مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار” تقول:
أثار لقاء الخميس، في مبنى وزارة الدفاع في دمشق، بين زعيم “هيئة تحرير الشام” قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وقائد اللواء الثامن أحمد العودة استياء واسعاً في أوساط شرائح وازنة في محافظة درعا، باعتبار أن العودة هو رجل روسيا الأول في الجنوب السوري، وكان يعمل في السنوات الأخيرة تحت مظلة شعبة الأمن العسكري بعد فصله من الفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا.
غير أن اللقاء عكس جانباً من جوانب تشابك النفوذ الخارجي في سوريا، واضطرار الشرع إلى مراعاة مصالح كل الدول الفاعلة في الملف السوري بما فيها روسيا. ولا شك في أن اختيار الجولاني العودة ليكون بمثابة ممثل عن حوران (مهد الثورة) فيه مغازلة واضحة لموسكو ورسالة متناغمة مع ما يجري تسريبه من مفاوضات روسية مع القيادة الجديدة في سوريا بشأن القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس.
وزار وفد من إدارة العمليات العسكرية محافظة درعا، وبدأ اجتماعات مع وجهاء المناطق، مستهلاً جولته من بلدتي سملين وزمرين شمال درعا، وذلك في إشارة واضحة إلى توصل الجولاني والعودة إلى صيغة للتعاون والتنسيق.
كما أن إدارة العمليات العسكرية سارعت فور انتزاعها مدينة دير الزور من “قوات سوريا الديموقراطية” إلى إرسال وفد منها إلى المدينة تعبيراً عن دخولها ضمن نطاق قيادتها.
وقد يكون من المفهوم أن تخرج مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” من دائرة حكم الجولاني، لما لهذه المناطق من خصوصية، سواء لجهة ارتباطها بمصالح الولايات المتحدة، أم لجهة اشتمالها على إدارة ذاتية شبه مستقلة. ومع ذلك فإن ما يسمى منطقة شرق الفرات سوف تشكل اختباراً جدياً لإرادة الدول التي تضع شرط وحدة الأراضي السورية معياراً لقبول القيادة الجديدة والاعتراف بها. كما أن من شأن ذلك أن يختبر مدى قدرة الولايات المتحدة وتركيا على تجاوز هذه العقبة التي قد تجر إلى تقسيم سوريا.
غير أن النقطة التي بدأت تثير شكوكاً وتساؤلات هي عدم التحاق مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام بالقيادة الجديدة، وهي المناطق التي احتلتها تركيا بالتحالف مع فصائل “الجيش الوطني السوري” في شمال البلاد وشرقها. وقد أنشأت فيها حكومة موقتة تمثل القوى السياسية المنضوية تحت عباءة الائتلاف السوري المعارض.
وبات “الجيش الوطني السوري” الذي تموله تركيا، بعد سيطرته على منبج والعديد من المناطق في ريف حلب، يضع يده على ما يفوق مساحة لبنان ويقدر بنسبة 10% من مجمل الأراضي السورية.
وكان الائتلاف السوري المعارض أكد بلسان الناطقين باسمه أنه لم يجرِ التشاور معه أو مع هيئات المعارضة الأخرى حول تكليف محمد البشير رئاسة الحكومة الانتقالية في سوريا.
ورصدت “النهار” أنه منذ انهيار النظام السوري وإعلان إدارة العمليات العسكرية الانتصار عليه، لم يصدر عن أي قيادي في “هيئة تحرير الشام” أيّ تصريح يربط نجاح عملية “ردع العدوان بالدعم التركي أو بأي دعم خارجي، كما لم توجه قيادة الهيئة أي شكر لأي دولة على دعمها العمل العسكري الأخير. بل كان الجولاني شديد الوضوح في التصريحات التي أدلى بها أثناء زيارته مسجد الشافعي في دمشق الذي كان يرتاده أيام شبابه، حيث قال بخصوص معركة “ردع العدوان”: “لم تكن هناك دولة داعمة، ولم يكن هناك توجيه بالدعم، ولا كان أحد يشجّع على هذه المعركة، لأنه في الحسابات البسيطة كانت المعركة خاسرة، لكن كنا كلنا ثقة”، مشدداً على أن السلاح الذي استخدم في المعركة كان من تصنيع محلي، و”حتى المال كان من عرق جبيننا”، وفق تعبيره.
هذه التصريحات جاءت قبل يوم واحد فقط من زيارة رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن ونظيره القطري خلفان الكعبي، برفقة فريق استشاري موسّع، العاصمة السورية، للاجتماع مع الإدارة الجديدة. وما استوقف بعض المراقبين الطابع الأمني الذي غلّف زيارة الوفد المشترك من أبرز دولتين أبقتا على دعمهما للفصائل المسلحة في سوريا. وثارت تساؤلات كثيرة عن سبب عدم حضور السياسيين من كلا البلدين.
قد تكون هذه ملاحظة شكلية لا قيمة لها بحد ذاتها، لكنها إذا أضيفت إلى المعطيات السابقة، وقرئت على خلفية الحراك الديبلوماسي المكثف الذي يشهده العالم بشأن قضية الانتقال في سوريا، قد تصبح ذات دلالة على شيء ما. وكي لا نستعجل في الاستنتاج يمكن القول إن المؤشرات التي صدرت عن الجولاني منذ سقوط النظام تدل على أنه لا يريد أن تفرض أي دولة وصاية على مشروعه، وإلى أن تقاطع مسارات الحراك الديبلوماسي في العالم وتضاربها، لا سيّما مسار الإمارات وروسيا من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، وأميركا وتركيا من جهة ثالثة، بالإضافة إلى المسار الأوروبي، يمثلان فرصة للجولاني للعب على حبال هذه المسارات بما يمكنه من تحقيق النصر السياسي على أطراف من المعارضة محسوبة على بعض الدول بعد أن حقق النصر العسكري على أطراف محسوبة على دول أخرى.