مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت “الجمهورية”
فاجأ الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الداخل والخارج، فلم يعلن صراحة فتح جبهة حرب ثانية وواسعة ضدّ إسرائيل على ما توقّع كثيرون، فالحزب في قلب الحرب ودخلها فعلاً في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، اي اعتباراً من يوم الأحد في الثامن من تشرين الاول الماضي.
ما من شك أنّ خطاب السيد نصرالله في احتفال تأبين «الشهداء على طريق القدس» الذي اقامه «حزب الله» امس، حظي بمتابعة غير مسبوقة في الداخل والخارج، وما قاله فيه حرّك منصّات وحلقات التحليل والتقييم والتقدير والتنجيم، لقراءة مضمون الخطاب وسبر أغواره، وبالتأكيد ستنضح المخيلات بتحليلات واقعية وغير واقعية. لكن بمعزل عن كل ذلك، فإنّ الجوهر الأساس لخطاب نصرالله، هو أنّه اكّد من جهة الواجب بنصرة غزة والمقاومة الفلسطينية في وجه حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها اسرائيل على القطاع، ولكنه من جهة ثانية رسّم حدود انخراطه في هذه الحرب حصراً بالجبهة الجنوبية، عبر عمليات عسكرية ستتواصل ضدّ المواقع العسكرية الإسرائيلية، وذلك وفق معادلة مفادها انّ يد «حزب الله» على الزناد ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها مع العدو، وأما تدحرج الامور الى حرب اكبر وأوسع فهو مسار وتطور الأحداث في غزة، وسلوك العدو تجاه لبنان. ومن هنا جاء تحذيره للعدو من أنّ تجاوز هذه القواعد والتمادي الذي طال المدنيين في لبنان كما فعل العدو بالأمس باستهداف بعض القرى الجنوبية، سيعيدنا الى معادلة المدني مقابل المدني».
كل الإحتمالات مفتوحة
نبرة خطاب نصرالله، كانت ذروة في الحدّة تجاه العدو الاسرائيلي والدول التي أجازت لاسرائيل ما اعتبرته حقها في الدفاع عن نفسها، وأطلقت يدها لتدمير غزة والقتل الجماعي لأهلها ودفن أطفالها تحت ركامها. إلّا أنّه، وكما كان متوقعاً، تعمّد أن يُبقي الغموض مُسدلاً على ما يخبئه الحزب، لم يقدّم ايّ اشارة تُخرج جبهة لبنان مع اسرائيل من دائرة الإحتمالات والسيناريوهات الحربية، بل ترك لتطورات الحرب على غزة، وكذلك للتطورات العسكرية المتصاعدة على الحدود الجنوبية، ان تحدّد المدى الذي قد تتدحرج اليه كرة النار المشتعلة على الجبهة الجنوبية، سواءً لجهة إبقائها ضمن حدود حرب محدودة ومنخفضة السّقف ومضبوطة بقواعد الاشتباك، أو في اتجاه تجاوز هذه الحدود والدفع في اتجاه حرب مفتوحة، وقد تتمدّد الى جبهات اوسع في المنطقة. ومن هنا جاء قوله: «بكل شفافية وغموض بنّاء اقول، انّ كل الاحتمالات مفتوحة في جبهتنا اللبنانية، وكل الخيارات مطروحة يمكن أن نذهب اليها في أي وقت من الاوقات. يجب أن نكون جميعاً مهيئين لكل الفرضيات المقبلة».
تهديدات مقابل تهديدات
وفي سياق هذا الغموض، ردّ نصرالله على تهديدات تلك الدول الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة الاميركية، باستهداف «حزب الله» إذا ما انخرط في الحرب وأشعل ما تعتبرها اسرائيل جبهتها الشمالية، بتهديدات من جانبه بإعداد العدّة لأساطيلها في البحر قبالتنا ووضعها في مرمى الاستهداف. وقال: «اساطيلكم في البحر لا تخيفنا، ولم تخفنا في يوم من الايام. واقول لكم اساطيلكم التي تهدّدون بها لقد اعددنا لها عدّتها ايضاً».
