مجلة وفاء wafaamagazine
تربّعت الانتخابات الاميركية في صدارة الاهتمامات والمتابعات الدولية، بعد تنحّي الرئيس الأميركي جو بايدن عن ترشيح نفسه لولاية ثانية. وبمعزل عمّن سيختاره الحزب الديموقراطي لمنافسة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وكذلك عمّن سيفوز في هذه الانتخابات المقرّرة في تشرين الثاني المقبل، أي بعد أقل من 4 أشهر، فإنّ الأجواء الدولية عابقة بأسئلة كثيرة حول ارتداداتها وتداعياتها وتأثيراتها على الداخل الاميركي اولاً، وثانياً على القضايا الساخنة على أكثر من ساحة دولية واقليمية، بدءاً من الحرب في اوكرانيا، وصولاً إلى الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، والجبهات المشتعلة المتفرعة منها، امتداداً من جبهة اليمن إلى المواجهات المتصاعدة بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي على جبهة جنوب لبنان؟
غموض
الجو العام يسوده انعدام في الرؤية، وبالتالي ليس في مقدور احد أن يلحق بسقف المنافسة المحتدمة بين الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي، أو أن يجازف مسبقاً بتحديد هوية ساكن البيت الابيض للسنوات الاربع المقبلة، وكذلك تحديد وجهة مقاربته للقضايا والملفات الساخنة. ذلك أنّ وضوح الصورة مرحّل الى يوم الانتخابات في «ثلاثاء الحسم» في الخامس من تشرين الثاني المقبل.
هذا المشهد بقدر ما هو غامض، بقدر ما ينثر علامات استفهام قلقة على مرحلة ما بعد الخامس من تشرين، كونه سيحدّد الوجهة التي ستسلكها الإدارة الاميركية الجديدة. واذا كانت تقديرات الضليعين في السياسة الاميركية لا تلحظ تغييراً دراماتيكياً في إدارة جمهورية إو ادارة ديموقراطية للملفات والقضايا الدولية التي تشكّل الولايات المتحدة لاعباً اساسياً فيها، بل تشكّل لاعباً أوحد في معظمها، الّا انّ السؤال الأساس لا يبحث عن شكل ومضمون الادارة الاميركية الجديدة، بل يركّز على شكل ومضمون الفترة المتبقية من ولاية جو بايدن. وما إذا كانت هذه الفترة فارغة، أو ما إذا كانت الفرصة ما زالت متاحة خلالها لبلورة حلول، وخصوصاً في ما يتصل بالملف الأكثر سخونة وتفجّراً في غزة والساحات الموازية لها.
ماذا قبل؟
لبنان كغيره من الدول، متموضع في منصّة الرصد والترقّب لتطورات الانتخابات الرئاسية الاميركية، بفارق أنّه مصاب بالتهاب حاد في خاصرته الجنوبية. واكثر ما يُقلق مستوياته الرسمية والسياسية، التي راهنت على نجاح الوساطات في بلوغ صفقة تنهي الحرب في غزة وتتمدّد تلقائياً الى جبهة لبنان، هو تمدّد الوجع لفترة طويلة، ما يبقي جبهة الجنوب في دائرة التفاعل والاحتمالات الصعبة.
هذا القلق، يعبّر عنه مسؤول كبير بمقاربة شديدة الحذر لفترة ما قبل تسلّم الرئيس الاميركي الجديد، ويقول رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «بمعزل عن التكهّنات والتنجيمات والتقديرات المتضاربة، سواء حول هوية الرئيس الاميركي الجديد او السياسة التي سينتهجها، وايضاً حول القضايا والملفات الدولية والاقليمية، فما يعنينا في لبنان ليس أن نسأل ماذا بعد، مع سياسة اميركية خارجية اعتقد انّها ثابتة أياً كان الرئيس الاميركي الجمهوري او الديموقراطي، بل ينبغي علينا أن نسأل ماذا قبل؟».
