مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
ما كان يخشاه الجميع ويحذرون منه، حصل ولم يعد ثمة شكوك في أن مجريات اليوم الدموي التدميري والتهجيري الذي شهده لبنان أمس تحت وطأة اعتى وأوسع هجوم واجتياح جوي إسرائيلي منذ العام 2006، ما كان إلا اشتعالاً للحرب الكبيرة التي أدت اليها مغامرة “إسناد غزة” والتي فتحها “حزب الله” في 8 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. بعد 18 عاماً من حرب تموز (يوليو) 2006، وجد لبنان نفسه البارحة في بداية نفق أسود معتم لا أفق واضحاً اطلاقاً لنهايته، إذ يكفي التوقف أمام أرتال السيارات ومواكبها المتراصفة على طرق الجنوب المؤدية إلى بيروت والداخل لا سيما منها أوتوستراد صيدا – بيروت، مستعيدة مشهد النزوح الكبير لعشرات ألوف الجنوبيين، لتظهير المصير الموجع المشؤوم للبنانيين في تجرّع كأس الكلفة الباهظة دوما وتكراراً لمغامرات التورط في حروب الاخرين.
رزح الجنوب والبقاع البارحة تحت أعتى آلة حربية حديثة تعمّدت من خلالها إسرائيل، تعميم نموذج غزة في سفك دماء المدنيين وتدمير قراهم ومدنهم وتهجيرهم وترهيب جميع اللبنانيين في كل المناطق من خلال حرب الاتصالات والتخويف وإرسال الرسائل الترهيبية. كان ذلك يجري وسط انفجار حالة التساؤلات التي بحجم الحرب الذي زجّ بها لبنان وبحجم الإجرام الإسرائيلي المتفلت تحت أنظار العالم عشية “أسبوع الزعماء” في نيويورك حيث سيتجمع “كبار” هذا العالم في افتتاح الدورة العادية السنوية للأمم المتحدة، ولكن وسط عجز أسطوري عن لجم دورة الحرب الساحقة التي يتخبط فيها لبنان، كما تُطحن غزة، ويتهدد الشرق الأوسط بمصير متفجر.
ارتكبت إسرائيل مجزرة موصوفة في صفوف المدنيين الجنوبيين والبقاعيين، إذ بدا من الصعوبة بمكان حصر أعداد الشهداء والجرحى بفعل مئات الغارات التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي منذ ساعات الصباح الأولى الى ساعات الليل المتقدمة، ولم توفر خصوصاً أي قرية وبلدة في الجنوب والبقاع الشمالي والبقاع الغربي وتمدّدت حتى جرود جبيل ولاسا وكسروان قبل أن تجنح مجدداً مساءً نحو الضاحية الجنوبية في استكمال لسلسلة عمليات اغتيال قادة “حزب الله” حيث استهدفت غارة على مبنى في بئر العبد المسؤول عن جبهة الجنوب في “حزب الله” علي كركي. ولكن وكالة “رويترز” نقلت عن مصدر أمني أن مصير كركي غير معروف.
ونسبت وسائل إعلام إسرائيلية إلى وزير الدفاع يوآف غالانت قوله بعد استهداف كركي، إن (الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله) “سيبقى وحيداً في حزب الله”.
وأفادت معلومات أن عدداً من الجرحى سقطوا في الاستهداف لمبنى في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية، بـ3 صواريخ. واتخذت الخطورة التصاعدية للوضع دلالاتها القصوى مع طلب وزير الدفاع الأميركي إخلاء الأميركيين من لبنان بأسرع وقت.
الاجتياح الجوي الأوسع
الاجتياح الجوي التدميري لمناطق آهلة في الجنوب والبقاع خصوصاً تعتبرغير مسبوقة منذ حرب تموز 2006 إذ أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه شنّ 1100 غارة على لبنان أمس. أكثر من 274 قتيلا ونحو 1024 جريحًا بحسب وزير الصحة الدكتور فراس ابيضّ، (ارتفع في ساعة متقدمة إلى 356)، من بينهم أطفال ونساء قدرت حصيلة الغارات الإسرائيلية على لبنان. وبدأت موجة النزوح الكثيفة من الجنوب فيما فتحت اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث عشرات المدارس في مختلف المناطق لإيواء النازحين.
