الرئيسية / آخر الأخبار / الإفلاس مبرّر للكثير من الخصخصة الآتية | رسامني يفتتح مزاد البيع: المرافق الجوية والبحرية أولاً

الإفلاس مبرّر للكثير من الخصخصة الآتية | رسامني يفتتح مزاد البيع: المرافق الجوية والبحرية أولاً

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت صحيفة “الأخبار”:

يتوقع أن يدرس مجلس الوزراء اقتراحاً من وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، يهدف إلى تنفيذ عمليات خصخصة واسعة في بنية قطاع النقل الجوي والبحري، عبر عقود التشييد والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) التي ستنفّذ بواسطة وزارة الأشغال مباشرة. دوافع اللجوء إلى هذه الخطوة هو “إفلاس” الدولة، ما يعني أن بيع أملاكها صار يروّج كوسيلة وحيدة للتعامل مع نتائج الإفلاس. هذا النهج سبق أن اختبر نتائجه لبنان وتبيّن أنه ليس مجدياً كما يسوّق، بل العكس، إن تخلّي الدولة عن أملاكها في قطاع النقل الجوي والبحري سيكون مقدمة للتخلّي عن المزيد، بعدما تخلّت عما تبقى من أدوار في الرعاية الاجتماعية مثل إعادة الإعمار، موظفي القطاع العام، والضمان الاجتماعي، وتعويضات نهاية الخدمة والتسويات المترتبة على أصحاب العمل… اللائحة التي تستعدّ السلطة للتخلّي عنها طويلة، وقد يكون على رأسها الذهب الذي سيتم تبديده من أجل إعادة إنتاج مصارف تسرق الودائع وتقدّمها للدولة كأنها هبة، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، إذ إن خطوة كهذه لبيع المرافق الجوية والبحرية بالجملة، ستُطلق يد العهد وحكوماته في الخصخصة بخطوات متلاحقة، وفقاً لمنطق يقضي بأن ضرورات الإفلاس تبيح التخلّي عن الملكية العامة.
صفحة وأربع مواد
في 12 أيار، رفع رسامني ملفاً إلى مجلس الوزراء هو عبارة عن مشروع قانون “يرمي إلى الإجازة للحكومة بواسطة وزارة الأشغال العامة والنقل، تصميم وإنشاء وتأهيل وتطوير المطارات الجوية والمرافئ البحرية، وبشكل عام مرافق النقل الجوي والبحري على اختلاف أنواعها وطبيعتها ونطاق عملها، وذلك بنظام عقود التشييد والتشغيل ونقل الملكية أو عقود التصميم والتشييد والتشغيل ونقل الملكية”.
يتألف الملف، من ثلاث صفحات، تشير بوضوح إلى أن “الإمكانات لدى الخزينة العامة غير متوافرة حالياً لقيام الدولة بتأمين التمويل اللازم”، فيما تتبدى هناك ضرورة لتطوير وتحديث مرافق النقل الجوي والبحري في لبنان، وهذا يشمل مطار بيروت الذي تجاوز قدراته الاستيعابية في 2019 “ما يوجب جدياً البحث في مشاريع توسيعية وتأهيلية له”. وأيضاً هناك مشروع “إطلاق مطار رنيه معوض في القليعات الذي يحتاج إلى ورشة عمل كبرى”. كما يجب “تأهيل وتطوير وتوسعة مرفأ بيروت وإعادته إلى خارطة المنافسة العالمية”، والأمر نفسه ينطبق على “مرفأي طرابلس وصيدا نظراً إلى أهميتهما الحيوية في قطاع النقل البحري”.
إذاً، الدولة مفلسة وليس لديها الأموال اللازمة، ما يعني أن القطاع الخاص هو “الملجأ”. لذا، يشير رسامني في اقتراحه إلى أن “القطاع الخاص يبدي اهتماماً متواصلاً لتأمين أعمال الإنشاءات والتطوير والتشغيل للمطارات الجوية والمرافئ البحرية في لبنان، كما لديه الإمكانات المالية والتقنية والخبرات الدولية المطلوبة”.
أيضاً يلفت الوزير إلى ضرورة البتّ بالملف سريعاً “نظراً إلى ما ينجم من أضرار بسبب تأخير تنفيذ مشاريع البنية الأساسية لضخامة تمويلها وعدم توافر التمويل اللازم في موازنات الدولة بصفة عامة…”.
أما البنية القانونية للمشروع، فهي عبارة عن مشروع قانون يفترض أن تقرّه الحكومة، يتألف من صفحة واحدة وأربع مواد؛ الأولى تشير إلى أنه يجوز للحكومة بواسطة وزارة الأشغال العامة والنقل القيام بأعمال تصميم وإنشاء وتأهيل وتطوير وتشغيل المطارات الجوية والمرافئ البحرية، وبشكل عام مرافق النقل الجوي والبحري على اختلاف أنواعها وطبيعتها على أساس التمويل الذاتي بنظام (B.O.T) أو (D.B.O.T). والمادة الثانية، تنص على أن الوزارة ستقوم بهذه الخطوة عبر قانون الشراء العام. وتنصّ المادة الثالثة على أن مدّة العقود تمتدّ لـ 25 سنة بنهايتها تعود المنشآت والتجهيزات والموجودات إلى وزارة الأشغال.
