
مجلة وفاء wafaamagazine
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة ” اطلق خلاله حملة كاريتاس لبنان السنوية ٢٠٢٥ تحت شعار “إيمان،إنسان،لبنان”، عاونه فيه المشرف على رابطة كاريتاس المطران بولس عبد الساتر، النائب البطريركي المطران انطوان عوكر، رئيس كاريتاس الأب ميشال عبود، رئيس الجامعة اليسوعية البروفسور سليم دكاش، ولفيف من الكهنة، في حضور وزير الاعلام الدكتور بول مرقص ممثلا بالمحامية بولين يمّوني، رئيس الرابطة المارونية السفير الدكتور خليل كرم، نقيب المحررين جوزيف القصيفي، نقيب الصحافة عوني الكعكي ممثلا بالاعلامية ندين صموئيل، نائب رئيس كاريتاس الدكتور نقولا الحجار،أعضاء مجلس الادارة ورؤساء الاقاليم وعائلة كاريتاس، وحشد من الفعاليات السياسية والقضائية والنقابية والعسكرية والاعلامية والمؤمنين، وخدم القداس شبيبة كاريتاس.
بعد الإنجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “إن شئت أنت قادر أن تطّهرني” (مر 1: 40)”، قال فيها: ” تذكر الكنيسة في هذا الأحد آية شفاء الأبرص من مرض برصه، للدلالة أنّ يسوع أتى إلى العالم، لكي يشفي كلّ إنسان من برص خطيئته. فكما البرص يتآكل جسد المصاب، كذلك الخطيئة تشوّه صورة الله في الإنسان. زمن الصوم، بما يتضمّن من صلاة وصوم وصدقة، هو زمن شفاء كلّ إنسان من برص خطيئته. فلنعُد إلى الله بإيمان ذلك الأبرص وتواضعه ونقول للمسيح: “يا ربّ، إن شئت أنت قادر أن تطّهرني” (مر 1: 40). يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، للاحتفال بهذه الليتورجيا الإلهيّة، مع تحيّة خاصّة لرابطة كاريتاس لبنان: برئيسها الأب ميشال عبّود، ومجلسها وسائر المسؤولين في أقاليمها ومراكزها، وشبيبة كاريتاس الألفين شاب وشابّة المتطوّعين في خدمتها، وعددهم يفوق الألف، وسيادة أخينا المطران بولس عبد الساتر المشرف على كاريتاس باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وباسمنا. فإنّها تبدأ اليوم حملتها السنويّة، وهي بعنوان: “إيمان، إنسان، لبنان” للتأكيد على التزامها بالإنسان في لبنان من خلال إيمانها المطلق برسالتها الإنجيليّة ومساندتها للأكثر فقرًا وللذين قست عليهم ظروف الحياة. إنّها جهاز الكنيسة الإجتماعيّ في لبنان. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة روز فيليب البرنس زوجة المرحوم الياس خليل كرم. نحيّي ابنيها وابنتيها، وبخاصّةٍ كبيرهم السفير خليل كرم، رئيس الرابطة المارونيّة. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسها وعزاء أسرتها”.
وتابع: “تبسط كاريتاس أقاليمها، ومراكزها ونشاطها على كامل الأراضي اللبنانيّة، وتعمل أساسًا على تنفيذ خمسة برامج أساسيّة:
أوّلًا: الخدمات الاجتماعية الرامية إلى تحسين الظروف المعيشية للأفراد والعائلات المحتاجة.
ثانيًا: خدمات الحماية للفئات الأكثر عرضة للمخاطر، كالأطفال والنساء وكبار السن عبر برامج توعية حول حقوق الإنسان، والمساعدة القانونية، وإعادة تأهيل.
ثالثًا: الخدمات التربوية تؤمّنها كاريتاس في مراكزها التعليمية الأربعة للأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، فتؤمّن لهم مهنة تمكّنهم من دخول سوق العمل. كما تقدّم دعم متابعة الطلاب الذين يواجهون صعوبات في التعلّم.
رابعًا: الخدمات التنموية وتحسين سبل العيش بحيث تدعم الاستقلال الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية، وتوفّر التدريب المهني للشباب والنساء بهدف تحسين فرص العمل.
خامسًا: الخدمات الصحية. تعمل على تأمين الخدمات الصحيّة والرعاية الأولية للمحتاجين والأفراد غير القادرين على تحمّل تكاليف العلاج من خلال 11 مركز صحي و7 عيادات نقالّة”.
