الرئيسية / آخر الأخبار / تمويل حزب الله من أبرز أهداف الحرب الإسرائيلية المستمرّة : كيف تدرّج برنامج محاصرة «القرض الحسن»؟

تمويل حزب الله من أبرز أهداف الحرب الإسرائيلية المستمرّة : كيف تدرّج برنامج محاصرة «القرض الحسن»؟

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب إبراهيم الأمين في “الأخبار” :

خلال الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان الخريفَ الماضي، استهدف العدو نقاطاً عدة في الضاحية الجنوبية، زاعماً أنها مراكز تخزين أموال لحزب الله.

وأطلق، بدعم من إعلاميين لبنانيين، حملة البحث تحت مبنى مستشفى الساحل عن غرفة محصّنة توجد فيها خزائن لأموال الحزب.

ثم تعمّد، خلال الحرب، اغتيال بعض المسؤولين في المقاومة ممن يعملون، كما يصنّفهم العدو، «خط نقل» الأموال إلى المقاومة.

وكانت فرقة من استخبارات العدو، استدرجت في نيسان 2024 الصراف محمد إبراهيم سرور إلى فيلا في بيت مري في جبل لبنان، حيث أقدمت على تصفيته. وزعم العدو أن سرور كان يعمل في تحويل أموال من إيران وحزب الله إلى قوى المقاومة في فلسطين.

وفي اليوم الأخير للعدوان الأخير، وقبل ساعات من بدء سريان قرار وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني، قصفت مُسيّرات العدو مكاتب صرافة في رأس بيروت بزعم أنها كانت تُستخدم لنقل أموال إلى حزب الله.

وقبل نحو أسبوعين، اغتال العدو بغارة على سيارة في الجنوب، صرافاً مع ابنيه، بزعم أنهم يعملون على تحويل أموال إلى المقاومة.

وطوال الأشهر الستة الماضية، عجّ مطار بيروت، بفرق تتولى الكشف المُسبق على حقائب تخصّ أي مسافر يصل من إيران أو العراق، أو من أفريقيا أو من بلاد أخرى، بحثاً عن أموال نقدية يقول العدو للأميركيين، وعبرهم للسلطات اللبنانية، إنها تخصّ حزب الله.

قبل الحرب بسنوات طويلة، كان الأميركيون يتّهمون كل من يضعونه على لائحة العقوبات، إمّا بالتورّط في فساد، أو التعاون المالي مع حزب الله أو رجال أعمال على علاقة به.

وقد تبيّن من الأرشيف الأمني لجهات رسمية أن العدو عمد إلى تجنيد أشخاص قادرين على الوصول إلى بيانات في الدوائر العقارية للتثبّت من ملكية بعض العقارات، وهو امر سبق لمصارف لبنانية أن قامت به، في معرض «التدقيق» بناءً على طلب أميركي، أو من دون طلب، بحثاً عن أي علاقة تربط أياً من أصحاب الحسابات بحزب الله.

ودفعت تلك الحملة مصارف كبرى وأخرى صغيرة إلى إقفال حسابات لموظفين رسميين، وأساتذة جامعيين، وشخصيات عامة، بحجة أنهم أعضاء في حزب الله، رغم أن أحداً لم يطلب منها ذلك.

اغتال العدو عدداً غير قليل ممن ساعدوا المقاومة على تمويل نفسها، وقصف مقرات الجمعية لكنّه عجز عن تعطيل دورها في محو آثار العدوان

وطوال الفترة السابقة، كان ملف «القرض الحسن» عنواناً دائماً في مباحثات الجهات الأميركية والأوروبية مع السلطات اللبنانية، المالية والنقدية، تارة بحجة أن جمعية القرض الحسن تتبع لحزب الله المُصنّف منظمة إرهابية، قبل تصنيف الجمعية كذراع تموّل أنشطة إرهابية، وتارة أخرى بحجة كبح اقتصاد الكاش، وثالثة بحجة أن هذه المؤسسة تستقطب أموالاً غير نظيفة وتُستخدم لتبييض الأموال، علماً أن الأميركيين يعرفون أن لا علاقة للجمعية، بالنظام المصرفي اللبناني، وهي ليست مصرفاً، ولا قواعد مصرفية تحكم عملها، بل إنها مجرد جمعية عامة، توسّع عملها خلال العقدين الماضيين، لتصبح قِبلة لعشرات الألوف من المواطنين غير البعيدين عن حزب الله، وحتى الحزب نفسه، لم ينفِ يوماً علاقته بدعم هذه الجمعية، وقد دعا الشهيد السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته جمهور المقاومة إلى تعزيز صندوق الجمعية من خلال الإيداع فيه. وكان عنصر القوة في جذب الأموال أن أحداً لم يكن يخشى لحظة على ضياع أمواله في الجمعية التي أثبتت أنها تعرف كيف تحافظ على أصولها وعلى أموال الناس.

