
مجلة وفاء wafaamagazine
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثو ذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “في الأحد الماضي علمتنا الكنيسة كيفية الإرتقاء من الإيمان النظري بالرب إلى العلاقة الشخصية معه، لكي يصبح الإنتماء إلى المسيح حقيقيا. اليوم، تكشف لنا المسيح محرر الخليقة بسلطانه، من طغيان الخطيئة ومآسيها، مرة واحدة وإلى الأبد. حادثة شفاء المخلع تظهر لنا قوة الإيمان ومفاعيله. فبعدما انعطب الإنسان بسبب الخطيئة، وصار قابلا للمرض، نعاين اليوم غافر الخطايا الوحيد، ومبيد مفاعيلها، المسيح «ابن البشر”. أعجوبة شفاء المخلع ليست مجرد وصف لعطف الرب على المريض والمتألم بل تكشف سلطان المسيح المخلص الذي يفتتح زمنا جديدا في التاريخ هو زمن اضمحلال قوى الشيطان ونحرر الإنسان من سطوته”.
أضاف: “يبدأ إنجيل اليوم بوصف كثرة الجموع حول الرب الذي «كان يخاطبهم بالكلمة». هذا الإزدحام كان نتيجة صدى كرازته. كان الرب يخاطب سامعيه ب«الكلمة»، والعبارة هنا تحمل صفة المطلق، إشارة إلى الكلمة الإلهية، وفي هذا إعلان عن سلطان الرب الإلهي. لم يأت الرب إلى الأرض كمصلح إجتماعي أو حامل فلسفة أو فكر جديد. إنه «رسول الرأي العظيم»، والمصدر لكلمة الحياة والكارز بها. لذلك حمل أربعة رجال مخلعا بغية تقديمه ليسوع كي يشفيه: «وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه لسبب الجمع كشفوا السقف حيث كان… ودلوا السرير الذي كان المخلع مضطجعا عليه». لما رأى يسوع إيمانهم قال للمخلع: «يا بني، مغفورة لك خطاياك». تجد الكنيسة في تصميم الرجال على إيصال المخلع أمام المسيح، وفي ردة فعل الرب، أساسا لثقتها بفاعلية الإيمان وقوة الشفاعة. لا نعرف شيئا عن حال المخلع الداخلية، ولم نسمعه يطلب شيئا، لكن السيد أنعم عليه بالشفاء لأجل إيمان حامليه ومثابرتهم في طلب المعلم. المؤمن الحقيقي لا تثنيه المصاعب عن بلوغ السيد، فيجد في طلبه من أجل فائدته الشخصية وفائدة الآخرين، متبنيا حاجتهم ومتفاعلا معها تفاعله مع حاجاته. يصبح ألمهم ألمه بدافع المحبة والرحمة، فيبذل نفسه من أجلهم متشبها بسيده”.
وتابع: “قال الرب للمخلع: «يا بني»، كاشفا عما يؤسس له من روابط عائلية وثيقة مع الإنسانية الجديدة، أي كنيسته المؤسسة على سلطانه، والمشتراة بدمه. يتبنى الرب المخلع، لأن المخلصين به من قيود الخطيئة يصيرون به أبناء لله. قال له: «مغفورة لك خطاياك»، وهي المرة الأولى التي يواجه فيها المرض الجسدي بإعلان غفران الخطايا. علاقة الخطيئة بالمرض والأوجاع موضوع ما زال عرضة لسوء الفهم أو التأويل. عندما تمرد المخلوق على خالقه، إنسلخ عن الحياة التي لا فساد فيها، وصار تحت ناموس الطبيعة بما فيها من ضعف وفساد ومرض وموت. هذا لا يعني أن كل مرض هو عقاب على خطيئة، بل هو من سمات ضعف الإنسانية الساقطة خارج إطار النعمة الإلهية. لا يعالج الرب الخطيئة نظريا، بل يواجهها بسلطانه ويحرر الناس منها ومن مفاعيلها. يأخذ منحى المواجهة لأن زمن الفداء والخلاص الفعلي قد حان. يصف الإنجيل الرب بأنه «رافع خطيئة العالم»، وعجائبه تصور افتتاح زمن الغلبة على الشرير، زمن النعمة والخلاص الحاصلين بالإله المتجسد، إبن الإنسان. أما الشفاءات التي قام بها الرب يسوع فهي تذوق مسبق للملكوت حيث ينتفي كل مرض وألم وحزن وتنهد”.