ووسط سيل من التهديدات الإسرائيلية والرسائل والفيديوات التي طلبت من اللّبنانيين مغادرة منازلهم إن كانوا قرب مواقع مخازن أسلحة لـ”حزب الله”، أطلق سلاح الجو الإسرائيلي أكبر موجات الغارات وأوسعها على الجنوب والبقاع هزّت صور وصيدا والنبطية وبنت جبيل والبقاع الغربي وبعلبك والهرمل والبقاع الأوسط بزعم التركيز على المناطق المأهولة حيث يخزّن الحزب أسلحته. ووصلت الغارات الى وادي فعرة في البقاع على بعد أكثر من 130 كلم عن الحدود اللبنانية الجنوبية.
وفي المقابل، ردّ “حزب الله ” على الغارات الاسرائيلية وأطلق نحو 25 صاروخاً من لبنان باتجاه صفد ومحيطها. كما سُجّل هجوم بالصواريخ والمسيرات من جنوب لبنان باتجاه الجليل. وأدى سقوط صواريخ في الجليل إلى إصابة إسرائيلي. وأعلن إعلام إسرائيلي احتراق مصنع في الجليل جرّاء اصابته بشكل مباشر بصاروخ أطلق من لبنان. كما أفيد عن إصابة مبنى بشكل مباشر في غفعات أفني في الجليل الأسفل بصاروخ أُطلق من لبنان. وأعلن “حزب الله” أنه قصف المقر الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستية في قاعدة عميعاد ومُجمعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا بعشرات الصواريخ. وأشارت “يديعوت أحرونوت” إلى أن قصف “حزب الله” الأخير للمستوطنات على بعد 100 كيلومتر من الحدود أي ما يعادل المسافة إلى تل أبيب. وزعمت هيئة البث الإسرائيلية أن آلتقديرات تشير إلى تدمير نصف صواريخ “حزب الله” الطويلة والمتوسطة المدى خلال الضربات.
وفي حين، تلقّت مكاتب وزراء الثقافة القاضي محمّد وسام المرتضى والإعلام زياد المكاري والاقتصاد أمين سلام اتصالات، تدعو إلى اخلاء المباني الوزارية، كشف المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريدية أنّ لبنان تلقى أكثر من 80 ألف محاولة اتصال يشتبه في أنها إسرائيلية أمس الاثنين، تطلب من الناس الإخلاء. ووصف كريدية ما حدث بأنه “حرب نفسية لإثارة الذعر والفوضى”.
الموقف الرسمي
الموقف الرسمي من الحرب الإسرائيلية حدده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بداية جلسة عقدها مجلس الوزراء أمس وأقر فيها موازنة العام 2025، إذ اعتبر “أن ما أعلنه الأمين العام للامم المتحدة بشأن مخاوفه من تحويل جنوب لبنان إلى غزة ثانية وأنها حرب يجب أن تنتهي، هذا الموقف يجب أن يكون حافزاً للجميع لا سيما لدول القرار للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وتطبيق القرار الدولي الرقم 2735 الصادر عن مجلس الأمن وحل القضية الفلسطينية على قاعدة اعتماد حل الدولتين والسلام العادل والشامل”. أضاف، “أن العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان حرب إبادة بكل ما للكلمة من معنى ومخطط تدميري يهدف إلى تدمير القرى والبلدات اللبنانية والقضاء على كل المساحات الخضراء. وفي كل الاتصالات التي نقوم بها، ندعو الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الفاعلة إلى الوقوف مع الحق، وردع العدوان، ونجدد التزامنا بالقرار 1701 بشكل كامل ونعمل كحكومة على وقف الحرب الإسرائيلية المستجدة ونتجنب قدر المستطاع الوقوع في المجهول”.
ودعي جميع الوزراء الى جلسة أخرى اليوم لمناقشة الوضع الطارئ .
لودريان وموفدون
وعلى رغم هذا التدهور الواسع وصل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت عصر أمس وشرع في عقد لقاءاته بدءاً بزيارته قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة، على أن يلتقي تباعاً في الساعات المقبلة الرئيسين نبيه بري وميقاتي والبطريرك الراعي إلى عدد من الزعماء السياسيين.
كذلك بدأت دولٌ التحرك ديبلوماسياً لمنع توسع المواجهات. وأفادت معلومات أن وفداً أمنياً وعسكرياً فرنسياً رفيع المستوى وصل إلى بيروت مساء الأحد، والتقى الرئيس بري، ونقل رسالة من الجانب الإسرائيلي مفادها أن تل أبيب لا تريد الحرب. وأضافت المصادر أن الوفد طلب الضغط على “حزب الله” للتراجع ووقف عملياته والقبول بحل ديبلوماسي. كما ينتظر أن يصل اليوم وفد استخباري تركي ـ قطري إلى لبنان لعقد لقاءات مكثفة مع “حزب الله” وبري بهدف التوصل إلى حل.