الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / خطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي … كيف نحمي قدراتنا الذهنية؟

خطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي … كيف نحمي قدراتنا الذهنية؟

مجلة وفاء wafaamagazine

أن توكِل للذكاء الاصطناعي مهمة التفكير نيابة عنك قد يبدو خياراً عملياً في عالم سريع الإيقاع، حيث تغرينا التكنولوجيا بإنجاز مهامنا بضغطة زر. لكن هذا “الاعتماد المريح” قد يكون الثمن الخفيّ الذي ندفعه من قدرتنا على التفكير النقدي والإبداعي. في حديث خاص مع “النهار”، تحذّر خبيرة تعليم الذكاء الاصطناعي والتعلّم، وزميلة برنامج “تشيفنينغ” (Chevening)، علا جمعة، من خطر تصفه بـ”الصامت والمتسلّل”: التراجع التدريجي للعقل البشري أمام هيمنة الخوارزميات، إذا لم نحسن استخدام هذه الأدوات.

خطر صامت يتسلّل بهدوء
توضح جمعة بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية مساعدة، بل تحوّل إلى شريك دائم في القرارات اليومية، قائلة: “نحن نستخدمه اليوم لكتابة رسائلنا، وتلخيص أفكارنا، وحتى للتخطيط لمستقبلنا. المشكلة ليست في التقنية ذاتها، بل في علاقتنا بها”.

تضيف لـ”النهار”: “كل مرة نطلب إلى أداة ذكية أن تكتب عنّا أو تحلّل أو تخطط بدلاً منا، فإننا نُهمّش من دون وعي واحدة من أهم قدراتنا البشرية: التفكير النقدي والإبداعي”. وترى أن الإعجاب بقدرات هذه التكنولوجيا الهائلة جعل كثيرين يتناسون حقيقة أساسية: “الآلة مذهلة في تحليل البيانات وإنجاز المهام بسرعة قياسية، لكنها تظل محدودة؛ فهي لا تفهم النية البشرية، ولا تشعر بالعاطفة، ولا تمتلك خبرة التجربة الإنسانية”.

تحذر جمعة من أن “الاعتماد المفرط على هذه الأدوات قد يخلق أجيالًا لا تمتلك مهارات التفكير المستقلّ، فتتحوّل العقول البشريّة بالتدرّج إلى متلقٍّ سلبيّ للمعرفة، بدلاً من أن تكون منتجة لها”. وتضيف: “الخطر لا يظهر فجأة، بل يتسلل ببطء، يبدأ من طلب بسيط لكتابة رسالة، وينتهي بتفويض كامل لاتخاذ قرارات معقدة”.

كيف نحمي عقولنا؟
ترى جمعة أن الحل ليس في مقاطعة هذه التكنولوجيا أو الخوف منها، بل في ترشيد استخدامها، موضحة: “علينا أن نعيد ترتيب علاقتنا بها بحيث تعمل لصالحنا، لا أن تسيطر على طريقة تفكيرنا”. وقدمت خمس نصائح عملية اعتبرتها ضرورية:

1. التفكير قبل الطلب: حدد أفكارك الأولية وحاول صياغتها بنفسك قبل اللجوء إلى الأداة الذكية.
2. استخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد لا كقائد: أبقِ زمام المبادرة بيدك، ولا تدعه يفكّر بدلاً عنك.
3. تدريب العقل باستمرار: خصّص وقتًا بعيدًا عن الشاشات. اكتب يدويًا، واطرح أسئلة صعبة على نفسك قبل البحث عن إجابات جاهزة.
4. فهم التكنولوجيا وحدودها: تعلّم كيف تعمل هذه الأنظمة، وما أخطاؤها المحتملة، لتتجنّب الوقوع في فخّ تحيّزاتها.
5. التأكيد على القيادة البشرية: لا تسمح للراحة الذكية بأن تسلبك قدرتك على الإبداع والتحليل.

وتختتم جمعة حديثها مع “النهار” بالتأكيد على أن التحدي الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي ليس سباقًا مع الخوارزميات، بل سباق مع الذات للحفاظ على إنسانيتنا. وتقول: “أكبر ثورة يمكن أن نقودها اليوم هي أن نبقى بشرًا في جوهرنا. لا شيء يمكنه أن يحلّ محلّ التجربة الإنسانية، ولا خوارزمية قادرة على محاكاة الدهشة التي تولدها فكرة جديدة أو إحساس صادق”.

وتؤكّد أن المستقبل سيكون للأشخاص الذين يُجيدون استخدام هذه الأدوات من دون أن يسمحوا لها بتحديد طريقة تفكيرهم: “علينا أن نعيد تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا، فهي وسيلة لا غاية. وعندما نفهم حدودها، ندرك أن قوتنا الحقيقية تكمن في عقولنا الحرة، لا في الأجهزة التي نحملها”. وتختم بعبارة حاسمة: “دعِ الذكاء الاصطناعي يعمل لأجلك، ولكن لا تمنحه فرصة ليعيش حياتك بدلاً عنك”.