الرئيسية / آخر الأخبار / مشروعان على النار : بيان دولي داعم وجلسة حكومية للسلاح

مشروعان على النار : بيان دولي داعم وجلسة حكومية للسلاح

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب جورج شاهين في “الجمهورية” :

انتهت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك الثالثة للبنان، إلى اقتناع بأنّه لم يحصل على ما تمناه من لبنان الرسمي، من دون أن يشكّل ذلك أي مفاجأة. فهو كان على تواصل شبه يومي مع المسؤولين اللبنانيين لتبادل التفسيرات لما حملته رسالته ومضمون الردّ اللبناني عليها. ولذلك كان واضحاً وصريحاً في تحديد نقاط الضعف في الردّ، وما تجاهله وما أعطاه من دون أن يكون مطلوباً، وكانت الأسئلة هي نفسها ومعها الأجوبة. وقد بات واضحاً انّ على لبنان أن يُقدم على خطوة ما. فهل تكون على مستوى العمل الحكومي؟

كانت الجلسة الأخيرة لبرّاك قبيل مغادرته بيروت على «كرسي الاعتراف» في بكركي، حيث انهال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عليه بمجموعة من الأسئلة، شكّلت جردة لما هو متداول من معلومات وسيناريوهات رافقت المبادرة الأميركية، وما انتهت إليه رعايتها للتفاهم الذي انتهت إليه الحرب في 27 تشرين الثاني 2024، وما هو مطلوب من الحكومة اللبنانية التي لم تكن صاحبة القرار بإعلانها، بعدما استُدرج لبنان اليها، وما يمكن أن تقدّمه الولايات المتحدة له. عداً عن مجموعة الهواجس التي تسكن الراعي، ليس بصفته المؤتمن على لبنان فحسب، إنما على مستوى مسيحيي الشرق من بيروت إلى بغداد مروراً بدمشق ووصولاً إلى فلسطين والأردن وعمق دول الخليج العربي، متسائلاً عن الأسباب التي دفعت إلى استهدافهم وسبل ضمان وجودهم وحماية المجتمع الذي يشكّلون جزءاً تاريخياً منه، والخسارة التي يمكن ان تلحق بصورة الشرق الذي يحتضن مجموعة من الحضارات التي تتعدّى كونها ديانات ومذاهب.

ولما كان برّاك متجاوباً مع مجموعة الأسئلة، فقد كشف عن كثير يمكن أن يُنشر او لا يُنشر. ولكنهكان واضحاً عندما شرح مهمّته بالتفصيل، وما يقوم به لإنهاء الوضع في المنطقة، مؤكّداً أنّ القرار الأميركي واضح في اتجاه اتخاذ كل الخطوات التي تؤدي إلى سلام شامل يرتكز على المصالح المتبادلة لدول المنطقة وشعوبها، ووقف استخدام الآلات العسكرية. نافياً ما قيل عن إمكان التلاعب بالحدود الدولية لهذه الدول، وما يمكن أن يؤثر على عملية إقصاء وإبعاد او تهجير قسري في أي منها، ما خلا تلك التي فرضتها حروب العقود الماضية وعاشتها شعوب المنطقة بلا استثناء، ولو بدرجات متفاوتة في نتائجها.

على هذه الخلفيات، توسعت دائرة البحث في تحليل مسلسل المواقف التي أطلقها برّاك، وتلك التي رافقت جولته على المسؤولين الرسميين، وتوقفت عند بعض المحطات الأساسية منها، وخصوصاً بين بعبدا وعين التينة، حيث تعددت الروايات حول ما هو مطروح في هذه اللقاءات، مما يُبنى عليه إن على مستوى الردّ على مضمون الورقة الأميركية بطريقة عبّرت عن تحاشي إعطاء الإجابة النهائية عليها، ولا سيما على مستوى ما بات واضحاً نتيجة إصرار الجانب الأميركي على جدول واضح لنزع السلاح غير الشرعي من أيدي اللبنانيين والفلسطينيين، بمعزل عن حجمه ونوعيته. فالمطلوب أن تبقى القوة العسكرية في أيدي الجيش اللبناني والقوى الأمنية الاخرى وصولاً إلى رجال الشرطة البلدية. ولم يعد هناك أي نقاش في هذا القرار سوى تحديد المراحل التي تنهي الحديث عن أدوارها.