واضاف: “إن شئت أنت قادر أن تطّهرني” (مر 1: 40). بهذا الطلب المتواضع والمؤمن، التمس الأبرص شفاءه. فقال له يسوع: “لقد شئت فاطهر”. وأمره أن يذهب ويري نفسه للكاهن ويقدّم قربانًا عن طهره، كما ترسم شريعة موسى. كانت الشريعة تقصي المصاب بالبرص عن الجماعة، وتوجب عليه العيش في البريّة، لأنّ قروحه معدية، ولأنّ البرص عقاب إلهيّ على الخطيئة. هذا الأبرص قصده يسوع في مكان وجوده، فلمّا رآه الأبرص أتى إليه، وسجد له، وطلب منه شفاءه. لم يتركه يسوع، بل قصده حيث هو، فعرفه الأبرص بنور الإيمان. إنّه يمثّل كلّ شخص منبوذ في العائلة والمجتمع لأسباب حسيّة أو معنويّة أو روحيّة، وحده المسيح يستطيع إخراجه من عزلته. لقد صالح الربّ ذاك الأبرص مصالحة حسيّة بتطهيره من برصه، ومصالحة روحيّة بإزالة خطاياه، ومصالحة إجتماعيّة، إذ أمره أن يذهب إلى الكاهن الذي يعلن شفاءه، ويردّه إلى الجماعة، ويقدّم قربان الشكر لله. هذا ما يجري عندما نتصالح مع الله بالتوبة والإعتراف. الصوم هو زمن المصالحة الشاملة، زمن الشفاء؛ فالربّ هنا بنعمة الفداء لهذه الغاية. في كلّ يوم جمعة من زمن الصوم نحيي تذكار آلام الفادي، للدلالة أنّ شفاءنا ينبع من جرحه الخلاصيّ: “وبجرحه شُفينا” (أشعيا 53: 5). كلّ واحد منّا يعاني من برص ما، روحيّ أو حسّيّ، أو معنويّ أو ماديّ، أو خلقيّ أو اجتماعيّ. وحده يسوع يأتي إلينا، متضامنًا معنا، شافيًا ومصالحًا، فنحمل هذه البشارة الجديدة للّذين ما زالوا في برصهم، كما فعل الأبرص. زمن الصوم يصالحنا مع الله بالتوبة إليه والاعتراف بخطايانا؛ ويدعونا لنكمّلها من كلّ القلب، وتجنّب الغضب والانتقام، والتحلّي بالقدرة على الصفح، والعمل على إحلال العدالة والسلام، ورفع الظلم والتعدّيات، واحترام حقوق الغير، وحفظ كرامتهم. مصالحة الأبرص مع ذاته ومع الله ومع المجتمع هي صورة عن المصالحة الوطنيّة، وهي رسالة واضحة عن لبنان الساعي إلى استعادة موقعه ودوره في العالم العربيّ. لقد آن الأوان لأن يستعيد لبنان دوره العربيّ، ويعود إلى موقعه الطبيعيّ ضمن الجماعة العربيّة، من خلال استعادة شرعيّته الميثاقيّة، والسعي إلى استعادة شرعيّته العربيّة بالتعاون مع الدول الشقيقة، تمهيدًا لعودته الكاملة إلى الشرعيّة الدوليّة”.
وقال: “لبنان الجديد: حياد إيجابيّ وانفتاح على العالم. بهذه الصفة يكون لبنان “وطن لقاء”، وليس “ساحة صراع”. وهو ما ينسجم مع تاريخه كدولة قائمة على التعدّديّة والتفاعل الثقافيّ، وعلى الحريّة والحداثة والإبداع. وهي القيم التي يمكن أن تساهم في بناء مستقبل عربيّ أكثر استقرارًا وازدهارًا. فيبقى كما كان لبنان دائمًا “دولة عربيّة أصيلة، وحلقة وصل بين الشرق والغرب” (راجع جو رحال: “عودة لبنان إلى الحضور العربيّ: جوزاف عون فتى العروبة الأغرّ الجديد” صحيفة نداء الوطن، السبت 8 آذار 2025، ص 3)”.
وختم الراعي: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل نجاح حملة كاريتاس-لبنان، وبقائها جهازًا اجتماعيًّا حيًّا وفاعلًا للكنيسة، ولكي نتصالح بالتوبة مع الله والذات والمجتمع. فنرفع نشيد المجد والشكر لله الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
الاب عبود
وفي ختام القداس، كانت كلمة الأب عبود الذي قال: “نلتقي اليوم لإطلاق حملة كاريتاس لبنان بشعارها: “إيمان، إنسان، لبنان”، التي تحمل في جوهرها رسالة كاريتاس: إيمانٌ بالله، وبذواتنا بأننا قادرون على تقديم الأفضل، إنسانٌ يسير بروح العطاء والخدمة، ولبنانُ الذي يبقى هويةً ورسالةً تجمعنا على الخير والمحبة. شكر وتقدير لكل الداعمين: باسم مجلس إدارة كاريتاس لبنان، وباسم سيادة المطران بولس عبد الساتر المشرف على كاريتاس، أتوجه بأسمى آيات الشكر والتقدير لغبطته على دعمه ورعايته الأبوية الدائمة، كما أشكر منسقية الاقاليم وجميع مكاتب الأقاليم بكل مكوناتها، ومنسقية الشبيبة، وجميع المتطوعين، وكل العاملين من إدارة واجهزة، الذين يجسدون العطاء الحقيقي من خلال جهودهم اليومية وتضحياتهم المستمرة. كما أتوجه بالشكر إلى كل المؤسسات الرسمية، من وزارات ومديريات ودوائر رسمية، التي تدعمنا ضمن إمكانياتها، بتسهيلها المعاملات الرسمية لتسريع عملنا الإنساني. ولا يفوتني أن أشكر الأجهزة الأمنية على مرافقتها لنا وتسهيل مهامنا، خصوصًا خلال هذه الحملة، وفي أوقات الاستجابة الطارئة، إذ أن وجودهم إلى جانبنا يؤكد أن خدمة الإنسان مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني والكنيسة”.
