مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الجمهورية”:
رصد العالم بالأمس احتفال تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، الذي ستنطلق معه حقبة جديدة، ومقاربة مختلفة للملفات والقضايا وما يحوط بها من تحولات ومتغيّرات على مساحة العالم. وأما في لبنان، فقد واصل اللبنانيون رصدهم للمدخنة الحكومية ومتى ينبعث الدخان الأبيض إيذاناً بولادة الحكومة. والأكيد في هذا السياق، أنّه إذا ما بقيت الإيجابية هي الحاكمة لمسار التأليف الذي انطلق به الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نواف سلام، ومُنعت شياطين العرقلة والتعطيل من الدخول على هذا الخط وإغراق مهمّته باشتراطات تعجيزية، فثمة احتمال قوي جداً في أن تبصر الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون النّور في غضون أيام قليلة جداً لا تتعدّى نهاية الاسبوع الجاري. بحيث إن تمّ ذلك ستُعدّ الحكومة الأسرع في تاريخ تشكيل الحكومات.
لا تعقيدات أو تحفظات
ما يعزز هذا الإحتمال، هو أنّ تأليف الحكومة، ومنذ إنهاء الرئيس المكلّف استشاراته النيابيّة غير الملزمة، تمّ إخراجه سريعاً من حقل التشنجات، ووضع على نار من فوق الحامية ارتكازاً على إرادة احتواء الإشكالات التي رافقت استشارات التكليف واستشارات التأليف، وتطويق ارتداداتها بأولوية التركيز على توفير انطلاقة فاعلة للعهد الرئاسي الجديد، ورفده من قبل كل المكونات السياسية بما يمكّنه من التصدّي الفاعل للأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وربح التحدّي الأكبر بوضع لبنان على سكّة الإنقاذ والعلاج وإعادة الإعمار.
وفق معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ حركة الاتصالات والمشاورات التي أجراها الرئيس المكلّف على خطّ التأليف، تؤشّر إلى أنّ مهمّته ميسّرة، حيث لا توجد في طريق الحكومة أيّ معوقات، أو حتّى تحفّظات، خصوصاً من جانب ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، حيث تؤكّد مصادر قريبة لـ”الجمهورية” انّ كلّ الإلتباسات التي رافقت استشارات الرئيس المكلّف، طويت واعتُبِرت غيمة صيفية عبَرت، وتبدّى ذلك جلياً في النقاشات التي جرت في ما بينهم ، واكّدت وجود رغبة مشتركة للإنفتاح والتفاهم والشراكة في ورشة العمل الحكومي. فيما يبقى امام الرئيس المكلّف جهد في مطارح اخرى، في ظلّ ما تردّد عن شهية مفتوحة للاستيزار يجري التعبير عنها في مجالس بعض الجهات المصنّفة سيادية وتغييرية”.
مرحلة اللمسات الأخيرة
وعلى ما تؤكّد مصادر مطلعة على أجواء التأليف لـ”الجمهورية”، انّه دخل مرحلة وضع اللمسات الأخيرة، وانّ حجم الحكومة قد بات محسوماً لتشكيلة من 24 وزيراً من خارج مجلس النواب، يغلب عليهم الاختصاص، ولاسيما في المجالات المالية والاقتصادية، وتسمّيهم القوى السياسية. بحيث تتوزع تشكيلة الـ 24 كما يلي:
12 حقيبة وزارية للمسلمين: 5 حقائب وزارية من حصة الثنائي من بينها وزارة المال، و5 حقائب وزارية للسنّة موزّعة بين الرئيس المكلّف وسائر مكوّنات التمثيل السنّي في مجلس النوّاب ومن بينها وزارة سيادية يُرجّح انّها الداخلية، وحقيبتان للدروز أحداهما خدماتية.
12 حقيبة للمسيحيين، ستتوزع على رئيس الجمهورية، وعلى سائر أطراف التمثيل المسيحي وفق نسبة تمثيل كل منهم في مجلس النواب. مع الإشارة هنا أنّ المصادر ترجح ان تكون لحزب “القوات اللبنانية” حصّة وازنة في الحكومة، من ضمنها حقيبة سيادية، أو نيابة رئاسة الحكومة، فيما يرجّح حصول “التيار الوطني الحرّ” على حقيبتين. والأرمن على حقيبة واحدة، وحزب “الكتائب” على حقيبة واحدة و”التغييريين” على حقيبة.
وإذا كانت ثمة ترويجات رافقت حركة التأليف عن أنّ رئيس الجمهورية لا يريد حصة وزارية، إلّا أنّ دقّة هذه الترويجات ليست محسومة، وخصوصاً أنّ مراجع مسؤولة تقول بضرورة أن يكون لرئيس الجمهورية حضور تمثيلي في الحكومة على غرار ما كان معتمداً في العهود الرئاسية السابقة، ولاسيّما عبر وزارة سياديّة كالدفاع أو الخارجيّة، أو كلا الوزارتين معاً. إضافة إلى وزارات أساسية.
