
مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت “الجمهورية”تقول:
كل الأنظار متّجهة إلى مسقط، حيث تنطلق اليوم، المفاوضات الأصعب بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وما يمكن أن يتمخّض عنها من ارتدادات تُجمِع التقديرات على أنّها بإيجابيّتها أو سلبيّتها، ستنسحب على الملفات الإقليمية والدولية. ولبنان الذي يحاول أن يرتدي ثوب الخلاص وينهض من أزمة أو أزمات متتالية ومتناسلة من بعضها البعض، أرهقته لسنوات طوال، شأنه شأن الدول التي تعلّق آمالاً كبيرة على أن تورب هذه المفاوضات أبواب الحروب وتنزع فتائل التفجير التي تهدّد منطقة الشرق الأوسط برمّتها، مراهناً على أن يتمخّض عن الصعوبات والتعقيدات الفاصلة بين عدوَّين لدودَين، ما يعاكسها من انفراجات تنسحب عليه وتمكّن العهد الرئاسي من إكمال المسيرة التي بدأها على خطّ النهوض بلبنان والإنتقال به إلى واحة الإنتعاش الذي يتوق إليه كلّ اللبنانيّين.
ممّا لا شكّ فيه، أنّ كلّ الأنتينات واللواقط والمراصد الدولية مركّزة على «الحدث العماني»، توازيها ما يبدو أنّه سباق محموم بين المحلّلين والمعلّقين والقنوات العالمية والشبكات الإعلامية وكبريات الصحف الدولية ومعها العربية، على مقاربة المفاوضات الأميركية- الإيرانية بتحليلات وتقديرات وتوقعات تأرجحت بين الموضوعية والتفاؤل والتشاؤم. وحتى إنّ المنجّمين والمبصّرين وقارئي الفناجين والضاربين بالرمل اصطفّوا في هذا الطابور!
كل الاحتمالات واردة
الأكيد وسط هذا الزحمة، أنّه في مفاوضات بين طرفَين يجمعهما عداء مستحكِم، وتفصل بينهما فوارق عميقة، وملفات شائكة وقضايا معقّدة، من السذاجة الجزم أو الحسم بنتائج مسبقة، أو القول بمفاوضات بيضاء أو سوداء. فلعلّ التوصيف الأكثر ملاءمة لهذه المفاوضات، جاء عبر تفاؤل حذر أبداه مرجع كبير بقوله رداً على سؤال لـ«الجمهورية»، عمّا إذا كان ينحاز إلى القائلين بمفاوضات بيضاء أو القائلين بمفاوضات سوداء: «مجرّد جلوس الأميركيِّين والإيرانيِّين على طاولة المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ورفع مستوى المفاوضين، أمر ينطوي على إيجابيات من حيث الشكل. ويجب ألّا نغفل أنّ الشكل هنا، فيه ما يلامس الجوهر، باعتبار أنّ الطرفَين باتفاقهما على المفاوضات يُعطِيان فرصة جدّية للحلّ السياسي والاتفاق، ويُعبّران بصورة غير مباشرة عن رغبتهما بتجنّب التصعيد والمواجهة».
أمّا من حيث المضمون، يتابع المرجع عينه قائلاً: «فما بين واشنطن وطهران وديان من الخلافات وسنوات طويلة من الصدام والعقوبات، ولذلك لا أقول إنّ المفاوضات سهلة، ولا أقول إنّها ستفشل أو إنّها ستنجح، هي في رأيي مفاوضات رمادية تميل وفق مجرياتها إلى البياض أو السواد، وكل الاحتمالات واردة فيها، وربما تطول هذه المفاوضات بحسب الملفات التي ستُطرح فيها، وربما تكون قصيرة. في كل الأحوال فلننتظر، والعبرة تبقى دائماً في الخواتيم».
تفاؤل ديبلوماسي
في هذا الإطار، أبلغ ديبلوماسي أوروبي رفيع «الجمهورية» قوله، إنّه يتوقع أن تكون المفاوضات الأميركية- الإيرانية شاملة، ولا يتوقع نتائج سريعة، «كونها لن تكون مقتصرة على الملف النووي، بل أمام الأميركيِّين والإيرانيِّين مجموعة كبيرة من ملفات محل تناقض وتعقيد كبير بينهما، ما قد يستوجب جولات متعدّدة من المفاوضات قد تمتد لأجل غير معلوم، وربما لأشهر على أقل تقدير».
وعمّا إذا كان يتوقّع أن تُفضي هذه المفاوضات إلى تفاهمات وإيجابيات، أضاف: «لا أملك الحسم، لكن لديّ ما يجعلني أميل إلى التفاؤل أكثر، فالطرفان جادان. ثم أود أن ألفت الانتباه هنا إلى أنّه خلال الأسابيع الأخيرة كان هناك ما يُشبه الخيط الرفيع بين الحرب واللاحرب، لكنّ ديبلوماسية الغرف المغلقة والقنوات السرّية غير المنظورة تمكّنت من تمتينه. وفي اعتقادي أنّ المساهم الأكبر في ذلك هو إدراك الأطراف لما قد تؤدّي إليه الحرب من تهديد، ليس للسلام الإقليمي بل للسلام العالمي، وهو ما حذّر منه الروس وغيرهم الذين تخوّفوا من كارثة بيئية في منطقة الشرق الأوسط، وإعصار اقتصادي سيضرب العالم بأسره».