واضاف: “الجواب هو أن كاريتاس، بكل مكوناتها، تعمل باسم الكنيسة لتقديم ملايين الخدمات في مختلف المجالات: الاجتماعية، الصحية، التربوية، التنموية، والحماية، إلى جانب مئات الجمعيات الكنسية التي تسهر على خدمة الإنسان في كل مكان. في قلب الأزمات، كانت فرق كاريتاس على الخطوط الأمامية، تخاطر بحياتها لتوزيع الطعام والدواء وتأمين الرعاية الصحية رغم كل الظروف الصعبة. لن أنسى كلمات أحد الآباء الذي قال لي: “أريد ابني أن يكون متطوعًا معكم، ولكن لم أرسله ليكون شهيدًا…” هذه الجملة تلخص حجم المخاطر التي واجهها متطوعونا، ولكن رسالتنا واضحة: نحن هنا لنخدم، لنحمي، ولنكون علامة رجاء. لقد قدمت الأقاليم “من اللحم الحي” حين سارعت للاستجابة فور اندلاع الأزمات، فاستقبلت النازحين وقدمت لهم الحد الأدنى من مقومات العيش، دون أن نفكر بأي أولويات سوى أن يبقى شعبنا على قيد الحياة، فلا يموت أحد بسبب الجوع أو نقص الدواء. لا يمكننا أن ننسى شعبنا الذي ما زال يتألم بصمت. وتتجه انظارنا ايضا الى الجنوب حيث نحن مستعدون على إعادة إعمار ما تهدّم وإصلاح الأضرار بانتظار التمويل اللازم لهذا الامر.ونحن اليوم بحاجة إلى إجابتين حاسمتين:
1. الاجابة على سؤال: هل الحرب انتهت؟
2. والثاني لكل نستمر في رسالتنا نحن بحاجة إلى الدعم الدولي، الكنسي، والاغترابي، كي نتمكن من مواصلة مسيرتنا الإنسانية.
وفي هذا السياق، أود أن أعبر عن أسمى آيات الشكر والامتنان لكل الجمعيات الدولية والكنسية التي ساندتنا، وإلى الجاليات اللبنانية في الاغتراب الذين لم يبخلوا بوقتهم ومواردهم لدعم شعبهم، وإلى كل اللبنانيين في أرض الوطن الذين، رغم صعوبة ظروفهم، لم يتوقفوا عن تقديم يد العون. كما قال القديس فرنسيس الأسيزي: “إنه في العطاء نأخذ.”، وكما قال البابا يوحنا بولس الثاني: “العالم يحتاج إلى قلوب مملوءة بالحب والخدمة، فالتطوع ليس مجرد عمل، بل رسالة حياة.”، فإن كاريتاس تدعو كل واحد منكم ليكون جزءًا من هذه الرسالة، لأن وجودكم معنا اليوم ليس مجرد حضور، بل التزامٌ بالعمل من أجل من هم بحاجة إلينا. سترون فرق كاريتاس من شبيبة ومتطوعين في الشوارع، أمام الكنائس، في الأسواق والساحات، يطلبون دعمكم، لأن هناك أشخاصًا ينتظروننا… أشخاصًا ليس لهم سوانا. إن أي مساهمة، مهما كانت صغيرة، يمكنها أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة شخص يحتاج إلينا اليوم قبل غد”.
وقال: “أنتم الرجاء، أنتم من يجعل المستحيل ممكنًا، أنتم من يزرع الفرح في القلوب”، بهذه الكلمات أختتم كلمتي، لأقول لكم إن كاريتاس ليست مجرد مؤسسة، بل هي كل واحد منا، وهي الأيادي الممتدة لخدمة الإنسان، بالإيمان والمحبة. فلنواصل العمل معًا، يدًا بيد، قلبًا بقلب، في خدمة الإنسان والإيمان بلبنان. شكرًا لكم جميعًا، وليبارك الله كل خطوة تخطونها في مسيرة العطاء”.
بعد القداس استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.