الرئيسية / آخر الأخبار / الراعي في قداس عيد الاب: الوطن لا يُبنى إلّا بأيدٍ أمينة وقلوب تحبّ ونفوس مستعدّة أن تخدم لا أن تستفيد

الراعي في قداس عيد الاب: الوطن لا يُبنى إلّا بأيدٍ أمينة وقلوب تحبّ ونفوس مستعدّة أن تخدم لا أن تستفيد

مجلة وفاء wafaamagazine

ترأس البطريرك  الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد الأب على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة” عاونه فيه ممثل بطريرك الأرمن الكاثوليك المطران غريغور باديشا، والمطارنة منير خيرالله، حنا علوان، جورج شيحان، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، الآباتي سمعان بو عبدو، الآباتي مالك بو طانوس، رئيس مزار سيدة لبنان_حريصا  الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات، في حضور حشد من الفعاليات والمؤمنين. 
بعد الإنجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان:”من يحبّني يحفظ كلمتي، أبي يحبّه وأنا أحبّه، إليه نأتي وعنده نجعل منزلًا”، قال فيها: “تحتفل الكنيسة اليوم بسرّ سكنى الله في الإنسان. فالإله، خالق السماء والأرض، لا يسكن في هياكل من صنع البشر فقط، بل أيضًا وخاصّةً يريد أن يسكن في قلب الإنسان وكيانه وضميره وعقله وفي عائلته الكنيسة المنزليّة الصغيرة. هذه السكنى هي نتيجة محبّة المسيح القائل: “من يحبّني يحفظ كلمتي، أبي يحبّه وأنا أحبّه، إليه نأتي وعنده نجعل منزلًا” (يو 14: 21 و 23). وتحيي الكنيسة اليوم “عيد الأب”. إنّا في المناسبة نهنّئ كلّ أب ونتمنّى له العمر الطويل، ونسأل الله أن يكافئه على تعبه في سبيل إعالة عائلته. وإنّي أحيّي اللجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة بشخص رئيسها، سيادة أخينا المطران منير خيرالله، راعي أبرشيّة البترون، ونائب الرئيس وأعضاء اللجنة. كما أحيّي مكتب راعويّة الزواج والعائلة في الكرسيّ البطريركيّ بشخص منسّقه قدس الأباتي سمعان بو عبدو ومعاونيه المهندس سليم وريتا خوري. فأشكرهم على تنظيم هذا الإحتفال. 
بالمناسبة يكرّم هذا العام الأزواج الذين فاقت حياتهم الزوجيّة الستين سنة، ومن بينهم زوجان يحتفلان بتسع وستّين سنة من حياتهم الزوجيّة. فنهنّئ جميع المحتفلين بيوبيلهم الذي يفوق الستين سنة. وهذه نعمة من الله نشكره عليها مع جميع الأزواج المحتفلين”. 
واضاف: “أن يجعل الله سكناه في الإنسان الذي يحبّه حافظًا كلامه ووصاياه، فهذه من أعظم نعم الله للإنسان. فالله لا يريد أن يكون معنا فقط، بل أن يسكن فينا. ولا يريد أن يباركنا من بعيد، أو يرشدنا من فوق، بل يريد أن يقيم منزلًا في قلب الإنسان، ويوجهه من الداخل. الله يسكن في من يحبّه، ويحفظ كلامه ووصاياه، لأنّه حيث يوجد الحبّ، يوجد الله. هذا هو السرّ العظيم: الإنسان مدعوّ ليكون سكنى الله الحيّ، وصورة حضوره بحفظ كلام الربّ ووصاياه. والبيت المسيحيّ المبنيّ على المحبّة والوفاء هو كنيسة منزليّة، يتجلّى فيها حضور الله عبر المحبّة الزوجيّة، وتربية الأولاد وممارسة الفضائل اليوميّة”. 
وقال: “في عيد الأب، نحيّي من هو الركن الأساس في العائلة والمجتمع، الذي يعكس محبّة الله الآب في حياة أولاده. هو الذي يعمل بصمت، يضحّي بحبّ، يقود بحكمة، يربّي بأمانة. اليوم نكرّم الآباء الذين يجسّدون في بيوتهم وعائلاتهم وجه الآب السماويّ. في زمن كثرت فيه التحديات العائليّة، والضغوط الإجتماعيّة والإقتصاديّة والنفسيّة، يبقى الأب حجر الزاوية، الساهر على وحدة العائلة وتماسكها. كم نحتاج إلى آباء راسخين في الإيمان، أوفياء في المحبّة، حكماء في القيادة، يعلّمون أولادهم بالمثل قبل الكلام. إنّه صورة الآب السماوي في الحنان والحكمة والحضور الدائم! نكرّم اليوم الأزواج الذين عاشوا الأمانة لوعدهم وعهدهم فوق الستين سنة. ستّون سنة من الأمانة والتحديات والإنتصارات، من الغفران المتبادل، من عيش سرّ الشركة في عمقها. هؤلاء الأزواج يشهدون بأفعالهم على أنّ الحبّ الحقيقي يدوم، وأنّ الزواج المسيحيّ، إذا تأسّس على كلمة الله، يمكنه أن يصمد بوجه كلّ العواصف. يعلّموننا أنّ الحبّ لا يشيخ، وأنّ الأمانة ليست حلمًا، وأنّ العائلة قادرة على الصمود، إذا كانت متجذّرة في الله”.
واردف: “على الصعيد الوطنيّ، رئيس الجمهوريّة في الوجدان اللبنانيّ، وفي ضمير الشعب، ليس مجرّد رئيس سياسيّ، بل هو أب الوطن. وهو الذي يجسّد وحدة البلاد، ويحمل همّ الجميع، ويعبّر عن الأمل المشترك. وهو المسؤول الأوّل عن وحدة الكيان، وعن حماية الدستور، وعن السهر على خير الجميع. هو مرجعيّة وطنيّة جامعة، ومثالٌ يحتذى به في التجرّد، والعدالة، والتسامح، والحنوّ الأبويّ. إذا كانت العائلة نواة المجتمع، فإنّ السلطة السياسيّة والإداريّة، حين تكون صادقة وأمينة تحوّل الوطن إلى بيت كبير، يتّسع لجميع أبنائه، دون تمييز أو تهميش. نداؤنا إلى كلّ من يتحمّل المسؤوليّة، أن يعيش مهمّته بروح الأب: يصغي لمتطلّبات شعبه، يحمي أبناء وطنه، يسهر على مستقبلهم، يكون قدوة في السلوك والنصح. فالوطن لا يُبنى إلّا بأيدٍ أمينة، وقلوب تحبّ، ونفوس مستعدّة أن تخدم، لا أن تستفيد”.
وختم الراعي: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، ملتمسين من الله أن يسكب نعمته: على كلّ أب ليكون مرآة أبوّته وحنانه، وعلى كلّ زوجين ليظلّا شهودًا للحبّ الأمين، وعلى كلّ عائلة لتبقى البيت الذي يسكنه. للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، كلّ مجد وشكر الآن وإلى الأبد، آمين”.

