مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
لم يكن ثمة صوت ديبلوماسي أو تفاوضي أعلى من صوت الحرب الإسرائيلية الحارقة، في يومها الثاني أمس. إذ أن وتيرة الهجمات الجوية على مناطق الجنوب والبقاع خصوصاً ومن ثم التوغل مجدداً في غارة “اغتيالية” على الضاحية الجنوبية، ظلت على مستواها التصعيدي الواسع والعنيف والدموي، ولو أنها لم تؤدِ الى حصيلة مروعة كتلك التي سجلت في اليوم الأول من إشعال حرب الغارات الجوية.
وإذ اسفر المشهد الحربي عن لبنان منكوب مجدداً بواقع دمار ودماء وتهجير في معظم مناطق الجنوب والبقاع الشمالي، وسط “كابوس” استنساخ تجربة غزة، برزت كارثة نزوح عشرات الألوف من المناطق المستهدفة كالأولوية الأشد الحاحاً مع معالم مأساة كارثية تتمثل في العجز عن إيواء الأعداد التصاعدية للنازحين يوماً بعد يوم في حال طالت الحرب.
وإذ انبرت إسرائيل إلى التهديد تارة بتوغلّ بري وطوراً بتدمير كل منزل يحتوي سلاحاً لـ”حزب الله” في رفع لوتيرة مبررات الهجمة التدميرية إلى ذروتها، أكدت أوساط معنية لـ”النهار” أن المراجع الرسمية اللبنانية تراهن على مطالع حركة ديبلوماسية دولية في شأن لجم الحرب على لبنان واحتوائها تصاعدت مؤشراتها على هامش بدء الدورة العادية للأمم المتحدة في نيويورك. وأشارت إلى أن الخطوة العملية الأولى في هذه الحركة برزت في اجتماع لعدد من وزراء الخارجية العرب الموجودين في نيويورك وهو الأمر الذي دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى العودة عن قرار عدم توجهه إلى نيويورك إذ سافر اليها أمس لمواكبة هذه الحركة.
وذكرت أن ثمة تحركاً كثيفاً أيضاً للجانب الأميركي يتولاه المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين مستنداً إلى ما تفاهم عليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن تطبيق القرار الدولي 1701 والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، تجري بالتوازي مع اتصالات تجريها فرنسا ودول عربية معنية مع إيران.
وإلى أن تتبين جدية وطبيعة المحاولات الديبلوماسية وما إذا كانت ستشق طريقها إلى اختراق الوضع الحربي الذي حاصرت به إسرائيل لبنان بنيران هجماتها الجوية التي لا تنقطع، رسم رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو معالم حربه في لبنان، فقال: “سنُواصل ضرب “حزب الله” وسنُواصل ضرب كل من لديه صاروخ في غرفة معيشته وصاروخ في مرآبه”. وتابع: “أقول لشعب لبنان إن حربنا ليست معكم وإنما مع حزب الله”.
اليوم الثاني
وفي اليوم الثاني من الحملة الحربية الإسرائيلية واصل الطيران الحربي غاراته الكثيفة والتدميرية على موجات لا تتوقف على مناطق الجنوب والبقاع ومن ثم استهدف مبنىً من ثلاثة طوابق قبالة حسينية الخنساء في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية ما أدى إلى سقوط 6 شهداء و15 جريحاً في حصيلة أولية بحسب بيان وزارة الصحة. وتبين أن هدف الهجوم في الضاحية هو إبراهيم قبيسي “أبو جواد” رئيس المنظومة الصاروخية في “حزب الله”. ونفذت الغارة طائرات من طراز “إف 35”. وأكد مصدران أمنيان لبنانيان في وقت لاحق مقتل القبيسي فيما أكد الجيش الإسرائيلي مقتل قياديين ميدانيين آخرين كانا مع قبيسي.
وتواصلت الغارات على معظم قرى وبلدات الجنوب والبقاع الشمالي والأوسط وأدت الغارات الإسرائيلية إلى احتراق المباني في بلدة أنصارية في قضاء صيدا. أما بقاعاً، فتواصلت الغارات طوال الليل، وحتى ساعات الصباح والنهار على امتداد مدن وقرى قضاء بعلبك، ولم توفر المباني والأحياء السكنية من نارها ودمارها ومجازرها، ومن بين الشهداء أسر قضت بكامل أفرادها تحت الركام. واستهدفت 3 غارات، بعلبك ودورس والبزالية والنبي شيت. وأدت الغارة على منزل في شعت في البقاع الى سقوط 10 شهداء من عائلة واحدة.
وتعرض العديد من البلدات في القطاع الغربي لسلسلة غارات. وزنّرت الغارات الإسرائيلية مدينة بعلبك من مداخلها كافة: الجنوبي، الجنوبي الشرقي، والمدخل الشمالي، وصولاً إلى تلال عمشكي ورأس العين، والأحياء السكنية في العسيرة، قبة دورس، الشراونة، التل الأبيض، ومحلة الكيال التي تشكل امتداداً للموقع الأثري.
