مجلة وفاء wafaamagazine
تفاعل مضمون البيان الختامي لاجتماع «المجموعة الخماسية بشأن لبنان» في قطر امس الاول، ولاقى تفسيرات وتأويلات متناقضة، حيث نشطت التسريبات من هنا وهناك، وعمد اصحابها إلى اطلاق التفسير الذي يماشي طروحاتهم وخياراتهم إزاء الاستحقاق الرئاسي، فيما وجد المراقبون في ما احتواه البيان، ما يعكس انّ أمد الفراغ الرئاسي سيطول اكثر فأكثر لسببين: الاول، الانقسام السياسي الداخلي الحاد حيال الخيارات الرئاسية المطروحة. والثاني، الانقسام بين أركان المجموعة الخماسية نفسها، وحول الخيارات الرئاسية الداخلية نفسها، بدل ان توحّد المعنيين وتجمعهم حول واحد او اثنين من هذه الخيارات، فيما لم يُعرف مصير الحوار المطروح، حيث لم يتضمن البيان الخماسي اي اشارة اليه تصريحاً او تلميحاً. كذلك لم يُعرف ما إذا كان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيزور بيروت، حسبما هو مقرّر في 24 من الجاري أم لا، خصوصاً انّه غادر قطر مباشرة الى باريس للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون.
توقّعت اوساط مطلعة ان يستمر الاستحقاق الرئاسي في حالة «سبات» حتى إشعار آخر، مستبعدة ان يؤدي بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها في الدوحة، الى مفاعيل فورية او تحوّلات نوعية في «الستاتيكو» السائد، على رغم تلويحه بالعصا وتحذيره من إمكان فرض عقوبات على معرقلي انتخاب الرئيس.
وقالت هذه الاوساط لـ«الجمهورية»، انّ ضغط «الخماسية» لن يفيد في تبديل اقتناع كل طرف بخياره الرئاسي، فداعمو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية سيبقون على موقفهم، والمعترضون عليه كذلك، وبالتالي فإنّ البيان الخماسي غير قابل للصرف السياسي على أرض الواقع، وهو لا يعوّض الحاجة إلى تفاهمات داخلية على رئيس يستطيع أن يحكم، لا ان يُنتخب فقط بأكثرية بسيطة لن تكون كافية لتشكيل الحكومة، فكيف لمواجهة التحدّيات الأخرى.
بيان مخيّب
وإلى ذلك، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ بيان المجموعة الخماسية جاء مخيّباً للآمال، إذ بينما كان متوقعاً ان ينتهي اجتماعها الى بلورة آلية حل يعمل الموفد الفرنسي على تنفيذها عبر طاولة حوار كان بدأ الارضية المناسبة لها خلال زيارته الاخيرة للبنان، إذ بالمجتمعين ينقسمون في الموقف ويتمسّك كل طرف بوجهة نظره، ما جعل التباين في ما بينهم نسخة عن التباين، او الخلاف، القائم بين الأفرقاء اللبنانيين.
واكّدت هذه المصادر، انّ الانسداد السياسي الداخلي إزاء الاستحقاق الرئاسي كان ينتظر دفعاً خارجياً في اتجاه إنهائه، فجاء موقف المجموعة الخماسية ليطلب من الأفرقاء اللبنانيين الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، ملوّحاً بفرض عقوبات على معرقلي هذه العملية الدستورية من دون ان يسمّيهم، علماً انّ سياسة فرض العقويات أثبتت عدم جدواها، فيما القاصي والداني بات مقتنعاً بأنّ مفتاح الحل هو في يد القوى الخارجية، وانّه ينتظر إنجاز بعض التسويات الاقليمية.
الوفد السعودي
وفي إشارة لافتة لها اكثر من معنى توحي بانخراط المملكة العربية السعودية في الملف اللبناني، نشرت «وكالة الأنباء السعودية» الرسمية (واس) أمس، خبر اجتماع «اللجنة الخماسية» في الدوحة أمس الاول، وفيه أنّ وفد المملكة في الاجتماع ترأسه المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء نزار بن سليمان العلولا، وانضمّ اليه الأمير منصور بن خالد بن فرحان، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى دولة قطر، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية لبنان وليد بن عبدالله بخاري.
ونشرت الوكالة مقتطفات من البيان الختامي، ومنها ما حرفيته، انّ المجموعة الخماسية «ناقشت الحاجة الملحّة للقيادة اللبنانية للتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، كذلك ناقشت الدول خيارات محدّدة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا المجال، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية تجاه لبنان وشعبه الشقيق». واكّدت المجموعة الخماسية «الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله»، مشدّدة على «الحاجة الماسّة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، وخصوصاً في ما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، مع حضّ القادة في لبنان، وكافة الأطراف اللبنانية على اتخاذ إجراءات فورية للتغلّب على المأزق السياسي الحالي».
