
مجلة وفاء wafaamagazine
كتب جورج شاهين في “الجمهورية” :
ليس مستغرباً الجدل حول موضوع تمديد ولاية القوات الدولية المعزّزة «اليونيفيل» المكلّفة دوراً بالغ الأهمية منذ صدور القرار 1701 في 12 آب 2006، والتي تمّ تكليفها مجدّداً بدور أكثر أهمية وخطورة منذ التوصّل إلى تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 وتشكيل اللجنة الخماسية للإشراف على تطبيق مندرجاته، على رغم من العثرات التي تواجهها. وعليه، ما الغاية من هذه البلبلة التي يتسبب بها الحديث عن مصيرها. وهل يحتمل لبنان قراراً من هذا النوع؟
عند الحديث عن مصير التجديد لقوات «اليونيفيل» من اليوم وحتى نهاية ولايتها للسنة الممددة 2024-2025 في 30 آب المقبل، ينبغي أن يأخذ اللبنانيّون قسطاً من الراحة والإطمئنان إلى أنّ معظم الجدل القائم غير مبني على أي من المعطيات التي يُحدّدها نظام الأمم المتحدة وآلية التعاطي مع مثل هذه المهمات المتصلة بضمان السلم الإقليمي والدولي، وأنّ أي مواقف تصدر عن غير ذي صفة تقريرية لها موقعها الدولي والأممي، لا يجب الأخذ بها لمجرّد أنّ مجلس الأمن تحديداً لم يُنهِ بعد أي مهمّة لقوى مثلها معتمدة في أكثر من دولة حول العالم، عاشت أزمات كتلك السائدة في جنوب لبنان نتيجة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ومن بعده مع «حزب الله». وإن من مصلحة لبنان التمسك باتفاقية الهدنة المعقودة في العام 1949 وكل البروتوكولات والمواثيق القانونية الدولية الملحقة بها لحماية حدوده وسيادته على كل أراضيه المعترف بها دولياً.
على هذه الخلفيات، تصرّ مراجع ديبلوماسية مسؤولة على ضرورة مقاربة ملف التمديد لـ«اليونيفيل» من باب الواقعية، ذلك أنّ مجرّد الحديث عن إنهاء مهمّتها وسحبها من جنوب لبنان ليس أمراً سهلاً في ظل التطوّرات المحيطة بالمهمات المناطة بها والدور الكبير الذي تلعبه في حماية السلام في الجنوب على أنقاض مجموعة الحروب التي دارت على ساحته وفي مناطق انتشارها، على رغم من مجموعة الأكاذيب الإسرائيلية التي تحدّثت عن عدم الحاجة إليها أو اتهامها بمعاداة إسرائيل لتبرير اعتداءاتها على مراكزها وجنودها بمقدار ما تُعبِّر عن خَوفها من رقابتها الدائمة لخروقاتها والتنديد بها، وإن لم تكن لها مفاعيل عملية مباشرة، أو القدرة على لجمها. إذ إنّ ما تقوم به كافٍ لإدانتها ومحاسبتها على الساحة الدولية بمقدار ما زال يحظى به مجلس الأمن من احترام.
وتعترف المراجع عينها، بأنّ الاعتداءات التي يقوم بها أهالي بعض القرى الجنوبية تساوي في أهمّيتها حجم الاعتداءات الإسرائيلية، إن لم تكن قد حصلت بالتناغم معها ولملاقاتها في اتهاماتها تجاهها ودورها بمفهوم القوانين والمواثيق الدولية الراعية لمهمّتها، وحجم التفويض الأممي الممنوح لها للقيام بالمهمّة السلمية الكبرى التي تقوم بها في منطقة عانت من مسلسل الحروب الأخيرة، ولم يكن لأهاليها أي خيار فيها سوى الانسياق خلف قرارات اتُخذت معظمها في الخارج، وغطاء داخلي هَشّ أنتج ما أنتجه من دمار وخراب وقتل وتهجير ومآسٍ لا نهاية لها منذ عقود، وتحوّل مواطنوها وقوداً لها.
