوا أنهم فقدوا بالكلية ثقة الناس بهم واحترامهم».
وتطرق الى حادثة القرنة السوداء، فقال: «آلمتنا للغاية حادثة قرنة السوداء التي راح ضحيتها إثنان من بلدة بشري العزيزة من أسرة آل طوق الكرام، وهما المرحومان هيثم ومالك. إننا نقدم تعازينا الحارة لعائلتي الضحيتين، ونلتمس من الله لهما الراحة الأبدية. ونعول على الجيش في فرض الأمن لصالح الجميع، وعلى أهالي بشري في ضبط النفس، ووضع الخلاف المزمن في منطقة قرنة السوداء في عهدة القضاء».
وأكد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية «كل التعاطف مع ذوي الضحايا في بشرّي، وعسى دماؤهم قرباناً على مذبح وحدة الوطن». ودعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى «التحلي بالحكمة قطعاً للطريق على أيّ فتنة»، مناشدا السلطات الأمنية والقضائية «العمل وبسرعة لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة».
بدوره، قال ميتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة في عظة الاحد: «إن بعض اللبنانيين وبعض الزعماء يشبهون أولئك اليهود الذين اعتبروا أنفسهم أبناء الملكوت، لكنهم عملوا عكس التعليم الصحيح». وسأل: «متى يحل اليوم الذي نرى فيه محبة زعماء هذا البلد لوطنهم وتفانيهم من أجله؟ متى يتخلى الجميع عن أناهم، وعن مصالحهم ويعملون فقط من أجل مصلحته؟ متى يتكاتف اللبنانيون، كل اللبنانيين من أجل إنقاذ وطنهم؟ الجميع ينتظر الموفد الأجنبي أو اجتماعاً من هنا واتفاقاً من هناك، وكأن الترياق يأتي من الخارج. أليس هذا مذلاً لبلد يدّعي السيادة، ولزعماء نصبوا أنفسهم أولياء لهذا البلد وهم غير قادرين على حل مشاكلهم فكيف يحلون مشكلة البلد؟ أعانهم الله على انتقاء رئيس يكون رجل دولة حقيقيا، يعمل بتجرد ونزاهة وتعفف وكبر نفس، ويكون قدوة لكل من يتطلع إلى العمل في الحقل العام من أجل الخدمة العامة فقط. رئيس لا يتخلى عن واجباته الوطنية ولا يستقيل من واجباته الإنسانية».
ورأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، خلال احتفال تأبيني جنوباً، أن «حبل الاصطفافات والتقاطعات الظرفية قصير وسرعان ما تسقطه الظروف، خصوصا أن هذه الاصطفافات والتقاطعات غير متماسكة وغير متجانسة، وهي متزلزلة ومتحركة». وشدد على أن «الصيغة التوافقية وحدها الفرصة الحقيقية للحل وإنقاذ البلد والخروج من أزمة الاستحقاق الرئاسي». وأكد أن «مرشحنا للرئاسة واحد، ومرشحهم شتى، وموقفنا ثابت، وموقفهم كل يوم في شأن». وقال إن «ادعاءات تغيير الصيغة والنظام هي مجرد فزّاعة للهروب من منطق الحوار الذي هو الباب الوحيد للخروج من الأزمة». واعتبر أنه «عندما يرفض البعض الحوار، فهذا يعني أنهم يرفضون الحل باعتبار أن الحوار هو المعبر الوحيد للخروج من الأزمة، وعندما يرفضون الحل، فهذا يعني أنهم يعمقون الأزمة ويزيدون من المعاناة الوطنية».
توتر وغضب
وكانت حالة من التوتّر والغضب الشديد سادت بلدة بشري خلال اليومين الماضيين، عقب مقتل الشاب هيثم جميل الهندي طوق في ظروف ملتبسة، في منطقة الشِحَين – القرنة السوداء، قبل أن يُعلن عن مقتل شاب ثان من آل طوق ويُدعى مالك طوق. وأفيد في السياق عن حصول توتّر محدود بين الجيش وبعض الشبان الغاضبين، خلال قيام الأول بمهماته الميدانية لتقصّي تفاصيل الحادثة والقبض على المتورطين.
ودعا الجيش اللبناني في بيان أمس جميع اللبنانيين إلى التحلي بالمسؤولية وضبط النفس والحرص على السلم الأهلي، وعدم الانجرار وراء الاشاعات واستباق التحقيق.
كما أكدت القيادة أن الوحدات العسكرية تواصل الانتشار وتنفيذ التدابير الأمنية في المنطقة، وأن الجيش يقوم بالتحقيق في الموضوع تحت إشراف المراجع القضائية المختصة، وذلك انطلاقًا من واجبه الوطني».
إلى ذلك، تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الحادثة، عبر سلسلة اتصالات أبرزها مع قائد الجيش العماد جوزف عون والمراجع الأمنية والقضائية المختصة. وشدّد على أنّ «هذه الحادثة مُدانة وستتم ملاحقة مرتكبيها وتوقيفهم ليأخذ القانون مجراه وليكونوا عبرة لغيرهم».
