مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الأخبار”:
لن ينقضي وقت طويل قبل أن تتوقّف سردية الاحتلال حول المجمّع الاستشفائي في شمال غزة. النتيجة الوحيدة التي حقّقها العدو، هي تعطيل مرفق صحي يحتاج إليه الناس في أيام السلم، فكيف في زمن الحرب. عملياً، قاد العدو حملة، انجرّ إليها البعض في الجانب العربي، تحت عنوان اعتبار المشافي عنوان الحرب.
ليس سهلاً على أحد تقبّل واقع أن يضرب أيّ جيش في العالم مرفقاً صحياً. لكنّ العدو أعطى رمزية سياسية وحتى عسكرية للمستشفيات في القطاع، بهدف تحقيق مكاسب لا تتعلق بالنتائج العسكرية والسياسية لحملته البربرية، بل لتحقيق هدف وحيد، قرّره قادة العدو، ووافق عليه الأميركيون والبريطانيون والألمان وآخرون من دول عربية تتقدّمهم الإمارات العربية المتحدة، يهدف إلى القضاء على كل علامات الحياة في قطاع غزة.
ورطة العدو في وحول غزة ستبدأ في الظهور قريباً. ليس بمقدور أحد أن يرسم صورة مختلفة للتاريخ. ولعنة غزة ستعود لترسم وجوه كل المشاركين في حرب الإبادة القائمة. لكنّ العنصر المركزي في ما حصل حتى الآن، هو أن العدو يسعى إلى إطاحة كل أشكال الحياة في القطاع، وهو لن يفعل ذلك دفعة واحدة. ومثلما حصد صمتاً ومشاركة وتآمراً مع الجولة التي يقودها الآن، سيكرّر الأمر جنوباً. وهدفه الأول والأخير، طرد أبناء غزة منها، قسراً إذا أمكن، أو بالتعاون والتواطؤ مع شركاء عرب وغربيين في حال تيسّر الأمر، وفي حالة ثالثة، جعل عيشة الغزيين غير ممكنة، ما يجعل خروجهم من القطاع عملية طوعية لإنقاذ أنفسهم.
على هذا الأساس، يمكن الابتعاد قليلاً عن المشهد الميداني لما جرى خلال الساعات الـ 24 الماضية في القطاع، ولا سيما في منطقة مجمّع الشفاء الطبي، لمراقبة الخطوات الجارية من دون توقف لفرض أمر واقع يقوم على منع عودة أبناء شمال غزة إليه. وبحسب ما علمت «الأخبار»، فإن الخطة التي يعمل عليها العدو، بمشاركة لصيقة من الجانب الأميركي ودول أوروبية وعربية، تنقسم إلى مرحلتين:
الأولى، تهجير كل من تبقّى في شمال غزة، من خلال القصف المتواصل للأماكن السكنية من دون تمييز، وقطع كل إمدادات الحياة عمن بقي من السكان في شمال أو وسط أو غرب مدينة غزة، وتضييق الحصار على أحياء المدينة ومخيمَي الشاطئ وجباليا، وممارسة ضغط على السكان للخروج في ساعات محدّدة والاتجاه جنوباً. ويستلزم هذا الخيار مواصلة الحرب على المنطقة، وربما يستمر الأمر أكثر من شهر أيضاً، مع الحديث بصورة دائمة عن أمكنة عامة أو خاصة يريد العدو الوصول إليها بحجّة أنها تخفي المقاومين أو الأسرى.
الثانية، البحث في طريقة إلزام الدول الداعية إلى تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع، بحصر اهتمامها بمنطقة جنوب غزة، مع مواصلة ضرب قطاعات في الجنوب، خصوصاً تلك التي يعتقد العدو أنها تشكّل تهديداً لقواته في حال قرّر الدخول إلى تلك المنطقة.
المؤقّت والدائم
في ما خصّ المرحلة الأولى، أظهرت المفاوضات الجارية تحت عنوان إنساني، أو المتصلة بصفقة تبادل أسرى جزئية مصحوبة بهدنة مؤقّتة، أن العدو لا يريد إدخال شمال غزة في البحث، إلا لناحية تسليم أسرى في حال تواجدهم هناك. لكنه يرفض بصورة مطلقة إدخال المساعدات على أنواعها إلى الشمال، ولا يقبل بإعادة تنشيط الحياة في أي مرفق عام أو خاص. وهو أبلغ جميع الأطراف بأن شمال غزة صار منطقة عسكرية، وأن وقف إطلاق النار سيشمله فقط لإنجاز عملية إطلاق الأسرى، لكنّ أعماله العسكرية «الباردة» ستتواصل، أي التدمير والجرف، وكذلك عمله الاستطلاعي بواسطة الطيران.