ماذا عن لبنان؟
أمّا لبنانياً، فتبرز في هذا السياق، ما تصفها مصادر واسعة الإطلاع «الثابتة» لدى المستويات المسؤولة في الدولة، ولاسيما لدى رئاسة الجمهورية، والتي يُعبِّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري أيضاً، وهي «التركيز على أولوية دفع عجلة إنهاض البلد إقتصادياً ومالياً، والتسريع بالخطوات والإجراءات الحكومية في هذا المجال، بمعزل عن أي أمر آخر».
وبحسب المصادر عينها، فإنّ المستويات المسؤولة في الدولة تأمل أن تنجح المفاوضات، ولا تملك أكثر من ذلك، إلّا أنّها تتقاطع جميعها على حقيقة أنّ واقع لبنان لا يحتمل ترف تضييع الوقت، أو التباطؤ في الإنجاز في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات. ونقلت عن أحد الرؤساء قوله: «المطلوب إكمال المسار الإنقاذي، فإن كانت نتائج المفاوضات سلبية، يكون لبنان قد جمّع عوامل تحصينه، وأمّا إذا ما جاءت إيجابية وانتهت إلى اتفاق بين الأميركيِّين والإيرانيِّين، فهذا الاتفاق إن حصل ستمتد ارتداداته حتماً على مساحة الإقليم ولبنان من ضمن هذه المساحة بالتأكيد، وبالتالي تكون هذه الارتدادات الإيجابية قيمة مضافة ودافعة أكثر لنا إلى مزيد من التقدّم والانجاز في لبنان».
عوامل التحصين
أمّا عوامل التحصين، فيعتبرها مرجع سياسي «مسؤولية مشتركة بين الرئاسات الثلاث والحكومة ومجلس النواب وكل القوى السياسية»، ويُلخّصها لـ«الجمهورية» كما يلي:
أولاً، الشروع بصورة عاجلة في ورشة عمل حكومية واسعة وبصورة مكثفة للإيفاء بكل الالتزامات والوعود التي قُطِعت، ولاسيما في مجال إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي.
ثانياً، الانتهاء الفوري من مرحلة الوعود الكلامية إلى المرحلة التطبيقية، عبر توجيه رسالة عملية عاجلة إلى الداخل اللبناني، وكذلك إلى المجتمع الدولي بصورة خاصة، بجرعة كبيرة من الخطوات الإصلاحية الجدّية ذات الصدقية الأكيدة.
ثالثاً، الانتقال من التغنّي بآلية التعيينات، إلى ترجمتها بإنجاز التعيينات الضرورية والملحّة للقطاعات المرتبطة بالشأن الإصلاحي. وإصدار المراسيم التطبيقية لمجموعة القوانين الإصلاحية التي أقرّها مجلس النواب قبل سنوات، وعُطِّل تنفيذها في العهد السابق لدواعٍ سياسية وكيدية، على رغم من أنّ من شأنها أن تُحدِث نقلة نوعية في المجال الإصلاحي.
رابعاً، إقرار مجموعة القوانين الجديدة المطلوبة في المجال الإصلاحي التي من شأنها تسريع إنضاج التفاهمات وبرامج التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، ولاسيما القانونان المتعلقان بالسرّية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف، ليس على النحو الذي يُبرّئها من دورها الخبيث خلال الأزمة وتلاعبها بالعملة الوطنية وتهريب الأموال إلى الخارج، وصولاً إلى التشبيح الذي اعتمدته على الدولة وحجز غير قانوني وغير أخلاقي وغير إنساني، وبمعنى أدق سرقة موصوفة لأموال المودعين.
خامساً، إقرار قانون «كابيتال كونترول» عصري وحديث. مع الحفاظ على أموال المودعين، واتخاذ الخطوات العملية العاجلة في إعادة هذه الحقوق إلى أصحابها، وليس بالطريقة التي تُروّج لها بعض المصارف من خلال طروحات بتقسيط أموال المودعين على مدى 10 سنوات أو 20 سنة ما يعني تذويبها بشكل كامل.
سادساً، اتخاذ الخطوات العاجلة في مجال مكافحة الفساد، مع محاسبة بمفعول رجعي لكل المرتكبين، واسترداد الأموال المنهوبة من مختليسها.