وإلى مَن لا يُمكنه أن يفهم هذه المعادلات الثابتة التي لا تخضع إلى أي نقاش، تُصرّ المراجع الأممية على التأكيد أنّ مهمّة هذه القوات مرتبطة مباشرةً بطلب الحكومة اللبنانية التمديد لها وتجديد التفويض. وإنّ مجلس الأمن يسعى إلى التثبّت المسبَق من الظروف المحيطة بها وإمكان القيام بمهماتها في أفضل الظروف. وعلى هذه القاعدة تلاحقت في الفترة الأخيرة زيارات وفود من أركان الجيوش لدى الدول المشاركة فيها لتقييم أوضاع جنودها وضمان سلامتهم من ضمن سلامة بقية القوى فيها. هذا عدا عن الخبراء الأمميِّين المكلّفين من البعثات الدائمة لدى مجلس الأمن وبتوجيهات مباشرة منها. وأبرزها البعثة التي ضمّت أعضاء «لجنة الأركان العسكرية»، والتي زارت الجنوب في آذار الماضي. وهي زيارة وصفت بأنّها روتينية جاءت بعد آخر زيارة مشابهة عام 2023. وتتمثل الأهداف الرئيسة لها في تقييم مدى تكيّف «اليونيفيل» مع تغيّر البيئة العملياتية والتهديدات، وتقييم هيكلية البعثة وقدراتها وحجم تنسيقها مع الجيش اللبناني، ودرس التخطيط الاستراتيجي والتكامل التكنولوجي وجهود التواصل مع محيطها. وهي لجنة رفعت تقريرها بما جمعت فيه من نتائج وملاحظات إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ليُدرجها في تقريره النهائي إلى مجلس الأمن قبيل تجديد ولايتها.
وعليه، قالت المراجع نفسها، إنّ أي تغيير محتمل في مهمّة «اليونيفيل» وولايتها لا يُتخذ إلّا في مجلس الأمن، وهي تعمل حالياً على تطهير الطرق وإزالة المتفجّرات لضمان عودة المدنيِّين الآمنة إلى قراهم. ذلك أنّ سعيها إلى تنفيذ القرار 1701 يستلزم انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية. وهي وإن لم تكن ترغب في التعليق على التكهّنات والمواقف التي تتناول مهمّتها، ذلك أنّ القرار النهائي يعود لمجلس الأمن، وأنّ دورها هو تنفيذ التفويض الذي يمنحها إياه.
ولِمَن يسأل عن مهمّات «اليونيفيل»، فهي تضّم نحو 10,000 جندي حفظ سلام من 40 دولة منتشرين في جنوب لبنان وفي البحر. وتواصل دعم الجيش اللبناني والقوات البحرية اللبنانية، ورصد كل الانتهاكات والإبلاغ عنها بما يتماشى مع القرار 1701. بالإضافة إلى تسيير الدوريات ومراقبة منطقة العمليات لضمان خلو الجنوب من الأسلحة غير المصرّح بها، والمواد ذات الصلة. وإنّ الحديث عن تمويلها لا يرتبط برغبات أي من الأطراف الإقليميِّين، فموازنتها الحالية تتجاوز الـ 500 مليون دولار، وربما رُفِعَ هذا المبلغ بعد التفاهمات الأخيرة قياساً على حجم المهمات الملقاة على عاتقها بدلاً من خفضها، فهذه المهمات ازدادت كثيراً عمّا كانت بعد الأعمال الحربية التي شهدتها الفترة بين تشرين الأول 2023 وتشرين الثاني 2024. وهو ما أشار إليه أمس الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل»، الذي نفى وجود أي «محادثات في شأن إنقاص التمويل الدولي لمهمّتها»، وإن هناك «48 دولة تدعم مهمّتنا منذ العام 2006، وإنّ وجودنا يخلق نوعاً من الأمل في منطقة الجنوب».
وتنتهي المراجع إلى دعوة مَن يسأل عن مستقبل «اليونيفيل» للعودة إلى تجديد لبنان وإسرائيل أخيراً التزامهما بتنفيذ القرار 1701 الذي يستند إليه اتفاق وقف الأعمال العدائية، التي قادت الولايات المتحدة المفاوضات للتوصّل إليها، خصوصاً أنّها هي التي قالت أمس على لسان متحدّث باسم خارجيّتها، إنّ التقارير التي تتحدّث عن أنّها وإسرائيل اتفقتا على أنّ عمليات «اليونيفيل»، خاطئة وغير صحيحة. ونقطة عالسطر.