نصرالله
وقال نصرالله: إنّ «معركة «طوفان الأقصى» أصبحت ممتدّة في أكثر من جبهة وساحة»،لافتاً الى انّ «هذه العملية العظيمة والمباركة كان قرارها فلسطينيًا مئة في المئة وتنفيذها فلسطينيًا مئة في المئة، ولا علاقة لها بأي ملف دولي أو إقليمي، وأخفاها أصحابها عن الجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، فضلاً عن بقية دول وحركات محور المقاومة؛ وهذا ضَمَن سرّيتها المطلقة»، منوّهًا إلى أنّ «هذه السرّية ضمنت نجاح العملية الباهر، من خلال عامل المفاجأة المذهلة. وهذا الإخفاء لم يزعج أحداً في محور المقاومة، بل أثنينا عليه جميعاً، وليس له أي تأثير سلبي على أي قرار يتخذه فريق أو حركة مقاومة».
واشار الى انّ «معركة «طوفان الأقصى» كشفت الضعف والهوان، وأنّ إسرائيل هي بحق أوهن من بيت العنكبوت. وقد سارعت الإدارة الاميركية برئيسها ووزرائها وجنرالاتها للإمساك بالكيان الذي كان يهتز ويتزلزل، من أجل ان يستعيد أنفاسه ووعيه ويقف على قدميه من جديد ويستعيد زمام المبادرة، لكنه لم يتمكن حتى الآن من استعادتها».
وذكر أنّ «في عام 2006، وضعوا هدفًا يتمثل بسحق المقاومة في لبنان واستعادة الأسيرين من دون تفاوض وتبادل، ولمدة 33 يومًا لم يحققوا أهدافهم، واليوم في غزة الوضع نفسه لكن مع حجم الجرائم والمجازر». وقال: «أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة واسرائيل هي أداة، فأميركا هي التي تمنع وقف العدوان على غزة وترفض أي قرار لوقف اطلاق النار».
وقال: «إننا منذ 8 تشرين الأول، نخوض معركة حقيقية لا يشعر بها الّا مَن هو موجود بالفعل في المنطقة الحدودية، وهي معركة مختلفة في ظروفها وأهدافها واجراءاتها واستهدافاتها»، مؤكّداً انّ «الجبهة اللبنانية خففت جزءاً كبيراً من القوات التي كانت ستُسخّر للهجوم على غزة وأخذتها باتجاهنا». واشار الى أنّ «هذه العمليات على الحدود أوجدت حالةً من القلق والتوتر والذعر لدى قيادة العدو وأيضاً لدى الأميركيين». وقال: «العدو يقلق من إمكانية ان تذهب هذه الجبهة الى تصعيد اضافي او تتدحرج هذه الجبهة الى حرب واسعة، وهذا احتمال واقعي ويمكن ان يحصل، وعلى العدو ان يحسب له الحساب. حضورنا في الجبهة وهذا العمل اليومي يجعل العدو مردوعاً. وعمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية أنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك».
وتوجّه الى الأميركيين قائلاً: «من يريد منع قيام حرب يجب ان يسارع الى وقف العدوان على غزة. واذا ما حصلت الحرب في المنطقة فلا أساطيلكم تنفع ولا القتال من الجو ينفع. وفي حال أيّ حرب إقليمية ستكون مصالحكم وجنودكم الضحيّة والخاسر الأكبر».
نتنياهو يهدّد
وسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى التعليق على خطاب نصرالله، وقال متوجّهاً الى امين عام «حزب الله»: «أيّ خطأ سيكلّفك ثمناً لا يمكنك حتى تخيّله. وانصح أعداءنا في الشمال الا يجرّبونا».
واشنطن و«الحزب»
وفي موقف لافت، صادر عن البيت الابيض الاميركي، مفاده انّ على «حزب الله» الاّ يحاول الاستفادة من الصراع الدائر في غزة، والولايات المتحدة لا تريد ان يتوسع الصراع ليشمل لبنان». اضاف: «لا يمكن تصور الدمار المحتمل الذي سيحلّ بلبنان وشعبه في حال توسّع الصراع، ويجب تجنّب ذلك».