وفي المقابل، أعلن “حزب الله” في سلسلة بيانات أنه شنّ حتى المساء نحو 15 هجوماً صاروخياً على قواعد إسرائيلية عسكرية، فقصف مطار مجيدو العسكري غرب العفولة بصليات من صواريخ فادي 1 وفادي 2، ثم قصفه للمرة الثانية والثالثة بصلية من صواريخ فادي 2، وكذلك قصف مصنع المواد المتفجرة في منطقة زخرون التي تبعد عن الحدود 60 كلم بصلية من صواريخ فادي 2.
كما استهدف قاعدة عاموس (القاعدة الرئيسية للنقل والدعم اللوجستي للمنطقة الشمالية) بصلية من صواريخ فادي 1، واستهدف أيضاً قاعدة ومطار رامات ديفيد بصلية من صواريخ فادي 2. كما أعلن استهداف مصنع متفجرات بعمق 60 كلم داخل الحدود الإسرائيلية، وكذلك استهدف المخازن اللوجستيّة للفرقة 146 في قاعدة نفتالي بصلية صاروخية. كما قصف معسكر إلياكيم التابع لقيادة المنطقة الشمالية جنوب حيفا بصلية من صواريخ فادي 2. وقصف أيضاً المخازن الرئيسيّة التابعة للمنطقة الشمالية في قاعدة نيمرا بعشرات الصواريخ كما استهدف قاعدة شمشون (مركز تجهيز قيادي ووحدة تجهيز إقليمية) بصواريخ فادي 3. وأعلن أيضاً في وقت لاحق مساء أمس قصف مستوطنتي كتسرين وغيشر هزيف بصليات صاروخية، كما قصف قاعدة دادو بـ50 صاروخاً.
وأعلن وزير الصحة فراس أبيض بعد ظهر أمس أن حصيلة الشهداء نتيجة الغارات الإسرائيلية بلغت 558 إضافة إلى 1835 جريحاً، فيما بلغ عدد المستشفيات التي شاركت باستقبال الجرحى أول من أمس 54 وسقط 4 شهداء من المسعفين.
ولاحقاً أعلن وزير البيئة ناصر ياسين، أن مناطق الجنوب والبقاع والضاحية تتعرّض لأبشع قصف إسرائيلي، وعدد الضحايا ارتفع إلى 564. وقال في مؤتمر صحافي للجنة الطوارئ الوزارية إن “الغارات أدّت إلى نزوح عدد كبير من اللبنانيّين، وفعّلنا غرفة العمليّات الوطنيّة بالتعاون مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كما فعّلنا عمل الهيئة العليا للإغاثة لتأمين الحاجات الأساسيّة للنازحين”. وأشار إلى “أننا فتحنا 252 مدرسة رسميّة لتصبح مراكز إيواء، و27 ألف نازح استقرّوا فيها وبدأنا بتفعيل توزيع المساعدات الأساسيّة والوجبات الغذائيّة ونحضّر لإمكانيّة بناء جسور إنسانيّة لتأمين الحاجات، ونقوم بما يسمّى طلب المساعدات المباشرة بالتعاون مع الأمم المتّحدة لكي تكون متوفّرة بأسرع وقت”.
يشار إلى تسجيل ظاهرة كثافة النزوح من لبنان إلى سوريا إذ قدّر بعض التقارير عدد الذين عبروا الحدود بأكثر من خمسة آلاف معظمهم من السوريين.
لودريان يجول
التطورات الحربية لم تحل دون إكمال الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان جولته في اليوم الثاني من زيارته لبيروت على المسؤولين. وهو التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وجدّد التأكيد “أن فرنسا تدعم لبنان وتقف الى جانبه في كل الظروف”. واعتبر “أن توجّه رئيس الحكومة إلى نيويورك في هذا الظرف الدقيق مسألة مهمة جداً”، متمنياً “أن تفضي الاتصالات الديبلوماسية إلى حل يوقف دورة العنف”. وعن الملف الرئاسي اللبناني، قال لودريان “إنه سيقوم بجهود لتقريب وجهات النظر بين الافرقاء اللبنانيين للوصول إلى تفاهم يفضي إلى انتخاب رئيس جديد”.
كما زار لودريان رئيس المجلس النيابي نبيه بري والتقى في قصر الصنوبر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب النائب تيمور جنبلاط. وزار رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في مقرها في الضاحية الجنوبية، ثم زار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب، ثم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في المقر العام للتيار في ميرنا الشالوحي. وقال جعجع بعد اللقاء إنه أبلغ الضيف الفرنسي استعداد “القوات اللبنانية” في أي وقت للمشاركة في جلسة يدعو اليها رئيس مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للبلاد. وشدّد على أنه بات عليه القيام بهذه الخطوة الأساسية خصوصاً في خضم هذه المرحلة الدقيقة فـ”إذا بهيدا الظرف ما دعا لجلسة أيمتى بيدعي؟”.