وقال: “إعتبر الكتبة كلام السيد على غفران الخطايا تجديفا لأن قساوة قلوبهم أملت عليهم موقف الرفض لسلطان الرب وصفته المسيانية. كانوا يفكرون في أنفسهم «من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟» الشفاء، محور إنجيل اليوم، يرد في آية واحدة فقط. أساس التعليم هو في إعلان الرب الصادم للفريسيين وسواهم من المتحجري القلوب أن «ابن البشر» هو الغافر والفادي والديان. سألهم: «ما الأيسر أن يقال: قم واحمل سريرك وامش؟ ولكن لكي تعلموا أن ابن البشر له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمخلع: لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك». هذا أزعج الكتبة لأن عبارة ابن البشر عند اليهود تشير إلى شخص واحد هو رمز الإنسانية الجديدة، وفيه يجد قديسو الله كمالهم. كانت قوة الإعلان عثرة للكتبة لكنها كانت سببا لتمجيد الله من بسطاء القوم الذين مسهم شفاء المخلع «فمجدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا قط».
أضاف: “نحن الآن في رحلة الصوم المتجهة نحو الصلب والقيامة، لذلك علينا ابتغاء التطهير الداخلي والتخلص من خطايانا قبل السعي إلى الشفاء الجسدي. يقول لنا الرب يسوع: «أطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم» (متى 6: 33). المهم أن يخلص الإنسان نفسه لأننا كلنا مخلعون نفسيا، تحكمنا الخطيئة وتبعدنا عن مصدر خلاصنا. لذا علينا أن نعي مدى ضعفنا ومحدوديتنا وأن نتوب، بإيمان وصدق وثبات، عما يحول دون لقيا الرب، وهو، الذي أعطى المخلع ما هو أبعد من شفاء الجسد، لا بد أن ينظر إلى ضعفنا إن أبدينا رغبة صادقة، ويجعلنا من أصفيائه ومستحقي سماع صوته يقول: «يا بني مغفورة لك خطاياك». لقد نال المخلع الشفاء بسبب إيمان حامليه وثباتهم رغم الصعوبات. ألا يستحق وطننا أن نحمله في قلوبنا وضمائرنا ونجاهد من أجل شفائه وخلاصه كما فعل الرجال الأربعة في إنجيل اليوم؟ ألا يستحق أن نجعل خلاصه في صدارة اهتماماتنا، وأن نؤمن أن الله قادر على كل شيء، وأننا إن كان لنا إيمان كحبة خردل نحن قادرون أن ننقل الجبال كما علمنا الرب (متى 17: 20). فإن آمنا أن الله يستجيب طلبة المؤمن، وعمل كل منا في مجاله على إصلاح ما قد فسد، بصدق واستقامة، لا بد أن ننال ما كان نصيب المخلع، أي الشفاء والخلاص”.
وتابع: “وبما أن الحكومة منكبة على ملء الشواغر في الوظائف والإدارات العامة، أملنا أن تختار أفضل العناصر وأكثرهم كفاءة وعلما واستقامة، لكي يكونوا خير حاملين للبنان وشفعاء له، فيحصل بجهودهم وجهود جميع اللبنانيين على الخلاص من الفساد والفوضى والإنهيار والضياع”.
وختم: “دعوتنا اليوم أن نصل إلى القيامة من مخلعية خطايانا، وأن يكون المسيح محور حياتنا فنحيا به ولا نجد خلاصا في سواه، فيسود ذهننا المستنير بالرب على جسدنا الضعيف ويرشده ويظهر عن طريقه ثمار التوبة فيرى من هم حولنا أعمالنا ويمجدوا الله القائل لنا: «فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات» (متى 5: 16)”.