كما شدّد، خلال اتصال مع النائب ستريدا جعجع، على «ضرورة تحلّي الجميع بالحكمة وعدم الانجرار إلى أيّ ردّات فعل، خصوصاً في هذا الظرف الدقيق الذي نعيشه».
بدوره، أجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالاً برئيس «تيار الكرامة» وعضو تكتل التوافق الوطني النائب فيصل كرامي دعاه فيه إلى «توخّي الحكمة في التعامل مع الحادثة الأليمة التي أودت بحياة الشاب هيثم طوق»، كما دعا من خلاله «أهالي بقاعصفرين والضنية إلى عدم الانجرار وراء الاحكام المسبقة والشائعات بانتظار جلاء الحقيقة الكاملة».
وفيما أعلن الحداد العام في منطقة بشري والجبة اليوم تزامناً مع موعد دفن الضحيتين طوق، أكد نائبا قضاء بشري ستريدا طوق جعجع وملحم طوق، في بيان مشترك، أنه «أمام هول الجريمة الشائنة التي أدت إلى سقوط الشهيدين مالك طوق طوق وهيثم جميل طوق، عن طريق الغدر في أرضنا في قمة الشهداء المعروفة جغرافياً بـ«القرنة السوداء»، إن بشري وكما كانت دائماً على مر العصور، تقف بشيبها وشبابها يداً واحدة في مواجهة جميع القضايا التي تمس بكرامة أهلها ووجودهم في هذه الأرض». واعتبرا أن «الجريمة النكراء التي وقعت على أرضنا وأدّت إلى استشهاد شابين من خيرة شباب بشري تستوجب تأهب واستنفار الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة والعسكريّة كافة، وانهاء التحقيقات بأسرع وقت ممكن، وتوقيف القتلة كائناً من كانوا وإلى أي جهة انتموا وسوقهم إلى العدالة وإنزال أشد العقوبات بهم، لأن هذه الجريمة لن تمر مرور الكرام من دون مساءلة وعقاب». وشددا على أنّ «ملكيّة بشري في قمّة الشهداء لم تكن ولن تكون على الإطلاق موضع نزاع من أي نوع كان، وهي كانت ولا تزال وستبقى جزءاً لا يتجزأ من النطاق العقاري التاريخي لقضاء بشري».
وختم البيان «نزولاً عند قرار أهل الشهيدين ومشيئتهم، وحفاظاً على صورة مدينة المقدمين بشري، يدعو النائبان ستريدا طوق جعجع وملحم طوق أهلهما في جبة بشري للإلتزام بعدم إطلاق الرصاص خلال مراسم جنازة الشهيدين والإستعاضة عن ذلك بالمشاركة الكثيفة والصلاة لراحة نفسيهما».
قدرة «حزب الله»
من جهة ثانية، قال مسؤول في الجيش الإسرائيلي ان الصاروخ السوري المضاد للطائرات، الذي سقطت أجزاء منه في النقب، فجر امس «يعيد إلى الطاولة الأسئلة في شأن قدرات الدفاع الجوي لدى حزب الله في لبنان».
وأشار العميد (احتياط)، تسفيكا حاييموفيتش، وهو القائد السابق لمنظومة «الدفاع الجوي» في الجيش الإسرائيلي، إلى حوادث سابقة تتعلق بوصول صواريخ «الدفاع الجوي» إلى «حزب الله»، لافتاً إلى حقيقة أنّ «الجيش الإسرائيلي لا ينجح في اعتراض وإحباط العديد من هذه العمليات». وأكّد قوة القدرات الصاروخية للحزب، قائلاً «إنّي لا أعرف أي جيش في العالم، يملك تشكيلات مجموعة صواريخ بعيدة المدى، التي بناها حزب الله». واضاف: «حزب الله يشغّل اليوم أيضاً أنظمة مضادة للطائرات متطورة نسبياً، ومعظمها أنظمة متقدمة، ولديها أيضاً وسائل للكشف (رادارات)، وهذا يجعل هذه الأنظمة تحدياً كبيراً جدا». وشدد على أنّ «هذه المشكلة تتصل بشيء أكبر بكثير، وهو حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في الجو وعمله في لبنان، وهذا الشيء يُنذر بالخطر»، معتبراً أن «هناك تطوراً في الجدول الزمني في السباق بيننا وبين «حزب الله».
وكان رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، قد تحدث الى قناة 12 الاسرائيلية عن قوة «حزب الله»، وقال: «إنّ قوة النار التي يملكها هي من الأقوى في العالم». وأشار إلى أنّ «عدداً قليلاً من الدول في العالم لديه قوة النار التي يملكها».
وأكّد أنَّ «هذه القوة لا تملكها إيطاليا، ولا ألمانيا، ولا دول عدة في أوروبا».
الجمهورية