الرئيسية / آخر الأخبار / أسبوع الشدائد : ما تنتظره طهران وما يرصده لبنان!

أسبوع الشدائد : ما تنتظره طهران وما يرصده لبنان!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية” :

أطلّ الأسبوع في يومه الأول بما كان متوقعاً من إحياء الملفات الساخنة التي بدأت تتفاعل على مختلف المستويات. فمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، توجّهت الأنظار إلى مجموعة الأزمات المجمّدة في ثلاجات الإنتظار. وعلى وقع ما برز من نقاشٍ حامٍ حول ما يتصل بآلية انتخاب المغتربين، تلاحقت المساعي لمواكبة الردّ اللبناني على رزمة الأفكار التي قدّمها الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان توماس برّاك، وهو ما رفع من منسوب القلق مما ستشهده الساحة الداخلية من خضّات. وهذه عينة منها.

في انتظار ما ستكشفه واشنطن أو طهران عن الآلية التي ستُعتمد لإحياء المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، على خلفية ما أشار اليه اتفاق وقف اطلاق النار الذي أنهى العمليات العسكرية في 24 حزيران الماضي، بعد 12 يوماً من تبادل القصف بكل أشكال الأسلحة المتطورة بين طهران وتل ابيب، وما انتهت إليه الضربة الأميركية الصاعقة التي تسببت بالإسراع في التوصل إلى هذا الاتفاق وإنهاء الحرب، انكفأت الديبلوماسية الغربية والعربية في اتجاه بقية الملفات الساخنة في المنطقة بإيعاز أميركي وأوروبي مستعجل، أوحى بإمكان التوصل إلى ما يؤدي إلى الانتقال من مرحلة وقف العمليات العدائية في لبنان إلى وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية وتثبيت الحدود بين البلدين، على أمل تجديد المساعي توصلاً إلى إحياء وقف النار في غزة وإجراء عملية تبادل الأسرى وتسهيل دخول المواد الإغاثية إلى القطاع، بما يضمن تجنّب اكبر مجاعة في الربع الاول من القرن الواحد والعشرين.

على هذه الخلفيات، وبعدما اقتصرت التحضيرات لمعالجة ذيول الحرب على إيران على أرفع المستويات الأميركية، بالإضافة إلى الاهتمام الإسرائيلي بما يمكن أن يتمّ التوصل إليه من تفاهمات تعني الملف النووي ومستقبل الصواريخ البالستية وطريقة التعاطي مع أذرعها في المنطقة العربية، ظهر واضحاً انّ هناك نيّة أميركية لتحريك الملف اللبناني بطريقة سريعة لم يكن يتوقعها أحد، إلى جانب الرعاية الأميركية فوق العادة التي حظي بها الوضع في سوريا، وما يمكن القيام به لترتيب العلاقات بين البلدين، بما يخدم توفير الظروف الملائمة لإنهاء الحديث عن الملفات اللبنانية والسورية الداخلية، وما لها من ارتباط بالوضع في إسرائيل على مستوى أكثر من جبهة. فإلى جانب ما تعانيه الدولة العبرية، نتيجة التوتر المستدام على حدودها الشمالية مع لبنان، والشرقية مع سوريا، فإنّ الوضع في غزة يقضّ مضاجعها لصعوبة التوصل إلى ما يُسمّى إنهاء النزاع والانتقال إلى مرحلة حكم القطاع بإدارة فلسطينية مستقلة تبعد قيادات «حماس» عنه، على أن تحظى الإدارة الجديدة بالرعاية السياسية المصرية القريبة والإنمائية والإعمارية تحت سقف مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما منها قطر والمملكة العربية السعودية.

وبعيداً من أي سيناريو، يمكن أن يقود إلى هذه الورشة الكبرى في المنطقة، وما يمكن التأسيس له على الطريق إلى ما يُسمّى خلق وبناء «الشرق الأوسط الجديد» الذي تنبأ به كثر، منذ أن تفاعلت عملية «طوفان الأقصى» وما قادت إليه من حروب امتدت إلى ساحات المنطقة وما انتهت اليه من تداعيات خطيرة، رأت المراجع الديبلوماسية والسياسية، أنّ أولى الساحات التي قصدتها واشنطن بعد الساحة السورية كانت اللبنانية. فقامت بـ»الطحشة» التي نفّذها الموفد الأميركي برّاك، بهدف الإسراع في ترتيب البيت اللبناني وإقفال المنافذ التي يمكن ان تتسرّب منها الأزمات التي أدّت إلى انهيار غير مسبوق عانى منه اللبنانيون منذ 6 سنوات، ولم يوفق أحد من الداخل أو الخارج إلى إخراجه منه.