في ختام القداس تم تكريم ٢٠ زوجا وزوجة  مضى على زواجهم ٦٠ عاما حيث سلمهم البطريرك الراعي البركة الرسولية.

وكانت كلمة للمطران خيرالله في بداية القداس قال فيها: “أعلن قداسة البابا فرنسيس، قبل رحيله إلى بيت الآب السماوي، سنة 2025 سنةً يوبيلية مقدسة بعنوان  ” الرجاء لا يخيّب “. ودعانا إلى أن نحتفل بها في كنائسنا وأبرشياتنا ورعايانا وعائلاتنا كزمن نعمة وتوبة وغفران، وإلى أن نكون فيها حجّاج الرجاء. وكان قد أولى العائلة مكانة محورية في خدمته البطرسية وكرّس لها سينودسًا خاصًا عقده وترأسه على مرحلتين (في تشرين الأول 2014 وتشرين الأول 2015). وأصدر بعده الإرشاد الرسولي ” فرح الحب” (19/3/2016). كما دعا إلى إحياء ” سنة العائلة – فرح الحب ” (19/3/2021 إلى 19/3/2022). وجاء قداسة البابا لاوون الرابع عشر يولي العائلة الأهمية نفسها. وقال في عظته في قداس يوبيل العائلات الذي ترأسه في روما في 1 حزيران 2025:
” يريدنا الرب يسوع أن نكون واحدًا. فالوحدة التي صلّى يسوع من أجلها هي شركة تقوم على المحبة، محبة الله اللامتناهية. نحن هنا لنكون واحدًا كما يريدنا الرب يسوع أن نكون واحدًا في عائلاتنا، وفي الأماكن التي نعيش ونعمل فيها. نحن مختلفون، ومع ذلك نحن واحد. نحن كثيرون، ومع ذلك نحن واحد. إن أحببنا بعضنا بعضًا بهذه الطريقة، محبة مبنية على المسيح، الذي هو الألف والياء، البداية والنهاية، نكون علامة رجاء وسلام للجميع، في المجتمع وفي العالم “. 

اضاف: “لذا ارتأينا في اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة في لبنان، وبالتنسيق مع مكتب راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركية في بكركي، أن ندعو، في السنة اليوبيلية، إلى احتفال مركزي بيوبيل العائلات، ونجدّد معًا عهد الحب لله ولبعضنا البعض والتزامنا بدعم العائلة، الكنيسة البيتية، والمدرسة الأولى للتربية على الإيمان والقيم المسيحية والاجتماعية. ونكرّم بعض الأزواج الذين مرّ على عهد زواجهم أكثر من ستين سنة. وها نحن اليوم هنا، نلتقي برعاية ورئاسة أبينا صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي بطريرك انطاكيه وسائر المشرق ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان الكلّي الطوبى مع هذا الجمع من عائلات أبرشياتنا الكاثوليكية ورعايانا وحركاتنا ومنظماتنا الكنسية. ومن هنا نتوجّه إلى جميع الأزواج والعائلات ونقول لهم: ان العائلة مولودة في الرجاء وتنطلق في مسيرة حجّ إلى ملء المحبة الإلهية. وعليها إذًا أن تكون شاهدة للمحبة التي تبذل ذاتها كما بذل المسيح ذاته، وعلامة رجاء في العالم.  وفي النهاية نقول لهم مع قداسة البابا لاوون الرابع عشر: ” ان مستقبل الشعوب يولد في العائلات !”.