لا تمويل ذاتياً؟
يثير هذا الاقتراح الكثير من التساؤلات بمعزل عن أي نقاش في تعريف الخصخصة والنتائج المترتبة على اللجوء إليها كأداة تدميرية لاقتصاد منهار يعتمد بشكل مفرط على تدفقات المغتربين بشكل أساسي لتمويل استهلاك مستورد، ولمجتمع باتت خياراته محصورة بالهجرة أو الفقر؛ فمن جهة لماذا ستعمد السلطة إلى الخصخصة بمشروع قانون منفصل عن الإطار الذي جرى الترويج له على مدى السنوات الماضية في المجلس الأعلى للخصخصة وقانون الشراكة مع القطاع الخاص؟
ومن جهة ثانية لماذا يكون الأمر شاملاً لكل المرافق الجوية والبحرية القائمة أو التي ستُنشأ؟ وما هي دوافع الإسراع الظاهر في مشروع القانون الذي رفعه رسامني إلى مجلس الوزراء والمؤلف من بضعة أسطر، ما دامت مشاريع توسعة مطار بيروت ومرفأ بيروت تعود إلى سنوات ما قبل الانهيار، ويمكن دراستها بشكل أكثر عمقاً للوصول إلى جدوى أكبر؟
فقد بدا من المشروع المطروح، أن هناك رغبة في تسليم المرافق الجوية والبحرية لجهات أخرى غير الدولة على وجه السرعة بذريعة أن الدولة ليست كفؤة، عدا عن أنها غير قادرة مالياً. فالأبعاد التنموية ليست واضحة في هذا المشروع الذي قد يختبئ وراءه ما يمكن تسميته مكاسب اقتصادية لدول ترغب في الاستحواذ على حصّة، وما يمكن اعتباره دواعي أمنية.
الدوافع الأمنية صارت معروفة، سواء في مطار بيروت أو مطار القليعات، أو في مرفأ بيروت أيضاً، لأنها لا تخدم سوى جهات خارجية. لكن المسألة المتعلقة بتسليم المرافق الجوية والبحرية لجهات خارجية هي أيضاً تندرج في إطار الصفقات التي واظبت السلطة على محاولة تنفيذها في السنوات الماضية. في عام 2009 حاول وزير الأشغال العامة في حينه غازي العريضي تلزيم توسعة المرفأ بصفقة قيمتها 120 مليون دولار لشركة دانماركية مع شركة حورية (مقرّبة من وليد جنبلاط).
يومها كان تمويل الصفقة “ذاتياً” من إيرادات المرفأ، وهو أمر متاح تكراره اليوم لو أرادت السلطة. لكن ما “خربط” الصفقة أنه تشابكت مصالح المستوردين مع الاستقطاب الطائفي بين المسيحيين والمسلمين لتوقف هذه الصفقة وكل الصفقات اللاحقة التي كان آخرها في عهد الوزير علي حمية الذي استند إلى قانون رسوم المطارات لإجراء توسعة بقيمة 147 مليون دولار، أي إن التمويل كان ذاتياً أيضاً. طبعاً في هذه المدة حصل الانفجار وما تلاه من محاولات ألمانية وفرنسية وسواها للسيطرة على المطار عبر مخططات ومشاريع عرضت على الملأ. في كل الفترات كان المحفّز كلاماً قاله وليد جنبلاط عن فساد المرفأ وتهريب السلاح عبره.
أما مشروع توسعة مطار بيروت، فقد أتى في السياق نفسه، إذ إن مشروع التوسعة معروض منذ سنوات عدّة سبقت الانهيار، ولكن لم تتخذ أي خطوات في اتجاه إطلاق هذا المشروع لأنه لم يكن يشكّل أي توازن طائفي. المسألة الطائفية كانت عاملاً أساسياً في أي مشروع للمرافق الجوية والبحرية، بعيداً من كل التخطيط الاقتصادي والإنمائي. فهذه المرافق لها جدوى مرتبطة بالاقتصاد العالمي والمحلّي لم يتم تقديم أي منها كمبرّر لأي صفقة، وهو ما يحصل اليوم أيضاً، سواء أكان الدافع الأمني يتحكّم في هذه الصفقات أم الدافع الطائفي.