حسم الحصص والأسماء
وبحسب ما رشح من أجواء اتصالات التأليف لـ”الجمهورية”، أنّ التصوّر الحكومي الذي وضعه الرئيس المكلّف يقترب من أن يصبح جاهزاً للبتّ به بصورته النهائية بينه وبين رئيس الجمهورية، وما يجري في الوقت الراهن هو عملية حسم الحصص والأسماء، وهو أمر يفترض أن يُبت به قبل نهاية الأسبوع الجاري، ويلي هذا الحسم اعلان الحكومة رسمياً، على أن تصبح مكتملة بكامل صلاحياتها وحائزة على ثقة المجلس النيابي في جلسة مناقشة عامة للبيان الوزاري والتصويت على الثقة قبل نهاية شهر كانون الثاني الجاري.
لا خلاف على البيان
على أنّ أهم ما في هذا السياق، ما اكّدته مصادر مسؤولة لـ”الجمهورية” لجهة انّ فريق التأليف يقارب هذا المسار بحكم المنتهي إلى خواتيم إيجابية في وقت قريب جداً، ولاسيما انّ البحث ليس محصوراً بحصص الأطراف اوبالأسماء وكيفية إسقاطها على الحقائب الوزارية، بل إنّ البحث انتقل بصورة جدّية إلى رسم معالم البيان الوزاري الذي ستنال الحكومة الثقة على أساسه. مع الإشارة هنا إلى أنّ اطرافاً سياسية اقترحت مسبقاً أن يُصار إلى العدول عن إعداد بيان وزاري موسّع ترسم فيه الحكومة خريطة طريق عملها وسلّم اولوياتها، والاكتفاء ببيان وزاري مختصر، تعلن الحكومة من خلاله تبنّي مندرجات خطاب القَسَم الذي أطلقه رئيس الجمهورية جوزاف عون بعد انتخابه.
وبحسب المصادر، فإنّ التوجّه لدى هذا الفريق هو تجنّب أن يشكّل البيان الوزاري نقطة إشكال او خلاف، بل أن يكون محل قبول من كل الاطراف، ومنسجماً مع ضرورات ومتطلبات وتطورات الوضع اللبناني بكل مفاصله، وما تقتضيه موجبات ترسيخ الأمن والاستقرار في لبنان. وإذ استبعدت المصادر النص المباشر والصريح لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، أكّدت انّ مقاربة موضوع الاحتلال الاسرائيلي للأراضي اللبنانية لن تكون محل خلاف، حيث انّ النص الذي قد يُعتمد في البيان الوزاري، سيركّز على وجوب إزالة الاحتلال وعلى التزام لبنان الكلي بمندرجات القرار 1701، وعلى حق لبنان (أو حق اللبنانيين) في استرجاع الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.
عون يواكب
وفي موازاة تأكيد دوائر القصر الجمهوري على مواكبة حثيثة من قبل رئيس الجمهورية لمسار تأليف الحكومة، قرن الرئيس عون الأجواء الإيجابية السائدة على هذا المسار، بموقف لافت للانتباه أدلى به خلال استقباله أمس، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول، بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، وكاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان، الذين زاروه مهنئين. حيث أكّد “أنّ علينا ان نكون يداً واحدة لإعادة بناء البلد التي هي ليست بصعبة اذا ما صفت النوايا”، مشدّداً على أهمية تشكيل حكومة تكون على قدر تطلعات الشعب اللبناني وتمكّن البلد من النهوض مجدداً لا سيما اقتصادياً”.
واكّد الرئيس عون أنّ “على الجميع ان يكونوا على قدر المسؤولية. ومن لا يستطيع تحمّل المسؤولية يجب الّا يكون في سدّتها”. وقال: “انّ المهمّة صعبة لكنها ليست مستحيلة لأنّها تتطلّب تضافر جهود جميع اللبنانيين من كافة أطيافهم من أحزاب ومجتمع مدني وروحي، لإعادة بناء البلد. انّ يداً واحدة لا تصفق. ورئيس الجمهورية لا يمكنه العمل بمفرده. وانّ خطاب القَسَم ليس حبراً على ورق بل وضع ليُنفّذ، وبقدر ما ننفّذ منه نحقق الأفضل للمجتمع. هناك أولويات، صحيح، لكن الخطاب لم يُكتب كوجدانيات بل بلغة الشعب ومعاناته. لم نتناول ما هو خارج عن الواقع بل وصفنا الواقع الذي يحتاج للمعالجة، ونحن جاهزون لذلك شرط تضافر الجهود لتحقيق الأمر على قاعدة المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية. فإذا ما تضافرت الجهود لصالح المصلحة العامة نقول انّ لبنان وضع على السكة الصحيحة”.
