مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
اكتسبت الأيام الثلاثة الفاصلة عن موعد إنعقاد جولة من المفاوضات في 15 آب (أغسطس) الحالي طابعاً مصيرياً بالنسبة إلى ربط “عملاني” لانعقاد المفاوضات بالاستعدادات المحكى عنها في لبنان وإيران حول ردّين كبيرين لطهران و”حزب الله” على إسرائيل. ومع أن كل ما أثير وسُرّب من تقديرات استباقية رجحت أن يسبق ردّا إيران و”حزب الله” موعد المفاوضات الخميس المقبل ظل أشبه بتوقعات المنجمين، فإن ذلك لم يحجب حقيقة أن السباق الحارّ والحاسم بين الجهود الديبلوماسية الإقليمية والدولية اللاهثة لمنع الانفجار والاستعدادات الحربية، بلغ ذروة قياسية في الساعات الأخيرة تزامنت مع بلوغ الحشد الحربي البحري للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة مستوى ضخماً للغاية نوعاً وكماً. وبدا لبنان معنياً برصد دقيق أولاً بأول لكل التطورات المتصلة بهذا السباق المثير للقلق الشديد إذ أن منع تمدّد الحرب إلى لبنان في حال قيام “حزب الله” بتنفيذ ردّه على إسرائيل كان في صلب الجهود الدولية أسوة بالدفع قدماً نحو إحداث اختراق في المفاوضات المطروحة لإحلال تسوية لوقف النار في غزة.
وفي هذا السياق تردّدت معلومات مساء أمس عن أن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين يصل اليوم إلى لبنان في زيارة مفاجئة وسريعة تتصل بجهود منع تمدّد الحرب بعدما كان وصل مساء أمس إلى تل ابيب.
وبرزت معلومات أفادت بها مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أمس من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مضى في إجراء الاتصالات المتواصلة مع كل المهتمين بملف وقف اطلاق النار في غزة لمنع توسيع الحرب في لبنان، فبعد اتصالاته مع جميع المعنيين من قادة المنطقة بالملفين الأسبوع الماضي، رغب في التشاور الرباعي حول مفاوضات غزة المرتقبة في 15 آب (أغسطس) الجاري، فبادر إلى عقد اجتماع رباعي عبر الفيديو بعد ظهر أمس ضمه والرئيس الأميركي جو بايدن ورئيسي الحكومة الألماني أولاف شولتز والبريطاني كير ستارمر، وتركّزت مناقشات الزعماء الأربعة على وقف اطلاق النار في غزة.
وكان ماكرون اتصل للغاية نفسها في نهاية الاسبوع الماضي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وبالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. والاتصال الرباعي الذي اجراه ماكرون يندرج في اطار التحركات الفرنسية التي بدأت في الأسابيع الماضية مع قيادات المنطقة العربية والرئيس الإيراني الذي اتصل به مرتين ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل وقف إطلاق النار في غزة ومنع توسيع الحرب إلى لبنان.
وقال ماكرون للرئيس الإيراني إن أي ردّ غير متناسب إزاء إسرائيل من ايران على اغتيال إسماعيل هنية يضع المنطقة في خطر كبير. وعُلم أن الرؤساء الأربعة اتفقوا على بذل كل الجهود لخفض الخطر الذي يهدد المنطقة، كما اتفقوا على ضمان أمن إسرائيل في حال تم الهجوم عليها من إيران كما في نيسان (أبريل) الماضي، واتفقوا على الإسراع في وقف إطلاق النار في غزة وضمان المستقبل في ما بعد الحرب كي تؤخذ في الاعتبار تطلعات الشعب الفلسطيني في غزة. وأكد الرئيس بايدن لنظرائه أنه سيعمل معهم من أجل ضمان أوضاع غزة ما بعد الحرب.
وأكدت فرنسا لاصدقائها في المنطقة ولإسرائيل أن التزامها أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض وهو أساسي، وإذا هاجمت إيران إسرائيل، ففرنسا ستبذل جهدها للمشاركة في إفشال هذا الهجوم، وهذا بحسب باريس أساسي ليس فقط لأمن إسرائيل بل للجميع في منطقة الشرق الأوسط. وماكرون يريد السلام للجميع في الشرق الأوسط، فهو يرى أن مسّ إيران بأمن إسرائيل بشكل خطير سيولّد المزيد من المآسي في الشرق الأوسط بما في ذلك لبنان. وفرنسا حذّرت عبر رسائل إلى “حزب الله” والسلطات اللبنانية من أي تصعيد وأي مغامرة وأن على “حزب الله” الا يجرّ لبنان إلى كارثة أخرى مثلما حدث في 2006.
توقعات إسرائيلية
وفي سياق اطلاق التوقعات الإسرائيلية حيال اقتراب موعد الردّ، أفاد موقع “واللا” الإسرائيلي نقلًا عن مصادر أنّ التّقديرات تشير إلى أنّ إيران قد تشنّ هجومها خلال الأيّام المقبلة، قبل قمة المحادثات بشأن صفقة الأسرى. وذكر أنّ الضّغوط الدّوليّة على إيران، تمنعها من تنفيذ هجوم مباشر ضدّ إسرائيل. وأفاد الموقع نقلًا عن ضبّاط إسرائيليّين، أنّ “حزب الله ما زال قادراً على اختراق الحدود والسّيطرة على بلدات ومواقع عسكريّة إسرائيليّة”.