ولفتت الى «أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان».
تحضيراً لاستحقاق 31 تموز
وعلى الصعيد المالي، بدأ مشهد الوضع النقدي بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان نهاية الشهر الجاري يضغط على الجميع، وخصوصاً على الحكومة التي تحتسب لتفلّت مخيف في سوق الصرف، إذا ما توقفت منصّة صيرفة في ظل غياب إجراءات بديلة تفرمل ارتفاع سعر الدولار المتوقع. وفيما يواصل نواب الحاكم جولاتهم على المسؤولين والمعنيين، والمحطة الأبرز امس كانت امام المجلس النيابي، علمت «الجمهورية» من مصدر مالي رفيع، انّ الاستقالة ستحصل عاجلاً ام آجلاً، وانّ الجميع يريد دعم التحرّك الذي يقوم به نواب الحاكم لتسلّم دفّة الحاكمية بطريقة ناعمة soft landing لكن ما يطلبه النائب الاول وسيم منصوري مع النواب الثلاثة، يكاد يكون شروطاً تعجيزية بل مطلباً مستحيلاً، إذ من الصعب ان تُعقد جلسة تشريعية لإقرار قوانين يطلبونها، فمن الذي سيؤمّن نصاب هذه الجلسة؟؟؟
وسأل المصدر، «وبطلوع الروح» نستطيع عقد جلسة لأمر ضروري وطارئ واحياناً لا ننجح، فكيف الآن خصوصاً انّ الكتلتين المسيحيتين الأقوى تدفعان في اتجاه ان يتسلّم منصوري مهمّات الحاكم بحسب قانون النقد والتسليف وانتهينا، رفضوا تعيين الضرورة لحاكم جديد، ولن يوافقوا على تزويد نائبه اي وسيلة او سلاح للحكم».
ويؤكّد المصدر «انّ مسار الامور بعد غد الخميس سيوصل إلى الاستقالة التي هي الآن مع وقف التنفيذ، تهيباً لما يمكن ان يؤول اليه الوضع بعد توقف منصّة صيرفة الذي يصرّون عليه». وقال: «انّ المنصة التي يروّجون لها (bloomberg) لن تكون سوى نافذة نقدية صغيرة يُسجّل فيها العرض والطلب. اما المنصّة الحقيقية فهي تقتضي التدخّل في سوق القطع، وهذا الامر سيؤدي الى النتيجة نفسها. وما يتمّ الحديث عنه تقنياً معقّداً وليس من السهل المضي فيه».
وكان نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة باشروا تحرّكاً ميدانياً امس في اتجاه المجلس النيابي، للمطالبة بضمانات وإجراءات تساعدهم في النجاح في مهمّة ادارة شؤون الوضع النقدي بعد 31 تموز الجاري، موعد نهاية ولاية الحاكم رياض سلامة وانتقال المسؤولية الى النائب الاول وسيم منصوري.
وعلى هامش هذا التحرّك أُمكن تسجيل الملاحظات التالية:
اولاً- انّ نواب الحاكم يتصرّفون على أساس انّهم جميعاً شركاء متساوون في المسؤولية في حقبة ما بعد سلامة، مع انّ القانون ينص على ان يتسلّم نائب الحاكم الاول الصلاحيات المعطاة للحاكم.
ثانياً- انّ نواب الحاكم يصرّون على إلغاء منصّة «صيرفة»، لكن لم يتضح بعد ما هو البديل العملي لهذه المنصة، وكيف ستكون التداعيات على وضع سوق الصرف.
ثالثاً- انّ نواب الحاكم يريدون ان يتمّ إقرار تشريعات تسهّل مهمّتهم، مثل قانون «الكابيتال كونترول» وقانون الانتظام المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. ولكن المفارقة، انّهم انفسهم، او اثنان منهم على الاقل، لم يتجاوبوا سابقاً لإصدار تعميم لتنفيذ قرار حكومي صادر في 18 نيسان لتنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين، في انتظار صدور قانون «الكابيتال كونترول» عن المجلس النيابي.
رابعاً- من خلال الانطباع الاولي لاجتماعات نواب الحاكم في المجلس النيابي، يبدو انّ لعبة تبادل الاتهامات بين المجلس النيابي وحكومة تصريف الاعمال ستتكرّر، وسيرمي كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر، بما يعني انّ نواب الحاكم لن يحصلوا على ما يصبون اليه.