وكان المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي قد اشار الى أنّه لا يوجد ما يشير إلى أنّ «حزب الله» مستعد «للدخول بكامل قوته» في الصراع الحالي ضدّ إسرائيل. وقال: «نحن، والإسرائيليون أيضاً، قلقون من الهجمات المستمرة على القوات الإسرائيلية في الشمال، لكنني أعتقد أننا لم نر بعد أي مؤشر محدّد إلى أنّ «حزب الله» مستعد للدخول بكامل قوته» في الصراع. واشار الى أنّ البيت الأبيض «يشعر بالقلق» من الهجمات التي يشنّها الحزب على القوات الإسرائيلية مع تبادل إطلاق النار وتصاعد أعمال العنف على الحدود اللبنانية. وسبق ذلك ما نقلته شبكة «سي إن إن» عن مسؤول أميركي، حيث كشف أنّ تقييم الاستخبارات الأميركية يشير إلى أنّ إيران ووكلاءها بمن فيهم «حزب الله» يسعون لتجنّب حرب أوسع مع إسرائيل».
الغرب خائف على إسرائيل
الى ذلك، قال مصدر سياسي عامل على خط الاتصالات والمساعي الخارجية لـ«الجمهورية»: «انّ التهديدات الخارجية متواصلة بشكل شبه يومي عبر القنوات الديبلوماسية، وكذلك عبر الموفدين الغربيين الى لبنان الذين يزوروننا محاولين إيهامنا بحرص ظاهري على لبنان، وخوف من نتائج مدمّرة ومخيفة للبنان في حال انخرط في الحرب،. فيما الحقيقة انّه حرص وهمي، مبطّن بترهيب بعدم الزجّ بلبنان في هذه الحرب، ومنع «حزب الله» من جرّه اليها».
ولفت المصدر عينه الى «انّ هذه الاندفاعة الغربية في اتجاهنا، ليست من باب الحرص والقلق على لبنان، بل هي من باب الشراكة الكاملة مع اسرائيل في حربها، والحرص عليها وعلى عدم إشغال جيشها وإرباك تركيزه على غزة بإشعال جبهة حرب ثانية ضدّ اسرائيل انطلاقاً من جنوب لبنان».
وتوازياً مع الحراك الدولي، أعلنت وزارة الخارجية الاردنية عن اجتماع استثنائي يعقد في عمان اليوم السبت لوزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات وقطر ومصر وفلسطين مع وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن.
«يرديوننا أن نعين القاتل»
بدوره اكّد مسؤول كبير لـ«الجمهورية»: «الاميركيون والفرنسيون والبريطانيون والالمان وكل السفراء من دون استثناء، يطلبون منا ان نثني «حزب الله» عن القيام بتوسيع رقعة الحرب، يريدوننا بذلك ان نعين القاتل على الضحية، بحيث تُترك اسرائيل حرّة ومرتاحة في حربها الانتقامية التي تشنّها على قطاع غزة. الاسرائيليون انفسهم قالوا اليوم غزة، وبعد غزة سيأتي دور «حزب الله»، ففي هذه الحالة ماذا تنتظرون من الحزب؟».
ورداً على سؤال قال: «قادة العدو أفصحوا عن الهدف الأساسي لهذه الحرب وهو تغيير وجه الشرق الاوسط، الذي تتبدّى مرحلته الاولى بإفراغ غزة ودفع اهلها في اتجاه سيناء، والمرحلة الثانية الضفة الغربية وتفريغها وتهجير اهلها في اتجاه الاردن. الّا انّ هذا الهدف مستحيل التحقيق، كان يمكن ان يكون سهلاً لو انّ اسرائيل تمكنت من توجيه ضربة قاضية لحركة «حماس»، وفقاً للهدف الذي حدّده قادة العدو بسحقها، الاّ انّهم اصطدموا ببأس «حماس» واستحالة تحقيق هذا الهدف، فتدرجوا به الى «إضعاف قدراتها»، وهو امر لا يقلّ استحالة عن الهدف الاول، والشواهد كثيرة في العملية البرية التي اعترف العدو بدفعه ثمناً باهظاً جداً من القتلى في صفوف جنوده. وهذا لا نقوله وحدنا بل الاميركيون الذين يغطّون حرب اسرائيل على غزة بالكامل، الّا انّ موقفهم بدأ يتدرّج نزولًا عمّا كان عليه بعد عملية حركة «حماس» في 7 تشرين الاول الماضي. وخصوصاً انّهم لا يستطيعون ان يكابروا طويلًا ويتغاضوا عن حجم الإجرام الذي تمارسه اسرائيل في غزة، وكذلك عن حجم الاحتجاجات التي تحصل. وينبغي التمعن هنا بما ذكرته شبكة «CNN» الاميركية قبل ساعات من انّ الرئيس الاميركي جو بايدن وكبار مستشاريه حذّروا اسرائيل من صعوبة تحقيق أهدافها العسكرية مع اشتداد الغضب العالمي».