وفي عزّ الحرب الأخيرة، كان العدو يطارد العاملين في الجمعية بعدما عمد إلى قصف مراكزها في غالبية الأراضي اللبنانية. وكان هاجسه تحويل العلاقة مع الجمعية إلى مصدر خطر. ومع أن أحداً من المتعاملين مع القرض الحسن لم يصدر عنه موقف نقدي، ولم تبرز أي شكاوى ضد الجمعية، عمدت إدارتها أثناء الحرب إلى التواصل مع غالبية ساحقة من المتعاملين معها، عارضة عليهم تسلّم أموالهم نقداً.

وبالفعل، أعادت الجمعية عشرات ملايين الدولارات إلى الناس الذين عاد قسم كبير منهم إلى إيداع الأموال لدى الجمعية مجدّداً بعد توقّف الحرب.

كما برزت حملة تضامن معها تمثّلت في إصرار كثيرين على عدم سحب أموالهم، علماً أنهم يعرفون أن هذه الأموال لا تُستخدم في أي عمليات إلا بناءً على طلب المودع أو موافقته المُسبقة.

وكل العاملين في القطاع المالي والنقدي في لبنان يعرفون هذه الحقيقة، وأن مسألة إصدار الجهة المعنية بالإعمار في حزب الله لشيكات تُصرف من الجمعية، لم تكن إلا لتسهيل عملية صرف ما يقارب مبلغ مليار دولار أميركي صرفه حزب الله للمتضررين من الحرب، تحت عناوين الدعم خلال مرحلة النزوح، والإيواء لمن خسر بيته، وتوفير كلفة ترميم الأضرار الجزئية، وبدل إيجار منازل جديدة.

وهو رقم لا تقدر حكومة لبنان على إدارة عملية إنفاقه ليصل إلى المستحقين، مع أدنى درجة من الشكاوى يشهدها ملف بهذا الحجم في تاريخ لبنان.

القصة ببساطة، أن من يريد نزع سلاح المقاومة يعمل على خنق مواردها المالية، أو تعطيل أدوات تعاملها مع الناس. ومصرف لبنان الذي خضع للطلبات الأميركية ذو تاريخ حافل بهذه السياسات التي تتم دائماً بحجة الالتزام بشروط الانضمام إلى النظام المالي العالمي.

ما قام به كريم سعيد أمس ليس غريباً عنه شخصياً، بوصفه أساساً من الداعين إلى القضاء على المقاومة وحزب الله، وليس قطع مواردها المالية فقط، وهو التزام عملاني بطلبات مستمرة ومتلاحقة من الولايات المتحدة التي كانت لها اليد الطولى في تعيينه في منصبه.

وهذا البند كان واحداً من البنود التي وردت في ورقة مورغان أورتاغوس التي لا تزال حبيسة أدراج الرؤساء الثلاثة، علماً أن فقراتها وُزّعت على الجهات التي تطالبها أميركا بالعمل ضد حزب الله، ومن هذه الجهات مصرف لبنان المركزي.

ما حصل، لن يتسبّب بمأساة لأحد كما يفترض أعداء المقاومة، لكنه يعطي إشارة إضافية إلى أن تسليم السلاح، يجب أن يكون خارج أي نقاش تجريه المقاومة مع أيّ مخلوق في هذا البلد العجيب… وفي كل يوم، يعطينا العدو وعملاؤه في الداخل الأسباب الإضافية للتأكيد على أن السلاح بات مُلازِماً لفكرة الوجود، وليس لفكرة المقاومة ضد العدو فقط.