على هذه الخلفيات، عبّرت مراجع ديبلوماسية وسياسية عن قلقها من وجود ورقة رديفة للورقة اللبنانية الرسمية التي سلّمها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى الموفد الأميركي، بما أسبغته المعلومات الرسمية عن شكلها وحجمها ومضمونها. وهي التي أدّت إلى نتيجة واحدة يمكن تلخيصها بعبارات محدودة تقول «لا جواب يرضي الجانب الأميركي»، لا على مستوى ما اتُخذ من قرارات ولا بالنسبة إلى المهل المطلوبة في شكلها وتوقيتها ومضمونها، إنفاذاً لتفاهمات عُقدت وأخرى ما زالت مكتومة بين عدد قليل من قوى المنطقة. وهي من الأوراق التي لم يعترف البعض بوجودها. ولعلّ أهمها ما تعهّد به «الثنائي الشيعي» لوقف الحرب، كما بالنسبة إلى ورقة الضمانات الأميركية التي قدّمتها واشنطن لتل أبيب لوقف مجزرتها في لبنان.

وتضيف المراجع عند مقاربتها لهذه الوقائع المكتومة، أنّ هذه التفاهمات العميقة التي سمحت للثنائي أن يتفرّد في جانب من المفاوضات مع الراعي الأميركي، بدليل وجود ورقة موازية للورقة الرسمية التي تصدر من قصر بعبدا، وتسلّم منها برّاك نسختين حتى اليوم من عين التينة. والوضع نفسه يمكن أن ينطبق على ورقة الضمانات الأميركية التي منحتها واشنطن لإسرائيل. وهاتان الورقتان هما من تسببا بالخلل الذي أصاب عمل اللجنة العسكرية الخماسية، وآلية «الميكانيسم» التي نعاها برّاك في زيارته الثانية لبيروت، نافياً وجودها على رغم من اعتراف إسرائيل بها في كل عملية عسكرية كانت تتجاهل فيها عمل اللجنة الخماسية، وتنسب القيام بها إلى التفاهم مع واشنطن، وهو امر تكرّر عشرات المرّات منذ تأجيل الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس، رغم التفاهم على موعد 18 شباط الماضي.

وعليه، بُنيت السيناريوهات التي لجأت إليها عين التينة، من خلال الحديث عن تمنٍ بأن تأتي واشنطن بأسرع وقت ممكن، بخطوة إسرائيلية استثنائية يمكن أن تُقدم عليها تل أبيب لاستدراج «حزب الله» إلى الموقع الذي يسمح بالتخلّي عن سلاحه، وقد يكون أولها بداية انسحاب من مواقع الجنوب الخمسة، ووقف عمليات الإغتيال على الأقل ضمن مهلة أسبوعين لتسريع برامج تجميع أسلحة الحزب ووضعها في عهدة الجيش اللبناني أياً كان حجمها ونوعيتها وأماكن وجودها. فمعظمها معتلم من الجهات التي يجب أن تعرف بوجودها، وسط تكتم شديد يصرّ عليه مختلف الأطراف، بمعزل عن حجمها ونوعيتها وما يمكن ان تغيّره في اي مواجهة او معادلة قد تنشأ عن عمل عسكري إسرائيلي يخرج عن المألوف من العمليات العسكرية التي تغطي الأراضي اللبنانية كاملة من أقصى الجنوب حتى آخر شبر على الحدود اللبنانية ـ السورية الشمالية والشرقية.

وبمعزل عن الخوض في كثير من التفاصيل التي رافقت جولة برّاك، فقد كُشف النقاب عن فكرة أُدرجت على جدول أعمال المراجع اللبنانية المعنية، تقضي بعقد جلسة لمجلس الوزراء للإعلان عن قرار جديد – قديم، يؤكّد الطلب من المراجع المعنية السعي إلى تجميع الأسلحة غير الشرعية وتحديد مواقعها تمهيداً لوضعها في تصرف القوى العسكرية اللبنانية الشرعية، كخطوة تؤسس لمراحل متقدمة، على أن تلاقيها واشنطن بخطوات قد تكون سياسية وديبلوماسية، أهمها ما هو متوقع من مشروع بيان مشترك ينطلق من قاعدة أميركية – فرنسية، باعتبار انّ واشنطن وباريس راعيتان لتفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، وقد تنضمّ اليهما عواصم اوروبية وخليجية أخرى، تعطي الضمانات المطلوبة للجانب اللبناني وتعفي الجانب الأميركي من صفة «الراعي الوحيد» للبنان، كما تنضمّ إليهم عواصم الدول المانحة، لتشجيع لبنان على الخطوات العسكرية والإصلاحية المطلوبة للتخلص من السلاح. وهو سيناريو قد يبدأ البحث فيه خلال زيارة رئيس الحكومة نواف سلام لفرنسا اليوم للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون، في انتظار نتائج تحركات برّاك الذي سيرعى لقاءً اسرائيلياً ـ سورياً في الساعات المقبلة، قد يتناول في جزء منه ما يتصل بورقة لبنان التي ضمّتها واشنطن إلى مهمّة برّاك في سوريا.