فَقَد أعز ما يملك
وإذا كان الإعلام الاسرائيلي منحازاً بكامله مع الحرب التدميرية على غزة، ولم يتوان الكثير من المعلّقين والمحلّلين السياسيين في الدعوة الى الإبادة الشاملة لقطاع غزة، الاّ انّ ذلك لم يغط على تحليلات بعض كبار رجال الاعلام الاسرائيليين، التي تعكس ما تسمّيه «دخول اسرائيل في واقع شديد الصعوبة والحرج عليها»، حيث تؤكّد انّ عملية «طوفان الاقصى» أفقدت الجيش أعز ما يملك، اي قدرته على ان يشكّل عامل اطمئنان للشعب الاسرائيلي.
وتتقاطع تلك التحليلات عند الخطر المصيري الذي بات يحدق بإسرائيل، فهي الآن تخوض ثلاث حروب في وقت واحد، الاولى في غزة التي تكون الحرب الأسهل عليها رغم صعوباتها وأكلافها الباهظة التي يدفعها الجيش الاسرائيلي، والثانية هي حرب الشمال الأكثر صعوبة التي يقبع فيها «حزب الله» العدو الأشرس لإسرائيل، الذي يملك قدرات تسليحية هائلة وخبرات قتالية أضعاف ما تملكه «حماس». واما الحرب الثالثة والتي تُعتبر الأشدّ صعوبة فهي حرب الداخل الاسرائيلي الذي يعاني ارباكاً سياسياً غير مسبوق، واقتصاداً يتداعى والخسائر اليومية بمئات ملايين الدولارات، يُضاف الى ذلك التراجع الحاد في ثقة المواطنين الاسرائيليين بالجيش والنفور العام من حكومة بنيامين نتنياهو. ويُضاف الى ذلك ايضاً الجبهة القاسية في وجه الحكومة الاسرائيلية، التي شكّلها أهالي الأسرى الاسرائيليين لدى «حماس». وباتت أشبه بقنبلة موقوتة تزداد اشتعالاً كلما تأخّرت إعادة هؤلاء الأسرى.
المشهد الميداني
على الصعيد الميداني، لازم التوتر الشديد الحدود الجنوبية من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا امتداداً حتى رأس الناقورة، طيلة يوم امس، حيث استمر العدو الاسرائيلي في اعتداءاته على المناطق اللبنانية، الذي طال امس اطراف بلدات علما الشعب، رميش، اللبونة، بركة ريشا وراس الناقورة، ومنطقة غاصونة والجميلة على اطراف بليدا، وبلدة طير حرفا التي استهدف العدو مشروع الطاقة الشمسية لتغذية البلدة بالمياه. وفيما اعلن المتحدث العسكري الاسرائيلي «انّ الجيش على أهبة الاستعداد على الحدود الشمالية، وقد نفّذ ضربات قوية ضدّ «حزب الله»، اعلن «حزب الله»عن استهداف تجمّع للجنود الاسرائيليين قرب موقع ميتات، وحقق فيه اصابات مباشرة.
المشهد السياسي
سياسياً، برزت في المشهد السياسي أمس، زيارة سريعة قام بها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى عمّان، حيث التقى وزير الخارجية الاردني، وجرى بحث في مستجدات الوضع في غزة. وسبق ذلك استقبال ميقاتي لوزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكرنو، الذي زار ايضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولفت في هذا السياق ما كتبه الوزير الفرنسي على منصّة «إكس»، متوجّهاً الى الرئيس ميقاتي: «عزيزي، انّ لبنان يمكنه ان يعتمد على صداقة فرنسا. اننا نقدّم وسنبقى نقدّم دعمنا للقوات المسلحة اللبنانية وقوات «اليونيفيل»، لأنّ استقرار لبنان أساسي للبلد وللمنطقة».
في هذه الأثناء، زارت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب، الذي اكّد امامها «انّ الولايات المتحدة هي الأقدر على عقلنة اسرائيل، ولديها القدرة والدفع بمفاوضات تؤدي الى حل منصف وعادل وشامل للقضية الفلسطينية».