ويوضح المسؤول الكبير قائلاً: «ما أخشى منه هو أن تتحول الأشهر المتبقية من انتهاء ولاية الرئيس جو بايدن، الى فترة ميتة. فمن جهة، ليس بعيداً أن يخفت فيها زخم الجهود التي تقودها ادارة بايدن، والرامية الى بلورة صفقة توقف الحرب في قطاع غزة، امام زخم المنافسة واحتدامها بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. ومن جهة ثانية ليس بعيداً ايضاً، أن يدفع اليها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو باستقوائه على ضعف ادارة بايدن وعدم تسليفها انجازاً قد تحاول الاستثمار عليه في مواجهة دونالد ترامب. وكلا الأمرين نتيجتهما واحدة، أي إطالة أمد هذه الحرب، وتمديد المواجهات الدائرة على جبهة الجنوب اشهراً اضافية، وابقاؤها مفتوحة على شتى الاحتمالات».
الصفقة احتمال قائم
وإذا كانت المماطلة التي يفتعلها نتنياهو بالشروط والعوائق التي يلقيها في طريق المفاوضات، قد ضعّفت احتمال بلوغ صفقة تنهي الحرب، الّا انّ الإعلام الاسرائيلي ركّز في الساعات الاخيرة على أنّ احتمال بلوغ صفقة تبادل مع حركة «حماس» في المدى المنظور، ووزير الخارجية الاسرائيلية تحدث عن اسبوعين حاسمين. ومن هنا جاء قرار نتنياهو بإيفاد التفاوض الى الدوحة الخميس المقبل، بعد اجتماع مع بعض وزرائه استمر 6 ساعات، وناقش فيه تداعيات إبرام الصفقة على ما يحدق في الشمال ومع الحوثيين.
وفيما شكّكت اصوات اعلامية ومعارضة في اسرائيل بقرار نتنياهو إرسال وفد التفاوض الى الدوحة وأدرجته في سياق محاولة استعراضية قبل زيارته المقرّرة الى واشنطن، تظهره في موقع الراغب في بلوغ تسوية سبق أن فخخها بشروط تعقيدية لها، أبلغ خبير في الشؤون الإسرائيلية الى «الجمهورية» قوله، انّه «حتى ولو كان نتنياهو راغباً في المماطلة وإعاقة الوصول الى تسوية، مراهناً على شحنات قوة يستمدها من وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض، الّا انّه لا يستطيع ان يتجاوز حقيقة أنّ وضع حكومته بات اكثر اهتزازاً من ذي قبل، كما انّ الداخل الاسرائيلي لا يحتمل اشهراً اضافية من الحرب بلا اي طائل، مع بروز عوامل قلق جدّية في المجتمع الاسرائيلي تجلّت أخطرها في استهداف الحوثيين لتل ابيب والصدمة الكبرى التي احدثها. فضلاً عن أنّ ضغط اهالي الاسرى يتنامى بشكل كبير ضدّ حكومة نتنياهو لبلوغ صفقة تبادل تحرّر ما تبقّى من الاسرى من قبضة «حماس». يضاف الى ذلك العبء الكبير المالي والمجتمعي الناشئ عن استمرار تهجير سكان مستوطنات الشمال.
وبحسب الخبير عينه، فإنّ الحرب، باعتراف الاسرائيليين انفسهم، لن تؤدي الى تحرير الاسرى الاسرائيليين، ولا الى تهدئة جبهة جنوب لبنان وتأثيراتها المباشرة، خصوصاً على سكان مستوطنات الشمال. الأمر الذي يبقي الحاجة ملحّة جداً الى حل سياسي في المدى القريب، وربما القريب جداً، يبدأ من غزة ويصل الى لبنان ويمنع توسع نطاق الحرب. وهو الامر الذي اعاد وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن التأكيد عليه خلال الاسبوع الماضي.
واشار الخبير عينه، الى انّ هذه الاجواء تعزز الاعتقاد بأنّ التسوية تقترب من أن تنضج، لكن تبقى الخشية قائمة من استمرار نتنياهو في سياسة المماطلة والتعطيل الى ما بعد خروج بايدن من البيت الابيض، مراهناً على ظروف افضل قد تتوفر له مع رئاسة دونالد ترامب، تحسّن من شروطه وتطلق يده لزيادة الضغط ليس على حركة «حماس» فحسب، بل على سائر جبهات المواجهة، وخصوصاً جبهة المواجهة مع «حزب الله» في جنوب لبنان.
