
مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الأخبار”:
لا تتغيّر العادات في محيط مجلس النواب. بعدَ أسبوعين على إعلان شرطة المجلس فتح كلّ الطرقات المحيطة بساحة النجمة، بدءاً من شارع المصارف وصولاً إلى الوسط التجاري في بيروت وإزالة الأسلاك الشائكة، التزم عهد “اللافساد” بأمن أصحاب السعادة والمعالي، فأُعيد إغلاق الطرقات أمام المواطنين. وكما في الخارج، لم يتغيّر شيء داخل القاعة العامة.
نفس “العلْك” المستمر منذ سنوات. يبدأ مع بيان وزاري يشتمِل على صيغ “مموّهة” وشعارات فضفاضة في السياسة والأمن والإدارة والمال والاقتصاد والقضاء والسيادة. هنا، كأنّ شيئاً لم يحصل، أو سيحصل في الأشهر المقبلة.
أكثرية الملفات تُقارب بسطحية، مع تكرار لسيمفونيات عفا عليها الزمن، وتجاوزتها التغييرات الدراماتيكية في المنطقة، فيما ثمة من لا يزال غارقاً في معارك موضعية فوقَ الطاولة، بينما ما هو تحتَ الطاولة أخطر بكثير.
هكذا كان الكلام النيابي مع حكومة نواف سلام، التي قد تكون من أخطر الحكومات التي تمر على لبنان بما على رئيسها من التزامات تعهّد بها سراً. كلام مكرّر من أزمنة التسويات والمساكنة وتمرير المرحلة، لا يتناسب مع رئيس حكومة يتعامل مع البلد وكأنه في جيبه، مستقوياً بـ”ثقة” خارجية تغنيه عن ثقة المكوّنات الداخلية، وهو ما أشار إليه بفجاجة من مكان جلوسه لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عندما أشاح بيده بما معناه “لا تهمّني ثقتك”!
هكذا يُمكن اختصار المشهد، في ساحة النجمة حيث انطلقَت أمس، المناقشات الماراثونية للبيان الوزاري، التي ستُتوّج اليوم بالتصويت على الثقة بحكومة نواف سلام المؤقّتة، استناداً إلى عمرها القصير الممتدّ حتى الانتخابات النيابية المقبلة في أيار 2025.
وكانت الكلمات في غالبيتها عبارة عن مبارزات بينَ الكتل النيابية في ما بينها من جهة، ومن جهة أخرى مع الحكومة الجديدة وتختزِل أشهراً من احتقان سياسي بلغَ ذروته مع العدوان الصهيوني على لبنان في أيلول الماضي. وبدت بمثابة “تصفية حساب” مع تلك المرحلة وارتداداتها التي لم تنته بعد، و”لطوشات” على آلية تشكيل الحكومة و”تدشين” مبكر للحملات الانتخابية.
وهذا ما ظهر تحديداً في التعامل مع موقف حزب الله الذي أعطى ثقته للحكومة، وهي من المرات النادرة، لإثبات حسن النية. لكنّ سياسة اليد الممدودة التي أكّدها النائب محمد رعد مشيراً إلى أن “مشاركتنا في الحكومة ومنحها الثقة، ينطويان على رسائل كثيرة، في مقدمتها بأننا جادّون وإيجابيّون في ملاقاة العهد الرئاسي الجديد وحريصون على التعاون إلى أبعد مدى من أجل حفظ سيادة الوطن واستقراره وتحقيق الإصلاح والنهوض بدولته” فهمها البعض على ما يبدو ضعفاً.
فطلب النائب جورج عدوان من الحكومة “وضع جدول زمني يتضمن تسليم السلاح وكل البنى العسكرية للجيش خلال ستة أشهر”، وأعطى ميشال معوض محاضرة في الحوار وعما يقبل به وما يرفضه، مستحضراً “احتلال بيروت” و”هيمنة السلاح”، ما استدعى رداً من رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الذي طلب منه “أن يتواضع، ونحن جاهزون للحوار، لكن ليس بهذه الطريقة الاستعراضية”.
افتُتحت الجلسة الصباحية عند الحادية عشرة بتلاوة سلام للبيان الوزاري المؤلّف من نحو 7 صفحات، وقبلَ أن تٌلقى 10 كلمات أبرزها لنائب رئيس المجلس الياس بو صعب والنائبين رعد وباسيل، طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري من النواب اختصار الكلام لأن هناك 75 نائباً سجّلوا دورهم “وهذا يعني أن الجلسات ستستمر لأسبوع”. واقترح أن “إعطاء نصف ساعة لكل كتلة من 10 نواب يتحدّث باسمها شخص واحد، وربع ساعة لنائب واحد من الكتلة التي تضم أقل من عشرة نواب، و5 إلى 10 دقائق لكل من بقية الزملاء”.
كانَ بو صعب الذي منح الحكومة ثقته أول المتكلمين، وسأل الحكومة الذي شدّد رئيسها على التزام الحياد، “كيف ستواجه أطماع إسرائيل، إذ إنّ لبنان التزم بالاتفاق في حين أنّ إسرائيل لم تلتزم وأطماعها موجودة”، لافتاً إلى السيادة “المخروقة بالتدخلات الخارجية بشكل واضح”.
وفيما أعلن النائب رعد عن ثقة الكتلة بالحكومة، شدّد على أن “الشعب الذي كان في المدينة الرياضية لم يأت فقط من أجل التشييع بل ليؤكد على خياره المقاوم”، لافتاً إلى أنه “رغم كل المواجع الذي أصابتنا نحن نتعافى بسرعة باستثناء وجع مصابنا باستشهاد سماحة السيد نصرالله”. ووصّف رعد البيان الوزاري بدقّة حين اعتبر أن “العناوين الواردة فيه هي صياغات جديدة متناسقة وجميلة لكنها بمضمون ورد كثير منه في بيانات حكومات سابقة وهذا يعني أن مشكلة البلاد لم تكن يوماً في النوايا وإنما في منهجية العمل”.
وحملت كلمة باسيل الذي حجب الثقة عن الحكومة فهماً عميقاً للمخاطر التي تحيط بالبلد ولا سيما في ما يتعلق بالنازحين السوريين وسبب عدم عودتهم رغمَ سقوط النظام في سوريا، وملف التوطين، إذ تساءل عن “الكلام الخجول في البيان الوزاري عن حق الدولة بممارسة سلطتها على الأراضي اللبنانية، ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية”.
أما النائب جميل السيد فأشار إلى أن “إسرائيل فسّرت فقرة من الاتفاق على وقف إطلاق النار بأنه يحق لها في أي وقت القيام بهجوم استباقي في لبنان وهذا مهين لعمل اليونيفل والجيش اللبناني”، معتبراً أن “هذه الحكومة التي تحمل أعباء المرحلة القادمة، يتوجب عليها حفاظاً على حقوق لبنان ووحدته معالجة خروقات اتفاق وقف إطلاق النار”.
واستؤنفت الجولة الثانية عند الساعة السادسة مساء، واستمرت حتى الساعة التاسعة، وتحدّث فيها 8 نواب قبل أن يرفعها بري على أن تُعقد جلستان اليوم صباحاً ومساء تنتهيان بإعطاء حكومة سلام الثقة.