أما في ما خصّ المرحلة الثانية، فإن الحديث يجري بعيداً عن ضجيج الحرب، ويستفيد العدو من دعم أميركي وغربي هائل، وهو دعم أدّى أيضاً إلى منع وسائل الإعلام من التركيز على ما يخطّط له في الجنوب. وبحسب المعطيات، فإن حكومة العدو، بعدما تلقّت رفضاً من الأمم المتحدة لطلبها أن تقوم المنظمة الدولية بالإشراف على إنشاء «منطقة آمنة» في جنوب غرب القطاع، لإيواء أكثر من مليون ونصف مليون نازح، اتجهت للبحث مع الجهات العربية ومع منظمات دولية مباشرة، وتحاول أن تخلق أمراً واقعاً يستهدف إقامة هذه المنطقة، من خلال تحديد مسار المساعدات المقبلة وفق ما يناسب الخطة.
وقالت المصادر إن المناقشات التي جرت يقودها بصورة فعلية المبعوث الأميركي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد. وتبيّن أن الحملة المكثّفة التي تقودها إسرائيل ضد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لا تتعلق فقط بمواقفه المعلنة بضرورة وقف حرب الإبادة، بل في أنه يعمل مع فريق في مكتبه، لرفض توريط المنظمة الدولية في المخطط الأميركي – الإسرائيلي.
وكشفت المصادر أن الأميركيين، بمساعدة أوروبية، استمالوا بعض العاملين في مكتب غوتيريش من المكلّفين بأمور في الشرق الأوسط، وأن اثنين من هؤلاء، هما تور وينسلاند منسّق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط ومساعده البلغاري ميروسلاف زافيروف، يلعبان دوراً قذراً بصورة واضحة. وقد تبنّى الاثنان الرؤية الأميركية – الإسرائيلية، ويحثّان منظمات دولية وقوى سياسية وحكومات في المنطقة، على السير في الفكرة، تحت عنوان: «إنها حاجة مؤقتة لإيواء السكان إلى أن تنتهي الحرب».
وبحسب المعطيات، فإن أكثر ما استفزّ الجانبين الإسرائيلي والأميركي، هو أن مكتب الأمين العام، أشار في معرض رفضه توريط المنظمة في فكرة المخيم – السجن، إلى أن أي خطوة تتطلب موافقة جميع أطراف الصراع في المنطقة، في إشارة إلى ضرورة الكلام مع طرف فلسطيني لديه نفوذ على الأرض، وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركيون بصورة قاطعة. وهم يحاولون بالتعاون مع مصر والإمارات العربية المتحدة خلق أمر واقع من نوع مختلف، بحيث يصار إلى تقديم القيادي المنشقّ عن فتح محمد الدحلان كشريك فلسطيني، في تكرار لتجربة السلطة الفلسطينية التي ينتهي بها الأمر خادمة للعدو.
المخيم والمشفى العائم
في غضون ذلك، واصل ساترفيلد بالتعاون مع بعض المسؤولين الأمميين، الضغط لمنع إدخال مساعدات كبيرة إلى غزة، ومنع الدول من إرسال طواقم طبية كبيرة إلى القطاع، أو حتى إقامة مستشفيات ميدانية فيه. وقالت المصادر إن اختيار منطقة المواصي، ليس سببها أن المنطقة زراعية وخالية من السكان، بل لملاصقتها الخط البحري، ما يساعد على جعل الخدمات الموفّرة للنازحين فيها من البحر وليس من مواقع ثابتة ودائمة على الأرض، شرط أن تتم عملية التنسيق حصراً عبر «وحدة التنسيق الإسرائيلية في المناطق» (غودات) التابعة لوزارة الدفاع والتي تنسّق عملياتها مع الجيش.
وقالت المصادر، إن ساترفيلد، يحتكر القرار النهائي بشأن من يسمح له المشاركة في الدعم الإنساني والصحي للفلسطينيين في جنوب القطاع، وهو أبلغ كل الأطراف برفض طلبات حكومة غزة إدخال حاجات الجسم الطبي إلى القطاع، أو إدخال فرق إغاثة طبية. وأضافت المصادر أن ساترفيلد يناقش ملف الخدمات الصحية عبر الآتي:
1- يتم تكليف مؤسسة ASPEN الأميركية بإرسال السفينة الطبية العائمة.
2- عدم الترحيب بالفرنسيين الذين يريدون لعب دور بأي ثمن مثل إرسال سفينة عائمة طبية.
3- تعزيز دور الصليب الأحمر البريطاني والهلال الأحمر الإماراتي.
4- مناقشة اقتراح قطري ببناء مستشفى ميداني مؤقّت في سيناء، مع تعزيزه بسكن مؤقّت لاستيعاب الجرحى وعائلاتهم، وأُطلق على المشروع اسم «المدينة الإنسانية».
من جهة أخرى، يواصل ساترفيلد تغطية العرقلة الإسرائيلية لإخلاء عائلات موظفين أجانب من غزة، وهو أبلغ إدارات منظمات دولية في غزة بأن «حماس» تمنع الموظفين الأجانب وعائلاتهم من الخروج، وأن عليهم شن حملة إعلامية ضد الحركة. وهو الكلام نفسه الذي سمعته المنظمات نفسها من مسؤولين في وحدة التنسيق الإسرائيلية (غودات).