التمديد لليونيفيل
إلى ذلك، نقل وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب، الى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اجواء دولية تفيد باستبعاد الحرب انطلاقاً من جنوب لبنان.
وقال بوحبيب بعد لقائه ميقاتي امس، انّه اطلع ميقاتي «على نتائج لقاءاتي في الولايات المتحدة الاميركية، وابلغته انّ هناك شبه اتفاق على تجديد عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان لمدة سنة بالشروط ذاتها ومن دون اي تعديل، ووضعته في اجواء الاجتماعات التي عقدتها مع عدد من المسؤولين الاميركيين والأوروبيين، الذين شدّدوا على اهمية عدم توسيع الحرب في الجنوب، والعمل على عدم تصعيد الاعمال العسكرية في الجنوب. لذلك، هناك نوع من التفاؤل او اقل تشاؤمًا في موضوع نشوب حرب واسعة على لبنان».
يُشار في هذا السياق، الى ان باريس تحضّر مسودة قرار التمديد لمهمة اليونيفيل في 31 آب المقبل، وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ هذا التحضير تواكب مع نقاش لبناني مع اتجاهات اممية ودولية متعددة، اكّد خلالها الجانب اللبناني رفضه القاطع لإدخال أي تعديلات على مهمّة اليونيفيل، على غرار ما حصل في التمديد السابق، من شأنها أن تنعكس سلباً على مهمّة قوات حفظ السلام، ويؤثر على علاقتها بسكان منطقة عملها. وبحسب مصادر المعلومات فإنّ موقف لبنان لقي تجاوباً، وتلقّى وعداً بتمرير قرار نسخة طبق الاصل عن القرار السابق.
ويُشار في هذا السياق ايضاً الى انّ موضوع الجنوب، كان بنداً رئيسياً في زيارة المبعوث الخاص لوزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط فلاديمير سافرونكوف الى بيروت، حيث أكّد على اهمية ضبط النفس. ونقل موقع «لبنان 24» التابع للرئيس ميقاتي «انّ تولّي روسيا للرئاسة الدورية لمجلس الأمن، من شأنه ان يشكّل عاملاً مساعداً للبنان في ملف التمديد لليونيفيل لناحية قطع الطريق على إدخال تغييرات على القرار انطلاقاً من اعتبار القوى المعنية انّ توسيع الصلاحيات يشكّل خرقاً للسيادة والقانون اللبنانيين».
إلى ما بعد تشرين
رئاسياً، جمود تام، ولا توجد اي مؤشرات لتحريك الملف الرئاسي في المدى المنظور. بل انّ خطوط التواصل الداخلي حيال هذا الملف مقطوعة بالكامل، ما خلا محاولات محدودة لإعادة وضع القطار الرئاسي على سكة التوافق، على نحو ما جرى التأكيد عليه في اللقاء الاخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لناحية انّ الجلوس على طاولة الحوار والتشاور والتوافق، امر لا مفرّ منه لإنهاء الازمة الرئاسية.
وحول الملف ذاته، قالت مصادر رسمية رفيعة لـ«الجمهورية»: انّ الملف الرئاسي مؤجّل الى حين تقرّر الولايات المتحدة تزخيم دورها لحسم هذا الامر.
ولفتت المصادر الى انّ واشنطن معنية في هذه الفترة بملف الصفقة في غزة ومنع تطور المواجهات الدائرة في المنطقة الجنوبية الى حرب واسعة. والمعلوم تاريخياً انّ الملف الرئاسي في لبنان يندرج «تقليدياً» في صلب الاهتمامات الاميركية. وواشنطن لم تقل كلمتها الجدّية او النهائية بعد، ويتأكّد ذلك من أنّ مقاربتهم لهذا الملف على مدى فترة الفراغ الرئاسي، كانت في احسن احوالها شكلية، ودلّت بما لا يرقى اليه الشك على انّ واشنطن لا تضع ثقلها لحسم الملف الرئاسي، ويبدو انّها ليست في هذا الوارد أقلّه خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس بايدن. وثمة كلام اميركي صريح ومباشر بهذا المعنى، ابلغه مسؤولون في الادارة الاميركية الى جهات لبنانية سياسية وديبلوماسية.