ميقاتي يكرّم الوزراء
على صعيد سياسي آخر، أكّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أننا “كنا حكومة مع الإنقاذ وسنبقى وواجهنا أزمات سياسية واسعة ومالية حادة ومتراكمة وعملنا على معالجة الصعوبات التي قاربت الكوارث، كما دافعنا وناضلنا عن موقع لبنان وسنبقى بخدمته. عملنا على معالجة الصعاب التي قاربت الكوارث وتكاتفنا لحلّ الكثير وسنبقى في أيّ موقع كنّا حريصين على كلّ حقّ”.
ولفت ميقاتي خلال الاحتفال التكريمي لوزراء حكومة “معاً للإنقاذ” في السراي الحكومية، إلى أنّ “عقد المؤسسات الدستورية استُكمل بوصول العماد جوزاف عون إلى الرئاسة”. واعتبر انّ “الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نواف سلام شخصية وطنية ودولية مرموقة ذات بُعد حقوقي وديبلوماسي يعتز بها الوطن، متمنياً لدولته كلّ النجاح في مسيرة النهوض والإنقاذ وكلّ الخير وتشكيل حكومة على مستوى المرحلة مع كامل استعدادنا لدعم مسيرته الوطنيّة”.
خروقات متمادية
ميدانياً، على مسافة أيام قليلة من انتهاء هدنة الـ60 يوماً المحدّدة في اتفاق وقف اطلاق النار، كثفت اسرائيل من خروقاتها للاتفاق عبر خطف ثلاثة لبنانيين بالقرب من بلدة عين عرب الحدودية، وايضاً عبر عمليات توغل مكثفة في اتجاه العديد من المناطق اللبنانية المتاخمة للخط الحدودي، ونسف وتفجير وتجريف المنازل وقطع الاشجار وتخريب الطرقات والبنى التحتية في العديد من القرى، ولم توفر حتى الجبانات التي عاثت فيها الجرافات الاسرائيلية تخريباً.
تحذير
في هذه الأجواء، يتحضّر لبنان لمرحلة ما بعد انقضاء هدنة الـ60 يوماً المرتبطة باتفاق وقف اطلاق النار، ولاسيما انّ المستويات الرسمية تلقت تطمينات وتأكيدات من الراعيين الاميركي والفرنسي للاتفاق، بانسحاب الجيش الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية التي توغل اليها خلال عدوان الـ66 يوماً وما بعد سريان الاتفاق. وقال مرجع كبير لـ”الجمهورية”، “انّه إذا ما سارت الامور كما هو مرسوم في الاتفاق وتمّ الانسحاب الإسرائيلي بالكامل ستنحى الامور تلقائياً الى مسار ايجابي، ولكن إن نكثت إسرائيل بالاتفاق وقرّرت المماطلة وعدم الانسحاب، فمعنى ذلك أنّ الامور ذاهبة إلى احتمالات خطيرة جداً”.
فجر جديد
وعشية انتهاء الهدنة، اكّد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش “أنّ فجراً جديداً يظهر في لبنان، وانّ قوات حفظ السلام “اليونيفيل” ملتزمة بدعم الشعب اللبناني”. وإذ تمنى أن يعود النازحون على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى ديارهم”، أكّد في الوقت نفسه انّ من المهمّ ان يسيطر الجيش اللبناني على كامل الاراضي اللبنانية”.
وفيما اجتمعت لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار لعرض تطورات الوضع الميداني، بدأت المنسّقة الخاصّة للأمم المتّحدة في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت، زيارة إلى إسرائيل، حيث من المقرر أن تلتقي بكبار المسؤولين الإسرائيليين. وافاد بيان أممي انّها ستركّز مناقشاتها على الخطوات التي يتمّ اتخاذها نحو تنفيذ تفاهم وقف الأعمال العدائية، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الاول 2024، وكذلك على التحدّيات المتبقية. كما ستكون الحاجة إلى تحفيز تنفيذ القرار رقم 1701 (2006) الصادر عن مجلس الأمن موضوعًا رئيسيًا لمباحثاتها. وقبل رحلتها رحّبت المنسقة الخاصة بالتقدّم المحرز من خلال انسحاب الجيش الإسرائيلي وإعادة نشر القوات المسلحة اللبنانية في مواقع في جنوب لبنان، فيما دعت الى استمرار الالتزام من قبل جميع الأطراف.
منصوري ينفي
من جهة ثانية، نفى حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري كلاماً منسوباً اليه من قبل بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يشير إلى أنّ “على المودعين تقبّل خسارتهم لودائعهم في المصارف”. مؤكّداً “انّ تلك المقولة لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، وهي لا تعبّر عن موقف الحاكم او المجلس المركزي بهذا الخصوص. لافتاً إلى انّه عرض رؤية عامة لكيفية معالجة هذه الودائع في مناسبات عدة، ولم تتضمّن، بأي شكل من الأشكال دعوة المودعين إلى قبول خسارة او ما شابه ذلك، كما لا يمكن الاجتزاء من حديث على هذه الدرجة من الأهمية والحساسية. وفي كل حال فإنّ هذا الأمر لا يتماشى مع المبادئ التي عمل عليها الحاكم بالإنابة منذ استلامه مهامه لغاية اليوم”.