مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
تتّسم الأيام القليلة المقبلة بقدر عالٍ من الأهمية لجهة رصد الإجراءات الأمنية والعسكرية التي يستكملها الجيش اللبناني تباعاً في منطقة الجنوب استعداداً للانتشار الواسع على الخط الحدودي بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من البلدات والقرى الجنوبية التي لا تزال تتمركز فيها. وتجري هذه الإجراءات فيما تبدأ لجنة الرقابة الخماسية للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية عملها اعتباراً من اجتماع تمهيدي تعقده اليوم، الأمر الذي يفترض تحصين تنفيذ الاتفاق والدفع بزخم أكبر نحو استكمال الإجراءات التي التزمها لبنان واسرائيل. ولكن اللافت في هذا السياق، أن لبنان سرعان ما وجد نفسه أمام استحقاق داهم آخر اقترن بالاستحقاق الجنوبي بعدما تسارعت التطورات الجارية في سوريا وسقط مزيد من المدن الكبيرة تحت زحف الفصائل المسلحة والمعارضة وكان أبرزها وآخرها أمس مدينة حماة.
وفرض الحدث السوري واحتمالات اتساع سيطرة الفصائل المسلحة نحو المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان استنفاراً آخرَ للجيش اللبناني، إذ رصدت تعزيزات كبيرة إضافية للوحدات العسكرية على الحدود الشرقية مع سوريا تحسباً لكل الاحتمالات متزامنة مع استمرار تعزيز انتشار الجيش في الجنوب بالتنسيق مع قوات اليونيفيل. وأفادت قيادة الجيش أنها “تتابع مع المراجع المختصة الخروقات المستمرة التي يقوم بها العدو الإسرائيلي، فيما تستمر الوحدات العسكرية في تنفيذ مهماتها، بما فيها عمليات دهم في مختلف المناطق اللبنانية بحثاً عن مطلوبين، إضافة إلى تعزيز الانتشار على الحدود الشمالية والشرقية تحسبًا لأي طارئ، خصوصاً خلال هذه المرحلة الاستثنائية التي تتطلب من جميع الفرقاء التعاون من أجل المصلحة اللبنانية”.
وعلمت “النهار” أن تعزيزات جديدة وصلت إلى فوج الحدود البري الثاني منذ يوم الأربعاء، بالإضافة إلى جهود تبذلها مديرية المخابرات والوحدات العسكرية المختصة في عمليات الرصد والمراقبة عبر المناطق الحدودية في البقاع الشمالي حيث يرى الجيش من هذه الزاوية أن مسالة الحدود تتعلق بجوهر سيادته الوطنية ولا مكان للتفاوض حولها. وقد تم تنفيذ خطوات ميدانية فعالة منذ يوم الاثنين الماضي مكّنت الجيش من الامساك بزمام الحدود بنسبة تتجاوز 70 في المئة باستثناء المعابر الخاضعة للسيطرة السورية.
وعشية انطلاق عمل لجنة المراقية لتنفيذ الاتفاق بين لبنان وإسرائيل، أبرزت فرنسا تكراراً رعايتها المباشرة إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية للاتفاق، فاصدرت وزارتا أوروبا والشؤون الخارجية والدفاع الفرنسية بياناً دعت فيه فرنسا “جميع الأطراف إلى احترام اتفاق وقف النار، على المدى الطويل، ووضع حد لأي أعمال تهدد تنفيذه”. وأضاف البيان: “يضمن العميد غيوم بونشان تمثيل فرنسا ضمن آلية الإشراف هذه، وسيتم دعمه من قبل إثني عشر من الأفراد العسكريين والمدنيين من وزارة أوروبا والشؤون الخارجية ووزارة القوات المسلحة الفرنسية. بالتنسيق الوثيق مع القوات المسلحة الفرنسية وقوات الدفاع الإسرائيلية وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، ستراقب آلية المراقبة تنفيذ وقف اطلاق النار بين إسرائيل ولبنان. كما ستساهم لجنة الدعم العسكري الفني في لبنان في استعادة قوة القوات المسلحة اللبنانية ونشرها في جنوب لبنان”.
وعشية انعقاد اللجنة التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس لجنة مراقبة إتفاق وقف إطلاق النار في لبنان الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز والوفد العسكري المرافق بحضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون، وجرى عرض للأوضاع العامة لا سيما الميدانية منها منذ بدء سريان وقف إطلاق النار ومهام اللجنة.
كما أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التقى رئيس الوفد العسكري الفرنسي في اجتماعات اللجنة الخماسية الجنرال غيوم بونشان والسفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، مؤكداً “أن أولويات الموقف اللبناني هي وقف النار والخروقات الإسرائيلية وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب”. وفي السياق، أكد ميقاتي خلال زيارة قام بها لوزارة الخارجية “أننا نسعى للوصول إلى استقرار طويل الأمد، وأن تكون المرجعية للدولة وحدها وأن يتولى الجيش السلطة الفعلية على الأرض وأن نحميه”. وشدّد على “أن التفاهم على وقف اطلاق النار هو نوع من الآلية التنفيذية لتطبيق القرار 1701، وأولويتنا الوصول إلى استقرار طويل الأمد وانتخاب رئيس للجمهورية”.
الجيش والرئاسة
وفي معلومات إضافية لمراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن الشق اللبناني في محادثات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية جاهزة لمساعدة كل ما يساهم في بسط السيادة اللبنانية، وترى أنه ينبغي على “حزب الله” أن يتخلى عن سلاحه لمصلحة الشعب اللبناني وخصوصاً لبيئة هذا الحزب على صعيد الوطن باعتبار أن الشيعة كالشعب اللبناني يتطلعون إلى مستقبل أفضل في بلد مستقل يتمتع بالأمن والسلم ولا يعمل لخدمة حروب آخرين على أرضه. وقد ناقش الرئيس ماكرون مع ولي العهد السعودي ضرورة تعزيز قدرات الجيش اللبناني إضافة إلى أنه يرى أن عودة النازحين إلى القرى الذين غادروها ينبغي أن تتم بأسرع وقت خلال فترة وقف اطلاق النار التي تم التوصل إليها بالتعاون الأميركي- الفرنسي لمنع عناصر “حزب الله” من التمركز فيها وخرق وقف النار.
وتمنى الرئيس الفرنسي من جهة أخرى أن يتأمن النصاب لجلسة 9 كانون الثاني المقبل في البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية على أن يتم انتخابه في أسرع وقت، علماً أن الأميركيين والسعوديين يفضّلون أن يجري الانتخاب بعد موعد تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة. أما بالنسبة للاسماء التي يتم تداولها، فيأتي في طليعتها قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق زياد بارود والمصرفي سمير عساف والوزير السابق ناصيف حتي. ويحظى العماد جوزف عون باحترام وتقدير لأنه وطني ويقود الجيش بنزاهة وباريس ترى أنه ينبغي أن يبقى قائداً للجيش لأن دوره ضروري والسعودية تحبّذ هذا الدور وهي مدركة لقدراته أيضاً على أن يتولى الرئاسة. لكن يبدو أن الاسم الصاعد الآن هو الوزير السابق زياد بارود بحسب مصادر فرنسية متابعة للموضوع. ويتطلع ماكرون وولي العهد السعودي إلى تثبيت وقف النار في لبنان وبسط السيادة اللبنانية على الأراضي اللبنانية والتصدي لمحاولة عودة بناء “حزب الله” لسلاحه.