على صعيد سياسي آخر، ثمّن الرئيس ميقاتي الدعم الكامل الذي يقّدمه العراق للبنان، لا سيما لجهة توفير المساعدات في مجالات عديدة وأبرزها النفطية، لتشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية.
وقال ميقاتي امام زواره حول ملف الجيش وموضوع رئيس الاركان: «لقد اتخذ مجلس الوزراء قراره بتعيين رئيس الاركان وتبقى الاجراءات الاستكمالية محور متابعة. الأساس لدينا هو تحصين المؤسسة العسكرية، ونأمل من جميع القيادات السياسية ان تعي اهمية إبعاد الجيش قدر المستطاع عن التجاذب السياسي والخلافات السياسية».
وحول الجنوب قال: «إنّ التطورات الميدانية الحاصلة في الايام الاخيرة تدعو الى الحذر طبعاً، ولكننا نواصل البحث مع المعنيين والاتصالات الديبلوماسية المطلوبة لمنع تفلت الامور الى ما لا تُحمد عقباه. لا يمكننا القول إنّ هناك تطمينات وضمانات لأنّ لا احد يضمن نوايا العدو الاسرائيلي، ولكننا نواصل السعي الحثيث لمعالجة الوضع».
وحول التمديد لليونيفيل قال: «نواصل الاتصالات الديبلوماسية من اجل تأمين تمديد هادئ لولاية اليونيفيل. ومن خلال الاتصالات التي اجريناها لمسنا حرصاً على المحافظة على هذا الدور، لا سيما في الظروف الدقيقة التي يمر فيها الجنوب».
الوضع الميداني
ميدانياً، وتيرة المواجهات كانت مرتفعة في الساعات الاخيرة على طول خط الحدود الجنوبية، تكثفت خلالها الاعتداءات الاسرائيلية بغارات جوية استهدفت بلدات الخيام وحانين ويارون وعيتا الشعب وياطر، وغارة للطيران المسيّر على بلدة شيحين ادّت الى سقوط شهيد نعاه الحزب السوري القومي الاجتماعي وهو الشهيد ابراهيم اكرام الموسوي من بلدة قرحا قضاء الهرمل. وترافق ذلك مع قصف مدفعي عنيف طال معظم المناطق والبلدات المحاذية لخط الحدود، ولاسيما في القطاع الشرقي. فيما كثّف «حزب الله» من عملياته ضدّ العديد من مواقع الجيش الاسرائيلي، واعلن انّ المقاومة الاسلامية استهدفت التجهيزات التجسسية في موقع الراهب وموقع الرادار في مزارع شبعا.
الى ذلك، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، امس الاثنين، أنّ «حزب الله» أطلق نحو 1000 طائرة بدون طيار على «إسرائيل» منذ بداية الحرب.
وأقرّت الصحيفة بأنّ «حزب الله» أظهر القدرة على «التعلم والاستفادة من النقاط العمياء في الدفاعات الإسرائيلية، من خلال رسم خرائط الشمال بطائراته بدون طيار للمراقبة»، وفق ما أكّدت مؤسسة ورئيسة مركز «ألما» للأبحاث الإسرائيلي، ساريت زهافي.
وأضافت الصحيفة الأميركية: إنّ الحزب قادر على توجيه ضربات إلى إسرائيل بطائرات مسيّرة، واسرائيل تواجه مشكلة مع الطائرات بدون طيار، لأنّها قد تكون صغيرة ويصعب اكتشافها، ولا تتحرّك في مسارات، يمكن التنبؤ بها أو تنبعث منها الحرارة الشديدة لمحركات الصواريخ التي تجعل من السهل تعقّبها وتدميرها، كما أنّها رخيصة الثمن ومتوفرة بكثرة، ويتمّ نشرها بأعداد متزايدة ومتطورة.
واشارت الى «أنّ القبة الحديدية واجهت صعوبة بالغة في التعامل مع تحدّي المسيّرات». وحدّدت «أنّ ضعف «إسرائيل» أمام المسيّرات هو علامة على التحدّيات التي ستواجهها في أي حرب شاملة مع «حزب الله».