ولكن موقع “أكسيوس” الأميركي نقل عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تعرفان التوقيت الدقيق لهجوم إيران المتوقع. وأشار الموقع إلى أن إيران اتخذت خطوات تحضيرية كبيرة في أنظمة الصواريخ والمسيّرات مماثلة لتلك التي اتخذتها قبل هجوم نيسان (أبريل) الماضي.
تزامن ذلك مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن إسرائيل عززت دفاعاتها في الأيام الأخيرة تحسبًا لهجوم من إيران و”حزب الله”، مشيراً إلى أن “التهديدات قد تتحقق من قبلهما ونحضر خططاً للرد”. وعن الهجوم على لبنان، قال: “في 11 تشرين الأول (أكتوبر) أردتُ الهجوم لكن مجلس الوزراء الإسرائيلي لم يوافق، ولا أوصي بذلك الآن لأنها مغامرة”. وأضاف: “أسمع قرع الطبول والحديث عن الانتصار المطلق ولكن هذه الحرب ستكون مغامرة”. وفي انتقاد لنتنياهو، لفت إلى “أن إسرائيل أيضا مسؤولة عن تأجيل صفقة التبادل”.
ميقاتي
أما في لبنان، فبدا لافتاً تكثيف الجهود الحكومية لرفع مستوى الاستعدادات والإجراءات الاحترازية تحسباً لاحتمال حصول حرب. وهذا ما عكسه موقف جديد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي إذ أكد “استمرار كل الوزارات والادارات اللبنانية بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية وهيئات المجتمع المدني، في اتخاذ كل الاجراءات والخطوات المطلوبة في إطار خطة الطوارئ الحكومية، لمواجهة الظروف الصعبة التي نمر بها وكل الاحتمالات التي قد تحصل”.
وشدّد في الوقت نفسه على “أن الاتصالات الديبلوماسية ناشطة في أكثر من اتجاه لوقف التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، وعلى خط آخر للتوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة.” وشدّد على “أن ورقة الحكومة اللبنانية التي تظهر القواعد الهادفة إلى تحقيق الاستقرار على المدى الطويل في جنوب لبنان والتي اعلناها الأسبوع الفائت، تحدد الاسس الواضحة للحل وأبرزها خفض التصعيد لتجنب دوامة العنف المدمرة وأن يقوم المجتمع الدولي بدور حاسم وفوري في تهدئة التوترات وكبح العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان”.
وشدد على أن “الرسالة الأبلغ التي يشدد عليها في كل لقاءاته واتصالاته الديبلوماسية هي تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 لكونه حجر الزاوية لضمان الإستقرار والأمن في جنوب لبنان”. وأكد “أن لبنان يتابع مع الدول المعنية ملف التمديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” من دون أي تغيير”، لافتاً في الوقت ذاته “إلى أن التعاون بين الجيش وقوات اليونيفيل أساسي في هذه المرحلة، وما يتم ترويجه عن خلافات وتباينات ليس صحيحاً، وأن كل ما يطرأ خلال تنفيذ المهمات المطلوبة يعالج فوراً”. كما شدد على “أن لبنان متمسك بمهام اليونيفيل”.
ورأس ميقاتي اجتماعاً موسعاً في السرايا، أوضح على اثره الوزير ناصر ياسين أن هدفه التأكد من جهوزية خلايا الأزمة والطوارئ الموجودة على مستوى المحافظات وتعزيزها في حال وجود نقص أو حاجة لتعزيز هذه الخلايا، وكل ذلك في إطار التحضير والتعزيز في حال توسّعت الاعتداءات إلى المناطق غير الجنوبية، خصوصاً أن هناك اعتداءات يومية في الجنوب وهناك أكثر من 100 ألف نازح من المناطق الحدودية في الجنوب، وهم حالياً موزعون بين محافظتي النبطية والجنوب.
المواجهات
على الصعيد الميداني انحسرت أمس نسبياً وتيرة المواجهات ولكن الجيش الإسرائيلي استهدف بعد الظهر حرج بلدة كونين بالقذائف الفوسفورية ما تسبّب باشتعال حريق فيه. وأغار الطيران الحربي الإسرائيلي على بلدة شيحين في القطاع الغربي. وسجّل تحليق مكثف للطيران الحربي على ارتفاع متفاوت في أجواء قرى وبلدات الجنوب، مترافقاً مع تحليق دائم للطيران المسيّر. واستهدفت المدفعية الإسرائيلية منطقة جبل “سدانة” جنوب بلدة شبعا وأيضاً أطراف الناقورة.
واعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة أن الغارة الإسرائيلية التي إستهدفت ليل الأحد الماضي بلدة كفركلا، أدت إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح.
في المقابل، أعلن “حزب الله” أنّه رداً على اعتداءات الجيش الإسرائيلي على القرى الجنوبية وخصوصاً في بلدة معروب، قصف المقر المستحدث لقيادة الفرقة 146 في جعتون بِصليات من صواريخ الكاتيوشا. كما أطلق صاروخين مضادين للدروع على المطلة. وأعلن استهدافه بعد ظهر أمس موقع السماقة في تلال كفرشوبا.