
مجلة وفاء wafaamagazine
لم تُلغِ التطوّرات العسكرية والأمنية الكبيرة على مسرح الشرق الأوسط نقاش القوى السياسية مشاريع قوانين جديدة للانتخابات النيابية تعدّدت وكثرت وتضاربت الاقتراحات حولها. لكنّ الجديد هو مشروع مختلف وُضِعَ على طاولة النقاش، من أجل فتح ثغرة في جدار النظام وليس فقط على مستوى الانتخابات.
أطلق النائب نعمت فرام صباح أمس من مقر «مشروع وطن رسالة» ورشة عمل سياسية جديدة، خُصِّصت لمناقشة اقتراح قانون انتخاب جديد، بمشاركة مجموعة من الإعلاميِّين، الباحثين السياسيِّين، والأكاديميِّين، في محاولة لكسر الجمود القائم في بنية النظام اللبناني القائم على التوازنات الطائفية الهشّة.
الورشة أتت في سياق طرح قانون انتخابي شامل يطمح إلى المواءمة بين متطلّبات المواطنة ومقتضيات التمثيل الطائفي، من خلال اعتماد نظام مختلط يقوم على إلغاء القَيد الطائفي في انتخاب مجلس النواب، وإنشاء مجلس شيوخ تمثيلي طائفي يُحدَّد دوره وصلاحياته في قانون مستقل لاحقاً.
توزيع متوازن وتمثيل مزدوج
يقضي اقتراح القانون بأن يُنتخب نصف أعضاء البرلمان اللبناني (64 نائباً) على أساس غير طائفي، وفق النظام الأكثري، ضمن دوائر انتخابية مناطقية، في حين يُنتخب مجلس شيوخ من 64 عضواً على أساس طائفي، باعتماد النظام النسبي، وضمن دائرة انتخابية وطنية واحدة، ممّا يوفّر تمثيلاً طائفياً منصفاً من دون المسّ بالوحدة الوطنية.
وقد حدّد الاقتراح آلية واضحة لتوزيع المقاعد الطائفية في مجلس الشيوخ، بما يراعي التركيبة اللبنانية المعترف بها دستورياً. كما تضمّن القانون تفاصيل دقيقة في شروط الترشح، اعتماد البطاقة الممغنطة، تنظيم اقتراع اللبنانيِّين غير المقيمين، وآليات إعداد اللوائح واحتساب الأصوات.
رؤية إصلاحية شاملة
هذا الاقتراح لا يقتصر على التعديلات التقنية، بل يعكس رؤية سياسية متكاملة تسعى إلى بناء نظام تشريعي مزدوج:
– مجلس نواب مدني يعبّر عن الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين من دون تمييز طائفي.
– مجلس شيوخ طائفي يضمن التمثيل العادل للطوائف ويحتضن مخاوفها، من دون أن يتحوّل إلى وسيلة عرقلة أو تكريس للانقسام.
وأشار فرام خلال الورشة إلى أنّ الهدف من هذا الاقتراح هو التوصّل إلى نظام يوفّر «التمثيل السياسي الصحيح من دون فرض مذهب على آخر، ويمنح القوى السياسية والمجتمعية فرصة إيصال ممثليها وفقاً لحجمها الطبيعي».
من الإصلاح الكلامي إلى التشريع الفعلي
شهدت ورشة العمل نقاشات معمّقة حول الإمكانات التطبيقية لهذا القانون، والتحدّيات السياسية والميثاقية والدستورية التي قد تواجهه، إلّا أنّ التوجّه العام كان إيجابياً، واعتبر عدد من المشاركين أنّ هذا الاقتراح يقدّم منطلقاً واقعياً لحوار وطني واسع حول مستقبل النظام السياسي اللبناني.
في بلد يتخبّط منذ عقود بين طموحات التحديث وموروثات الانقسام، يُعتبر هذا النوع من المبادرات مدخلاً جدّياً للتغيير، ومحاولة لكتابة عقد سياسي جديد، يربط ما بين الهوية الوطنية الجامعة والخصوصيات الطائفية الضامنة للاستقرار.
اقتراح النائب نعمت فرام ليس مجرّد تعديل في تقنيات الاقتراع، بل هو مشروع تحوّل سياسي عميق.
ورشة «مشروع وطن رسالة» أمس شكّلت الانطلاقة نحو نقاش واقعي في مسار تشريعي مختلف. فهل تلتقط القوى السياسية هذه اللحظة المفصلية؟ وهل يتحوّل هذا الاقتراح إلى نقطة التقاء بدل أن يكون موضع خلاف جديد؟
الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة. لكنّ المؤكّد أنّ هناك حاجة إلى فتح ثغرة قد في جدار النظام…