العامل الإسرائيلي
على أنّه في موازاة ضرورات التحصين الإصلاحي والإقتصادي والمالي، تبرز ضرورة تفوقها، تؤكّد عليها مصادر رفيعة في «الثنائي»، وتتجلّى في الارتفاع إلى أعلى درجات اليقظة والحذر من العامل الإسرائيلي، في ظل محاولاته المتكرّرة لإرباك الوضع اللبناني ونسف اتفاق وقف إطلاق النار. والمسؤولية في هذا المجال، كما تقول المصادر، تقع على السلطة السياسية في توفير كل الوسائل لمنع الإسرائيلي من تحقيق غايته، بالتوازي مع إعلان الاستنفار الديبلوماسي مع الدول المعتبرة صديقة، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية، لردع إسرائيل ونزع فتيل التصعيد الذي تشعله. وإن كانت التجربة الديبلوماسية المعتمدة منذ إعلان وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، حيث لم يُقابل الجهد الديبلوماسي مع الأصدقاء، ولاسيما الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، باستجابة جدّية تمنع تفلّت إسرائيل من هذا الاتفاق ويوقف اعتداءاتها وخروقاتها.
أمّا موجبات الحذر، فتردّها المصادر الرفيعة إلى أنّ إسرائيل، باعتبارها الدافع إلى الضربة الأميركية لإيران وإنهاء ملفّها النووي وتغيير النظام فيها، هي أكثر المتضرّرين من المفاوضات بين واشنطن وطهران ووصولها إلى تفاهمات بين البلدَين، ما يعزّز الخشية من أن يُقدِم العقل الشيطاني الذي يحكمها على خطوات عدوانية، ولاسيما على جبهة لبنان، ويشي بذلك اعتداءاتها التي صعّدتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وترافقت مع مزاعم حول نشاطات عسكرية لـ»الحزب» خارج منطقة جنوبي الليطاني، وآخرها على سبيل المثال، ادّعاؤها بإعادة الحزب إحياء منشأة عسكرية في الشويفات، في محاولة واضحة تسعى من خلالها إلى منح نفسها مبرّرات واهية للقيام بعدوان».
استبعاد التصعيد
إلى ذلك، وعلى رغم من اقتناعه بوجوب الحذر الدائم من إسرائيل، يعتبر مرجع أمني أنّ اعتداءات إسرائيل على لبنان منذ اتفاق وقف إطلاق النار، دافعها داخلي بشكل أساسي، والهدف الأساس منها هو تطمين سكان مستوطنات الشمال وحثهم على العودة إليها، فيما هم يمتنعون حتى الآن، وقد كان هذا الأمر أحد أهداف حرب الـ66 يوماً على لبنان ولم يتحقق بالشكل الذي أرادته إسرائيل، لاسيما أنّ آخر الإحصاءات الإسرائيلية تتحدّث عن نسبة عودة للمستوطنين تتراوح بين 10 و15% إلى المستوطنات على رغم من إخلاء «الحزب» لمنطقة جنوب الليطاني.
ورداً على سؤال لـ»الجمهورية»، استبعد المرجع عينه لجوء إسرائيل إلى تصعيد كبير لأسباب متعدّدة، أولها الـ»فيتو» الأميركي على استئناف الحرب. وثانيها الأزمة السياسية المتصاعدة داخل المستويات السياسية في إسرائيل، وحتى في داخل حكومة بنيامين نتنياهو. وثالثها أنّ الجيش الإسرائيلي نصفه متفرّغ للحرب في غزة ونصفه الآخر صار في سوريا. ورابعها أنّ إسرائيل ما زالت مقتنعة بقدرة «الحزب» على مواجهتها وإيذائها، والإعلام الإسرائيلي يشير إلى ذلك بوضوح.
كبسة رئاسية
محلياً، سُجِّلت أمس، كبسة رئاسية للنافعة، إذ قام رئيس الجمهورية جوزاف عون بزيارة إلى مبنى مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة، يُرافقه وزير الداخلية أحمد الحجار. وتوجّه الرئيس عون بكلمة إلى أصحاب المعاملات في المصلحة: «أنا هنا أتيتُ لأعرف مشكلاتكم. والمطلوب منكم إبلاغي بالصعوبات التي تواجهكم، وأقول لكم مَن يُغطّي الفساد هو مشارك فيه، فكونوا أنتم عيوننا، وأنا ووزير الداخلية هنا لمساعدتكم».
كذلك، قام الرئيس عون بزيارة إلى مرفأ بيروت ورافقه وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، فالتقى المدير العام للجمارك العميد ريمون خوري، وتفقّد سير العمل في الجمارك وفي المراكز الأمنية. وشدّد الرئيس عون خلال الزيارة على ضرورة «انتظام الرقابة الجمركية على البضائع المستوردة واستيفاء الرسوم بعدالة وعدم التهاون مع من يرتكب المخالفات».
على الصعيد الحكومي، أكّد رئيس الحكومة نواف سلام، أنّ الحكومة ماضية في تطبيق برنامج الإصلاح وإقرار مشاريع القوانين المالية التي تخوّل لبنان الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وشدّد خلال استقباله وفداً من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، على أنّ الإصلاحات هي مصلحة أساسية للبنان واللبنانيِّين، لوضع الدولة على طريق التنمية. وقد أكّد الوفد خلال اللقاء استعداد البنك لدعم لبنان ومساعدته فور تحقيق الإصلاحات المطلوبة وتوقيعه الاتفاق مع صندوق النقد.