تحويل الملكيّة العامة إلى ريوع
لم تكن الخصخصة خياراً مُستحدثاً في هذه الحكومة، إنما بات يتم التّرويج لها بعد الانهيار من باب بيع أصول الدولة لتغطية خسائر القطاع المصرفي، لأن الدولة مفلسة. الهدف يكمن في الاستحواذ على القطاعات الأكثر إدراراً للعائدات المالية للانتفاع منها على شكل ريوع. فالدولة في لبنان لم تعمد إلى تطوير قطاع الكهرباء، على سبيل المثال، رغم توافر التمويل لديها في سنوات ما قبل الانهيار، لأن اللاعبين السياسيّين لم يتّفقوا على تحديد شكل الريع المتأتّي عن ذلك وحصّتهم منه.
والأمر نفسه ينطبق على كثير من القطاعات الأخرى، لا سيما تلك التي تندرج في إطار ما يسمّى بـ”اقتصاد الشبكات”، مثل المرفأ والمطار، والنّقل، والكهرباء وسواها. فالتّطوير في هذه القطاعات بتمويل من الخزينة العامة وبإدارة وإشراف القطاع العام، يسهم في تعزيز جوهر الملكية العامة ويضيف إلى إيرادات الدولة التي تسعى الطبقة الحاكمة إلى تحويلها إلى ريوع والاقتطاع منها.
عقود من نوع الـBOT قد تسهم في هذا الريع، أو على الأقل هي محاولة للتّرويج بأنه يمكن تحويل هذه الإيرادات المستقبلية في هذه القطاعات إلى ريوع قابلة للتوزيع. فالريوع لا تحتاج إلى إدارة، بل إلى قنوات سالكة يمكن تأمينها ما دام الإطار العام والقانوني والسياسي متوافراً.
وفي هذا السّياق، إن إقرار قوانين، يفترض من يسمّيها، أنها لا تندرج في إطار الخصخصة لكنها تلبّي رغبته في تحويلها إلى ريوع، هو قمة الفساد. هذه الحكومة، تروّج لهذا الهدف القابل للتّحقيق بأدوات مثل عقود الـBOT أو الشراكة مع القطاع الخاص، أو حتى الخصخصة، ولكنها تركّز على التّسمية كي تحرف الأنظار عن كل المساوئ التي قِيلت عن الخصخصة أو عن التّجارب الفاشلة في لبنان، مثل خصخصة التشغيل والصيانة والجباية في كهرباء لبنان على يد مقدّمي الخدمات. في فرنسا قبل مدّة، قرّرت الحكومة تأميم قطاع الكهرباء وإعادة الاستحواذ على 16% من ملكية المؤسّسة هناك، بسبب اتّساع فجوة إعادة توزيع الثّروة ربطاً بنتائج الخصخصة.
النقاش الغائب
ثمة نقاش غائب عن أي مرافق جوية وبحرية تتناسب مع الاقتصاد اللبناني. فما هو الدور الإقليمي الذي يفترض أن يلعبه مرفأ بيروت أو مطار بيروت؟ للبنان موقع في منطقة تغلي “على جمر”، لذا يبدو أن التسليم بأن القناعات المسبقة مثل الإفلاس وانعدام قدرة الدولة على التمويل، هي التي ستفرض هذا النقاش، تبدو مسطّحة وتافهة إلى حدّ ما.
فعلى سبيل المثال، لم يشهد مرفأ بيروت أي أزمة فعلية في انتقال البضائع منه وإليه بعد الانفجار في آب 2020، والمرفأ قد يكون خطاً أساسياً بين بيروت ودمشق إذا قدّر لهذه الأخيرة الاستقرار وبدء إعادة الإعمار.
ومرفأ بيروت هو المنافس لمرفأ حيفا منذ أن أنشئ الأخير على يدي البريطانيين في مواجهة الفرنسيين. وينافسه أيضاً مرفآ طرطوس واللاذقية المربوطان بشبكة مواصلات تربطهما بحلب… ورغم كل ما يقال ويتردد عن السيطرة الأمنية لحزب الله على مطار بيروت، ثمة واقع أساسي هناك وهو أن شركة ميدل إيست هي من يسيطر على المطار بكل تفاصيله، ومن أبرزها احتكار تحوزه بوصفها شركة نقل وطنية في لبنان.
هي من يحدّد الأدوار للشركات الأخرى ومواقيت الإقلاع والهبوط، وهي من يقدّم الأولويات، وهي التي تسيطر على الهنغارات، وهي من كان يدفع رواتب إضافية لكل من يعمل في المطار إثر تدهور الأجور، ولا سيما أجور القطاع العام. هذا الاحتكار أتاح لهذه الشركة أن تحقق الأرباح في أوقات كانت فيه شركات الطيران العالمية تعاني من إفلاسات وخسائر ضخمة. مطار بيروت كان مطار دمشق وكل سوريا أثناء العقوبات، واليوم ما سيكون عليه بعد رفع العقوبات عن سوريا؟
أي سوريا ستكون عليه؟ طبعاً، في مشروع القانون المعروض على مجلس الوزراء يختزل كل هذا النقاش بضرورة توقيع عقود (B.O.T) وسيتمحور النقاش حول ما إذا كانت خصخصة أم لا!