المصارف قد تتوقف؟
وعلى صعيد مالي آخر، وبعد ارتفاع وتيرة الاقتحامات للمصارف، عاد شبح الاضراب او الاقفال الجزئي، الى الظهور. وقد اكّدت المصارف في بيان صادر عن جمعيتها هذا التوجّه، في حال لم تتوقف الاعتداءات، وتقوم الدولة بواجبها.
وفي السياق، قالت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»، انّ «موقف السلطات مما يجري مريب. فالدولة مسؤولة عن أزمة الانهيار التي وقع فيها البلد، وشملت المصارف والمودعين والاقتصاد عموماً. ومع ذلك تتصّرف وكأنّها طرف محايد لا علاقة لها بما جرى، وتتقاعس عن القيام بواجباتها لحماية المصارف وموظفيها والمودعين الذين يُصادف وجودهم خلال تنفيذ الاعتداءات. وقد وصل الامر بالبعض الى السطو على صناديق المصارف بذريعة انّ لديه وديعة عالقة، او بحمل قنبلة يدوية كان سيؤدي تفجيرها الى مصيبة، ومع ذلك تتراخى الدولة ويتمّ تصوير من يقوم بهذه الاعتداءات وكأنّه بطل حرّر امواله بالقوة. ومثل هذا التصرّف سيؤدي الى فوضى سيدفع ثمنها الجميع، والمودعون في الطليعة».
اضافت المصادر: «لتتعظ الدولة وتستمع الى صوت العقل، من خلال ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد الماضي، عندما حمّل الدولة مسؤولية التقاعس في حلّ أزمة اموال المصارف والمودعين. ولتقم بواجباتها في تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين، وتسرّع خطوات الاصلاح التي تقود الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يسمح ببدء تنفيذ خطة للتعافي تعيد لبنان الى سكة الازدهار الذي يستحقه اللبنانيون».
استجواب سلامة
وامس، انتهى الاستجواب الذي خضع له حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا في ادّعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت في جرائم «اختلاس أموال عامة والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي».
وكانت آخر جلسات التي خضع لها سلامة أمس في حضور وكيل الدفاع عن سلامة ورئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر التي سبق لها أن اتخذت صفة الإدّعاء ضدّهم كممثلة للدولة اللبنانية، وتقرّر في نهاية الجلسة ترك سلامة رهن التحقيق.
وقالت مصادر قضائية بعد جلسة الاستجواب، انّ الحاكم سلامة قدّم المستندات المطلوبة منه وزاد عليها مستندات اخرى تدعم شهادته في مختلف القضايا التي خضع لها.
وقبل ان يتفرّغ ابو سمرا للتحقيق مع الحاكم لضيق الوقت، تبلّغ كل من شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك بإرجاء جلسة استجوابهما إلى الثلثاء المقبل في الملف نفسه.
قضية النازحين
وعلى صعيد قضية النازحين وبناءً لتوجيهات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اجتمع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب مع القائم بأعمال السفارة السورية في لبنان علي دغمان، وأبلغ اليه رغبة الحكومة تشكيل وفد من وزارة الخارجية والمغتربين لزيارة دمشق وإجراء مشاورات سياسية إقليمية ودولية، والبحث بالقضايا المشتركة ومنها قضية النازحين السوريين في لبنان.
وكان بوحبيب قد اعتذر قبل ايام عن ترؤس الوفد الوزاري اللبناني الذي كان مقرراً أن يزور دمشق للبحث في ملف النازحين، عملًا بتكليف صادر عن مجلس الوزراء، بسبب «انشغالاته الكثيرة واجتماعاته المتواصلة». وقد اثار هذا الاعتذار بلبلة داخلية، حيث استغرب عدد من الوزراء ضمن الوفد خطوة بوحبيب التي تزامنت مع قرار البرلمان الأوروبي بإبقاء النازحين السوريين في لبنان.
«لبنان لولادي»
ومن جهة ثانية، نفّذ «التيار الوطني الحرّ» وقفة احتجاجية أمام مركز بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، وسط بيروت، وذلك اعتراضاً على ما اعتبره «مساعي لتوطين النازحين السوريين». ورفع المشاركون لافتات كُتب عليها: «لبنان لولادي، مش للنازح السوري».
وتأتي هذه الوقفة الاحتجاجية بعد ما وصفه «التيار» بـ«الصمت المهين للحكومة اللبنانية وبعض النواب» على القرار الأوروبي حول النازحين السوريين. واكّد أنّه «لن يسمح للعالم الأوروبي بانتهاك سيادتنا وتغيير هويتنا»، داعياً إلى حضّ «المسؤولين اللبنانيين على التحرّك ضدّ هذا القرار».
الجمهورية