مجلة وفاء wafaamagazine
وافق مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة على تفويض وزارة المال بالتفاوض مع البنك الدولي لاقتراض 32 مليون دولار تُخّصص لتمويل كلفة التشغيل لبعض أقسام وزارة المال ودوائرها بهدف إنجاز «معاملات متراكمة» وإعداد تقارير عنها للبنك الدولي… السلطة طوّرت موضة «ترقيع» العمل في القطاع العام عبر المساعدات الاجتماعية إلى «بيع وترقيع».
مضت أربع 4 سنوات على الانهيار، ولم تجرؤ السلطة على تعديل سلسلة الرتب والرواتب لتحاكي التغيّرات الاقتصادية والمالية بعد عام 2019. في المقابل، أدخلت إلى قاموس راتب الموظف العام المساعدة الاجتماعية، والحوافز، وبدلات الإنتاجية، ووصل بها الحدّ أخيراً إلى طلب قروض خارجية لتمويل كلفة عدد مختار من الموظفين بهدف تقديم تقارير مالية عن أعمالهم إلى الجهات الدولية المقرضة.في وزارة المال، كانت هيكلية الموظفين قبل الانهيار موزّعة بين الموظفين الرسميّين، وبين أولئك الذين يعملون لحساب وزارة المال عبر برنامج UNDP. وبمعزل عن نوعية الخدمات التي يقدّمها هذا البرنامج، إلا أنه كان يمثّل إدارة رديفة تأخذ القرارات ولا تتحمّل المسؤوليات الملقاة بموجب القوانين والأصول على الموظفين الرسميين.
لكن يبدو أن قوى الحكم في لبنان لم تكتفِ بإنشاء الإدارة الرديفة، بل قرّرت أن توسّع هذا الهيكل. ففي جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، عرض وزير المال ملفاً يتضمّن اقتراض مبلغ 28.5 مليون دولار، وهبة بقيمة 3.5 مليون من البنك الدولي تحت اسم «مشروع دعم الإدارة المالية». يهدف المشروع بحسب عرض وزارة المال، إلى استعادة الوظائف الأساسية في مديرية المالية العامة، ومديرية الجمارك، واستعادة الضوابط المالية. وقالت مصادر في وزارة المال، إن الأمر مرتبط بتفعيل إعداد التقارير، والبيانات المالية السنوية المرتبطة بعمل مؤسسات الرقابة، ما يمكّنها من المحاسبة والمساءلة استجابةً لسياسات الإصلاح المالي.
كما أشارت الوزارة إلى قدرة المشروع على المساهمة في تطوير المكننة، وبناء قدرات الموظفين. وعلى هذا الأساس، جرى تفويض وزير المال يوسف الخليل توقيع اتفاقية القرض والهبة.
عملياً، سيستعمل القسم الأكبر من مبلغ القرض من أجل تمويل كلفة أعمال لتصفية بعض المعاملات في وزارة المال ومراقبتها عبر مؤسسات الرقابة. وبالتالي سيتم توزيع المبلغ بشكل انتقائي على نحو 500 موظف من أجل أن يؤدّوا عملهم.
ووفقاً لمعطيات «الأخبار»، سيتم توزيع أموال القرض على عدد من موظفي المديرية العامة المالية، وديوان المحاسبة، والتفتيش المركزي. وحتى الآن، لم تُحدّد المبالغ الشهرية الإضافية المفترض توزيعها، كما لم تدخل المالية في تحديد أسماء المستفيدين منها، أو مدّة الاستفادة. إلا أنّ الهدف الأساسي المبتغى من المشروع يختصر بـ«تمكين الإدارات من إنجاز ما كُسر من أعمال إدارية أساسية نتيجة الإضرابات والتوقف القسري عن العمل في السنوات الماضية»، تقول المصادر.
وتؤكّد «طلب إدارة كل موظف مستفيد القيام بمهمات إضافية محدّدة، مثل إعداد التقارير والبيانات المالية لتمكين المؤسسات الرقابية (ديوان المحاسبة والتفتيش) من الاستجابة لسياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي المطلوبة من البنك الدولي».
إذاً، سيدفع الشعب اللبناني ثمناً إضافياً لإنجاز المعاملات التي سيعود ناتجها العام إلى البنك الدولي. ولولا رفض مجلس الخدمة المدنية فكرة استقدام أجراء من خارج الملاك الرسمي لموظفي القطاع العام، كانت وزارة المالية تنوي تحييد موظفيها وتسليم الملف بالكامل إلى جمعيات وشركات خاصة، فـ«وفقاً لرأي مجلس الخدمة»، تقول مصادر المالية، «لا يجوز فتح الأنظمة الرسمية، وإطلاع أشخاص من غير الموظفين على أرقام الدولة وحساباتها، أو معلومات الموظفين الشخصية».
في المقابل، عزا مديرون في وزارة المالية السبب لعدم دخول الحكومة في مشروع لإعادة تصحيح الأجور على رواتب العسكر، والتدبير رقم ثلاثة بالتحديد الذي يحتسب بموجبه راتب العسكري عند تقاعده مضروباً بثلاثة. في رأيهم، «الضابط يدخل إلى الخدمة في سن الـ 18 عاماً، ويخرج عند الـ 58، فيخدم بالتالي 40 سنة، أو 480 شهراً، وعند احتساب خدمته مضروبة بثلاثة تصبح السنة مساوية لثلاث سنوات، أي 120 سنة خدمة. فيستحق المعاش التقاعدي عن أول 40 سنة، ويقبض تعويضاً موازياً لـ240 شهراً من الخدمة عن 80 سنة خدمة أضيفت بسبب التدبير رقم 3. وهذا النظام أصبح عبئاً كبيراً على المالية بوضعها الحالي».
ومن جهة ثانية، رفض المديرون الذين استطلعت رأيهم «الأخبار»، مبدأ بدلات الإنتاجية، ووصفوا الأمر بـ«الرشوى، فالموظف ملزم بالحضور إلى دوامه مهما كانت التقديمات». وعن وضع الإدارات العامة هذه الأيام، أشاروا إلى «حضور بعض الموظفين إلى مكاتبهم كي لا تحسم بدلات الإنتاجية عنهم، فيما يقومون بالعمل أونلاين لحساب شركات خاصة في وقت الدوام، وعلى حساب الوزارات باستخدام الموارد العامة من كهرباء وإنترنت». وألقوا باللائمة على الحكومة التي ارتضت تحويل الموظف إلى مياوم، في الوقت الذي يمكن العمل على تعديل الأجور وإعادة تفعيل الرقابة والتفتيش لتسيير المرافق العامة بشكل حقيقي.
وفي هذا الوقت، تواصل الحكومة ممارسة سياسة التطنيش والترقيع لمعالجة مشكلة التدهور لقيمة رواتب موظفي القطاع العام. سلوكها يعمّم الفوضى، ويضرب مبدأ الشمولية بين الموظفين، إذ أصبحت رواتب الموظفين تتفاوت وفقاً للوزارة التي يعملون فيها لا رتبتهم الإدارية.