فالسلطة الجديدة التي تكونت في لبنان منذ 10 كانون الثاني الماضي بانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة القاضي الدولي نواف سلام في 8 شباط الماضي، يجب ان تطلق أولى الخطوات الهادفة إلى معالجة الملفات الساخنة، للانتقال بلبنان من القعر الذي انقاد اليه في الحرب الاخيرة إلى مرحلة التعافي والإنقاذ في أسرع وقت ممكن، وهي عملية تعهّد بها ترامب أكثر من مرّة، ولا سيما في الأيام الاخيرة عندما عبّر عن الأولوية التي أعطاها له على الطريق التي تؤدي إلى ترتيب أوضاع المنطقة وإنهاء الحروب فيها.

وانطلاقاً من هذه «الطحشة» الأميركية، برزت المخاوف التي عبّر عنها القادة اللبنانيون منذ الزيارة الأخيرة لبرّاك، حيث تبين انّه أعطى اللبنانيين خريطة طريق لا بدّ من سلوكها من ضمن مهلة قصيرة. فلا ينتظرن أحد تطورات المنطقة للانطلاق في تنفيذها. فلبنان لا يتحمّل ما تتحمّله البلدان الأخرى، وهو من أخف الأزمات التي نجمت عن الحروب الأخيرة، ويمكن تجنيبه مزيداً من المآسي، فلا تبقى ساحته مسرحاً لحروب الآخرين. وهو ما قصده برّاك عندما دعا أهل الحكم إلى الإسراع في معالجة مصير السلاح غير الشرعي، من دون انتظار أي ترددات للمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية التي لن تقدّم ولن تؤخّر على هذا المستوى. فالحديث عن الأذرع الإيرانية في لبنان واليمن وغزة وسوريا وغيرها من الدول، باتت من الماضي، وانّ الحديث عنها لم يعد له اي أهمية لفقدان ما يؤدي إلى إحياء هذه التجارب مرّة اخرى.

وتضيف المراجع الديبلوماسية والعسكرية لتقول، إنّ رهان البعض بالسماح لهذه الأذرع بإحياء ادواتها وكياناتها من ضمن دولها قد انتهى ولم يعد لها أي دور من هذا النوع. وإنّ إيران التي لم تحتج إلى أي منها في هذه المواجهة الأخيرة، فقد سبق لها ان تخلّت عنها جميعاً وتركتها فريسة الضربات الإسرائيلية بلا رحمة وأنهت أدوارها. فهي كانت تُمنّي النفس وتتغنّى بنظرية «وحدة الساحات» التي اندثرت قبل ان تنفّذ أي تجربة عملية لها، حتى إنّ الفرصة الوحيدة التي أُنشئت من اجلها، عطلها عندما تفرّد بها يحيى السنوار في غزة، ولم تكن اي ساحة جاهزة سوى اللبنانية، إلى أن انهارت كلها بعدما نالت منها إسرائيل وأميركا فرادى وبالمفرق.

وإن دخلت المراجع الديبلوماسية والاستخبارية في التفاصيل، تضيف من دون أي تردّد، انّه وبعد القضاء على عناصر القوة لدى «حزب الله» وبيئته الحاضنة، تفرّدت بتفاهم مفاجئ مع الحوثيين في اليمن، وجرّدتهم من قوتهم في البحر الأحمر، تاركةً ملف علاقتهم بإسرائيل بعيداً من المصالح الأميركية المباشرة. وكل ذلك جاء بعد إسقاط النظام السوري قبل التفرّغ لضرب إيران، فكانت حرب الأيام الـ12، وما انتهت اليه إيرانياً بمظاهر وداع مليونية لقادتها العسكريين وخبرائها النوويين، في انتظار الجردة الخاصة بخسائرها في المنشآت النووية والعسكرية الصاروخية وأخرى حيوية، فيما تعيش الساحة اللبنانية مظاهر «أسبوع الشدائد»، على أمل أن يمرّ على كل من يخشى أيامه وساعاته بما يمكن ان يتحمّله لبنان.